محمد الشاذلي ابن القاضي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1901 - 1978م]

هو محمد الشاذلي ابن الشيخ محمد ابن القاضي تولّى والده القضاء على المذهب الحنفي بتونس من سنة 1912إلى سنة 1917. وهو شقيق الشيخ محمد الهادي ابن القاضي مفتي الجمهوريّة التونسيّة سابقا، وشقيق المدرّس الحنفي الشيخ إبراهيم ابن القاضي. ولد بمدينة تونس في غرّة شوّال 1318هـ/7 أفريل 1901م ونشأ في بيت علم ومجد. وقد رعته أسرته وسهرت على تربيته تربية إسلاميّة أصيلة. وبعد أن حفظ نصيبا من القرآن الكريم ومبادئ اللّغة العربيّة، التحق بالمدرسة القرآنيّة العصرية بنهج سيدي بن عروس التي تأسّست في سنة 1906. وكان من أبرز أساتذته في هذه المرحلة الشيخ محمد مناشو. ثمّ انخرط في سلك تلامذة جامع الزيتونة سنة 1333هـ/1915م لمواصلة دراسته الثانوية، فتفرّغ لطلب العلم وانتقل بنجاح من سنة إلى أخرى في سلك التعليم الزيتوني، إلى أن أحرز في سنة 1340هـ/1922م شهادة التطويع. وقد تتلمذ في مختلف مراحل التعليم بجامع الزيتونة لنخبة من علماء عصره، نخصّ بالذكر منهم شيخ الاسلام محمد بن يوسف الذي أخذ عنه التفسير والحديث، والشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، وشيخ الاسلام محمد العزيز جعيّط الذي أخذ عنه علم الأصول، والمفتي المالكي الشيخ أبا الحسن النجّار وقاضي الجماعة الشيخ محمد البشير النيفر.

باشر الشيخ محمد الشاذلي ابن القاضي التدريس بجامع الزيتونة ثم الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين طوال خمس وخمسين سنة ناشرا للعلوم الشرعية والعربيّة. وقد ابتدأ التدريس بصفة متطوّع في أكتوبر 1924 ثم انخرط في سلك مدرّسي الجامع الأعظم إثر نجاحه في مناظرة المدرّسين المعاونين في سنة 1928 وارتقى إلى رتبة مدرّس من الطبقة الثانية في سنة 1931، وفاز في مناظرة المدرّسين من الطبقة الأولى في سنة 1938 ثمّ نال رتبة أستاذ بالجامع الأعظم، وإثر الاستقلال عيّن أستاذا للتعليم العالي بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين. ولمّا عيّن الاستاذ اإامام محمد الطاهر ابن عاشور من جديد شيخا للجامع الأعظم وفروعه في شهر فيفري 1945 عهد إلى الشيخ ابن القاضي بإدارة مدارس سكنى الطلبة، فاضطلع بهذه المهمّة حتّى سنة 1951. وتولّى الإمامة والخطابة بجامع حمّودة باشا المرادي الكائن بنهج سيدي بن عروس بتونس منذ سنة 1918 بوصفه إماما ثانيا. وفي مطلع سنة 1940 ولي خطّة إمام أوّل إثر وفاة شيخ الاسلام محمد بن يوسف الذي كان متقلّدا لتلك الخطة قبل ذلك. سخّر الشيخ محمد الشاذلي ابن القاضي حياته للدفاع عن جامع الزّيتونة بلسانه وقلمه والمطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني حتّى يصبح متماشيا وروح العصر وتقدّم العلم، مع التمسّك بالهويّة العربية الاسلاميّة. وقد أسّس لهذا الغرض مع نخبة من شيوخ الجامع الأعظم "المجلّة الزيتونية" وتولّى إدارتها منذ ظهور عددها الأوّل في سبتمبر 1936 إلى احتجابها في آخر سنة 1955 إثر صدور عددها الأخير المتضمّن لأعمال المؤتمر القومي الزيتوني الثالث. ولم يكن يخلو أي عدد من أعدادها الخمسة والسبعين من بحوثه الدينية ودراساته الاجتماعية. وقد عينّ عضوا في لجنة إصلاح التعليم الزيتوني الخامسة التي اجتمعت في سنة 1938, كما كان من أبرز المنظمّين للمؤتمر الزيتوني الأوّل الذي التأم بتونس في 2 أكتوبر 1944 والمؤتمر الثالث الذي انعقد من 1 إلى 3 نوفمبر 1955 وبحث في القواعد الأصيلة التي يجب أن يقوم على مقتضاها التعليم الزيتوني والخطوط الرئيسة لمناهجه. وفي أثناء قيامه بجميع هذه المناشط كان الشيخ محمّد الشاذلي ابن القاضي متّصلا بالشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور وابنه الشيخ محمّد الفاضل وبصديقه الشيخ محمّد المختار بن محمود. وعلى الصّعيد السياسي شارك في حركة المقاومة الوطنيّة والكفاح من أجل تحرير الوطن، وتعرّض في سبيل ذلك إلى شتّى أنواع الاضطهاد. فقد شارك سنة 1933 في الحملة التي شنّها المدرّسون الزيتونيون على سياسة التجنيس فأوقف عن العمل مع ثلاثة من زملائه. وشارك في مؤتمر ليلة القدر (23 أوت 1946) ممثّلا لعلماء جامع الزيتونة. وقد أهّله نضاله للانضمام إلى الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد مع صديقه الشيخ محمّد الفاضل ابن عاشور. وكانت له علاقات وثيقة بعدد من مشاهير علماء الاسلام نخصّ بالذكر منهم العلاّمة الشيخ محمّد أبا زهرة، وشيخ الأزهر الأستاذ الامام عبد الحليم محمود ومفتي الدّيار المصريّة الشيخ محمّد حسنين مخلوف. وقد شارك في حجّة سنة 1373 / 1954 في اجتماع كبار علماء الاسلام بمكّة المكرّمة لاتّخاذ ما يلزم من إجراءات لاصلاح شؤون المسلمين في مختلف بلدان الاسلام، كما اعتمدته السكرتيرية العامّة للمؤتمر الاسلامي بالقاهرة في سبتمبر 1954 مندوبا للمؤتمر بتونس. وأخيرا عيّن عضوا مؤسّسا للرابطة الاسلاميّة بمكّة المكرّمة. وقد ظلّ إلى آخر حياته مضطلعا بهذه المهمّة التي مكّنته من المشاركة في عدّة مؤتمرات إسلاميّة بالجزائر والمغرب وسوريا والمملكة العربية السعوديّة. أمّا مؤلّفاته فقد ترك الشيخ محمّد الشاذلي ابن القاضي آثارا مخطوطة من أهمّها مؤلفات في التفسير وفي التشريع الاسلامي ومنتخبات من الحديث النبوي الشريف، بالاضافة إلى خطبه الجمعية ومشاركاته المنشورة في المجلاّت الاسلامية لا سيما منها "المجلّة الزيتونية"، تلك البحوث والدراسات التي لو جمعت لتكوّن منها سفر ضخم. توفّي يوم 26 ربيع الأوّل 1398 الموافق للسادس من مارس 1978, ودفن في مقبرة الجلاّز بتونس.