«محرز بن خلف»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 48: سطر 48:
  
 
وإن ما زاد الامام [[محرز بن خلف]] مكانة في وجدان غير المسلمين من أهل الديانات التوحيدية هو السماح لليهود آنذاك بالسكنى داخل سور المدينة الذي ابتناه بنفسه، كما يذكر صاحب "المؤنس" [[ابن أبي دينار]]، فأنشأوا حيّا سكنيّا صار في ما بعد يعرف باسم "حارة اليهود".
 
وإن ما زاد الامام [[محرز بن خلف]] مكانة في وجدان غير المسلمين من أهل الديانات التوحيدية هو السماح لليهود آنذاك بالسكنى داخل سور المدينة الذي ابتناه بنفسه، كما يذكر صاحب "المؤنس" [[ابن أبي دينار]]، فأنشأوا حيّا سكنيّا صار في ما بعد يعرف باسم "حارة اليهود".
 +
==ببليوغرافيا==
 +
* عبيد هشام، تونس وأولياؤها الصالحون في مدونة مناقب الصوفية، مركز اتلنشر الجامعي، تونس، 2006.
 +
 +
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:الدين]]
 
[[تصنيف:الدين]]

مراجعة 09:13، 1 فبفري 2017

[توفي سنة 413ه / 1022م]

صورة فتوغرافية لمقام سيدي محرز بالمدينة العتيقة (تونس)
أبو محفوظ محرز بن خلف يتصّل نسبه بأبي بكر الصدّيق وهو يشترك في جدّه للأم مع أبي عبد الله محمد ابن أبي زيد القيرواني وأبي إسحاق الجبنياني، الأوّل فقيه مالكي وضع "الرّسالة" والثاني صوفي كان من أبرز أعلام الساحل في الفترة ذاتها التي وجد فيها محرز بن خلف. ولد ونشأ في أسرة عرفت بالزهد والصلاح، وتلقى منذ صغره تعليما متينا جمع فيه علوم الدين كالفقه والتوحيد إلى علوم العربية وآدابها. وتذكر مناقبه أن تكوينه الأساس يعود إلى المؤدب أبي محمد يونس بن محمد وهو من أهل الزهد والورع والاجتهادات في العبادات وهو كما وصفه الوزير السرّاج "أستاذه في الطريقة الباطنيّة". كان كثير التردد على ابن أبي زيد القيرواني وعلى مدينة القيروان وكذلك كانت له صلات كثيرة بأبي الحسن القابسي الذي جمع بين الزهد وطلب العلم.

وعند سفره لأداء فريضة الحج تتلمذ في مصر لأبرز حملة العلم والمعرفة هناك، من أمثال أبي بكر محمد بن علي الأدفوي (ت 388ه / 998م) وأبي إسحاق إبراهيم الدنيوي وأبي بكر محمد عبد الله الأبهري، وقد تكررت رحلاته إلى المشرق طلبا للعلم والمعرفة ورغبة في اللقاء بالزهاد والعلماء.

وفي البداية آثر أن يتفرغ للتدريس، وعلى الأخصّ تدريس القرآن وأساليب تجويده بضاحية أريانة، ثم آثر فيما بعد الاستقرار بـقرطاج (المسماة آنذاك بمرسى الروم)، ليستأنف التدريس ولتتسع دائرة المعارف والعلوم التي تولى تدريسها مثل أصول الفقه والحديث النبوي. وذكر أحد مريديه أنه قرأ عليه "الموطأ" للامام مالك بن أنس "والمدونة" لإامام سحنون و"الملخص" لأبي الحسن القابسي. وقد كان للإمام محرز بن خلف الدور الأساس في ظهور كتاب "الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني وهو الكتاب الذي يعدّ من أبرز مصادر الفقه المالكي، إذ طلب محرز بن خلف من ابن أبي زيد أن يضع له هذا الكتاب الذي يجمع بين الاختصار والبيان، وذلك حتى يكون مرجعا أساسا في دراسة أحكام الفقه الاسلامي على المذهب المالكي.

وكان للإمام محرز بن خلف الفضل في إنشاء ربض باب سويقة إذ أذن له بأن يؤسس سويقة وبنى بها دارا وجامعا هو جامعه وزاويته اليوم. وتروي مناقبه مدى عمق المحبّة التي يكنّها الناس له واعتقادهم في صلاحه وبركته، واستغاثتهم به عند ساعات الضيق والحاجة. وقد كان لكراماته الظاهرة الأثر الكبير في اعتقاد الناس فيه وتكثيف الزيارات له.

ويتردد صدى هذه المكانة في مصنفات المؤرخين والاخباريين وعلماء الدين: من ذلك أن المتكلم الأشعري القاضي أبا بكر الباقلاني قال "إنّه لو أدرك محرز بن خلف السلف لكان خامس الأربعة وقال أبو الحسن القابسي إن "عمد الدين الذين يمسك الله بهم الأرض أربعة ومحرز بن خلف منهم". ونجد في الظهير الذي أرسله إليه المعز بن باديس الصنهاجي (ت442هـ / 1051م) اعترافا بواسع علمه وكبير صلاحه. ويعتبر هذا الظهير لبنة مهمّة من لبنات الفكر التحرري والاصلاح الاجتماعي للشيخ محرز بن خلف، ذلك أنه يقضي بالسماح للنسوة بارتياد الأسواق والحمامات.ونجد المصادر اللاحقة تلقب الشيخ محرز ب"سلطان الصالحين" في مقابل "سلطان الأولياء" وهو الشيخ عبد القادر الجيلاني (564هـ / 1167م).

ونجد اهتماما شديدا بابن خلف من لدن أبي الحسن الشاذلي وأصحابه الأربعين ومريديه إلى يوم الناس هذا، إذ يقيمون مجالس الذكر والانشاد وتلاوة القرآن بمقام الشيخ محرز بن خلف، كما كان سيدي أحمد بن عروس (ت 868هـ / 1463م) يكثر من زيارته وتولى مدّة طويلة في فترة شبابه خدمة مقام الشيخ محرز. ويبدو أن هذا الاهتمام بشخصية ابن خلف كان معروفا منذ حياته إذ كتب لباديس بن بلكين قائلا: "أنا رجل عرف كثيرًا من الناس اسمي وهذا من البلاء...وربما أتاني المضطرّ يسأل الحاجة فإن رددتها خفت، وإن التزمت ذلك كثر عليّ ".

ونجد أقوالا وأفكارا مهمّة لابن خلف وضعها في تعريف الزهد والتصوف وما يتصل بهما من آداب ومواعظ، ذلك أنّه كان يقول ضاحكا، إذا ذكر بحضوره اسم الصوفية والتصوف، "الصوفي من لبس الصوف على الصفاء ورمى الدنيا خلف القفا".

ومثلما كان محرز بن خلف وعلى حد عبارة المؤرخ محمد بن الخوجة "عماد البلد وأهلها يسمونه سلطان المدينة وهو من رجال الدين والدنيا (إذ) جمع بين علوم الشريعة وعلوم الاجتماع البشري" فإنّه كان شاعرا مبدعا له قصائد في غاية الرقة. وكان ينظم الشعر بسهولة غريبة حتى إنه عندما ينحبس المطر يأخذ في تلاوة أنشودة نظمها في الغرض (المتقارب) :

إلاهي بحرمة خير البشر * وصديقه المرتضى وعمر
وأصحابه الطاهرين الغرر * أغثنا أغثنا بصبّ المطر

ويقف محرز بن خلف على أطلال قرطاج قائلا:

خليليّ مرّا بالمدينة واسمعا * مدينة قرطاجنّة ثمّ ودعا

فهو يذكر من بنى هذه المدينة وما توالى عليها من أحداث، وكيف أخنى عليها الزمن وكيف أصبحت عبرة للمعتبرين ويقول في هذا المضمار (الكامل):

انظر إلى الاطلال كيف تغيّرَتْ
من بعد ساكنها وكيف تنكّرَتْ
سحب البلى أذياله برسومها
فتساقطت أحجارها وتكسّرَتْ
تركوا ديارهم خلاء منهم
من بعد ما كانت بهم قد عُمّرَتْ

وقد امتدت سلطته الروحية والرمزيّة لتشمل عدّة أماكن ومرتفعات وخلوات في سائر أرجاء الحاضرة (تونس) ولتسمّى هذه الأماكن باسمه، وكانت هذه الخلوات تحظى بالاهتمام نفسه الموجه إلى ضريح الولي من قبل رجال الدولة والمحسنين. فقد كان البايات الحسينيون يتبرّكون في بعض المناسبات بزيارة خلوة سيدي محرز الكائنة بحي باب الجديد إضافة إلى زيارتهم ضريح الشيخ. ومازال الناس يعتقدون في وجود بركته في أماكن أخرى منها تلك التي توجد بجامع الزيتونة، بأحد أعمدة بيت الصلاة منسوبة إلى سيدي محرز.

ويعتبر ضريح الشيخ محرز بن خلف المحور الأساس الذي يستقطب تقدير الناس له واعتقادهم في بركته. وقد اتفق المؤرخون على أن هذا الموضع كان في الأصل جزءا من دار سكناه خصّ بعد وفاته لدفنه ثمّ لدفن أولاده. أمّا زاويته فلم تظهر إلاّ في العهد الحفصي، غير أنّه لا يمكن أن ننفي الزيارات إلى ضريحه والوقوف على قبره قبل إنشاء هذه الزاوية، وهو ما تفيدنا به مناقبه.

فزاويته بنيت بأمر من الأمير أبي عمرو عثمان الحفصي (ق9هـ / 15م)، الذي أمر أيضا بإنشاء ساقية وسماط لتوزيع الطعام على الزائرين والفقراء وعلى المريدين الذين يرتلون أذكارا صوفيّة وتلاوات للقرآن في الزاوية.

ومن مظاهر تقدير الأمراء الحفصيين لضريح سيدي محرز اتخاذهم الأراضي المحيطة به مدفنا لهم. ومن مظاهر اعتناء الأمراء بضريح الشيخ في العهد التركي العثماني وتبرّكهم بمجاورته إحداث جامع فريد من نوعه في تاريخ العمارة التونسيّة من قبل الباي محمد المرادي (1675 - 1696) في موضع قريب جدّا من ضريح الشيخ حتى اشتهر هذا الجامع الممتاز لا باسم مؤسّسه ولكن باسم الشيخ فيقول الناس "جامع سيدي محرز".

أما البايات الحسينيون فقد اعتنوا أيضا بزاوية سيدي محرز فقام البعض منهم حسين باي بن علي مؤسس الدولة الحسينيّة بتحسينات وترميمات ذات أهميّة بالغة. ويتقدّم الشيخ محرز في المواكب الرسميّة للدولة الحسينيّة على سائر مشايخ الزوايا.

وإن ما زاد الامام محرز بن خلف مكانة في وجدان غير المسلمين من أهل الديانات التوحيدية هو السماح لليهود آنذاك بالسكنى داخل سور المدينة الذي ابتناه بنفسه، كما يذكر صاحب "المؤنس" ابن أبي دينار، فأنشأوا حيّا سكنيّا صار في ما بعد يعرف باسم "حارة اليهود".

ببليوغرافيا

  • عبيد هشام، تونس وأولياؤها الصالحون في مدونة مناقب الصوفية، مركز اتلنشر الجامعي، تونس، 2006.