مجلة -المنار- في تونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مجلة المنار

توقّفت في عام 1897، كلّ الصحف العربيّة عن الصّدور ما عدا "الحاضرة"، وهذا ما وافق، على ما يبدو، رغبة الحماية في إسكات منتقديها الذين كانت حالتهم الماديّة في غاية السوء. ولربّما كان المسؤولون في الحماية يرغبون في استباق الأحداث خشية ظهور موجة من الدّعاية ل: "الجامعة الاسلاميّة" بسبب مساندة فرنسا لليونان في أثناء الحرب العثمانيّة اليونانيّة (1897 - 1898). بقيت جريدة "الحاضرة" قوّة معدّلة لصالح إدارة الحماية في مقابل المستعمرين الفرنسيّين أنصار الضمّ من جهة والمسلمين ذوي الغيرة الوطنيّة.

وبعد عام من احتجاب الصحف العربيّة وخاصة "الزّهرة" (التي كانت فاضحة للمقاصد الاستعماريّة، وهي مقاصد لم تستطع "الحاضرة" أنّ تفضحها)، ظهرت إلى الوجود الصحيفة المصرية "المنار" التي أصدرها رشيد رضا ومحمد عبده بعد انفصاله عن جمال الدّين الأفغاني وصارت مجلة "المنار" النّاطقة باسم الحركة السلفيّة للتّجديد الاسلامي. وكان لها رواج في تونس وهي تدعو، بتوجيه الشّيخ محمد عبده، "إلى تأييد حركة الاصلاح التّعليمي، وتقرنها بدعوة الاصلاح الدّيني، إذ تخوض في مسألة الأولياء والكرامات وزيارة القبور، وتثير مسائل كلاميّة ومسائل فقهيّة":(انظر: محمّد الفاضل بن عاشور، الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1972، ص 73).

وقد واجهت مجلّة "المنار" نفس المشاكل التي واجهتها الصحف التونسيّة وهي ضرورة التّوفيق بين الالتزام بمقاومة الامبرياليّة والصّمود في وجهها (باعتناق المشاعر الاسلاميّة وترويجها)، والالتزام بأهداف التقدّم التي تقضي بالأخذ الذكيّ عن الثقافة الأوروبيّة. وفي الفترة التي سبقت نشوء الوطنيّة، كان جمال الدّين الأفغاني (1833 - 1897) - وهو معاصرل خير الدين التونسي - هو الوحيد الذي التزم بهذين الهدفين وعمل من أجلهما في نفس الوقت: ألم يكن المنظّر الأوّل لفكرة "الجامعة الاسلاميّة" التي كانت تدعو إلى تضامن المسلمين من أجل تحقيق الوحدة والقوّة بينهم في وجه التوسّع الأوروبي؟ أمّا المثقّفون المسلمون الآخرون، فقد اضطرتهم طبيعة توجّهاتهم الاصلاحيّة في "المنار" كما في "الحاضرة" إلى الاعتبارات الوطنيّة أو السياسيّة، بصورة عامّة. [انظر:منصف الشنّوفي: "علائق رشيد رضا صاحب مجلة المنار مع التّونسيّين (1898 - 1935)" في: حوليّات الجامعة التونسيّة، العدد الرّابع (1967) ص، 127 - 130]. فلا غرابة إذن في أن تكون سلط الحماية متسامحة مع مجلّة "المنار". ولمّا أسّس محمّد الخضر حسين في أفريل مجلّة نصف شهريّة اسمها "السعادة العظمى" - وهي وثيقة جدّ هامّة لمعرفة الحركة الاصلاحيّة في ذلك الوقت - أثارت ردود فعل حادة أحيانا لدى المولعين بقراءة مجلّة "المنار" المصريّة. ذلك أنّ "السعادة العظمى" أثارت جدلا مثيرا في الوسط الزّيتوني (طلابا وأساتذة) خاصة في حريّة تفسير القرآن. وفي هذه المجلّة، قام محرّروها مثل المشايخ محمد النّخلي، ومحمّد النجّار المفتي المالكي، وبلحسن النجّار بالردّ فيها على صاحب "المنار" في قضية لبس البرنيطة: (انظر:"السعادة العظمى" العدد 7). وهذه القضية التي أثارها المشايخ وعلى رأسهم محمد الخضر بن الحسين هي "الفتوى التّرانسفاليّة" (نسبة إلى بلد الترانسفال)، من مفتي الديار المصريّة محمّد عبده عن سؤال وارد من مسلم يقطن "ترانسفال" (جنوب إفريقيا)، أباح فيها للمسلمين المقيمين في بلاد مسيحيّة لبس القبعة وأكلّ لحم الذّبائح غير المذكّاة (انظر تفاصيل هذه المسألة في الأعداد 7، 8، 9 و10 من السعادة العظمى). وقد دخل الشيخ صالح الشّريف والشيخ محمّد الخضر بن الحسين في مجابهات مع محمد عبده ورشيد رضا - وهي مجابهات فكريّة - دينيّة في ظاهرها لكنّها سياسيّة في واقع الأمر.