كركوان مدينة بونية

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كركوان

موقعها

على بعد 12 كم من قليبية عبر الطريق المؤدّي إلى الهواريّة يوجد شاطئ صخري يشرف على البحر، وراءه صخرة تغطيها طبقة أرضيّة لا تحتوي فيما يبدو على قدرات زراعيّة ثريّة.وكانت مخصّصة لزراعة فقيرة من الحبوب، إذ أمكن تخليصها من احتلال أشجار العنّاب والمصطكى والنخل القصير ونباتات شائكة أخرى تنمو على حساب مدينة كركوان القديمة. أوّل حفريّة أنجزت على نحو منظّم كانت في سنة 1953.

المدينة

تعتبر كركوان إسهاما هامّا بالنسبة للمدنيّة والهندسة المعماريّة. هناك شوارع عريضة مستقيمة نسبيّا تشكّل شبكة على هيئة ضامة مربّعاتها مملوءة بالمساكن. والاستكشافات سمحت للمهندس المدني باستدراك الطريق العام وتهيئته فكانت هناك الأماكن المعدّة للاستجابة للحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ومن جهة أخرى هناك السور المضعّف للمدينة بأبوابه وأبراجه المربعة الزوايا أو ذات الجدران الخارجية المقوّسة. وهذه كلّها معطيات جديدة.

الهندسة المنزليّة

إن هذه الهندسة بالغة الأهميّة وذلك يلوح في تقدير تنوّع البيوتات من حيث الشكل ومن حيث النّفاسة الكبيرة. لكنّ التركيبة العاديّة تبقى مرتّبة حول وسط الدار مع وجود أو غياب الأروقة. إنّ كلّ من يزور كركوان لا بدّ من أنّ يقف أمام بيت الاستحمام المتركّب غالبا من حجرة الثياب وحوض في شكل قبقاب ومقعد للمستحم. إن وجوده في كلّ منزل يشير إلى الاهتمام الذي كان يوليه بونيو كركوان للصحّة ولنظافة أجسادهم.

العمارة الدينيّة

يجب أنّ نشير إلى اكتشاف معبد يعدّ في الوقت الحاضر أكبر حرم شيّد في العالم البوني وهندسته مناسبة تماما للنموذج الأصلي السامي. هناك مدخل يحتوي على عمودين جبهيّين وبهو وساحة مجهّزة بمذبح وبمصلّى مخصّص للصورة الالاهيّة. وتفتح العديد من الملحقات على الساحة. ومن الأشكال الطريفة لمعبد كركوان ورشة معدّة خصّيصا لصنع المواد النذريّة منها التماثيل الصغيرة التي تعرّفنا إليها من بعض الشظايا وبعض الأعمال غير الموفّقة. زيادة على هذا المعمار وهذه الهندسة المنزليّة والدينيّة الجميلة نجد برمجة كان محتواها خاضعا لتخطيط وتهيئة مسبّقة لعناصر ضروريّة تستجيب لحاجات ماديّة وغير ماديّة مضبوطة. فنحن إذن بعيدون كلّ البعد عن هذه الفوضى التي اتّهمت بها الهندسة المعماريّة البونيّة.

الزخرفة

يبدو هنا الاسهام في غاية الترف. فزخرفة العناصر العضويّة كالعمود والقوس وحتى التاج والزخرفة الجماليّة المتمثّلة في القولبة المتعددة الأشكال، كلتاهما نتيجة مهارة الجصّاصين الذين كانوا يحذقون استعمال الشكل والمقصّ. فالجصّ والقولبة كانا غالبا مزدانين بألوان فاقعة كالأحمر والوردي كما كان الاقبال كثيرا على ألوان أخرى كالأسود والرمادي.

الاقتصاد

فيما يخصّ الحياة الاقتصاديّة وزيادة على العمارة، حاولنا فحص المادة التي وقع جنيها خلال الحفريات كالمواد المنزليّة والعملة والفواضل والآلات وغيرها. ينبغي أنّ نشير أوّلا إلى غياب الريفيّة. فنمط العيش في كركوان يبدو مدنيّا بالأساس إذ لا شيء في بنائهم السكني يشير إلى الأشغال في الحقل كما أنّ البرنامج الهندسي لم يهيّئ ملجأ للحيوان. ومقابل هذا خلّفت الصناعة الحرفيّة آثارا عديدة: فنجد نحّات الحجارة والجصّاص والبنّاء وكذلك كلّ من لهم صلة بقطاع البناء من نسّاج وصبّاغ بالأرجواني وصيّاد وخزفيّ وصانع التماثيل (coroplathe).

السكّان

هناك علامات تساعد على افتراض وجود عدد كثير من اللوبيين إذا اعتبرنا البرامج الهندسيّة خاصّة منها الترتيب بالتلاحق وبعض أشكال الفخّار المقلوب والنقش وبعض الطقوس الجنائزيّة كاستعمال الأحمر القاني وخاصّة الدفن بالاستلقاء الجانبي المنكمش. هذه القواعد الجنائزيّة ليست حكرا على السكان اللوبيين ولكن يبدو أنّ الأوساط اللوبيّة في الأراضي الافريقيّة تؤيّد وجود وانتشار هذه القواعد.

اسم المدينة القديم

فيما يخصّ الاسم القديم للمدينة تصطدم البحوث بسكوت المصادر المباشرة، وحريّ بنا أن نرفض - رغم عبء الاستعمال - اسم كركوان إذ هو في الحقيقة اسم حالي لمكان يدعى كركوان أعطي تعسّفا لمدينتنا البونيّة من قبل معاصرين. هناك شهادات أخرى منها عناوين ملكيّة عقاريّة وتقاليد شفهيّة تسمح بتسمية المدينة بالاسم اللوبي تمزرط. يعدّ إجمالا إسهام كركوان هاما جدّا. فهناك المدينة البونيّة التي تحجّرت في منتصف القرن الثالث ق.م. بكلّ عناصرها: مدينة الأحياء ومدينة الأموات والأراضي التي تتبعها. لا نملك فعلا المعطيات الضروريّة لاثبات حدودها ومدينة الأموات نفسها تترقّب استكشافا إضافياّ كما أنّ القبور التي حفرت مازالت أغلب البحوث المنجزة حولها غير منشورة. وهناك مناطق عديدة من المدينة مازالت مغمورة تزخر بالمعلومات النفيسة. إذن يتعيّن على الحفريات والأبحاث المستقبلية تصفية كلّ هذا والتقليل من الشكوك المتعلّقة بكركوان وبكلّ العالم البوني. لكنّنا نعرف منذ الآن بناء على ما تشهد به البضائع المستوردة أنّه كانت لهذه المدينة علاقات ممتازة بالعالم الإغريقي. مع ذلك يجب أن لا ننسى الوزن الهامّ للشرق السامي. فكركوان (أو تمزرط) كمجتمع وكمجموعة سكنيّة وكنتاج ثقافي ترتبط ارتباطا متينا بأقدم التقاليد الشرقيّة دون إقصاء للأساس اللوبي ودون رفض للحوار مع الثقافات الأخرى.

ببليوغرافيا

  • Fantar M.H,Kerkouane,Cité Punique du Cap bon(Tunis),Tome 1 Et 2,Tunis,1984