علي عزوز

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:25، 25 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ضريح سيدي علي عزوز

[ت1122هـ/1710م]

يعتبر الشيخ سيدي علي عزوز أكبر أولياء تونس في الفترة الحديثة وهو ينحدر من أصل مغربي، ولد بمدينة فاس، وأخذ أسرار الطريق الصوفي عن الشيخ أبي القاسم بن للوشة. وكان من تلاميذ هذا الشيخ كذلك الولي الصالح سيدي المصطاري (ت1103هـ/1691م) صاحب الزاوية المعروفة باسمه في مدينة بنزرت. وبإشراف من الشيخ ابن للوشة بدأ سيدي علي عزوز يرتقي في مدارج العرفان الصوفي والصفاء الروحي، فقد ذكر حسين خوجة نقلا عن أحد تلامذة سيدي علي عزوز أنّه قال: "تزايد الشيخ سيدي علي عزوز بمدينة فاس (لم يذكر تاريخ ولادته)، وفي حالة شبابه لازم خدمة شيخه وهو الشيخ الولي الصالح القطب المتصوّف المشهور في أقطار المغارب والمشارق سيدي أبي القاسم أبي للوشة ونال منه واكتسب عنه".وقد حجّ إلى بيت الله الحرام مرتين ويبدو أنّه في الحجة الثانية اكتسب رتبة روحية صوفية عالية ويظهر ذلك ممّا أورد تلميذه علي أرنؤوط الذي يقول:"وحجّ حجتين في الأولى خامل الذكر وفي الثانية وقع له ظهور".

بعد ذلك أشار عليه شيخه بالرحلة إلى بلاد المشرق والتوطّن بإفريقية (تونس) فامتثل، وقصد مدينة تونس وقد تلقى هذا الأمر كذلك محمّد المصطاري، ومكث علي عزّوز في تونس مدّة لم تذكر المصادر زمنها، ويبدو أنّه تعرّض إلى بعض الشدائد والصعوبات في أثناء هذه الإقامة. فقد كان يجمع الحطب، ويحمله على ظهره للجماعة التي كان معها واستمرّ على هذه الحال إلى أنّ أدركه أربعة من رموز التصوّف أشاروا عليه بإقامة زاوية خاصة به والاشتغال بتربية المريدين تربية روحية وعقد مجالس الذكر والسماع. وتمّ تشييد هذه الزاوية في مدينة زغوان. وقد جاءت هذه الإشارة لعلي عزوز بإقامة زاوية بزغوان كما لو كانت أمرا مقرّرا من السماء وسطّرته القدرة الإلهية. فقد ذكر حسين خوجة أنّ سيدي علي عزوز وهو في تلك الحالة بالجبل يجمع الحطب، إذ اجتمع بأربعة من رجال الله المتصرّفين في ذلك الوقت (التصرّف في الأكوان رتبة من رتب ينالها أقطاب التصوّف وهي من علامات الولاية) فتكلّموا معه، وأشاروا عليه بزاوية يعمّرها ويطعم الطعام فيها ويذكر فيها اسم الله يتلى فيها القرآن العظيم والصلاة على نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم وتكفلوا له بجميع ما ينوبها، وتكفلوا له أيضا بحفظ جنابها بأن تكون مأمنا للخائف وإغاثة للملهوف. وعلى إثر ذلك شاع ذكر اسم سيدي علي عزوز وانتشرت تعاليمه الروحية والصوفية ببلاد المشرق، وصار له مريدون كثيرون في تونس ومصر. وبعد عودته من حجته الثانية قصد بلاد المغرب فوجد شيخه أبا القاسم قد توفي، فعاد إلى زغوان حيث اشترى دارا بجانب زاويته "وفيها كانت تجتمع عليه الفقراء والمريدون، وهناك كان اشتغالهم بقراءة القرآن ودلائل الخيرات (كتاب في الصلاة على النبي محمد وذكر فضائله ألفه محمد بن سليمان الجزّولي ت 870هـ/1465م)، وإنشاد الأذكار وإحياء الليالي بالعبادة والقيام، وفي كلّ عشية جمعة تقرأ الوظائف، ثمّ قصيدة "البردة" وبعد ذلك يقومون على الأقدام لحضرة الذكر، والشيخ وسطهم، وتركبه حالات ومواجد إشراقية عالية وينطق لسانه بكثير من المكاشفات... ودام على هذه الحال واجتمع عليه خلق كثير، وازدحم الناس عليه، وكثر مريدوه".

ولعلّ مثل هذا الصيت وتلك المكانة التي بلغها الشيخ سيدي علي عزوز كانا سببا في امتحانه من الأمير محمد الحفصي ابن مراد الثاني الذي أصبح فيما بعد من أكبر المحبين له ومن الساعين في خدمته، وطلب بركته، فقد جاء في ذيل بشائر أهل الايمان أنّ الأمير محمد باشا المعروف بالحفصي من أمراء تونس كان في الصيد، وسمع بظهور هذا الشيخ وحالات سيرته فدخل بلد زغوان في عشية جمعة، وحضره حين كان في حضرة الذكر غائبا في حالاته، فنظر إلى الأمير المذكور وأشار إليه وتكلّم بلسان طلق، مكاشفا بما في ضميره، فاعتقده وأضمر له خيرا ولما صدق كلام الولي في أمر الأمير محمد باشا بنى له زاوية. والأخبار التي تبين مكانة هذا الولي وحظوته على الصعيد الاجتماعي والسياسي كثيرة، فقد تنافس الأمراء والبايات والدايات الأتراك - العثمانيون من أجل مشورته في حكم البلاد وسياسة الرعية آنذاك. ولعلّ من أبرزهم حسين بن علي، إذ يذكر ابن أبي الضياف في إتحافه "أنّه وعلى إثر تجديد البيعة لحسين بن علي سنة 1705 اختاروا رسلا للمناضلة عن مضمون جوابهم منهم الولي الأستاذ سيدي علي عزوز".

وجاء في الاتحاف أيضا: "وفي ربيع الأوّل من سنة 1122هـ اثنتين وعشرين ومائة وألف (ماي 1710) توفي الولي الصالح سيدي علي عزوز، وهرع إلى جنازته أهل تونس، وكان الباي يومئذ مريضا فبعث أخاه لحضور الجنازة وطلب الناس نقله إلى تونس فأنف لذلك أهل زغوان، وأبوا إلا دفنه في موضع وفاته". ونظرا إلى أهمية المكانة الروحية والعلمية والاجتماعية لسيدي علي عزوز فقد انتشرت الزوايا المنتسبة إلى طريقته، منها زوايا رأس الجبل ثمّ تستور وتونس، ونابل وصفاقس وأقيمت له زاوية أخرى بمدينة تونس في باب قرطاجنة إضافة إلى تلك التي توجد في النهج المسمّى باسمه. وفي سنة 1919 أورد الصادق الرزقي في كتابه الأغاني التونسية أنّ مريدي الطريقة العزوزية يوجدون أساسا بزغوان وبنزرت والحاضرة، وقال إنّ لهذه الطريقة أحزابا وأذكارا قليلة، وهي طريقة جدّ وهدوء وأعمالها مشابهة تماما لأعمال الطريقة القادرية نسبة إلى سيدي عبد القادر الجيلاني (ت 564هـ/1167م). وأورد المؤرّخ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه ورقات في معرض حديثه عن مجالس الذكر والسماع والانشاد التي تقام بالزوايا وتؤدّى فيها نماذج من غناء "المالوف" أنّ "زاوية سيدي علي عزوز" الواقعة داخل مدينة تونس تنتسب إلى الطريقة العروسية. وقد عمد فنانون من أصحاب تلك الطريقة إلى عقد "ميعاد" بها عشية كلّ جمعة يتناشدون الغرناطي "المالوف" ويوقّعون نوباته وموشحاته على رنات الدفوف والنقرات. ويذكر المؤرّخ نفسه أنّ ذلك كان سببا في "تخرج غير واحد من مهرة المغنين من تلك الزاوية العزوزية، التي كادت أنّ تكون معهدا موسيقيا في تونس للأغاني التونسية، وما أضيف إليها من الألحان الشعبية".