علي بن الخوجة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1310هـ-1402هـ/1894م-1982م]

علي ابن محمود ابن الخوجة شيخ الاسلام في أواخر القرن التاسع عشر. وأحد أبرز أئمة وعلماء المذهب الحنفي في تونس. كانت ولادة الشيخ علي بن الخوجة سنة 1310ه / 1892م، وقد تلقّى دراسته الأولى بعد حفظه لجانب من القرآن الكريم على يد والده وعمّيه، وأتقن مبادئ اللغة العربية وحفظ بعض المتون الفقهية، والنحوية، ثم التحق بالمدرسة الصادقية حيث تعلّم اللغة الفرنسية وعلوم الرياضيات وكان من أبرز من تتلمذ لهم الشيخ بكّار بن حسين الذي كان يدرس مبادئ الفقه والتوحيد والنحو ويعلّم أصول الخط العربي. وهو ما ساعد الشيخ علي بن الخوجة على التفوّق في هذه المرحلة بالتفنّن في الخط والرسم. ومن أبرز زملائه في هذه الفترة مصطفى الكعاك الذي ترأس الرشيدية لمدّة طويلة. وفي سنة 1906 نال الشهادة الابتدائية ويظهر أنه حافظ بعد ذلك على دراسة اللغة الفرنسية. ثمّ التحق بجامع الزيتونة وهناك تتلمذ لكبار علمائه من أمثال المشايخ الصادق بن ضيف والصادق النيفر ومحمد بن يوسف ومحمد الطاهر ابن عاشور ومصطفى بن الخوجة وأحمد بن مراد وأحمد بيرم وحسين بن الخوجة والصادق ابن القاضي ومحمد الخضر حسين. وقد أحرز الشيخ علي ابن الخوجة شهادة التطويع سنة 1913 بتفوّق فصار عندها مؤهلا للتدريس بجامع الزيتونة إضافة إلى اشتغاله بالتوثيق والاشهاد.

وفي سنة 1918 تقدّم إلى المناظرة في خطّة التدريس الحنفي من الطبقة الثانية ففاز بها. وعلى إثر وفاة والد الشيخ علي بن الخوجة اختير للامامة والخطابة مكانه بجامع صاحب الطابع الكائن بالحلفاوين، وقد حافظ لمدّة 71 سنة على إمامة جامع صاحب الطابع والخطابة فيه وإلقاء دروس ختم الحديث الشريف في العشرين من شهر رمضان. وكما يذكر الأستاذ محمود شمام وهو أبرز من ترجم له كانت أختام الشيخ علي بن الخوجة تشدّ إليها الرحال ويشهدها ولي الأمر بالبلاد ويحضرها العلماء والفقهاء وجمهور غفير من مصلّي هذا الجامع ومن سكان باب سويقة وحي الحلفاوين.

ومن عناوين أختامه ودروسه القيّمة في شهر رضمان: "من يرد به الله خيرا يفقّهه في الدين"، اللهم أعط منفق مال خلفا"، "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، "التغالي في المهور". وتمتاز أدعيته في ختام الأحاديث والدروس بعذوبة لفظها وجزالتها وحسن اختيارها وبلاغة معانيها وشدّة تأثيرها في النفوس، كما أنه يروي الحديث النبوي بإجازة تتصل بالامام البخاري جامع "الصحيح". وكان حرصه شديدا على أداء فريضة الحج في كل موسم، كما كان كثيرا ما يشدّ الرحال ويقتني الكتب ويدوّن الوقائع والمسائل، ويفتش في الكتب عن الحقائق والآراء العلمية المختلفة بهدف إيجاد النصوص الفقهية والتشريعية التي من شأنها أن تنطبق على القضايا المطروحة. وهو ما كوّن له خبرة واسعة بمسائل الأحكام حتى في الفقه المالكي.

وقد دوّن تلك الأحكام والاجتهادات وآراء العلماء في مختلف المسائل الفقهية والشرعية في كناش جامع يضمّ أجزاء أربعة وهو كما يقول عنه الأستاذ محمود شمام يصلح أن يكون كتاب فقه قضائي من الدرجة الأولى لو كتب له الظهور. ذلك أن الكتاب لا يزال مخطوطا، إذ هو مجموعة أحكام تؤرّخ لهذه الفترة من التاريخ القضائي في تونس. وللشيخ علي بن الخوجة ميل شديد إلى النشاط الاجتماعيّ والاسهام في العمل الخيريّ إذ انضم إلى جمعيات خيرية واجتماعية كثيرة أبرزها "الجمعية الخيرية الاسلامية" في العشرينات، وكان عضوا في "جمعية الفتاة المسلمة".

ومن ميزاته التصاقه الشديد بشواغل الناس اليومية يصلح بينهم عند الخصام، وييسر عليهم في أحكام الدين ويدعو باستمرار إلى إشاعة التسامح في التعامل، مؤكّدا فضيلة العمل والسعي، مبينا أن الاسلام دين عمل، جاء لسعادة الانسان ورقيّه لا ليكون عامل فرقة وفتنة.وقد عرف بسرعة بداهته وبخفّة روحه، وبميله إلى الفكاهة حتى عند إدلائه ببيان بعض الأحكام الشرعية. وأنفق الشيخ علي بن الخوجة أموالا كثيرة في شراء الكتب وجمع المصنفات العلمية والأدبية والتاريخية والفلسفية إضافة إلى الكتب الدينية والشرعية، وصارت له مكتبة ثريّة كانت على ذمّة كل من أراد الاطلاع على فن من فنون العلم والأدب والحضارة.