علي المحجوب

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[توفي سنة 1550م]

هو أبو الحسن علي المحجوب، حفيد الشيخ علي بن أبي قاسم بن أحمد بن محمد بن علي بن عبد العزيز بن محمّد بن الشيخ الطّاهر المزوغي، وسمّي بالمحجوب لملازمته الحجاب وانقطاعه للعبادة. أخذ الطريقة عن سيدي علوان بن سعيد، وعن الشيخ محمّد بن جابر، واستشهد في قتال الاسبان عندما هاجموا المهديّة في منتصف القرن السّادس عشر. لقد انجرّ عن خيانة الأمير الحسن الحفصي الذي استنجد بالاسبان سنة 942هـ/1535م، لطرد العثمانيّين وإرجاعه إلى عرشه، أن دفع التّونسيّون ثمن ضعفه وخيانته في فترة احتدّ فيها الصّراع العثماني المسيحي على السّواحل والمدن المغربيّة وتكالب الاسبان على تمسيح المغرب وتعميده. وإذا استثنينا الأماكن الّتي لا تبعد عن تونس كثيرا كمنطقة باجة ومنطقة بنزرت، فإنّ بقيّة البلاد (المنستير وسوسة والمهدية) كانت تابعة لنفوذ خير الدّين العثماني. وكانت القيروان قد حمل فيها عرفة الشّابي لواء الجهاد وأعلن استقلاله بها على نحو ما بيّنه المؤرّخ ابن أبي دينار وما أكّدته الوثائق التّركيّة. ولقد أورد عزيز سامح في حديثه عن الاحتلال الاسباني وإعادة الحسن الحفصي إلى عرشه ما نصّه: "لما جلس مولاي الحسن على عرش تونس صادفته مصاعب جمّة إذ أنّ القيروان والبلدان الساحلية لا تعترف به، وحكمه يسري على الأراضي التي ما بين تونس وبنزرت".

ولمّا استغاث الأمير الحسن الحفصي بشارل الخامس ضدّ خير الدّين بربروس في منتصف القرن السّادس عشر، كان الشّيخ علي المحجوب ممّن حضر واقعة بالقيروان ضدّ الحسن الحفصي والنّصارى. ويروي ابن أبي دينار بأنّه "وقف عند كدية القيروان، وأخذ قبضة من تراب ومسكها في يده وقرأ "حزب البحر" للشيخ أبي الحسن الشاذلي، وعند إتمام قراءته، رمى بها نحو الكفرة واصطفّ الفريقان ولم يكن بينهما قتال، والنّاس ينظر بعضهم إلى بعض، وعلمٌ أخضر طلع من المدينة وأقبل (.) ومعه مائتا رجل لا غير، وأميرهم المعلّم عمر، ولمّا رآه النّاس تقوّت نفوسهم فتقدّم الشّيخ عمر ومن معه، وتقدّم النّاس، والتقى الجمعان واشتدّ القتال ساعة من النّهار، فأنزل اللّه النّصر على المسلمين". ولا يسعنا أمام هذه الكرامة المحجوبيّة إلا أن نحلّل رموزها دون نقد أو تجريح. قال سيدي علي المحجوب، بعد قراءته "حزب البحر" لسيدي بلحسن الشّاذلي: شاهت الوجوه (أي أصابتها العين الشّريرة) ثلاثا. والرّقم ثلاثة هو رمز صوفيّ عن ظهور فكرة، وبزوغ إرادة في التّغيير وفي الاتّجاه الأرفع نحو المستقبل، وفي التجدّد والانبعاث. والمقصود به هنا النّصر على الكافرين، الذي تمّ بفعل الكرامة المحجوبيّة.

وتعاضد تفسير رمز ثلاثة عدّة شواهد في الأساطير والأدب الشعبي والمعتقدات: فنحن نقول، في اللّغة الدّارجة: "الأولى فالتة، والثّانية فالتة، والثالثة صائبة". والرّقم ثلاثة رمز للجديد، للطفل يولد من اجتماع اثنين من جنسين مختلفين. وكذلك شأن الثّلاثة في الذّهنيّة السّاميّة عموما، فالنّبيّ يونس يتجدّد في اليوم الثّالث، أي يخرج من بطن الحوت، وهي الإشارة التي يستشهد بها على قيام المسيح في اليوم الثالث أي بعثه من الموت... وترمز الكرامة إلى الروح القتاليّة عند المجاهدين بعد "أنّ تقوّت نفوسهم" بدعاء الشّيخ علي المحجوب الذي يعتبر، عند مريديه، وليّا صالحًا ومجاهدًا له كرامات. والسؤال الذي يطرح هنا: هل جاهد علي المحجوب حقّا وفعلا؟

يرى الدكتور علي زيعور أنّ الصوّفي "يشجعّ غيره على الجهاد، ويقدّم له المزاعم الاشباعيّة اللفظيّة (...)، يقعد ويحارب الاخرون عنه (...) يحارب بالكلمة يقذفها لعنة على الغزاة، أو تمنيّا على اللّه أنّ يزلزل الأرض تحت أقدامهم، فيحقّق اللّه المطلب (النّصر) حبّا منه للصّوفي". والحقّ أنّ الجهاد النّفسي، والجهاد اللّفظي بوساطة الأدعية ينطبق على بعض المتصوّفة فقط. فقد حارب بعض الصّوفية وخاصة علي المحجوب الملقّب حقّا وفعلا بالمجاهد حيث استشهد وهو يجاهد الغزاة الاسبان والأمير الحفصي الذي استنجد بهم. وتقول الأخبار إنّه "استمات في قتال الكفّار (الاسبان) ومن حالفهم، وهو يمتطي جواده" وإنّه "استشهد أمام السقيفة الكحلة استشهاد المجاهدين الأبرار". ويروي المؤرّخ محمود مقديش أنّه في يوم "من أيّام قتاله، نودي في سرّه يا علي! الأجل قد قرب، فأخبر بذلك أولاده" ويذكر أن ّ "الكفاّر أخذوا يقطّعونه قطعا قطعا" ويرمون بها في عرض البحر فارتقب أولاده ليلا، فرأوا على شاطئ البحر جثّته وقد مثّل بها وتمكّنوا من لمّ أشلائها المبعثرة، وذلك لمّا تبيّنوها متميّزة عن غيرها بالنّور الذي يشعّ منها. ونقلوها إلى قصور السّاف حيث دفنوها قرب قبر جدّه سيدي علي المحجوب وليّا ريفيّا مجاهدا. ومزاره مقدّس مشهور، وله زاويته وجامعه وأتباعه السّالكون طريقته ويسمّون المحاجبيّة. وهذه الأخبار متواترة جدّا بين سكان قصور السّاف على اختلاف أصولهم من محاجبيّة كبارًا وصغارًا وطواهريّة كبارًا وصغارًا وبرانيّة فضلا عن ثبوتها في الوثائق.

وفي محاولة لقراءة الكرامة المحجوبيّة: معرفة ساعة الموت (الأجل قد قرب)، والهاتف (نودي في سرّه) وأشلاء جثّته على شاطئ البحر وهي تشعّ بالنّور، نلاحظ ما يلي: من كرامة الصّوفي التّعامل مع عامل غيبي: كائنات لا منظورة وأصوات ماورائيّة عاقلة (الهاتف) وخواطر قلبيّة. فالهاتف أو الخواطر القلبيّة (الحدس) يميّزه ويجعله متفوّقا. ويؤكد الغزالي أنّ الصّوفيّين، في يقظتهم يسمعون أصواتا (الهاتف)، ويرون الملائكة ويتلقّون عنهم. ومن كرامة الصّوفي معرفة ساعة أجله: لقد عرف سيدي علي المحجوب قرب ساعة موته وأخبر بذلك أولاده وأتباعه، والبسطامي يستبقي مريده الرّاغب في السّفر، قائلا بلهجة المتأكّد إنّه سيموت في اليوم التّالي، فيطلب من هذا المريد السّير في جنازته. أمّا قطع جثّة سيدي علي المحجوب التي تشعّ بالنّور، وأنّ أتباعه قد تمكّنوا من لملمة شتاتها على شاطئ البحر، عندما تبيّنوها مميّزة عن غيرها (التفرّد) بالنّور الذي يشعّ، على البحر (الماء) فكلّها رموز صوفيّة، وتفسيرها أو فكّ رموزها يتطلّب كتابة صفحات. وكذلك رموز الغرق والماء (ماء البحر) فهي رموز أخرى للكرامة: إنّ تجمعّ أجزاء الجسم (جثةّ الشهيد علي المحجوب) على شاطئ البحر والحال أنّ الاسبان قد رموا بها في عرض البحر قد يدلّ على نجاة النّفس من الغرق (الخطيئة) ويعود الغريق إلى شاطئ السّلامة والصّلاح. نستطيع القول إنّ هذه القصّة تعبير عن تجربة التّكامل النّفسي أو تحرّر النّفس بوساطة التّصوّف: فالعودة إلى الحياة عودة روحية نورانيّة، أي انبعاث صوفي بعد غرق في عالم الجسد والواقع.

وعن محمود مقديش أنّ سيدي علي المحجوب كان "صاحب اجتهاد وعبادة وذا حظّ من قيام الليّل: فقد كان ورده كلّ ليلة ألفي ركعة بختمة من القرآن الكريم. ومن كراماته أنّه أشبع خمسمائة زائر من "ويبة" واحدة حتّى شبع الجميع ومن حضر وبقي كثير من الطعام...". ومن المعلوم أنّ هذه الكرامة ترمز إلى عدم جدوى الطعام أو بالأحرى الاكتفاء بالقليل منه: فويبة واحدة (من الكسكسي على ما يبدو) قد أشبعت خمسمائة زائر وهو عدد ضخم مقارنة بكمّية الطعام. وفي التّاريخ عرف هذا النوع من الكرامات، ولكنّ هناك كرامات قد تحوّلت إلى خرافات تمجّد الفقر وتشتم الغنى، وهي طريقة وهميّة للتغلّب على الجوع والتجويع الذّاتي:فهذا بقي "سبع سنين لم يأكل الخبز"، وآخر لم يشرب الماء طوال المدّة نفسها، والأمثلة هنا كثيرة: فعدم الأكلّ مبدأ أساس في التصوّف غالبًا، وطريقة مألوفة ومعروفة. لكنّ الكرامة المحجوبيّة السالفة الذّكر لها جانب آخر، لا بدّ من الاقتراب منه: فظاهرة "إظهار طعام في أوان الفاقة" أو "الاكتفاء بالقليل منه لاشباع الكثيرين" يفسّر بالتّاريخ أحيانا أو بعلاقة الزّوايا بالعامل الاقتصادي، وبالعمران البشري.

ولا بدّ من الإشارة إلى أمر مختوم من المشير أحمد باشا بتاريخ 10 شوّال 1259هـ/3 نوفمبر 1843م وجّه إلى المسؤولين المحلّيين لمراعاة أحفاد الشّيخين سيدي علي المحجوب وسيدي الطّاهر المزوغي (ولد حوالي سنة 560هـ/1165م وتوفي سنة 640هـ/1242م) في تسهيل مهمّتهم في استغلال أربعة هناشير وذلك ليتمكّنوا من إدارة زاويتي الشّيخين المذكورين.