علي البلهوان

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1909 - 1958م]

نشأته ودراسته بتونس (1909 - 1931)

ولد علي (شهر علاّلة) بن عبد العزيز البلهوان في 13 أفريل 1909 بمسكن عائلته الكائن بنهج سيدي ابن عروس عدد 64 بمدينة تونس، وهو ينحدر من أسرة تونسية من أصل تركي. ولمّا بلغ سنّ الدراسة التحق بكتاب بطحاء رمضان باي القريب من مقرّ سكناه، حيث حفظ نصيبا من القرآن الكريم وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة. ثم انتقل إلى مدرسة بطحاء خير الدين حيث زاول دراسته الابتدائية من أكتوبر 1917 إلى جوان 1924, تاريخ حصوله على الشّهادة الابتدائية ونجاحه في مناظرة دخول المعهد الصادقي الذي واصل به دراسته الثّانوية من مستهلّ السّنة الدّراسية 1924 - 1925 إلى أن أحرز شهادة ختم الدروس الثانوية في جوان 1930. ثم التحق بمعهد كارنو حيث حصل في جوان 1931 على الجزء الأول من شهادة الباكالوريا، واسترعى في أثناء فترة الدّراسة انتباه أساتذته وأقرانه بحسن سلوكه وذكائه الوقّاد وقدرته على الاستيعاب.

دراسته العليا بفرنسا ونشاطه الثقافي والسياسي (1932 - 1935)

وإثر ذلك تحوّل الشّاب علي البلهوان إلى باريس لاتمام دراسته الثّانوية ومواصلة دراسته العليا. وبعد حصوله على الجزء الثاني من الباكالوريا في جوان 1932, التحق في مستهلّ السنة الجامعية 1932 - 1933 بكلية الاداب التّابعة لجامعة الصّربون حيث زاول دراسته في قسم اللغة والاداب العربية وتتلمذ لنخبة من المستشرقين الفرنسيين أمثال ليفي بروفنسال وريجيس بلاشير وويليام مارسي. وإلى جانب دروس اللّغة العربية تابع في الكلية نفسها دروس الفلسفة وانتسب إلى مدرسة اللّغات الشرقية بصفة مستمع حرّ. وبفضل اجتهاده وإقباله على طلب العلم تمكّن في ظرف ثلاث سنوات جامعية من إحراز الاجازة في اللّغة والاداب العربيّة في جوان 1935. وكان ينوي مواصلة إقامته بباريس للمشاركة في مناظرة التبريز في اللغة والاداب العربية، لا سيما بعد نجاح أوّل تونسي في هذه المناظرة، هو الأستاذ محمّد عطيّة. لكنّ الظروف الماديّة لم تسمح له بتحقيق رغبته. ولم يمنعه انشغاله بطلب العلم من النّضال في سبيل تحرير وطنه الرازح عهدئذ تحت نير الاستعمار الفرنسي. فقد انخرط منذ قدومه إلى باريس في سلك جمعيّة طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، تلك الجمعيّة التي انبعثت منذ عهد قريب بباريس لتوجيه طلبة المغرب العربي المقيمين بفرنسا توجيها وطنيّا. ونظرا إلى ما كان يمتاز به علي البلهوان من قدرة على العمل في سبيل المصلحة الوطنية، فقد انتخبه زملاؤه في السنة الجامعية 1931 - 1933 عضوا في الهيئة المديرة للجمعية المذكورة ثم انتخب في السّنة الجامعيّة 1934 - 1935 نائبا لرئيس جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، وكان رئيسها آنذاك صديقه الحبيب ثامر. ولقد أسهم علي البلهوان في جميع المؤتمرات السّنويّة التي كانت تعقدها هذه الجمعية سواء في إحدى مدن المغرب العربي أو في باريس، من ذلك أنّه شارك في المؤتمر الأول المنعقد في قاعة الجمعية الخلدونية بتونس في شهر أوت 1931, وعيّن عضوا في لجنة التّعليم العالي ولجنة التعليم العربي مع صديقه المنجي سليم. ثم شارك في المؤتمر الثّاني المنعقد بمدينة الجزائر في شهر أوت 1932 وانتخب مقرّرا للجنة التعليم العربي، وشارك في المؤتمر الثّالث المنعقد بباريس في ديسمبر 1933. وأخيرا شارك في المؤتمر الرّابع المنعقد بتونس في أكتوبر 1934, والمؤتمر الخامس المنعقد بتلمسان في سبتمبر 1935. وتناول الكلمة في الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر للردّ على رئيس بلدية تلمسان الفرنسي الذي انتقد رئيس المؤتمر الحبيب ثامر، متّهما إياه بالجحود وعدم الاعتراف بالجميل لفرنسا، كما شارك، نيابة عن الجمعيّة، في المؤتمر الدّولي المناهض للحرب والفاشية، المنعقد بمدينة بروكسال في ديسمبر 1934, وألقى خطابا باسم جميع طلبة المستعمرات الفرنسيّة. وإلى جانب نشاطه في جمعيّة طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، انضم إلى جمعيّة نجم الشمال الافريقي التي كانت تجمع بين طلبة المغرب العربي وعمّاله المقيمين بفرنسا، كما انتخب عضوا في "لجنة الدفاع عن الحريات بتونس" التي أنشأها الحزب الدستوري الجديد بباريس إثر إبعاد زعمائه إلى الجنوب التونسي في 3 سبتمبر 1934, وذلك للتّشهير بالسّياسة القمعيّة التي كان ينتهجها المقيم العام الفرنسي بيروطون. وكان يترأس هذه اللّجنة سليمان بن سليمان، ويقوم بمهام الكاتب العام الهادي نويرة. ومن أعضائها الاخرين محمود المسعدي وعبد الوهاب بكير وصلاح الدين بوشوشة. أما الشّعبة الدّستورية التّابعة للحزب الدّستوري الجديد، فإنّها لم تبعث إلاّ في ديسمبر 1936, أي بعد عودة البلهوان إلى تونس.

نضاله السياسي بتونس (1935 - 1938)

بعد حصوله على الاجازة في اللّغة والاداب العربية عاد علي البلهوان إلى تونس في جويلية 1935, فعيّنته إدارة التّعليم العمومي في مستهلّ السنة الدراسية 1935 - 1936 أستاذا بالمعهد الصادقي، فعمل الأستاذ الشّاب من أوّل وهلة على بثّ روح جديدة في نفوس تلاميذه، قوامها الفكرة الوطنيّة الصّادقة ومقاومة الاستعمار والاعتزاز بالشّخصية العربية والاسلامية والتّضحية في سبيل الوطن. ولم يقتصر تأثيره الوطني على تلامذة الفصول التي يدرّس بها، بل امتدّ إلى بقية تلامذة الصّادقية، وطلبة الجامع الأعظم، وتلامذة سائر المعاهد الثانوية، حتى أصبح يعرف باسم "زعيم الشباب". وإثر الافراج عن قادة الحزب الدّستوري الجديد في مارس 1936, انضمّ علي البلهوان إلى هذا الحزب الذي استعاد نشاطه السياسي، وذلك صحبة مجموعة من الدّستوريين الشّبان، أمثال المنجي سليم والباهي الأدغم وصلاح الدين بوشوشة والرّشيد إدريس، وشارك بالخصوص في المؤتمر الثّاني للحزب الدستوري الجديد المنعقد بنادي الحزب الكائن بنهج التريبونال بتونس من 30 أكتوبر إلى 2 نوفمبر، وأيّد علي البلهوان النّزعة المطالبة بالاستقلال، مع زملائه القادمين من باريس، المنجي سليم والهادي نويرة وسليمان بن سليمان وصلاح الدين بوشوشة، وممثلي الشّعب الدّستورية بالداخل، الهادي شاكر ويوسف الرّويسي والحبيب بوقطفة والباهي الأدغم والهادي السعيدي. وساندت هذه المجموعة موقف الشقّ الوطنيّ الرّاديكالي في الدّيوان السياسي الذي يمثّله الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف على حساب الشقّ الاصلاحي الرافض للصدام مع المستعمر الذي يمثله الدكتور الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة. وفي آخر الأمر قرّر المؤتمر سحب الثقة من حكومة الجبهة الشّعبية، بعد أن رضخت لارادة غلاة الاستعمار، ودعاة التفوّق الاستعماري (Les prépndérants), وانتخب علي البلهوان عضوا في المجلس الملّي. وتسارعت الأحداث بعد ذلك، فاستقال الدكتور الماطري من رئاسة الحزب في جانفي 1938 بعد إضراب 30 نوفمبر 1937 الذي قرّره الديوان السياسي تضامنا مع الجزائر والمغرب.وإثر ذلك تفوّق الشقّ الوطني الرّاديكالي الذي سيطر على أعمال المجلس الملّي المنعقد يومي 13 و14 مارس 1938, وأنهى أعماله بتوجيه نداء إلى الشعب لمواصلة الكفاح. وفي الأثناء ألقى علي بلهوان في نادي الحزب محاضرة بعنوان "نصيب الشبيبة من الكفاح"، وألحّ على ضرورة نضال الشبّان التّونسيين مع الجماهير الشّعبية في صفوف الحزب الدّستوري الجديد الذي يعتمد على حيويّتهم ويعتبرهم طليعة الأمّة وقلبها النابض. وإثر هذه المحاضرة انبعثت لجنة الاتّحاد الزّيتوني المدرسي للعمل على تنسيق نضال الطلبة والتلامذة إلى جانب الحزب. واهتزّت السّلطة الاستعمارية لهذا السلوك الجديد الذي لا عهد لها به من قبل الأساتذة التّونسيين، وهالها أن يخرق ذلك المدرّس المبتدئ التقاليد المتّبعة في سلك التّعليم، فيقوم بمثل هذا النشاط البالغ الخطورة. وعندئذ قرّر الكاتب العام للحكومة كارترون في 15 مارس 1938 إعفاء البلهوان من التّدريس. واحتجاجا على هذا الاجراء التعسّفي أضرب تلامذة المعهد الصادقي عن الدّروس، فعمدت إدارة التعليم العمومي إلى غلق المعهد، ولم يبق التّلامذة الصّادقيون مضربين بمفردهم، إذ سرعان ما انضمّ إليهم زملاؤهم الزّيتونيون الذين أضربوا أيضا عن الدّروس تضامنا مع إخوانهم الصّادقيين، ونظّم الاتّحاد الزيتوني المدرسي اجتماعا عامّا بنادي الحزب حضره أكثر من 3000 شابّ للمطالبة بإرجاع البلهوان إلى منصبه. وإزاء تصلّب الحكومة وميلها إلى القمع، قرّر الديوان السّياسي تنظيم سلسلة من الاجتماعات العامّة داخل البلاد، وتعبئة الجماهير استعدادا للمعركة. فتحوّل مبعوثو الحزب إلى مختلف الجهات للاتّصال بالشعب. لكنّ السّلطة الاستعمارية أقرّت العزم على منعهم من ذلك مهما كانت التّكاليف. فألقت القبض يوم 4 أفريل 1938 على الدّكتور سليمان بن سليمان ويوسف الرويسي في وادي مليز حيث كان من المقرّر أن يشرفا على اجتماع عامّ. ثم أوقفت يوم 6 أفريل صالح بن يوسف والهادي نويرة ومحمود بورقيبة بتهمة التّحريض على التّباغض بين الأجناس. فقرّر الدّيوان السياسي تنظيم مظاهرتين في سائر أنحاء البلاد، الأولى يوم الجمعة 8 أفريل والثانية يوم الأحد 10 أفريل 1938, للمطالبة ببرلمان تونسي وحكومة مسؤولة لديه وبإطلاق سراح المعتقلين. وكان يوم 8 أفريل 1938 يوما مشهودا في العاصمة. فقد أغلقت الدّكاكين أبوابها وتجمهر المتظاهرون في الشّوارع، وانتظمت مظاهرتان في طرفي المدينة، انطلقت الأولى من رحبة الغنم (ساحة معقل الزعيم الان) بقيادة المنجي سليم، وانطلقت الثانية من بطحاء الحلفاوين بقيادة علي البلهوان. وقبل انطلاق هذه المظاهرة خطب زعيم الشّباب في الجماهير الشعبية، فبيّن الأسباب التي دعت الديوان السياسي إلى اختيار المواجهة واستعرض المطالب الوطنية وفي مقدّمتها البرلمان التونسي والحكومة المسؤولة لديه. والتقت المظاهرتان في باب البحر، وكان قد انضمّ إلى المظاهرة الأولى الدكتور الماطري، رغم استقالته من رئاسة الحزب، ومن هناك توجّهت المظاهرتان إلى ساحة الاقامة العامّة (ساحة الاستقلال الان) ، وقد كانت مطوّقة بالأسلاك الشائكة ومحاطة بالجنود المدجّجين بالسّلاح والدّبابات والسّيارات المصفّحة، وفي وسط الجماهير المنادية ببرلمان تونسي وبإطلاق سراح المعتقلين اعتلى علي البلهوان أكتاف الشّبان، والعلم التونسي يرفرف عليه، فدعا الشعب إلى الكفاح مردّدا عبارات أصبحت تاريخيّة: "يا أيها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي، إنّ البرلمان لا يبنى إلاّ على جماجم العباد، ولا يقام إلاّ على سواعد الشباب، ثابروا، جاهدوا في الله حقّ جهاده... قولوا معي: حكومة خرقاء! سياستها خرقاء! قوانينها خرقاء! يجب أن تحطّم وأن تداس، وها نحن حطّمناها ومزّقناها...". وإثر ذلك تناول الكلمة الدّكتور محمود الماطري لتهدئة الجوّ، فدعا المتظاهرين إلى ملازمة الهدوء وتجنّب الفوضى وأعمال العنف. واستجابة لهذا النّداء تفرّق المتظاهرون، مقرّين العزم على التظاهر من جديد يوم الأحد 10 أفريل إلى أن تلبّي الحكومة مطالبهم.وإزاء خطورة الوضع استدعى المقيم العام محمود الماطري إلى مكتبه واقترح عليه التوسّط لدى الزعيم الحبيب بورقيبة الملازم للفراش لالغاء مظاهرة يوم الأحد خشية أن تؤول إلى ما لا تحمد عقباه. فرفض بورقيبة هذا الطلب قائلا لمخاطبه: "يجب أن يسيل الدّم"! وفي الأثناء انتشر صباح يوم السّبت 9 أفريل 1938 خبر استدعاء علي البلهوان إلى المحكمة الفرنسية لاستنطاقه. فهرع طلبة جامع الزيتونة إلى شارع باب بنات حيث يوجد مقرّ المحكمة للاستفسار حول مصير زعيم الشباب، والتحقت بهم الجماهير الشّعبية، فهجمت الشّرطة على المتظاهرين وأطلقت عليهم الرّصاص، وبعد قليل قدم الجيش لنجدة الشّرطة، واندفع صوب باب بنات وانهال الرصاص على من اعترض سبيله، فتكدّست جثث القتلى والجرحى في كلّ مكان.وما إن قُتل أحد أعوان الجندرمة قرب ساحة باب سويقة حتى ثارت ثائرة رجال الشّرطة والجيش، فعمدوا إلى توجيه نيران أسلحتهم على كلّ من هبّ ودبّ. وفي فجر يوم 10 أفريل 1938 اعتقلت السّلطة العسكريّة الزّعيم الحبيب بورقيبة وأعضاء المجلس الملّي ورؤساء الشّعب وسائر المناضلين الدستوريين. وأودع المعتقلون - ومنهم علي البلهوان السّجن العسكري بالعاصمة ثمّ نقلوا إلى سجن تبرسق. ولمّا اندلعت الحرب العالمية الثانية نقل قادة الحزب الدّستوري الجديد إلى مرسيليا، فزجّ بسبعة منهم في برج سان نيكولا، وهم: الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف والدّكتور سليمان بن سليمان والمنجي سليم وعلي البلهوان والهادي نويرة ومحمود بورقيبة، ووضع المعتقلون الاخرون في الاقامة الجبريّة ببلدة تريتز. ولم يفرج عن جميع المعتقلين الدّستوريين بفرنسا إلاّ في أوائل سنة 1943, إثر تدخّل السّلطة الألمانية، ولم يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم إلاّ في شهر أفريل 1943, أي قبيل دخول الحلفاء إلى تونس.

نشاط علي البلهوان إثر انتهاء الحرب العالمية الثّانية (1945 - 1951)

ولمّا وضعت الحرب العالميّة الثّانية أوزارها وتحوّل الزّعيم الحبيب بورقيبة إلى القاهرة في أفريل 1945 للتّعريف بالقضيّة التّونسيّة في الخارج، استأنف علي البلهوان نشاطه صحبة قادة الحزب الدّستوري الجديد الذين لم يغادروا البلاد التّونسية إثر انتهاء الحرب وهم: صالح بن يوسف والمنجي سليم والهادي نويرة والدكتور سليمان بن سليمان والهادي شاكر والباهي الأدغم، وأسهم معهم في إعادة التنظيم لهياكل الحزب والاشراف على تجديد إطاراته. وتميّز نشاطه بالخصوص في المحاضرات السّياسية والثّقافيّة التي كان يلقيها في الجمعيّات الثّقافية ومنظّمات الشّباب مثل جمعية قدماء الصّادقية والخلدونية وجمعية الشبان المسلمين، وبمقالاته وبحوثه المنشورة في الصّحف والمجلاّت التي استأنفت صدورها، لا سيما منها مجلّة "المباحث". وفي أثناء المؤتمر الوطني الثّالث الذي عقده الحزب الدّستوري الجديد في أكتوبر 1948 بدار سليم بالعاصمة، انتخب علي البلهوان عضوا في الدّيوان السياسي وكاتبا عامّا مساعدا مكلّفا خاصة بالاشراف على جريدة الحزب "الحرية" الناطقة باللغة العربية، ثم "لواء الحرية" التي عوّضت الجريدة الأولى بعد تعطيلها، في حين كان الهادي نويرة يشرف على جريدة الحزب النّاطقة باللّغة الفرنسيّة "الرّسالة". واهتمّ علي البلهوان في نطاق مسؤولياته الحزبية بتكوين الشّباب وبربط الصّلة بين الدّيوان السّياسي ومنظّمات الشّباب.


دوره بالخارج إثر اندلاع المعركة الحاسمة (1951 - 1955)

وفي آخر سنة 1951 قرّر الديوان السياسي إيفاد الزّعيم علي البلهوان إلى المشرق للتّعريف بالقضيّة التّونسية والدّفاع عنها لدى الأوساط العربية والدّولية، توقّعا لفشل المفاوضات الجارية بين الحكومتين التونسية والفرنسيّة منذ سبتمبر 1950. فتحوّل البلهوان إلى القاهرة التي وصلها يوم 13 سبتمبر 1951, وانضمّ إلى بقيّة المناضلين العاملين بمكتب الحزب الدستوري الجديد ولجنة تحرير المغرب العربي، وبالخصوص الطيب سليم والرشيد إدريس وحسين التريكي. ولما اندلعت المعركة التحريريّة الحاسمة في 18 جانفي 1952 كثّف علي البلهوان اتّصالاته مع المسؤولين عن جامعة الدول العربية وعلى رأسهم الأمين العام للجامعة عبد الرحمان عزّام باشا، والأوساط الحكوميّة المصريّة وسفراء الدّول العربيّة والاسلاميّة بالقاهرة.ثم تحوّل إلى دمشق وأجرى اتّصالات مع عدد من أعضاء الحكومة السّورية لتوضيح موقف تونس من الحكومة الفرنسيّة، وعاد إلى القاهرة. وإ ثر تحوّل صالح بن يوسف ومحمّد بدرة إلى مصر بعد إلقاء القبض على الوزراء التّونسيين الموجودين في تونس، وفي طليعتهم رئيس الوزراء محمد شنيق يوم 26 مارس 1952, انتقل البلهوان إلى بغداد حيث استقرّ بضعة أشهر وألقى سلسلة من المحاضرات بدار المعلمين العليا، إلى جانب دعوته إلى القضيّة التّونسية بالخطابة في الأندية والكتابة في الصّحف. ثم غادر بغداد في جوان 1953 عائدا إلى القاهرة. ولما عيّن صديقه الدكتور فاضل الجمالي رئيسا للحكومة العراقية عاد علي البلهوان إلى بغداد في أكتوبر 1953, فاجتمع بأعضاء الحكومة الجديدة الذين كان يعرف جلّهم، "وحصل من الدكتور فاضل الجمالي على وعد بمقاطعة فرنسا اقتصاديا وبالسّعي إلى عقد مؤتمر إفريقي آسيوي لتأييد القضيّة التّونسيّة وقضايا المغرب العربي".ثم عاد إلى القاهرة حيث عكف على تأليف كتابه "تونس الثائرة". وبذل مجهودا كبيرا بالتّعاون مع المسؤولين عن الجامعة العربية وممثّلي الأحزاب الوطنيّة المغربية بالقاهرة، لاعادة الروح إلى لجنة تحرير المغرب العربي برئاسة عبد الكريم الخطابي على أساس التّضامن والاحترام المتبادل بين الحركات الوطنيّة بالمغرب العربي.

عودة علي البلهوان إلى تونس ونشاطه بعد الاستقلال (1955 - 1958)

وإثر الخطاب التّاريخي الذي ألقاه رئيس الحكومة الفرنسية منداس فرانس يوم31 جويلية 1954 بقصر قرطاج بين يدي محمد الأمين باي، وأعلن فيه رسميّا عن اعتراف فرنسا باستقلال تونس الدّاخلي، فكّر علي البلهوان في العودة إلى أرض الوطن. فسافر في أكتوبر 1954 إلى جينيف حيث التقى بالمنجي سليم الذي عيّن في حكومة الطّاهر بن عمّار الأولى وزير دولة مكلّفا بالمفاوضات مع الحكومة الفرنسية، واتّفق معه على العودة إلى تونس. ثم قفل راجعا إلى القاهرة فمكث بها بضعة أسابيع وارتحل إثرها إلى تونس في أوائل فيفري 1955 واستأنف نشاطه مع رفاقه قادة الحزب الدّستوري الجديد. وأعيد انتخابه عضوا في الدّيوان السّياسي في أثناء مؤتمر الحزب المنعقد بصفاقس من15إلى 18 نوفمبر 1955, وعيّن رئيسا لمصلحة النّهوض الاجتماعي بإدارة الحزب. وانتخب في أفريل 1956 عضوا في المجلس القومي التّأسيسي، ثمّ اختير أمينا عامًّا للمجلس ومقرّرا لمشروع الدستور. وإثر الاعلان عن إلغاء النّظام الملكي وقيام الجمهورية في 25 جويلية 1957 عيّن المجلس التأسيسي علي البلهوان عضوا في الوفد المكلّف بالتّحوّل إلى قصر قرطاج لابلاغ الأمين باي قرار المجلس، وهو الذي قرأ نصّ القرار على مسامع آخر الملوك الحسينيين. وكان قد قام منذ حصول بلاده على الاستقلال في 20 مارس 1956 بعدّة مهمّات رسمية بالخارج. فكان عضوا في الوفد الذي شارك في الجمعيّة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة بنيويورك سنة 1956 برئاسة رئيس الحكومة التّونسية الحبيب بورقيبة، وترأس الوفد التّونسي في المؤتمر الافريقي الاسيوي المنعقد في شهر ديسمبر 1957. وفي هذه السّنة نفسها عيّن رئيسا لمجلس بلدية مدينة تونس.

وفاته

عيّن الزعيم علي البلهوان عضوا في وفد الحزب الدستوري الجديد الذي شارك في أعمال مؤتمر أحزاب المغرب العربي المنعقد بمدينة طنجة من 27 إلى 30 أفريل 1958. واختاره المؤتمر ليكون عضوا في الوفد المكلّف بإبلاغ قرارات المؤتمر إلى رؤساء دول المغرب العربي.ولكنّ المنيّة عاجلته في تونس يوم 9 ماي 1958 وهو يتأهّب للتحوّل إلى طرابلس. ففقدت البلاد التّونسية بوفاته رجلا فذّا لم يفصل أبدا طيلة حياته بين الفكر والعمل وسخّر كلّ طاقاته للدّفاع عن الوطن والذّود عن المثل التي تشبّع بها منذ نعومة أظفاره.

آ ثاره

بالاضافة إلى الدّراسات والفصول الكثيرة المتناثرة في الجرائد والمجلاّت، ترك علي البلهوان الاثار المطبوعة التالية:

  • "ثورة الفكر أو مشكلة المعرفة عند الغزالي"، منشورات مجلة المباحث، بلا تاريخ.
  • "نحن أمّة"، منشورات جريدة الحرّية، تونس، بلا تاريخ.
  • "تونس الثّائرة"، منشورات لجنة تحرير المغرب العربي، القاهرة، 1954.