عبد الرحمان مامي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:21، 20 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عبد الرحمان مامي

[1904 - 1954م]

أصيل عائلة من تستور نزحت من الأندلس إلى الرّبوع المغاربيّة فاستقرت بالعاصمة التونسيّة وضواحيها. كان والده مقرّبا إلى دوائر البايات. وفي وسط الأعيان تربّى ابنه عبد الرحمان حيث كان منذ صغره مولعا بمجالسة كبار القوم، فشاهد بدايات انطلاق الحركة الوطنية وتطوّرها التدريجي.

وكان إلى جانب ذلك شغوفا مثل والده، بجمع "الساعات القديمة" ومطالعة الكتب الطبيّة العربية. بعد دراسته الثانوية، باشر خطّة معاون صحّي بالمستشفى الصّادقي ولاقى في هذا العمل عناءً شديدا من الأجانب الذين قاموا بعرقلته في العمل، فما كان منه إلاّ أن أصرّ بدوره على أن يواصل تعليمه العالي. غادر الوظيفة وارتحل إلى فرنسا، لطلب العلم، وأبدى من العزم ما مكّنه من النّجاح الباهر. وفي الوسط الطلاّبي بباريس كان خير مساعد لزملائه من الطلبة التونسيين، المزاولين لتعليمهم العالي بفرنسا وكان أيضا خير سند للشباب من جيله لمساعدته المادية لهم (ومنهم الشّاب الحبيب ثامر الذي كان يعتبره الأب الروحي). عاد إلى وطنه، طبيبا، سنة 1935، وفتح عيادة خاصّة. عرفه أهل المدينة، طبيبا متواضعا، يلبّي طلبات كلّ مريض ومحتاج ولا يترّدد في القيام بزيارات المرضى في بيوتهم أثناء الليل وأطراف النهار.

وفي تلك الفترة وتحديدا في الأربعينات حيث كان عدد الأطباء في تونس قليلا، كان الدكتور عبد الرحمان مامي وزملاؤه من الأطباء التونسيين، يجهدون أنفسهم، متجوّلين بين أنهج المدينة وأزقّتها الضيّقة، للتخفيف من آلام المرضى بالمداواة والمواساة، بعد أن أهملت سلطة الحماية، جموع الشعب التي تتخبّط في الخصاصة والحرمان، فكان الطبيب مامي (طبيب العائلة) المداوي والمواسي. كانت الرّعاية الصّحية مفقودة أو تكاد في بلاد أصابها المرض وتركها فريسة الجهل والجوع، نتيجة تصلّب الفرنسيين، الذين كانوا يعتقدون أنهم أولى الناس بمعارضة مشروع الاصلاحات، الذي قدّمه "دي هوتكلوك" إلى الباي، في 22 جوان 1952. وفي تلك الفترة كان (الدكتور عبد الرحمان مامي) طبيب الباي المباشر، وكثيرا ما نصحه بعدم الاستسلام، لضغوط المقيم العام الفرنسي مهما اشتدت الخطوب. كان الطبيب مامي من أعضاء (مجلس الأربعين) الذي شكّله الباي في أوت 1952 لتشريك "رعاياه" في مسؤولية القرار من أجل درس مشاريع الاصلاحات التي رفضها لاحقا، لخلوّها من مطالب الشعب الأساسية في التحرّر والاستقلال.

أدركت سلطة الحماية، أنّ الشخصيات التّونسية (ومنها بعض الأطباء) كانت وراء رفض الباي، لمشاريع الاصلاحات، فأطلقت اليد الحمراء، للاغتيال والارهاب. واضطرّ الباي في آخر الأمر، بعد اغتيال فرحات حشاد في ديسمبر 1952 للمصادقة على مشروع الإصلاحات المزعومة، والإعلان عن انتخابات مجالس البلديات والأعمال. ولكن لم يتقدّم للترشّح إلاّ قلّة نادرة، ممّا زاد في عزم القوى الوطنية على المقاومة. قاطع الشعب تلك الانتخابات، وتمّ تعيين مقيم عام جديد (فوازار)، أثارت إصلاحاته المزعومة، ردود فعل عنيفة، بعد أن كرّست السيادة المزدوجة التي رفضها الشعب رفضا باتا.لم يوف المسؤولون الفرنسيون بالوعود بل تابعوا أسلوب التهديد.

ولقد سقط الطبيب بن مامي شهيدا، ضحيّة العناد الاستعماري في 13 جويلية 1954. حدث ذلك أمام منزله بالمرسى، وهو عائد من زيارة مرضاه عندما تعرّض لاعتداء، توفّي على إثره متأثّرا بجراحه. شهد له زملاؤه طيلة مسيرته، بأنّه حكيم موفّق، ممّا أكسبه ثقة مرضاه. وكان الوسط الطبي معترفا بمهارته وتوفيقه في معالجة الأمراض وخاصة منها الأمراض الصدرية، في وقت قلّ فيه الاختصاص الطبّي.