عبد الجليل الزاوش

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:18، 20 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1873 - 1947م]

عبد الجليل الزاوش

ينتمي عبد الجليل الزاوش إلى حركة الشباب التونسي بل ويمكن اعتباره من العناصر المؤسسة لهذه المجموعة والفاعلة فيها. عُرف باعتداله وميله إلى المُحاجّة القانونية والحوار. ولئن تعرّض إثر أحداث الزلاّج سنة 1911 لحملات صحافية ودعائية من قبل غلاة الاستعمار الفرنسي المسيطر على البلاد فإنّ موقفه الدّاعي إلى التقارب بين الأهالي والأجانب ظلّ ثابتا. وهو الذي لقّبه صديقه ورفيقه في النضال الصادق الزمرلي "رجل الأعمال والصحفي والسياسي".

ينحدر عبد الجليل الزاوش من أسرة وجيهة لها صلات قرابة بالأسرة المالكة خدمت بتفان وإخلاص العائلة الحسينية. ولد يوم 15 ديسمبر 1873 بالمرسى وزاول دراسته بمعهد القدّيس شارل (معهد كارنو لاحقا) ثم التحق بكلية الحقوق في باريس حيث حصل على الإجازة. وكان من روّاد جامعة السربون ومعهد "الكوليج دي فرانس" (Collège de France). ويعدّ إلى جانب الشاذلي البكّوش من التونسيين الأوائل الحاصلين على الاجازة في الحقوق من الكليات الفرنسية. وبعد مدّة تدريب قصيرة في المحاماة، غيّر وجهته وأنشأ مع Ramella مطحنة ظلّت تشتغل قرابة 16 سنة وقد زارها المصلح المصري الشهير الشيخ محمد عبده في أثناء إقامته الثانية بتونس سنة 1903.

وأسهم عبد الجليل الزاوش أيضا في تأسيس الكثير من التعاونيات التجارية مثل "السعدية" التي ضمّت (البلاغجية) وتعاونية "الاتحاد التجاري" (1906) التي ضمت التجار الجرابة (أصيلي جزيرة جربة). وكان من مُؤسّسي مدرسة "الأنصارين" وهي ضيعة ومدرسة فلاحية في الآن نفسه، مهمّتها تدريب أبناء الفلاحين التونسيين على أساليب زراعة الحبوب العصرية.

وكان مقتنعا اقتناعا تاما بالعمل على تحديث الاقتصاد التونسي وجلب العناصر الغنيّة إلى حضيرة المؤسّسات الحديثة العصرية. وقد قام إلى جانب البشير صفر وعلي بوشوشة ومحمد الجعايبي بحملات مشهودة في الصحافة ("الزهرة" و"مرشد الأمّة" و"الصواب" و"الحاضرة"...) لحثّ التونسيين على توفير أسباب النهضة الاقتصادية. وفي هذا السياق، نظّم دروسا في التجارة بالخلدونية. وكان من روّاد هذه الدروس أحد أبرز العناصر البرجوازية الكبيرة التونسية، محمد شنيق.

هذا وأسهم أيضا في تكوين الكثير من المنتديات "لأعيان القوم" وللعناصر البرجوازية لتدارس شؤونهم. ويمكن أنّ نذكر صالون الأميرة نازلي، الذي كان يتردّد عليه أفراد من النخبة المصرية والتركية إلى جانب العناصر التونسية. لكنّ الطابع غير المستمرّ لهذه اللقاءات وانفتاحها على كل الأعيان والعناصر البرجوازية، جعل عبد الجليل الزاوش ورفاقه يفكّرون في إنشاء حلقة للشباب التونسي لتدارس القضايا التونسية والتعمّق فيها. فكان من مؤسسي "النادي التونسي" سنة 1905. وفي الظرف نفسه، أدخلت على مؤسسة "الندوة الاستشارية" عملية إصلاح في 7 نوفمبر 1907 دخل بموجبها الزاوش صحبة 15 تونسيا لتمثيل المصالح الأهلية. وفي التاريخ نفسه صدر أوّل عدد من جريدة "التونسي" (Le Tunisien) لسان حركة الشباب التونسي. وبرز اسم عبد الجليل الزاوش إذ كان من أهمّ الوطنيين الذين تحرّكوا على الصعيد الاعلامي لخدمة القضية الوطنية. وكانت مبادراته الاعلامية متنوّعة تهدف في النهاية إلى مجابهة الفرنسيين بلغتهم ومنطقهم وصحفهم.

وفي هذا الاطار، كان عبد الجليل الزاوش أوّل تونسي يشارك في رأس مال أكبر جريدة فرنسية صادرة في تونس عنوانها (La Dépêche tunisienne) وهي الجريدة شبه الرسميّة عندما تحوّلت إلى شركة خفيّة الاسم. وأصبح الزاوش باعتباره مسهمًا في رأسمال هذه الجريدة عضوا في مجلس إدارة الشركة التي تصدرها. وإلى جانب هذا التحرّك الاداري والمالي، كان الزاوش يسهم بكتاباته في أشهر الصحف الفرنسية التي عُرفت في بداية القرن العشرين بتعاطفها مع التونسيين.

وحرّر الزاوش مقالات في جريدتي "الترقي" (Le Progrès) و"البريد التونسي" (Le Courrier de Tunisie) الصادرتين في تونس بالفرنسية، كما عرض القضية التونسية في عريضة نشرتها جريدة (Le Temps) الباريسية. وكان الزاوش صديقا لعلي بوشوشة صاحب جريدة "الحاضرة" الاصلاحية وقد رافقه في رحلته إلى إستمبول. وقد تكون هذه الصداقة أحد الدوافع التي جعلته يتحرّك لاصدار جريدة وطنية باللغة العربية سنة 1906 ولكنّ حركة الشباب التونسي استقرّ رأيها في النهاية على إصدار جريدة تتّجه إلى سلطة الحماية باللغة التي تفهمها.

وليس من باب الصدفة أن يكون عبد الجليل الزاوش ضمن اللجنة التي تكوّنت للنظر في إصلاح التعليم بالصادقية بقسميه العربي والفرنسي وذلك في أوائل سنة 1906. وتعاقبت الأحداث بسرعة سنة 1907. فصدرت جريدة "التونسي" بالفرنسية منذ يوم 7 فيفري 1907 بفضل الاسهام المالي لأهم عناصر الحركة بما فيهم الزاوش الذي أشرف على التصرّف الإداري والمالي في شؤون هذه الجريدة. في حين أشرف علي باش حانبه على إدارتها السياسية. ويشير المؤرّخ الفرنسي شارل أندري جوليان إلى إمكان انخراط عبد الجليل الزاوش في النشاط الماسوني (franc - maçonnerie) وانتسابه إلى "محفل قرطاج الجديدة".

ومهما يكن من أمر، فقد أسهم الزاوش في تحرير "التونسي" على نحو لافت. واهتّم في مقالاته بقضايا إصلاح الجباية والجمعية الشورية وتعصير التعليم لفائدة التونسيين، كما عارض تجنيس اليهود التونسيين وعمل على إصلاح النظام القضائي في تونس. ودخل في جدل مع زعيم حزب المستوطنين الفرنسيّين "دي كرنيار" de Carnières من أجل الدفاع عن المصالح التونسية. ويعدّ عبد الجليل الزاوش بصفته مالكا عقاريا من الذين اعتنوا بالمسألة الاجتماعية لمشكلة الخمّاسة. فقد أصدر مقالا مطوّلا حول الخماسة في أعداد"التونسي" بتاريخ 16 و23 و30 ماي 1907 وطالب بالتحسين التدريجي لمضمون قانون 1874 نظرا إلى "الجهل الذي يغطّ فيه العامل الفلاحي والذهنية الحالية للجماهير الذي ينحدر منها الخماسة، وخاصة إلى خطر الاصطدام المباشر بتقاليد ضاربة جذورها في القدم". وفي مؤتمر شمال إفريقيا الذي نظّمه بباريس بين 6 و8 أكتوبر 1908 "الاتحاد الاستعماري الفرنسي"، قدّم عبد الجليل الزاوش مداخلات مرموقة حول الخمّاسة والفلاحة التونسية، وطالب خاصة ببعث لجنة من رجال القانون والفلاّحين المستنيرين يتحدّد دورها في تحويل الخمّاس من قنّ إلى شريك، وحذف بنود قانون 1874 التي تحدّ من حرية الخمّاس وتنصّ على سجنه.

وطالب أيضا الإدارة الأهلية التونسية بأن تكون عادلة إزاء الخمّاسة رحيمة بهم. وطالب كذلك بإلغاء ضريبة "المجبى" التي كانت عبئا ثقيلا على الخماّسة وعلى كل ّ الفقراء وتعويضها بضريبة تناسب دخل كلّ ساكن. وألحّ الزاوش على ضرورة تعصير الفلاحة في أوساط التونسيين، وذلك بتدخّل الادارة عن طريق نشر التعليم المهني وبإجراء التجارب النموذجية وإلقاء المحاضرات الفلاحية التي يحضرها الفلاحون والخمّاسة. وهكذا كان للمداخلة التي ألقاها أمام مؤتمر شمال إفريقيا في أكتوبر 1908 حول: "وضعية الخمّاسة المحليّون ووسائل تحسينها" الوقع الكبير لدى الرأي العام الفرنسي المتابع للأوضاع السائدة بتونس ولدى السلطات بتونس. ولم تلبث مقالات الزاوش الصائبة أنّ أزعجت قادة حزب المستوطنين وخاصة زعيمه دي كرنيار المعروف بعدائه للتونسيين. فشنّ حملة صحفية على عبد الجليل الزاوش في جريدته "المعمّر الفرنسي" إثر أحداث الزلاّج نوفمبر 1911 متّهما إيّاه بصفته عضوا في المجلس البلدي بتحريضه الأهالي التونسيين على التظاهر واستعمال العنف وحمّله مسؤولية الأحداث الدامية التي وقعت في مقبرة الزلاّج عندما قرّرت البلدية تسجيل هذه المقبرة. وكان عبد الجليل الزاوش قد تدخّل بالفعل في هذه الأحداث ولكنّ لتهدئة المتظاهرين لا لاثارتهم، وسعى جاهدا إلى تفادي المواجهة بين المتظاهرين الساخطين ورجال الأمن ولكنّه لم ينجح في اجتناب الكارثة.

وهكذا يتجلّى انتماء عبد الجليل الزاوش إلى الشقّ المعتدل من أعضاء حركة الشباب التونسي الرافض لخيار التصادم مع سلط الحماية مثل رفاقه البشر صفر وحسن قلاتي والصادق الزمرلي، وعلى عكس الأخوين علي ومحمد باش حانبه والشيخ عبد العزيز الثعالبي. فلا غرابة إذن في أنّ يعيّن عبد الجليل الزاوش عاملا على سوسة خلفا لصديقه البشير صفر، إثر وفاته سنة 1917. وغداة الحرب العالمية الأولى كان الزاوش من الأعيان التونسيين الذين عارضوا مشروع المقيم العام إيتيان فلاندان) Etienne Flandin (الرامي إلى انتزاع الأراضي الزراعية المهملة أو شبه المهملة.

وقد صوّت عبد الجليل الزاوش بوصفه عضوا في "لجنة تطوير الاستعمار" ضدّ هذا المشروع الذي يستهدف في نظره تصفية الأراضي التابعة للأوقاف الخاصة والمعروفة بخصوبتها. وفي 18 ماي 1934, عُيّن عبد الجليل الزاوش شيخا لمدينة تونس. وفي 7 نوفمبر 1934، أصبح وزيرا للقلم. وفي أفريل 1936، عُيّن وزيرا للعدل وظلّ في ذلك المنصب إلى أنّ استقال في 1 جانفي 1943 مع بقية الوزراء بطلب من المنصف باي.

وتوفّي في 4 جانفي 1947 بعد أنّ ترك بصماته في تاريخ الحركة الوطنية (تجربة مشاركة التونسيين في إدارة شؤونهم) وفي تاريخ الصحافة بتونس.

وقد تميّزت كلّ مبادراته باجتناب التصادم مع السلط الاستعماريّة مبرزا منذ سنة 1907 التوجّه السياسي لحركة الشباب التونسي، ذاكرا بالخصوص ما يلي: " (.) لقد تأسست جريدة "التونسي" للدفاع عن مصالح الأهالي دون فظاظة وانفعال. أمّا هدفها فهو تعريف ممثل فرنسا بتونس بحاجات السكان وليست لها أيّ صلة بالمجادلة العشوائية في الموضوعات التافهة. أمّا برنامجها فواضح ودقيق: احتراما منّا لمبدإ الحماية، طلبنا من فرنسا فتح المدارس، وإقرار عدالة تواكب الأفكار العصرية والتخفيض من الأعباء التي تثقل كاهل الطبقة الفقيرة. فهل يمكن لهذه المطالب أنّ تضرّ بأيّ طريقة كانت بوضع الفرنسيين بالايالة؟ وهل ستتضاءل هيبة فرنسا إذا مكنتنا من التعليم الاجباري؟ وإذا ما أعطتنا قضاة تتوفّر فيهم الشروط الفكرية والأخلاقية الملائمة لمهامهم، يحكمون بكل استقلالية وفق القانون وحسب ضمائرهم؟ أليس شرفا لفرنسا الجمهورية أنّ تلغي الضرائب، مثل المجبى التي هي من مخلفات نظام تعسّفي وهمجي؟(.) ".