صنوبر حلب في تونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الصنوبر الحلبي

يعتبر صنوبر حلب عنصرا أساسيا من العناصر الغابة المتوسطية ورصيدا غابيا بالغ الأهمية بالنسبة إلى بلدان الحوض المتوسطي لغابة المتوسّطية ورصيدا غابيّا بالغ الأهمية بالنّسبة إلى بلدان الحوض المتوسطيّ. أمّا في تونس، فهو أوّل نوع غابيّ من حيث رقعة انتشاره ودوره الاجتماعيّ والاقتصاديّ وقيمته البيئيّة والدّيناميّة. فمن جميع الأنواع الغابيّة المتشجّرة، يعدّ صنوبر حلب من الأنواع القليلة القادرة على الثّبات في تربات ومناخات كثيرة التنوّع والاختلاف. هذه السّمة التي يختصّ بها تجعله جلْدًا يتحمّل أصعب الظّروف البيئيّة وأقساها أحيانا. ولقد تزايد اهتمام الغابيّين بصنوبر حلب في العشريّتيْن الأخيرتيْن نتيجة لتقدّم العلوم البيئيّة والبيولوجيّة بالخصوص.

رقعة انتشاره

ينتشر صنوبر حلب حول حوض الأبيض المتوسّط على مساحة تقدّر بأكثر من 5،3 مليون هكتار. وتضم بلدان المغرب أكبر غابة صنوبر حول هذا الحوض، خاصّة الجزائر وتونس حيث تزيد مساحتها في الجملة على 1.2 مليون هكتار.

وتُغطّى الغابات التونسيّة 635.888 هكتارا أغلبها من شجر الصنوبر والبلّوط. أمّا أهمّ الأنواع المتشجّرة فهي:

بلّوط الزّان

يوجد هذا النوع في منطقة خمير، بشمال البلاد التّونسية، إمّا صافيا أو ممتزجا ببلّوط الفلّين. وفي المرتفعات العالية والمتوسّطة، يُفضّل بلّوط الزّان السّفوح النديّة.

بلّوط الفلّين

يوجد في شمال تونس في منطقتي المقعد وخمير. ويبلغ هذا الشّجر أقصاه في مناخ رطب تتجاوز فيه معدّلات الأمطار نسبة 800مم. ولبلّوط الفلّين قيمة اقتصاديّة كبرى لأنّ الفلّين الذي يُنتجه يُستثمر استثمارا جيّدا ويُصدّر لأسواق عدّة.

البلّوط الأخضر

لا يوجد تقريبا إلاّ مُمتزجا بصنوبر حلب في أعالي الظّهريّة التّونسيّة، على ارتفاع 900م فما فوق.

بلّوط كرماس

يوجد في محيط مناخيّ متنوّع، من الرّطب إلى شبه القاحل.

الصنوبر البحريّ

نوع فرعيّ مستوطن بجهة طبرقة. والملاحظ أنّ له أهمّيته بالغة على المستوى البيئيّ.

العَرْعر

يكوّن غابات متفاوتةَ الكثافة، منتشرة أساسا في الوطن القبلي وضواحي تونس العاصمة.

العَرْعر الأحمر

يوجد على طول السواحل من طبرقة إلى الحمّامات في ظروف مناخيّة معتدلة وكذلك في واجهة الظهريّة الجنوبيّة، في مناخ أكثر جفافا. في هذه المنطقة الأخيرة، ينتشر العرعر الأحمر مُمتزجا بصنوبر حلب، بل يُحاذي الحلفاء في المناطق الأكثر جفافا.

صنوبر حلب

يُغطّي مساحة تُقدّر ب 365.220 هكتارا، فيحتلّ في بلادنا أكثر من 56% من المساحة الغابيّة. وتجدر الإشارة إلى صعوبة تقدير هذه المساحة بالضبط، خصوصا أنّ جانبا كبيرا منها يُعدّ تشجيرا. ذلك أنّ الغابيّين استعملوا هذا النّوع منذ الخمسينات لتشجير أراض عدّة اجتُثّت أشجارها من قديم، سواء في منطقتها الأصليّة (جهة تبرسق وسليانة والكاف...) أو في مناطق الانتشار (جهة الوطن القبلي وجهة بنزرت...).

إنّ غابات صنوبر حلب يقع أغلبها بين حدّين جغرافيّين، أوّلهما واد مجردة في الشّمال، والآخر في الجنوب يؤلّف خطّا يربط فريانة بالبحر على مستوى مدينة النفيضة مرورا بحاجب العيون شمال القيروان.

لمحة تاريخيّة عمّا أصاب غابات صنوبر حلب التّونسيّة

ورثت غابات صنوبر حلب الحاليّة إرثا ثقيلا من جرّاء التصرّفات البشريّة التي أدّت إلى تخريب جانب منها تخريبا يتعذّر إصلاحه، كما أدّت إلى تعويضها بنباتات سباسبيّة منفرجة أقلّ إنتاجا.ويُجمع الدّارسون المتخصّصون على أنّ التّدهور بدأ على الأرجح في العهد البوني على أيدي السكّان الأصليّين (اللوبيون) وتفاقم في عهد القرطاجيّين الذين أدخلوا لأوّل مرّة في شمال إفريقيا زراعة الزّيتون والكروم وغراسة التّين والرمّان واللوز والسفرجل. ولئن كانت تربية الماشية موجودة في ذلك العصر، فقد كانت محدودة بسبب كثرة السّباع. أمّا في عهد الاستعمار الروماني، فقد بدأ تقهقر الغابات بسبب نشاط مُكثّف في مجاليْ الفلاحة وتربية المواشي، إذ عُثر على بقايا مزارع فلاحيّة في قلب غابة الصنوبر، بمناطق وعرة (مثل تالة والشعانبي والسلّوم...) وتميّزت فترة الهيمنة الرّومانية أيضا بنشاط حثيث في مجاليْ استقرار السكّان والتمدين اللذيْن تزايدت بسببهما الحاجة الملحّة إلى الخشب للبناء والتّدفئة. وبالاضافة إلى الخشب المُستعمل على عين المكان، كانت كميّات كبيرة منه تُرسل إلى روما. وكانت زحفة الهلاليّين كارثة على غابات الصّنوبر، في القرن الحادي عشر، إذ أحرقوا المنازل والبساتين والغابات وعاثوا في البلاد فسادا. وكانت هذه القبائل تزحف ومعها قطعانها، وبعد استقرارها، تغلغل النشاط الرعويّ في السّهول وداخل الغابات.

وشكّلت الحماية الفرنسيّة أيضا حدثا تاريخيّا انعكس سلبا على الغابات التونسية. فقبل مجيء الفرنسيّين، كان الأهالي يقتطعون الخشب للتدفئة ويرعون مواشيهم ولكنّهم لا يُجهدون الغابة. أمّا المعمّرون الفرنسيّون فكانت لهم وسائل استغلال متطوّرة لتلبية حاجاتهم المتزايدة، فتضرّرت غابة صنوبر حلب كثيرا. وكانت الغابة تجتثّ على نحو غير شرعي لتشجيع المعمّرين على الاستقرار بالأراضي وتنمية الفلاحة. وهكذا اجتُثّت من الغابة مساحة 250.000 هكتار أغلبها من صنوبر حلب المنتشر في جهة الوسط التونسية. ومن سنة 1912 التي كانت فيها المساحة الغابيّة 1.096.000 هكتار إلى سنة 1952 التي تقلّصت إلى حدود 844.000 هكتار بلغت الخسارة نسبة 23% على مدى 40 سنة. ولئن سجّل هذا التعويض للأراضي من النجاح (في جهة الربع مثلا) فقد أخفق إخفاقا ذريعا في جهات أخرى غير صالحة تماما للفلاحة (جبل منصور مثلا). وتبعا لانقراض الكساء النّباتي وما نجم عنه من تدهور للتّربة، تخلّى المعمّرون الجدد عن عدّة أراض. فلم تعُد صالحة للزّراعة ولا للرّعي. وفقدت خصائصها الغابيّة.

وبعد الحماية لم يتحسّن الوضع، إذ كانت الغابة تؤمّن حاجات السكّان ومواشيهم. وكانوا في الغالب فقراء. فظلّوا يواصلون اجتثاث الغابة ويقتاتون من النشاط الرّعوي. القائم أساسا على الخرفان والمعيز. ويُقدّر الرّعي المفرط ب 25% بالنّسبة إلى غابات صنوبر حلب في مناخ شبه قاحل. ويصل إلى 50% في مناخ قاحل. وتُضطّر المواشي إلى تقاسم مراع هزيلة، أقلّ من حاجتها بكثير. ومن وجهة نظر المستهلكين، يُعدّ العشب أهمّ من الشجرة. فلا يتردّدون في إبادة الأشجار والأجمات ليوفّروا العشب لمواشيهم. وبالإضافة إلى ذلك، تتعرّض الغابات باستمرار إلى خطر الحرائق التي كانت تلحق بها أفدح الأضرار ويتفاقم ضررها، على وجه الخصوص في فترات الحروب والانتفاضات. ولاشكّ في أنّ أغلب غابات الصّنوبر الموجودة الان، إن لم تكن كلّها، قد تعرّضت إلى حرائق.ورغم هذا بذل الغابيّون جهودا كبيرة للنّهوض بالغابات واستخلافها واستصلاح الأراضي التي اقتُلعت أشجارها وإنشاء فضاءات أخرى مشجّرة.

خصائص صنوبر حلب

ينبت صنوبر حلب في عدّة أنواع من التّربة. ويحتمل نسبًا مهمّة من الكلس. ويبلغ طول الشجرة معدّل 12 مترا ولا يتجاوز 20 مترا في تونس إلاّ نادرا. وتبدأ النّبتة في النموّ أوّل فيفري. وتنتهي في أواخر جويلية من السّنة نفسها. أمّا لحاء صنوبر حلب فهو أملس، فضيّ اللون عندما تكون الشجرة صغيرة. ويُصبح داكنا مُحمرًّا بعد ذلك. واللحاء سريع الالتهاب وغنيّ بالدباغ. وكان استعماله في دبغ الجلود والصّوف وشباك الصيد رائجًا في تونس منذ أقدم العصور. ويتوالد صنوبر حلب عندما يكون عمره بين 8 سنوات و12سنة ويُثمر بغزارة. أمّا حبوبه فهي مجنّحة رماديّة اللون منقّطة بالسواد، يبلغ طول الحبّة من 3 إلى 4 مم وتزن ألفُ حبّة حوالي 17 غراما.

وفي تونس، يُعتبر تجدّد الصنوبر الطبيعيّ غير منتظم من جرّاء الحشرات والطيور وصغار القواضم من الحيوانات التي تُتلف البذور المتساقطة على الأرض. وكذلك من جرّاء ظروف المناخ التربيّ (خاصّة في فصل الصيف) وما تُحدثه المواشي من ضرر عند رعيها في الغابة، إذ تتسبّب في إتلاف الشتائل الصّغيرة. ويتعرّض صنوبر حلب إلى هجومات عدّة طفيليّات بعضها يقتل الأشجار ويحوّلها إلى هياكل خاوية.

خصائص خشب الصنوبر

إنّ لخشب الصنوبر التونسي خصائص فيزيائيّة وميكانيكيّة متميّزة تجعله قابلاً لضروب متنوعة من الاستعمال متنوّعة جدّا وخصوصا من حيث هو خشب منشور. ذلك أنّه جيّد المقاومة في حالتيْ الضغط والالتواء، كما أنّ تماسكه مُمتاز للغاية. أمّا استخدامه صناعيّا، فقد أبرزت الاختبارات التجريبيّة أنّ جميع عمليّات النشارة والاستصناع سهلة ميسورة وأنّها تُقدّم سماكات منتظمة.وقد بيّنت بعض المؤشّرات مثل مؤشر التلبّد ومؤشّر الليونة أنّ خشب الصّنوبر صالح للاستعمال في صناعة الورق وأنّه، على غرار الصنوبر البحري، قابل لصنع الخشب المعاكس وللاستخدام في التلبيس والنّجارة الخفيفة والبطانة الخشبيّة والنّجارة الداخلية. لكنّ ارتفاع نسبة الراتنج في صنوبر حلب يقوم عائقا دون استعمال خشبه في مجالات أخرى أساسيّة، إذ تبلغ هذه النسبة 4.5%.

الانتاجيّة والدّور الاقتصاديّ

رغم التدابير المتّخذة لتحسين التصرّف في الغابات الطبيعيّة ورغم المجهودات المبذولة لاعادة التشجير، مازالت إنتاجيّة هذا النوع من الأشجار ضعيفة، إذ ظلّت معدّلات الانتاج منخفضة تتراوح بين 0.3 و3 متر مكعّب في الهكتار الواحد ولا تتجاوز 3 م3 إلاّ في القليل النادر.وزيادة على توفير الخشب، تؤدي حبوب الصّنوبر (الزقوقو) دورًا اقتصاديّا مهمّا لأن قيمتها التجاريّة مرتفعة. ومن المعلوم أن سكّان تونس يصنعون بهذه الحبوب عصيدة المولد النبوي الشريف. إنّ غابات صنوبر حلب قادرة على إنتاج معدّل 30 كغ في الهكتار سنويّا من حبوب الزقوقو. وهو إنتاج تفوق قيمته التجاريّة إنتاج الخشب بأربعة أضعاف. ويُنتج صنوبر حلب أيضا صمغا جيّدا. وتُفيد تقارير المسؤولين عن تهيئة الغابات أنّه بالامكان إنتاج 150 طنّا من الصّمغ سنويّا والحصول بعد تقطيره على حوالي 20 طنّا من صمغ البطم (térébenthine) ويرى بعض الدارسين أن أفضل إنتاج للصّمغ يتراوح بين 1.5 و1.8 كغ للصنوبرة الواحدة سنويّا. ويظلّ سيلان الصّمغ مُستمرّا من مارس إلى أكتوبر. وبلغ الذروة في فصل الصّيف. وإذا أضيف إلى هذا الصّمغ حامض الكبريت فإنّ مردوديّته تكون أضعاف مردوديّة الطّريقة التقليديّة، مع انخفاض في تكاليف اليد العاملة.