صالح الڨرمادي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:07، 20 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
صالح القرمادي

[1933 - 1982م]

نشأ صالح الڨرمادي في وسط شعبيّ بحيّ الحلفاوين بالعاصمة. وكان أبوه عاملا تنقّل بين السكك الحديديّة والعمل في ورشة ميكانيكيّة والتجارة في السوق المركزية. وقد مارس الابن طبقا للتقاليد القديمة بعض المهن اليدوية على نحو مواز للدّراسة، فاشتغل في النّجارة وصناعة الفخّار. ولم يمنعه ذلك من مواصلة دراسته بتفوّق في المعهد الصادقي (شعبة الآداب الكلاسيكية) ثمّ في جامعة باريس حيث تخرّج مبرّزا في اللغة والآداب العربية (1958). وكان له سواء في تونس أو في فرنسا نشاط مرموق في الأوساط الطلاّبية وضمن الحركات التقدّمية عموما. وتواصل التزامه بقضايا الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بعد عودته إلى تونس.

وفي الجامعة التونسية اشتغل بالتدريس حيث اهتمّ أساسا باللّسانيات والترجمة وأسّس "قسم الألسنية" في بداية الستينات، وكان ينتمي إلى نخبة من المثقّفين الشبّان الذين أصدروا مجلة "التجديد". وفيها ظهرت شخصية الڨرمادي وتعدّدت مجالات إنتاجه في الأدب واللسانيات والترجمة وفنّ المقالة. أمّا إنتاجه الأدبي فقد شمل الشعر والقصّة والمسرح. وامتازت أشعاره بثنائية اللسان: اللحمة الحيّة (بالعربية) وأجدادنا البدو (بالفرنسية)، كما امتازت بخليط لغويّ عجيب يترجم عن كلّ ما في الحياة من تناقضات وتقلّبات. ففيها إقبال على الحياة بنهم وفيها "حبّ لا يغتسل بإبريق" وفيها "فرحة الحياة بالخبز الطريّ"... وقد عبّر الڨرمادي عن ذلك كلّه بخليط لغوي فريد لا يتقيّد بالأوزان والقوافي ولا يتردّد في إقحام الألفاظ الحيّة من مختلف مستويات الدارجة في صميم الفصحى.

وامتاز إنتاجه القصصيّ في "سعيد أو بذرة الحلفاوين" و"الشيّات" وغيرهما بالمراوحة بين الواقعية والرمز، وكذلك بالمزج بين الجدّ والهزل واطّراد التلاعب بألفاظ اللغة أصواتا واشتقاقا ودلالة. وهكذا تعبّر قصص الڨرمادي تعبيرا أمينا عن الواقع اللساني في تونس وعن معاناته الشخصية للازدواجيّة ولتصارع الألسن، كلّما رام التعبير والابلاغ. أمّا في المسرح فقد انتقل الڨرمادي بكل حرية من موضوع إلى موضوع بأسلوب بهلواني عجيب كما في سيناريو "سمك حلاوي" المستوحى من "رسالة الغفران" للمعرّي. وتمثّل الترجمة محورا مهمّا في اهتمامات الڨرمادي وإنتاجه. وقد عرّب بالخصوص قصصا لمبدعين من المغرب العربي لا يستطيعون الكتابة بالعربية وهم: مالك حدّاد "سأهبك غزالة"، ورشيد بوجدرة "التطليق" والطاهر بن جلّون "محا الحكيم محا المعتوه". واعتنى الڨرمادي أيضا بالمؤلّفات اللسانية، تعريبا وتأليفا، حرصا منه على تعميم المعرفة اللسانية الحديثة والتعريف بأبرز اتجاهاتها. وقد كان تأثير الڨرمادي، أستاذا وباحثا لسانيا وأديبا، تأثيرا قويّا في جيل كامل من الأساتذة والطلبة بأسلوبه الطريف وثقافته الواسعة وعمق البعد الانساني في علاقاته البشرية وثراء إنتاجه في جميع الميادين التي شملها اهتمامه.