سليمان الجادوي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:33، 9 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1871 - 1951م]

سليمان الجادوي

ينحدر سليمان بن قاسم الجادوي من أسرة بربرية الأصل، تنسب إلى بلدة جادو التي تقع وسط جبل نفوسة بالقطر الليبي. ولقد عظم شأن هذه البلدة في بدء الفتح الاسلامي، خاصّة في عهد دولة بني رستم بتاهرت، حتّى قيل إنّه اجتمع بها نحو أربعمائة عالم في عصر واحد. ومن العلماء البارزين الذين اشتهروا بالعلم وسعة الاطّلاع، والحزم والصّلاح في تلك البلدة، أحد أجداد سليمان الجادوي، وهو الشيخ سعيد بن عبد اللّه الجادوي الذي رحل إلى مصر، وقضّى بها نحو ثلاثين سنة في طلب العلم، وتلقّى الدّروس على كبار علمائها وفقهائها. ولمّا رجع إلى تونس بعد ذلك، اختار الإقامة والاستقرار بجزيرة جربة، وانتصب للتّدريس بها، فالتفّ حوله عدد كثير من طلاّب العلم، منهم أبناؤه الذين واصلوا هم وأحفادهم بثّ العلم في صدور الرّجال. في هذا الوسط العلمي والثّقافي، ولد سليمان الجادوي بأجيم بجزيرة جربة في عام 1871م. وبعد إتقانه لمبادئ العلوم، قدم إلى العاصمة (تونس)، والتحق بجامع الزّيتونة، وتتلمذ لشيوخ أعلام، منهم: عثمان بن المكّي، وإسماعيل الصّفايحي، ومحمّد بن يوسف، وأحمد بيرم، ومصطفى رضوان، وغيرهم... ولكن لم تدم المدّة التي قضاها سليمان الجادوي]] في الدراسة بالجامع الأعظم أكثر من ثلاث سنوات، إذ ارتحل بعدها إلى مدينة يفرن بجبل نفّوسة بليبيا لمتابعة الدروس هناك، وخاصّة للتفقّه في المذهب الإباضي، وقد لازم بالخصوص دروس الشيخ عبد اللّه الباروني الذي كان من ألمع مدرّسي هذا المذهب في المدرسة البارونيّة.

وظهرت على الجادوي في تلك المدّة علامات التّفوّق والنّبوغ، وهو ما جعله محلّ تشجيع وتقدير. ولمّا رجع إلى تونس، بعد أن ملأ وطابه بثقافة عربيّة إسلاميّة واسعة، احترف التّجارة، وفتح له دكّانا بالعاصمة. وإثر هذه المرحلة من حياة سليمان الجادوي، تحرّكت في نفسه نوازع الوطنيّة الصّادقة، ففكّر في القيام بما يمليه عليه الواجب من تخليص الوطن ممّا يرزح فيه من المصائب والويلات، وتوعية الشّعب ليستفيق من سباته العميق، ودفعه إلى العمل الإيجابي، وإظهار استنكاره لما يسلّط عليه من ظلم وقهر. فأنشأ جريدة "المرشد" لإرشاد المواطنين التّونسيّين إلى ما ينبغي القيام به من التصدّي للمستعمرين الذين يدوسون كرامتهم، ويعتدون على حقوقهم، ممّا لا يتحمّله من كان له ضمير حيّ، وإيمان صادق.

وإضافة إلى ذلك اهتمّ الجادوي في هذه الجريدة بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في أسلوب صحفي مبسّط، لا لبس فيه ولا تعقيد، وهو في متناول فهم الخاصّة والعامّة. وفي جريدة "المرشد" كتب سليمان الجادوي مقالات وطنيّة ملتهبة، سبّبت له كثيرا من الأتعاب والمعاناة، من غرامات وخطايا وسجن، علاوة على أنّ الإدارة الفرنسيّة كانت تدعوه إلى مراكز الشّرطة في كلّ أسبوع تقريبا، لانذاره وتتوعّدُهُ بالويل والثّبور إن هو تمادى في مهاجمتها وفضح سلوكها، وكان في كلّ مرّة يسخر من هذا التّهديد، ولا يقيم وزنا لا للوعد ولا للوعيد.

وقد صدر أوّل عدد من جريدة "المرشد" في 23 نوفمبر 1906، وحوكم صاحبها في شهر مارس 1907 بتهمة الثّلب، وعادت للصّدور في شهر جويلية 1907، ثم تمّ إيقافها من جديد بقرار إداري مؤرّخ في 13 ديسمبر 1908. ثم أصدر الجادوي جريدة ثانية هي "أبو نواس" وهي جريدة أسبوعيّة فكاهية سياسيّة واجتماعيّة، تصدر كلّ يوم جمعة باللّغة العربية والدّارجة، صدر العدد الأوّل منها يوم الثلاثاء 17 أوت 1909، وتوقّفت عن الصدور في 22 أفريل 1910. ثم أصدر جريدة ثالثة هي "مرشد الأمّة"، وهي جريدة علميّة سياسيّة تخدم الملّة والوطن، وقد صدر العدد الأوّل منها في سنة 1909، وآخر عدد في 10 ديسمبر 1950. ومجموع الأعداد التي صدرت من هذه الجريدة 243 عددًا، وكانت في بداية صدورها أسبوعيّة، ثم أصبحت نصف شهريّة، ومنذ سنة 1920 أصبحت من جديد أسبوعيّة. وتعطّلت بقرار مؤرّخ في 8 نوفمبر 1911 إثر حوادث الزّلاّج، ثم عادت للظّهور في سنة 1920, وتعطّلت مرّة أخرى إثر صدور العدد 121 بتاريخ 29 نوفمبر 1925 بقرار صادر في 5 ديسمبر 1925, ولم يُرفع قرار التّعطيل إلاّ في 3 جويلية 1936، فصدرت من العدد 122 إلى العدد 232، وتعطّلت مرّة أخرى، ثم عادت للصّدور في شهر سبتمبر 1948، وهو العدد 233، وتوقّفت بعد صدور العدد 243 في 10 ديسمبر 1950. والمتتبّع لمسيرة الشيخ سليمان الجادوي الإصلاحيّة والصّحفيّة والوطنية يستنتج منها ما كان لهذه الشخصية المتميّزة من مقدرة فائقة، وشجاعة نادرة، وذكاء وقّاد. وقد استطاع بفضل ذلك أن يساهم في خدمة القضيّة الوطنيّة بفكره وقلمه وماله، معتمدا على إمكاناته الخاصّة، دون أن يتلقّى إعانة من أيّ كان. أمّا روحه الوطنيّة الصّادقة، فقد أهّلته لأن ينتخب عضوا في اللّجنة التّنفيذية عند تأسيس الحزب الحرّ الدّستوري التونسي سنة 1920، وكان في مقدّمة وفد الأربعين إلى الملك محمّد النّاصر باي لطلب إعلان الدّستور.وقد بذل إلى جانب ذلك في سبيل القضايا الوطنيّة والإسلاميّة جهودا سيسجّلها له التّاريخ. انتخب مجموعة كبيرة من المقالات المهمّة التي نشرت في جريدة "مرشد الأمّة" وأصدرها في كتاب ضخم يشتمل على 784 صفحة بعنوان: "الفوائد الجمّة في منتخبات مرشد الأمّة" نشره على نفقته الخاصّة.وتوفّي في ليلة الإثنين 19 نوفمبر 1951، في بيته بحمّام الأنف.