سليمان

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مدينة سليمان

تقع بلدة سليمان بمدخل الوطن القبلي، شرقي تونس، وبعيدا عنها بنحو ثلاثين كيلومترا. وتعتبر من أهمّ المراكز التي أنشأها الأندلسيون سنة 1609م في الوطن القبلي على الشاطئ، حيث وجدت عدة رباطات أغلبية، منها قصر جهم أو برج الجهمي وهو برج صادف مكانه وسط المدينة فاستغلّ كتابا لتعليم القرآن. وكان يوجد قبل الحضور الأندلسي بالمكان برج خرب يعرف ببرج أبي سليمان أو قصر الرباط من جملة الرباطات القديمة. ويبدو أنّ الأندلسيين عندما استقرّوا بالمكان حذفوا "أبو" من الكنية للتخفيف فسمّوه بلدة سليمان، ولعلّ الشخص الذي نسب إليه البرج كان بانيه أو أحد المرابطين أو المؤدّبين به.

ويذكره البكري في القرن الخامس الهجري/11م، ولا شكّ في أنّه يعود إلى القرن الثالث. غير أن ّ نقيشة الجامع الكبير توحي بنسبة البلد إلى مؤسّسه سليمان الأندلسي، ولعلّ لقب الأندلسي نسبة إلى البلد لا إلى سليمان. وتذكر النقيشة أنّ أسطا مراد، الذي كان قائد الأسطول العام ثمّ أصبح دايا سنة 1637م، حبّس بعد ستّ سنوات ثلث حمّام البلدة على الجامع المذكور، وهو ما يدل ّ على أن ّ الأندلسيين اختاروا موقع سليمان لا لاستغلال الأرض والبحر فقط بل لحراسة الشواطئ. ومازالت بعض العائلات تحمل أسماء موريسكيّة مثل ماضور (Amador) وهو بيت علم وأدب وقضاء، وريشيكو (Rey chico) بمعنى الملك الشاب، وعائلة كورال، وعائلة الثغري نسبة إلى مؤسّسها الحاج محمد بن إسماعيل الثغري أصيل الثغر الأعلى بين طليطلة وسرقسطة، وعائلة اللونقو بمعنى الطويل، والكاستيليانو نسبة إلى قشتالة، والموستيكو، والبانويل، والتساندو. وقد اضمحلّت جلّ هذه الألقاب ولم تبق محتفظة بها غير السجلاّت والمغارس والعقارات. وقد زال ما كان يتميّز به أندلسيو سليمان من عادات أندلسيّة في الملبس والمأكل، ولم يبق إلاّ اسم طعام الكويرس. وتقوم فلاحة المنطقة على الزياتين والحبوب والأشجار المثمرة كاللّوز والرمّان والعنب والتين والبرتقال.

وقد ساد البلدة الاستقرار وعمّها الازدهار في القرن الأوّل من تأسيسها حتّى ناهز عدد سكّانها العشرة آلاف نسمة في أوائل القرن الثامن عشر، وقد زارها القس الاسباني فرانسيسكو خيماناث سنة 1724م فأطنب في وصفها من الناحية المعمارية وعدّ أهاليها من البدو والعرب والأندلسيين وذكر أنّ هؤلاء بأيديهم السلطة وأنّهم يحكمون على المنوال الاسباني ولا يؤدّون الضرائب عكس بقيّة الأهالي، وأكّد أنّ هؤلاء متفوّقون على العرب والبدو في جميع الميادين ويختلفون عنهم في العادات واللباس والهيئة، وأبرز ما تميّزوا به في الفلاحة وهو استخدامهم للالات والأساليب الاسبانيّة. وختم حديثه عن سليمان بوصف مسهب لحفلة حضرها بنفسه.

لكنّ هذه الحالة لم تدم بسبب تراكم الجبايات والغارات القبليّة والكوارث الطبيعية حتّى كادت تخرب في أواسط القرن التاسع عشر، ولم يبق بها حسب قيران (V.H.Guérin) سوى 700 مسلم وبعض اليهود والأجانب المتمتّعين بامتيازات تسبّبت في توتّر علاقاتهم مع الأهالي وانعدام ثقة هؤلاء في السلطة وانقطاع أملهم في العمل الفلاحي والتجاري والتعميري.