سبيطلة

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:38، 14 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سبيطلة

تقع مدينة سبيطلة في الوسط التونسي في منطقة سهلية. ويحتمل أنّ المدينة كانت موجودة قبل الاستعمار الروماني اعتمادا على وجود بعض مسلات للاله زحل تدلّ على مدافن بربرية. إلا أنّ أقدم النقائش تعود إلى عهد الامبراطور الروماني فلافيوس في القرن الأوّل المسيحي. ورغم وجودها ضمن شبكة الطرق الحربية الرومانية ثم البيزنطية، فإنّها لم تصبح ذات شأن إلا عندما اتخذها البطريق البيزنطي جرجير قاعدة لحكمه في منتصف القرن السابع للميلاد، ولم تُذكر قبل ذلك إلا في القائمة الأسقفية في منتصف القرن الثالث. واعتبارا لموقعها الاستراتيجي وسط المدن الكبرى ومناطق الحراسة والدفاع قد بُنيت بها قلعة منيعة في القرن الرابع لصدّ هجومات البربر.

وفي سنة 411م وُجدت بسبيطلة كنيسة دوناتية وأخرى كاثوليكية. ويبدو أنّ جرجير، عندما اختارها، كان على علم بالحروب بين الروم والعرب في طرابلس وكان يخشى أن يتوغّل الفاتحون في بلاده، ويعتزم الهروب إلى تبسّة في حالة سقوط سبيطلة. ويروي ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" مغانم العرب في غزوتهم الأولى مشيرا إلى الازدهار الذي عرفته سبيطلة في العهد البيزنطي بسبب إنتاج الزيتون.

وبعد هزيمة الروم على أسوار سبيطلة توجّه فريق من الجيش العربي إلى الجمّ لمحاصرتها مدّة طويلة وانتشر فريق آخر في البلاد يحارب ويغنم حتى وصل إلى قفصة. وبعد مفاوضات اتّفق العرب مع الروم على الصلح مقابل مبلغ مالي وعاد ابن أبي سرح إلى مركزه بمصر عودة المسرع المضطرّ، دون أن يتّخذ بإفريقية عاصمة للحكم العربي الاسلامي في هذه البلاد الجديدة.

ويستنتج من هذه الرواية أنّ موقعة سبيطلة لا يمكن أن تعتبر فتحا لإفريقية كاملة بل هي مجرد انتصار عسكري، وأنّ الغنائم التي حصلت للمسلمين عظيمة إلى حدّ مدهش، بل إنّها سبب عودة ابن أبي سرح إلى مصر خوف تألّب الروم عليه واسترجاعها منه، خاصة أنّ جيشه دون الجيش الرومي عددا، كما أنّ الانسجام لم يكن سائدا في صفوف الجيش العربي، وخاصّة عند ظهور خلاف تذكره كتب التاريخ بين ابن أبي سرح وابن الزبير.

بعد هذا يختفي دور سبيطلة من التاريخ فجأة، ولم يعد لها ما كان من أهمية إستراتيجية بعد أن تحوّلت العمليات العسكرية عنها إلى الشمال وإلى المغرب، وبعد أن أصبحت القيروان فيما بعد عاصمة إفريقية الأولى، وقد تأسّست طبقا للشروط التي روعيت في تأسيس سبيطلة البيزنطية من قبلُ. وهكذا لم تعد تُذكر إلا بمناسبة الحديث عن فتوح إفريقية فلا يُضيف المؤرّخون في القرن الثالث الهجري سوى أنّها من ممتلكات الأغالبة، بل أصبحت لا تذكر إلا ضمن منطقة قمّودة، فيشار إلى ازدهار فلاحتها وكثرة عمرانها، ويذكر الرحّالون أنّ أكثر إنتاجها اللّوز والتين وغير ذلك من أنواع الثمار. ويذكر اليعقوبي في نهاية القرن الثالث الهجري، في معرض حديثه عن قمّودة، أنّها إقليم واسع، يقع جنوب القيروان، كثير العمارة والمدن، وأنّه بينها وبين القيروان سبعون ميلا. أمّا البكري في القرن الخامس فلا يذكر سبيطلة وإنّما يذكر مدكور عند حديثه عن الطريق الرابطة بين الجريد (واسمه قسطيلية) والقيروان، ولا يذكر قمّودة بل يسمّيها قمونية، فيقول: "ومن مدينة قفصة إلى فج الحمار وبه فندق وماجل للماء إلى الهروية وهي آخر قرى كورة قمونية. إلى مدينة مدكور وهي أمّ أقاليم بلدة قمونية وكذلك المقدسي في القرن الرابع، فهو يذكر إقليم قمودة وعاصمته ويذكر اسم مدينة سبيبة دون اسم سبيطلة. ولم يبق من آثارها القديمة سوى ما يعود إلى عهد الرومان وعهد جرجير من أمثال المعبد وقوس النصر والمسرح وغير ذلك من المعالم التي كشفت عنها الحفريات، كما لم تبق إلاّ روايات شفوية تحكي غزوة العبادلة السبعة حسب الخيال الشعبي وتتحدث عن أبواب المدينة ومصير ابنة جرجير.أمّا مدينة سبيطلة الحالية المجاورة للمنطقة الأثرية فهي حديثة العهد.