زين العابدين السنوسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1898 - 1965م]

هو الأديب زين العابدين بن محمد بن عثمان بن محمّد السنوسي الكافي من عائلة بني مهنيّة.والده محمّد السّنوسي المتوفّى في 22 نوفمبر 1900, كان من أنصار خير الدين باشا المصلح الكبير. تولّى رئاسة تحرير الرّائد التونسي، أوّل جريدة رسميّة تونسيّة. وكان من رجال الاصلاح، وصاحب مؤلّفات عديدة. والدته حلّومة بن عبد اللّه تزوّجها والده بعد أنّ توفّيت زوجته الأولى هنّونة القليبي.لم يتّفق مترجمو زين العابدين السّنوسي على تاريخ ولادته. فهو مولود بسيدي أبي سعيد سنة 1898 عند بعضهم وسنة 1901 (16 نوفمبر) عند آخرين. والأرجح أنّه ولد سنة 1898, لأنّه أهدى كتابه "الأدب التّونسي في القرن الرّابع عشر" قائلا: "إلى ذلك الذي لم أر شخصه في حياتي [يعني والده]... وقد قضى وتركني صبيّا مرضعا". شبّ زين العابدين السّنوسي محروما من رعاية والد في حجم محمّد السّنوسي الذي ساهم في الحركة الاصلاحيّة وفيما بعد في مقاومة الاستعمار في سنواته الأولى، وربّما كان ذلك سببا في تعثّر مسيرته التّعليميّة. فلم يحصل من الشّهائد إلاّ على الشّهادة الابتدائيّة من فرع المدرسة الصّادقيّة سنة 1915. وتردّد سنة واحدة على ثانويّة هذا المعهد، ثمّ انتقل إلى جامع الزّيتونة الذي تخرّج فيه سنة 1920. ولم يلبث أن اقتحم السّاحة الثّقافيّة بكلّ جرأة، "فالتحق بالجامعة الزّيتونيّة، وهي منظّمة طلاّبيّة لها ناد بسوق الكتبيّة يرأسه الأديب محمّد مناشو، وتصدر عنه مجلّة البدر". وكانت غاية زين العابدين السّنوسي من أوّل أمره كما قال: "السّير على منهاج [والده]، وتعقّب خطواته لفائدة المعرفة والوطن". وكان "شاعرا بواجب إيصال حلقات سلسلة الدّهر". عندما بدأ زين العابدين السّنوسي يعي وعيا مبكّرا ما يحدث حوله في وطنه، ومهجته منصرفة إلى توخّي طريق والده في خوض غمار الاصلاح، وتنمية الحركة الأدبيّة والثّقافيّة، ومقاومة الاستعمار، وجد البلاد، لا سيّما قواها الحيّة على الأقلّ، مقبلة على دخول فترة نضال طويلة، سياسيّا واجتماعيّا وثقافيّا.

فقد شهد تأسيس الحزب الحرّ الدّستوري التّونسيّ بزعامة عبد العزيز الثعالبي سنة 1920, واحتكّ بزعمائه دون التزام واضح، واطّلع عن كثب على ماهيّة الصّراعات السّياسيّة الوطنيّة، من غير خوضها مباشرة، وعاش الهزّات التي عرفتها البلاد، مثل استقالة الناصر باي ,) 1922 (وظهور الحركة النّقابيّة مع محمّد علي ,) 1924 (والضّربة التي وجّهها لها الاستعمار يدعمها تخاذل القوى السّياسيّة. كما شهد عن قرب بروز الحزب الدّستوري الجديد على مسرح الأحداث ,) 1934 (بزعمائه الشّبّان المنتهجين نهجا جديدا في مقاومة الاستعمار مثل الحبيب بورقيبة، وما نتج عن ذلك من قمع الشّعب التونسي واضطهاده بكلّ فئاته. ثمّ عانى مثل كلّ التّونسيّين من امتداد الحرب العالميّة الثانية إلى البلاد التونسيّة ,) 1943 - 1942 (ومن آنعكاساتها على جميع الميادين. وعاين استفاقة القوى الوطنيّة من جديد سواء النقابية أو السّياسية وإعدادها للمرحلة الحاسمة المفضية إلى استقلال البلاد. عاش زين العابدين السّنوسي هذه الفترة الطويلة بأحداثها المثيرة عن قرب. ولكنّ الباحث لا يجد في حياة هذا الوطني ما يدلّ على التزام مضبوط وانضمام واضح إلى حزب من الأحزاب في نضاله السّياسي. لقد كان يناضل حسب تمشّي المثقّف المؤمن بجملة من القيم، ويمارس سلوكه في استقلالية واضحة لكنّه نال ما ناله العديد من الوطنيّين من التعسّف والقمع آنذاك، نتيجة أعمال أملتها عليه إرادته السياسيّة المستقلّة. فلقد تمّ إيقافه بقفصة وأودع السجن، بتهمة الدعاية السياسية ضد حكومة "الحماية".

ثمّ سافر إلى إيطاليا بعد خروجه من السجن بدعوة من القيادة العسكريّة الألمانيّة ممّا ترتّب عليه سجنه في 27 مارس 1945 بحصن روفيسانو بضاحية فلورانس طيلة ثلاثة أشهر ثم نُقل إلى محتشد بلدة فوشيكو. وفي أثناء ذلك حكمت عليه المحكمة الفرنسيّة في تونس بالاعدام بتهمة الفرار مع العدوّ. ونزل عند عودته إلى وطنه يوم 7 جويلية 1945 ببنزرت عن طريق البحر. فألقت عليه سلط الاحتلال الفرنسي القبض، وأودع السجن العسكري بتهمة التعاون مع المحور. ونقل إلى المستشفى العسكري ثمّ المدني بالرابطة بسبب صحّته المتداعية. وفي 26 فيفري 1946 أطلق سراحه. كان لزين العابدين السّنوسي نضال متواصل في الميدان الثّقافي والأدبي فكان المثّقف الذي لم يسهم فقط في الحركة الثّقافيّة المزدهرة آنذاك بل طبع تلك الفترة بشيء من أفكاره ورؤاه نظرا إلى نشاطه الزاخر. إن ّ اعتزازه بتراث والده وإصراره على السير في طريقه ومواصلة مسيرته، كان كلّ ذلك سببا في وجود "ثغرات في تكوينه المعرفي". ومع هذا فهو "واسع الاطّلاع" متفتّح على العصر، له معرفة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة ذو إيمان راسخ بدور الصّحافة وجدوى العمل الفكري وواجب الكاتب في إنارة النّاس والتأثير في المجتمع، ولعلّ تركيبته النّفسيّة المتأثّرة، ولا شكّ، بيتمه، هي التي أكسبته روحا استقلاليّة، وأتاحت له جرأة على طرق موضوعات قلّ من تناولها قبله. كان يكافح من أجل صحافة حرّة، فاضحا ممارسات الادارة الاستعماريّة مثل منحها رخص إصدار الدّوريّات لأناس لا علاقة لهم بالصّحافة والكتابة، بل كثيرا ما كانوا أصحاب سوابق عدليّة، بعيدة عن قضايا الرّأي أو السّياسة. وكان يستنكر ممارسات الادارة الاستعماريّة في مجال التّعليم من دون سلوك المواجهة الحقيقيّة. فقد أثار مثلا في كتاباته قضيّة قلّة المدارس ورفض قبول الأطفال في الرّوضات في سنّ تقلّ عن السّابعة. وكان ينقد نقدا لاذعا أوضاع التعليم في جامع الزّيتونة، ويشنّ حملات على المحكمة الشّرعيّة، ولا يتأخّر في الزّجّ بنفسه في المعارك الأدبيّة وحتّى السّياسيّة في بعض الأحيان. وتتجلّى جرأته ومراوغته للادارة الاستعماريّة مثلا في مجرى حديثه عن نهج مجلّة "العالم الأدبيّ" قوله: "إنّ مشروع العالم الأدبيّ الذي مرّ عليه عامان كاملان [تأسّست في مارس 1930] لم يقم بخدمة ثقافيّة فحسب بل إنّه قام بعمل سياسيّ، ذلك أنّ الادارة [يقصد الادارة الاستعماريّة] اقتنعت بأنّ الصّحافة التّونسيّة لا تنوي المشاغبة بل الارشاد، كلّ في دائرته. وعلى ذلك صمدت هذه الصّحيفة إلى [كذا] خدمة للأدب، والاهتمام بالنّواحي الأدبيّة والفكريّة". اقتحم زين العابدين السّنوسي ميدان الطّباعة والنّشر، وفي الوقت نفسه العمل الصّحفي وكتابة المقالات والدّراسات وإصدار الكتب. فأسّس مطبعة العرب سنة 1922 بتونس العاصمة. فكانت ناديا يختلف إليه كبار الشّعراء والكتّاب أمثال الشّاذلي خزنه دار وأبي القاسم الشّابي والطّاهر الحدّاد وأحمد خير الدّين وغيرهم كثير. وكانت المطبعة تعجّ بالأدباء الشّبّان "فهم ينزلون بها ويعملون فيها، ويتدرّبون على المهنة الصّحفيّة والمسرحيّة وعلى تعاطي العمل الأدبيّ، بعضهم لا يعرف له مقيل إلاّ في دار العرب". أمّا تجربته في ميدان الصّحافة في فترة كانت تعاني فيها الدّوريّات التونسيّة العنت من الادارة الاستعماريّة، فقد كانت ثريّة جدّا. ففي سنة 1923 استأجر امتياز مجلّة "البدر"، وأصدرها تحت عنوان "العرب". وفي سنة 1930 أصدر مجلّة "العالم"، ثمّ "ا لعالم الأدبي" التي هي امتداد لسابقتها التي لم يصدر منها إلاّ عددان. فكانت ملتقى للأقلام التّونسيّة، ومرآة للحياة الأدبيّة، وأداة للتّأثير في الحركة الأدبيّة والفكريّة في تلك الفترة. وفي سنة 1936 بعث إلى الوجود جريدة "تونس" التي توقّفت سنة 1939 بقرار إداريّ، ثمّ عادت إلى الصّدور سنة 1948. (انظر في ذلك، جعفر ماجد، الصحافة الأدبيّة في تونس من 1904 إلى 1955, منشورات الجامعة التونسيّة، تونس 1979 ص 131 وما بعدها وآنظر محمد الفاضل ابن عاشور، الحركة الأدبية والفكريّة في تونس في القرنين 13 - 14هـ/19 - 20م، المجمع التونسي للعلوم والاداب والفنون بيت الحكمة، تونس 2009, ص 160, 167, 211, 217, 218). ولم يقتصر زين العابدين السّنوسي على هذا النّشاط الذي دعم به حركة النّشر بل كان أوّل من أصدر مختارات من الأدب التونسيّ سنة 1927. فكان بهذا الكتاب أّوّل مؤرّخ للأدب التّونسيّ الحديث، فاتحا باب النّقد الأدبيّ بكلّ جرأة، واستقلاليّة في الرّأي، مع طرافة وتفتّح، كما كتب مسرحيّة بعنوان "فتح إفريقيا". وله مشاركات متعدّدة في جلّ الجرائد والمجلاّت الصّادرة بتونس مثل "النّهضة"، و"المعارف"، و"الهدى"، و"الزّيتونة"، ومجلّة "النّدوة"، ومجلّة "الفكر". وإثر استقلال البلاد تولّى إدارة الرّائد الرّسميّ لفترة قصيرة ثمّ حاول إعادة إصدار جريدة "تونس"، ولكنّه أثني عن ذلك، مكتفيا بمنحة تصرف له من كتابة الدّولة للرّئاسة مقابل استشارات تتعلّق بالميدان الثّقافي. وانطوى على نفسه في أواخر أيّامه واقتصر على إمداد مجلّة "النّدوة" بكتابات متنوّعة ثمّ لمّا احتجبت واصل النّشر على صفحات مجلّة "الفكر" (لصاحبها محمد المزالي) محاولا الاسهام في تصوّر المجتمع الجديد بعد استقلال البلاد. فكتب المقالة والشّعر وترجم نصّا لمالك حدّاد.وقد توفّي في 27 ماي 1965.