«زاوية عين الصابون»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 1: سطر 1:
 
أقيمت هذه الزاوية سنة 1845 بقرية القصر بمرقب شواش كما جرت التسمية في تلك الفترة. والقصر عمادة راجعة اليوم إلى معتمدية [[مجاز الباب]] من ولاية [[باجة]]. وزائر هذه الزاوية ينتبه إلى خصائص قلّ نظيرها. فهي منتصبة في جبل محاط بجبال أخرى غابية تكثر فيها الحيوانات. وهي تتوسط عينين، العين العليا إلى جوار الزاوية على اليمين بالنسبة إلى الزائر تسمّى "العين المرّة" وهي عند قاصدي الزاوية والساكنين فيها ومن حولها ذات بركة تشفي من الأمراض الجلدية بوجه خاص، وهي عند أهل الاختصاص في علم الجيولوجيا غنية بحامض الكبريت ذي المنافع الصحية المعلومة. والعين الثانية إلى شمال الزاوية في المنحدر تسمّى "عين الصابون". وقد ذهب في اعتقاد الرّواد أنّ لها ميزة متصلة بطاقة على التنظيف عجيبة فضلا عن كونها ماء معدنيا يتّجه صوبه أهل الزاوية وسكان محيطها القريب (حاجة) والبعيد (تبرّكا) للتزويد. والعلاقة بين الزاوية والماء تكشف عن التلازم المعروف بين الخير الروحي والخير المادي.
 
أقيمت هذه الزاوية سنة 1845 بقرية القصر بمرقب شواش كما جرت التسمية في تلك الفترة. والقصر عمادة راجعة اليوم إلى معتمدية [[مجاز الباب]] من ولاية [[باجة]]. وزائر هذه الزاوية ينتبه إلى خصائص قلّ نظيرها. فهي منتصبة في جبل محاط بجبال أخرى غابية تكثر فيها الحيوانات. وهي تتوسط عينين، العين العليا إلى جوار الزاوية على اليمين بالنسبة إلى الزائر تسمّى "العين المرّة" وهي عند قاصدي الزاوية والساكنين فيها ومن حولها ذات بركة تشفي من الأمراض الجلدية بوجه خاص، وهي عند أهل الاختصاص في علم الجيولوجيا غنية بحامض الكبريت ذي المنافع الصحية المعلومة. والعين الثانية إلى شمال الزاوية في المنحدر تسمّى "عين الصابون". وقد ذهب في اعتقاد الرّواد أنّ لها ميزة متصلة بطاقة على التنظيف عجيبة فضلا عن كونها ماء معدنيا يتّجه صوبه أهل الزاوية وسكان محيطها القريب (حاجة) والبعيد (تبرّكا) للتزويد. والعلاقة بين الزاوية والماء تكشف عن التلازم المعروف بين الخير الروحي والخير المادي.
أسّس الزاوية الشيخ محمد الصّالح بن أحمد الحسيني الشريف العمراني، ونسبه كما وقفنا عليه ضمن شجرة طولها أربعة أمتار ينتهي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ما يبرر اللقب الأوّل "الحسيني" ويدعمه اللقب الثاني بالانتساب إلى آل البيت "الشريف". أمّا اللقب الثالث "العمراني" فهو متصل بالرحلة من الحجاز إلى المغرب (وبصفة أدق فاس) إلى تونس وهو يعود رأسا إلى سلالة الأدارسة.
+
أسّس الزاوية الشيخ محمد الصّالح بن أحمد الحسيني الشريف العمراني، ونسبه كما وقفنا عليه ضمن شجرة طولها أربعة أمتار ينتهي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ما يبرر اللقب الأوّل "الحسيني" ويدعمه اللقب الثاني بالانتساب إلى آل البيت "الشريف". أمّا اللقب الثالث "العمراني" فهو متصل بالرحلة من الحجاز إلى المغرب (وبصفة أدق فاس) إلى تونس وهو يعود رأسا إلى سلالة الأدارسة.المصادر والمراجع ضنينة بالأخبار عن الشيخ الصالح ولم نظفر بتاريخ محدد إلاّ بتدقيق النظر في عدد من الوثائق بالأرشيف الخاص بالعائلة أو بالأرشيف الوطني، فوقعنا على سنة 1845 تاريخ بناء الزاوية، وعلى سنة 1867 سنة صدور الأمر العليّ عن المشير الثالث محمد الصادق باي في تعيين ابن الشيخ الأكبر وهو محمد بن محمد الصالح على رأس الزاوية وتوافق سنة 1284 هجريا. وإذا كانت الأوامر الصادرة عن الباي مستعجلة في عقد الولاية على الزوايا من هذا النوع فالمرجّح أنّ وفاة الشيخ المؤسّس توافق سنة 1867.  
المصادر والمراجع ضنينة بالأخبار عن الشيخ الصالح ولم نظفر بتاريخ محدد إلاّ بتدقيق النظر في عدد من الوثائق بالأرشيف الخاص بالعائلة أو بالأرشيف الوطني، فوقعنا على سنة 1845 تاريخ بناء الزاوية، وعلى سنة 1867 سنة صدور الأمر العليّ عن المشير الثالث محمد الصادق باي في تعيين ابن الشيخ الأكبر وهو محمد بن محمد الصالح على رأس الزاوية وتوافق سنة 1284 هجريا. وإذا كانت الأوامر الصادرة عن الباي مستعجلة في عقد الولاية على الزوايا من هذا النوع فالمرجّح أنّ وفاة الشيخ المؤسّس توافق سنة 1867.  
 
  
 
انتمى الشيخ محمد الصالح إلى [[الطريقة الرحمانية|الطريقة الرحمانيّة]] وقد تشبّع بمبادئها مذ كان ريّضا بزاوية أبي الحسن الدهماني الكائنة بنهج المر بربض باب الجديد. وترجع [[الطريقة الرحمانية]] إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمان (الجزائري) المريد الروحي للشيخ عمر الخلواتي (ت1398م بالشام) وللشيخ البكري (ت1735م). والناظر في ملف [[الطريقة الرحمانية]] بالأرشيف التونسي (ملف 3 - 97) يدرك كثرة أتباعها في الايالة التونسيّة. ولعل هذا الانتشار يفسر جانبا من الأسباب التي جعلت الزاوية محل تقدير من أهل الطريقة وأهل السلطة إلى هذا اليوم، وجعلت لسلالة الشيخ المقيمة بالزاوية أو [[باجة]] أو [[مجاز الباب]] أو تونس العاصمة مكانة ووقارا.
 
انتمى الشيخ محمد الصالح إلى [[الطريقة الرحمانية|الطريقة الرحمانيّة]] وقد تشبّع بمبادئها مذ كان ريّضا بزاوية أبي الحسن الدهماني الكائنة بنهج المر بربض باب الجديد. وترجع [[الطريقة الرحمانية]] إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمان (الجزائري) المريد الروحي للشيخ عمر الخلواتي (ت1398م بالشام) وللشيخ البكري (ت1735م). والناظر في ملف [[الطريقة الرحمانية]] بالأرشيف التونسي (ملف 3 - 97) يدرك كثرة أتباعها في الايالة التونسيّة. ولعل هذا الانتشار يفسر جانبا من الأسباب التي جعلت الزاوية محل تقدير من أهل الطريقة وأهل السلطة إلى هذا اليوم، وجعلت لسلالة الشيخ المقيمة بالزاوية أو [[باجة]] أو [[مجاز الباب]] أو تونس العاصمة مكانة ووقارا.

مراجعة 14:03، 29 ديسمبر 2016

أقيمت هذه الزاوية سنة 1845 بقرية القصر بمرقب شواش كما جرت التسمية في تلك الفترة. والقصر عمادة راجعة اليوم إلى معتمدية مجاز الباب من ولاية باجة. وزائر هذه الزاوية ينتبه إلى خصائص قلّ نظيرها. فهي منتصبة في جبل محاط بجبال أخرى غابية تكثر فيها الحيوانات. وهي تتوسط عينين، العين العليا إلى جوار الزاوية على اليمين بالنسبة إلى الزائر تسمّى "العين المرّة" وهي عند قاصدي الزاوية والساكنين فيها ومن حولها ذات بركة تشفي من الأمراض الجلدية بوجه خاص، وهي عند أهل الاختصاص في علم الجيولوجيا غنية بحامض الكبريت ذي المنافع الصحية المعلومة. والعين الثانية إلى شمال الزاوية في المنحدر تسمّى "عين الصابون". وقد ذهب في اعتقاد الرّواد أنّ لها ميزة متصلة بطاقة على التنظيف عجيبة فضلا عن كونها ماء معدنيا يتّجه صوبه أهل الزاوية وسكان محيطها القريب (حاجة) والبعيد (تبرّكا) للتزويد. والعلاقة بين الزاوية والماء تكشف عن التلازم المعروف بين الخير الروحي والخير المادي. أسّس الزاوية الشيخ محمد الصّالح بن أحمد الحسيني الشريف العمراني، ونسبه كما وقفنا عليه ضمن شجرة طولها أربعة أمتار ينتهي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ما يبرر اللقب الأوّل "الحسيني" ويدعمه اللقب الثاني بالانتساب إلى آل البيت "الشريف". أمّا اللقب الثالث "العمراني" فهو متصل بالرحلة من الحجاز إلى المغرب (وبصفة أدق فاس) إلى تونس وهو يعود رأسا إلى سلالة الأدارسة.المصادر والمراجع ضنينة بالأخبار عن الشيخ الصالح ولم نظفر بتاريخ محدد إلاّ بتدقيق النظر في عدد من الوثائق بالأرشيف الخاص بالعائلة أو بالأرشيف الوطني، فوقعنا على سنة 1845 تاريخ بناء الزاوية، وعلى سنة 1867 سنة صدور الأمر العليّ عن المشير الثالث محمد الصادق باي في تعيين ابن الشيخ الأكبر وهو محمد بن محمد الصالح على رأس الزاوية وتوافق سنة 1284 هجريا. وإذا كانت الأوامر الصادرة عن الباي مستعجلة في عقد الولاية على الزوايا من هذا النوع فالمرجّح أنّ وفاة الشيخ المؤسّس توافق سنة 1867.

انتمى الشيخ محمد الصالح إلى الطريقة الرحمانيّة وقد تشبّع بمبادئها مذ كان ريّضا بزاوية أبي الحسن الدهماني الكائنة بنهج المر بربض باب الجديد. وترجع الطريقة الرحمانية إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمان (الجزائري) المريد الروحي للشيخ عمر الخلواتي (ت1398م بالشام) وللشيخ البكري (ت1735م). والناظر في ملف الطريقة الرحمانية بالأرشيف التونسي (ملف 3 - 97) يدرك كثرة أتباعها في الايالة التونسيّة. ولعل هذا الانتشار يفسر جانبا من الأسباب التي جعلت الزاوية محل تقدير من أهل الطريقة وأهل السلطة إلى هذا اليوم، وجعلت لسلالة الشيخ المقيمة بالزاوية أو باجة أو مجاز الباب أو تونس العاصمة مكانة ووقارا. لم تكن الزاوية إطارا للذكر والمجاهدة فحسب، بل كانت مدرسة أيضا فيها مبيت للطلبة المؤهلين لطلب العلم بجامع الزيتونة،وكان بيت الصلاة يلبي حاجتهم تعبّدا وتعلّما. فهذه الزاوية تعلّم القرآن حفظا وتفسيرا يسيرا وتعلّم الفقه والحديث وتحافظ إلى اليوم على عدد من الوثائق المحيلة إلى مضمون التعليم وبرامجه. وكان لها نظام قائم الذات كسائر الزوايا المعروفة، يتلخّص في التراتب المحترم لدرجة العلم والورع والمجاهدة. فإلى جانب الشيخ (شيخ الزاوية) يشرف على المريدين المقدّم (لكل جهة منتسبة إلى الزوايا مقدّم خاص بها) ويعينه في مرتبة دونه باش شاوش، وهو بذاته المشرف على الشواش المنسقين بين بقية المريدين ويطلق عليهم إلى يومنا هذا اسم : "الاخوان". والنظام يجري به العمل إلى هذه الفترة ويجد الزائرون الكثر آثار هذا التّراتب في حالات الذكر والدعاء أو الألعاب، و"الحضرات". وقد وقفنا على أبرز المريدين والتابعين فوجدناهم منتشرين جغرافيا على النحو التالي:

  • شمالا: كلّ محيط الزاوية، شواش، حيدوس، توكابر، مجاز الباب، مقعد، بازينة، تينجة، عمدون، الطبابة وصولا إلى نفزة ووشتاتة فضلا عن باجة.
  • وسطا: أرض جلاص وأطراف من القيروان وأجزاء من الفراشيش وماجر.
  • جنوبا: وجدنا الصّلة مع نفطة بوجه خاصّ. وللمقيمين بالحاضرة (مدينة تونس) من أهل هذه الجهات علاقة زيارة وذكر مع الزاوية معلومة.

ولقد تميّزت الزاوية بحدث تاريخي ذي بال نقله أحمد بن أبي الضياف في "الاتحاف"، وهو يتّصل بحركة علي بن غذاهم. فقد كان الشيخ محمد الصالح شيخ الزاوية مؤاخيا للشيخ مصطفى عزّوز (ت 1866م) صاحب الطريقة بزاوية نفطة. ولقي الشيخان من الباي محمد الصادق من الخديعة والمكر ما يفسّر جوانب من المعاملة التي أساءت إلى علي بن غذاهم وأدّت إلى هلاكه. ونفهم من هذا الخبر ومن الوثائق التي اطلعنا عليها من الأرشيف الرسمي أو الخاص، الدور الذي كان يضطلع به عدد من الزوايا وفيه من الدلالات الاجتماعيّة ما ينطق عن وظائف ثقافيّة بالمعنى الأنثروبولوجي ذات بال. فلم يكن هذا النوع من الزوايا بدعا وتجاوزات بل كان جامعا للتقوى المنشودة والمشاركة في الحياة الاجتماعيّة الناجعة (التربية والتعليم والصلح بين العروش...). ولعل هذا المظهر يستدعي الاقبال على أعمال مخبريّة تفرض مقاربة نقديّة علميّة قد تساعد على تطهير الموروث من الزيف.