خمير

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
جبال خمير

خُمير (أو خميْر، كما ينطقها الأهالي باللّهجة المحلية) هو اسم قبيلة تونسيّة سمّيت باسمها السّلسلة الجبلية الممتدّة على ساحل البحر بالشمال الغربي من البلاد. وجبل خمير ومنطقته هما جزء من ولاية جندوبة التي تمسح 3000 كلم مربع. وكتلة جبال خمير، التي هي امتداد بالبلاد التّونسيّة لسلسلة الأطلس التلّي مكوّنة من تجاعيد من الحثّ كبيرة التفاوت والفروق بين جبال وأهواد، ومتجهة من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. وتوجد بين طرفي هذه الكتلة الجبليّة، اللّذين يفصل بينهما منخفض غزوان الكلسي والمفتوح للزّراعات، فروق محسوسة رغم وحدة هذه المجموعة. فمنطقة خمير الغربية يبلغ أقصى ارتفاعها بجبل الغرة علو 1202من الأمتار. أمّا المنطقة الشرقية وهي عسيرة المدخل وعرة المسلك رغم تواضع ارتفاعها فإنّها تبلغ 1014 مترا في أعلى جبالها، جبل البير، الذي يشرف على مدينة عين دراهم. وإنّك لترى حيثما توجّهت جبالا عميقة الأخاديد ووهادا وعرة المنحدرات تضفي مظهرا بريّا على كامل هذه الجهة المكسوّة بغابة تمسح 47000 هكتار، سبعة أعشارها من شجر بلّوط الفلين، وعُشُران منها من شجر الزّان، والعُشُر الأخير أشجار متنوعة منها الزيتون البرّي. وأمّا نبت الحراج تحت الأشجار فيتكون غالبا من السّرخس. وقد أدخلت منذ عهد قريب أنواع أخرى من الأشجار إلى المنطقة مثل شجر صنوبر البندق. ومعدّل نزول الأمطار بمنطقة جبل خمير هو أعلى معدّل بالبلاد التّونسيّة إذ يبلغ مترا كاملا في السنة، مع حد أقصى بعين دراهم في مستوى 1575 مم. ورغم وفرة الأمطار وأهمية نزول الثلوج نسبيا فإنّ هذه المنطقة الجبلية تشكو نقصا في المياه. فالعيون كثيرة لكنّها شديدة التشتّت وقليلة الغزارة في الغالب، بل إنّ بعض العيون يغور ماؤها تماما في فصل الصيف.

وفي العهود القديمة لم تبق منطقة جبل خمير بمعزل عن توغّل الرومان ونفوذهم. وكانت تشقّها ثلاث طرق. ففي اتجاه الطول الطريق الرابطة بين قرطاج وهيبورجيوس (Hippo Regius) التي أصبحت تسمّى بونة ثمّ عنابة حاليا، مرورا بهيبو دياريتوس (Hippo Diarhytus) وهي بنزرت حاليا. وفي اتجاه العرض الطريق التي تصل بين سيميتو (Simitu)، وهي شمتو الحالية وطبراقا (Thabraca) أو طبرقة وقد اكتشفت عدّة بقايا من هذه الطريق. ثمّ الطريق التي تخرج من (Vaga) وهي باجة الحالية لتوافي مدينة طبرقة نفسها عبر تريسيبا. وقد كانت طبرقة في أول عهدها مصرفا تجاريا ساحليا للقرطاجيّين ثمّ أصبحت ابتداء من القرن الرابع واحدة من أغنى أسقفيات إفريقيا وكانت تزوّد روما بمنتجات المنطقة مثل خشب البناء والوحوش وكذلك الزيت والقمح والمواد المنجمية. وكانت "مدينة ترف، للفن فيها منزلته إلى جانب الأعمال التجارية" (كما يقول عنها ب. غوكلار في كتابه فسيفساء، ص 155) وقد قدّمت إلينا لوحات فسيفساء زاخرة بالفنّ والجمال.

مقاوم من جبال خمير

ومن الغريب أنّ منطقة جبال خمير لم يكن لها ذكر في أحداث التاريخ ولم تلفت الانتباه طوال العصر الوسيط كلّه، وعلينا أن ننتظر العصور المتأخّرة وخاصة منها الحقبة المعاصرة لنرى هذه المنطقة تدخل في التاريخ، فتبرز لنا موطن هروب واختباء ومركز مقاومة في الوقت نفسه، خارج تماما أو يكاد عن سلطة حكّام تونس.

قايد الباي الحسيني يجتمع مع أهالي خمير بمنطقة فرنانة المعترضين على المجبى

وكان لأهالي خمير علاقات وديّة مثمرة بالصيّادين الجنويّين المستقرّين، منذ سنة 947هـ/1540م، بجزيرة صغيرة مساحتها 40 هكتارا يفصلها عن طبرقة مضيق بحري عرضه 500 متر. لذلك تأثّروا بشدّة عندما قام علي باشا سنة 1153هـ/1740م باسترجاع هذه الجزيرة عنوة (ابن أبي الضّياف، الاتحاف، ج2، ص 124). وفي سنة 1183هـ/1769 - 1770م التفّ أهالي خمير حول الدعي عثمان الحدّاد، الذي بُوغت وأُسّر بعد ذلك ثمّ قُتل (المصدر نفسه، ج 2، ص 165). وفي سنة 1260هـ/1844م، ساندوا دعيا آخر كان يزعم أنّه من ذريّة عثمان باي. وقد وقع هو الآخر في الأسر بالحيلة وضرب عنقه، (نفس المصدر، ج 4، ص 78 - 79 نشر أحمد عبد السلام، ص 116 - 117). وفي سنة 1282 هـ/1865م، قام علي باي، على رأس "المحلّة" المكلّفة بجمع الجبايات، باستنزاف كلّ ما يملكه أهالي منطقة باجة، لكنّه لم يجرؤ على الاقدام على دخول منطقة جبل خمير التي لم يدفع أهاليها المجبى إلاّ في حدود ما ارتضوه ووافقوا عليه (ابن أبي الضيّاف، المصدر المذكور، ج4، ص 55، 65) لكنّ جبل خمير لم يشارك في انتفاضة سنة 1864، إذ لم تشعر المنطقة أنّها معنيّة بهذا الأمر، ولا في اضطرابات سنة 1867 - 1868.

ولم تحتلّ المنطقة فجأة مقدّمة الأحداث إلاّ سنة 1881. ونظرا إلى أنّ عامل طبرقة الراجع إليه أمرهم مبدئيا لم يكن له عليهم أي نفوذ حقيقي، فقد قررت السلط الفرنسيّة، في نطاق سياسة تنافس الكثير من الدول الكبرى، أن تقوم برد الفعل. وشرع الفرنسيّون في شنّ العملية التي آلت إلى انتصاب حمايتهم على البلاد التّونسيّة. ففي 24 أفريل 1881 اقتحمت الجيوش الفرنسيّة التراب التّونسي، وبعد يومين احتلّت هذه الجيوش مدينة الكاف دون قتال، وفي 13 ماي جاء دور عين دراهم، ثمّ شتّت الجيش الفرنسي في اليوم الموالي جموع بني خمير بموقع ابن مطير إثر معارك شديدة.

أمّا عن أصل سكّان جبل خمير فإنّا لا نملك أيّ معلومات دقيقة أو ثابتة. ولا نعثر على لفظة خمير في أيّ نصّ من كتابات العصر الوسيط. وفي العهد الذي ألّف فيه ابن خلدون، تاريخه أي القرن الثامن هـ/الرابع عشر م، كانت المنطقة الممتدة بين باجة والبحر آهلة بالبربر من قبيلة هوارة، وقد تعرّبوا تماما بمن اختلط بهم من العناصر العربيّة الأصلية، ولا سيما بعض بني هذيل (كتاب العبر ج 6 ص - 288 - 289، ترجمة دي سلان، البربر، ج 1 ص 279).

وبنو خمير يشكّلون عند المؤرّخ لغزا مبهما يتعذّر حلّه، فهم لا يظهرون إلاّ في القرن التّاسع عشر، ولا نكاد نجد عنهم مع ذلك في الوثائق الرّسميّة سوى بعض الاشارات العابرة بمناسبة نهبهم أجوارهم في السهول أو عند محاولة "محال" الجيش إرغامهم على دفع الجبايات، لكن دون جدوى. فمن هم هؤلاء الناس؟ أما هم أنفسهم فينتسبون إلى العرب. وإنّه يوجد فعلا باليمن منبع ماء يسمّى خميرا (ياقوت، البلدان، ج2، ص 390, ج3، ص 406) كما توجد قبيلة قحطانية تدعى بني خمر (القلقشندي، النهاية ص 247) وقد يكون خمير تصغيرا لها. وتقول الأسطورة أيضا إنّهم ينحدرون من رجل يدعى خميرا بن عمر، وهو أحد مشاهير أصحاب عقبة بن نافع فاتح المغرب، ويقال إنّ أحد أولاد خمير هذا، وهو سيدي عبد اللّه أبو الجمال، قد أنهكه الجهاد في سبيل اللّه فاعتزل بقلب منطقة الجبال فوق نجد عال يبعد حوالي 5 كيلومترات في اتّجاه الجنوب الغربي من عين دراهم، وانتظر حتّى أدركه الموت هناك. وقد أقيمت "زاوية" بذلك المكان مازالت تخلّد تلك الأسطورة وتقوّي اللّحمة بين بني خمير في إكبارهم وإجلالهم شبه الكامل لوليّهم الصالح وجدّهم المفترض. وفي رواية أخرى يكون بنو خمير قد أقاموا أول الأمر بجنوب البلاد التّونسيّة حيث كانوا أتباعا لشابيّة القيروان، وفي أثناء القرن الثامن عشر اضطروا إلى الهجرة نحو الشمال والنزول بالمنطقة الجبلية التي أصبحت تسمى باسمهم. وينقسم بنو خمير إلى عدة عروش وبطون أهمّها بالجهة الشرقيّة من منطقة جبل خمير: أولاد عمر والحوامديّة وأولاد بن سعيد والسعاديّة والوراهنيّة والطواجنيّة بجهة طبرقة. وسلول وهذيل وأولاد مسلم والخرايصيّة والجدايديّة والجوابليّة والملايكيّة وأولاد موسى وأولاد هلال والحمران والدبابسة وخصوصا العطاطفة بجهة عين دراهم. والقواديّة والتباينيّة والشيحيّة بجهة فرنانة. أمّا بالجهة الغربية من المنطقة فيوجد من البطون بنو مازن وأولاد علي والخزارة والمراسن ووشتاتة. ومن العبث أن نحاول التمييز بين العرب والبربر في هذه القبائل. وفعلا فإنّ سكّان هذه المنطقة الجبليّة هم خلاصة تمازج طويل وعميق بين أجناس وعناصر مختلفة، يرجع إلى أوّل العهد الوسيط أو إلى ما قبل ذلك. وقد عجل في حصول هذا التمازج دون شكّ زحف بني هلال في أواسط القرن الخامس هـ/الحادي عشر م، ثمّ بني سليم في أوائل القرن السابع هـ/الثالث عشرم. وتجدر الاشارة إلى أنّ لهجة التخاطب العربيّة الحاليّة لا تشتمل على أي أثر من اللّغة البربريّة وإنّنا نعثر أحيانا على خيمة من خيام الرّحل منصوبة في قلب الجبال، وفي ذلك ما فيه من الغرابة.

أمّا الرحّالة والمهتمّون بوصف البلدان والأقاليم من كتّاب العصور الوسطى فلم يخط جبل خمير في حدّ ذاته لديهم باهتمام خاص، وإنّما تحدّثوا خصوصا عن الطرقات والمسالك.أمّا ابن حوقل، وقد زار المغرب في آخر النصف الأول من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، فهو يذكر أنّ "الجادّة" بين تونس وطبرقة تمرّ بباجة (صورة الأرض، ص 76) ويذكر البكري، الذي كان يكتب في أواسط القرن الخامس هـ/الحادي عشر م، أن الطريق بين باجة وطبرقة مقسّمة على ثلاث مراحل مرورا بباسلي ودرنة (المسالك 86 - 87 / 120 -121 )، ويشير الادريسي (أواسط القرن السادس هـ/الثاني عشر م) إلى وجود طريقتين بين تونس وطبرقة، الأولى تمر ببنزرت والأخرى تتفرع عند باجة (النزهة 84- 85). ومن البديهي أن هذه الشبكة تتبع من قريب الطرقات والمسالك الموروثة عن العصور القديمة.

ونحن لا نملك أيّ معلومات مدقّقة عن المدن أو القرى بجبل خمير طوال العصر الوسيط بأكمله. وأقصى ما يمكن أن نقوم به هو متابعة التطور الذي حصل في مدينة طبرقة. وقد سبق أن رأينا أنّها ازدهرت على نحو لافت في العصور القديمة. وفي القرن الرابع هـ/العاشر م، أضحت طبرقة بشهادة ابن حوقل إحدى المحطات الأساسيّة في الطريق البحري الرابط بين الأندلس والمشرق (المصدر المذكور، ص 76). وفي القرن الخامس هـ/الحادي عشر م، يشير البكري إلى وجود آثار ضخمة من معالم تعود إلى العصور القديمة مازالت ماثلة بالمدينة التي احتفظت ببعض الازدهار الناتج عن نشاط مينائها. أمّا في القرن السادس هـ/الثاني عشر م، فإنّ الادريسي يؤكّد لنا أنّها لم تعدّ سوى حصنٍ قليل الساكن يحيط بها البدو. وفي خاتمة المطاف أصبحت المدينة في أوائل القرن السادس عشر مجرّد "ميناء مقفر" (حسبما يذكره الحسن بن محمد الوزّان الفاسي المعروف بليون الافريقي في كتاب وصف إفريقيا، ص 549). أمّا اليوم فإنّ طبرقة ميناء يصدّر بالخصوص إنتاج منطقة جبل خمير من الفلّين (من 3 إلى 4000 طن سنويا). وتعيش المدينة كذلك من الصيد البحري ومن استغلال المرجان - ولو بقدر محدود - كما أنّها استفادت من النهضة السياحية للبلاد التّونسيّة.

بني مطير

وأهمّ التجمّعات السكنيّة بمنطقة جبال خمير هي مدينة عين دراهم على ارتفاع 800 متر، وهي محطّة اصطياف. أمّا فرنانة وارتفاعها 275 مترا فهي بالخصوص مركز لسوق أسبوعيّة. وببّوش ليست سوى قرية حدوديّة على طريق المرور إلى البلاد الجزائريّة.أمّا بن مطير فإنّها قرية صغيرة متواضعة بُني بالقرب منها سدّ على وادي اللّيل سنة 1955 لتوليد الطاقة الكهربائية وتزويد مدينة تونس بالماء. وأقيم سدّ آخر على مجرى الوادي الكبير. وبالرّغم من الجهود المبذولة في سبيل تجميع السكّان فإنّ السّكن بقي في الغالب متّسما بالتّشتّت بحسب عيون المياه ومواقع الضيعات الزراعية الصغيرة.

وفي الحقيقة فإنّ منطقة جبال خمير منطقة فقيرة تقتصر على تعاطي اقتصاد أساسه الغابات والمراعي. ومستوى العيش بهذه المنطقة هو من أشدّ المستويات انخفاضا بالبلاد التّونسيّة. وأهمّ مورد لهذه الجهة ناتج عن تسويق الفلين، كما توفّر زراعة التبغ أ يضا موارد لا بأس بها. أمّا تربية الماشية من بقر وغنم وماعز فإنّها لم تتطوّر، ولا توفّر سوى دخل ضعيف. هذا وإنّ الجهود المبذولة لتحسين غراسة الأشجار المثمرة بجعل أشجار التفّاح والاجّاص والكرز تتأقلم مع مناخ المنطقة لم تؤدّ إلاّ إلى نتائج محدودة جدّا. أمّا إنتاج الصناعات التّقليديّة المحليّة مثل زربية خمير ذات اللّون الأبيض والأسود والرمليّ، وبعض الأدوات من الخشب لوضع الأطعمة وتناولها، والتطريز الخاص بالمنطقة فإنّه غير مرغوب فيه خارج الجهة ولا يشغّل إلا يدا عاملة قليلة. ولا بدّ من الاشارة أخيرا إلى أنّ المياه المعدنيّة الساخنة الكبريتيّة النابعة ببرج الحمّام والمشهورة منذ العصور القديمة بخصائصها العلاجية الطبيّة، قد كانت منطلقا لاقامة محطة معدنيّة عصريّة بجانب آثار عتيقة، أطلق عليها اسم حمّام بورقيبة. وهذه المحطّة التي وسّع فيها سنة 1973 أصبحت تجلب عددا متزايدا من الزوّار والروّاد التونسيّين.

ببليوغرافيا

  • Peyras J,"Les cités de Tell nord est tunisien dans l'antiquité",'B.C.T.H',Fasc 17B,Pars,1984,pp115-130
  • Le Tell Nord-est Tunisien dans l'antiquité,Paris,1991
  • Saïdi O,les grandes plaines de la Haute vallée de Medjerdah et la Kroumirie,Tunis,1980