حلق الوادي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

في القرن 3هـ أسس الأمراء الأغالبة رباطا في موضع حلق الوادي قبالة الرباط الذي كان موجودا منذ ق1هـ على الضفة المقابلة للقنال ويعرف برباط رادس، وكان ضمن سلسلة من الرباطات على كامل سواحل إفريقية. وكان رباط حلق الوادي، المعروف بقصر الأمير في العهد الصنهاجي، يضمن، مع ما جاوره من رباطات، حماية خليج تونس والمدينة التي ستصبح عاصمة للبلاد إلى حلول ق10هـ تاريخ وصول جيوش شارل الخامس الاسبانية إلى حلق الوادي.والمعروف أن الصراع الاسباني التركي على البحر وعلى الولايات العثمانية قد أدّى إلى هزيمة الأتراك في تونس سنة 1571م ثم انتصارهم على الاسبان سنة 1574م بقيادة سنان باشا. ولقد أسّس الاسبان بحلق الوادي، طيلة مكوثهم حوالي أربعين سنة، مدة حكم شارل الخامس وابنه فيليب الثاني، حول الرباط الاسلامي الأغلبي المربع الشكل قلعة كبيرة وسّعوها في وقت لاحق حتى كانت فيما يبدو تقرب من مكان السكة الحديديّة، ووظّفوا في بنايتهم تلك الحجارة المجلوبة من أنقاض الحنايا الرابطة قديما بين زغوان وقرطاج. ولكن الأتراك تمكنوا فيما بعد من تقليص حجم القلعة لتحافظ على حصنين فقط مما بناه شارل الخامس. وفي ق17م أصبح ميناء حلق الوادي الحربي ذا أهمية بالغة بفضل دعم الأندلسيين المهاجرين للأسطول التونسي انتقاما من أعدائهم النصارى وخاصة الاسبان الذين طردوهم من أوطانهم، وكان منهم من برع في الصناعة الحربية وصنع المدفعية والتحكم في السفن. وفي بداية ق18م وسّع حمودة باشا الميناء العربي، لكن الدول الأوروبية حالت دون اكتمال المشروع. ثم جاء أحمد باي لينفق الكثير من أموال الخزينة على أشغال الميناء والقصر الذي ابتناه بجواره. ويبدو أن حلق الوادي بدأت من ذلك التاريخ تصبح تجمّعا عمرانيا بملامحه المعروفة اليوم. فبفضل الميناء اشتغل السكان بالصيد البحري والتجارة، وانضم إليهم عدد من الأوروبيين وخاصة من جاؤوا من إيطاليا ومالطة، ومنهم القناصل والتجار من أصل أجنبي، فاستقرّوا هناك ليؤلّفوا مزيجا من السكان المسلمين والمسيحيين واليهود. وتشهد مبانيهم الدينية والمدنية على دورهم في تمدين حلق الوادي، ونخص بالذكر الكازينو المشهور، وما حوله من بنايات إيطالية الطراز، مثل "كنيسة السيدة فطيمة" (Notre Dame de Fatima). تُعتبر حلق الوادي رمز التعايش بين التونسيين والأجانب بمختلف الأديان والخصائص المعمارية مما لا مثيل له في مدينة تونسية أخرى إذا استثنينا بعض العمارات الايطالية الطابع في تونس العاصمة وبعض المباني الأوروبية المتناثرة بقلة في المدن الأخرى. وهي اليوم منطقة سياحية آهلة بالسياح والمصطافين على شواطئ الضاحية الشمالية للعاصمة، وهو ما ضاعف عدد السكان بها، خاصة في الصيف، وأكسبها حيوية اقتصادية متميزة في مجال النزل والمطاعم على أرصفة الشوارع الرئيسة وعلى طول الشاطئ. ومن بعيد يبدو البرج المعروف بكراكة حلق الوادي الذي كان سجنا في عهد البايات الحسينيين والذي أصبح يحتضن مهرجانها رمزا لأصالة المدينة وخاصية مميزة لطبيعتها العسكرية القديمة.