جندوبة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
جندوبة

تقع مدينة جندوبة قرب مصبّ وادي ملاّق في وادي مجردة الذي يروي سهلها. وتتميّز المنطقة بخصوبة الأرض ووفرة المراعي وخاصة بالغابات ومنتوجاتها. والغالب عليها الحبوب والمساحات السّقوية، ولذلك كان الحضور البشري فيها قديما. تشهد بذلك آثار المستعمرات الرّومانيّة والضّيعات الفلاحيّة المتناثرة. لقد سميت إحدى قرى جبل نفوسة في العصر الوسيط بجندوبة، ولا ندري إن كانت تسمية جندوبة التونسيّة ناجمة عن هجرة من هذه القرية أم عن اتفاق بين اسمي الموضعين باللّغة البربريّة. ولم تكن توجد في العصور القديمة طريق تمرّ بجندوبة أو بموقعها أو قريبة منه إذ كانت طريق قرطاج عنّابة تمرّ ببلاريجيا. ويعود الفضل في إعادة الاعتبار لجندوبة إلى محطة السّكة الحديدية الرّابطة بين تونس والجزائر عبر غار الدّماء. وقد أنشئت في عهد "الحماية الفرنسيّة" لاستغلال ثروات الجهة المنجميّة والفلاحيّة حيث تكثّف الحضور الاستعماري لسهولها المنتجة، وهو ما شكّل فيما بعد سببا من أسباب قوّة المقاومة التحريريّة. تشهد بذلك واقعة سوق الأربعاء حين عمد أحد المعمّرين الفرنسيين إلى التنكيل بعاملين له على إثر سرقة بسيطة جدّا (عنقود عنب). وقد فضح الشعر التونسي والصحافة الوطنية هذه الحادثة. فاسم جندوبة حديث الاستعمال مذ قرّرت بلدية الاستقلال سنة 1966 أن تعوّض به الاسم القديم: سوق الأربعاء، وكأنّ المدينة تعرف بسوقها الأسبوعيّة إذ تتحوّل إلى تجمّع بشريّ واقتصاديّ كبير، ثمّ تعود إلى مجرّد قرية ريفية في بقيّة الأيّام. وحتى مباني جندوبة اليوم، التي تعتبر قديمة فهي لا تتجاوز الفترة الاستعمارية بشهادة طابعها الأوروبي. وينتمي إلى جندوبة حسب الروايات المتداولة أولاد سيدي عبيد الحجّاج وأولاد سيدي عبيد العمارة وأولاد سيدي عبيد العيايدة ومنهم العلماء والأغنياء.

ويجمع بين أولاد بوسليمي اختلاف الأصل، ففيهم الحواليّة من ماجر وأولاد سعيد أو السعايدية والوسلاتيين من جبل وسلات، وجميعهم قدم إلى جندوبة بسبب مطاردة البايات. وإلى هذه القبائل انضمّت قبائل نازحة إلى جندوبة حديثا منذ انتفاضة علي بن غذاهم، وأشهر هؤلاء الغرابة الوافدون من الجزائر بما فيهم زواوة من منطقة القبائل، والتّراخنة والوافدون من السّباسب وبالذّات من السّواسي من جهة الجمّ بما فيهم بنو بشر، والمعارف من أولاد سعيد والهمامة ووليّهم سيدي عامر، والحوامد الوافدون من الجريد والجزائر، والأعشاش بما فيهم الماغرني وأولاد إبراهيم من الجزائر والجواودة من قلعة سنان. وإلى هذا المزيج من القبائل والأعراش انضمّت جماعات مختلفة الأصول منذ تمركز "الحماية الفرنسيّة" سنة 1881م، منهم الدريديّة الذين هجروا إلى قسنطينة في بداية ق17م، ثمّ استرجعهم حمّودة باي في أواسط القرن واستعملهم هو وغيره عساكر في المحلّة لجمع المجبى. وتفرّع عن الدريديّة بنو رزق وأولاد جوين وأولاد عرفة وأولاد منّاع. ومن الجماعات المنضمّة إلى عروش جندوبة بعد الدريدية أولاد سيدي عبيد الصّوابة. وكان هؤلاء من جهة قسنطينة. ومن تلك الجماعات أيضا أولاد مرزوق من ماجر، وشارن من تاجروين.

وواضح أنّ هذه الجماعات المتوافدة على جندوبة في أحقاب مختلفة تؤكد نشاط السّكان الزّراعي والرّعوي قبل الفترة الأخيرة من الاستقرار طوال القرن التاسع عشر. وهو استقرار لا يخفي في أثناء الفترات الحرجة بعض المناوشات التي تكدّر صفو الانسجام والتّعامل الحيوي بينهم بسبب الولاء للسّلطة المركزية ودعمها بالرجال أو التنكّر لها بسبب الجباية وتعيين القايد من هؤلاء أو من منافسيهم. ولكن قسوة الاستعمار إلى جانب المصاهرات والقرابة - أسهمت في توحيد الصفوف في نطاق الكفاح التحريري لأجل الاستقلال. ثم تضافرت الجهود التّنمويّة بعد ذلك للحدّ من الفقر والنّزوح والهجرة بفضل توسيع المناطق السقوية وزراعة اللفت السكّري وإنتاج الباكورات وتنويع الصّناعات الغذائيّة.