جعفر ماجد

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1940 - 2009م]

ولد جعفر ماجد في 27 مارس 1940 بمدينة القيروان في عائلة وطنية مناضلة. فقد كان والده يوم مولده نزيل السجن بتهمة التآمر على السلطة الاستعمارية. ثم لم يعمر طويلا بعد إطلاق سراحه. فقد وافاه الأجل وجعفر في السادسة من عمره. فنشأ الطفل يتيما. وبعد أن زاول دراسته الابتدائية والاعدادية بمسقط رأسه انتقل إلى مدرسة ترشيح المعلمين ثم منها إلى دار المعلمين العليا بتونس ثم إلى جامعة الصربون بباريس حيث اجتاز بنجاح مناظرة التبريز سنة 1965 ونال شهادة دكتوراه الدولة سنة 1977 بأطروحة عنوانها الصحافة الأدبية بتونس من 1905 إلى 1955. انتمى سنة 1971 إلى سلك المدرسين بالتعليم العالي. وتدرج في سلم الرتب الجامعية إلى أن بلغ رتبة أستاذ تعليم عال. وقد أحيل على التقاعد سنة 2000.

مسيرته الشعرية

تفتحت موهبة جعفر ماجد الشعرية في وقت مبكر جدا. فقد استطاع - وهو دون العشرين من عمره في نهاية الخمسينات - أن يفرض صوته بمجلة الفكر. وبسرعة فائقة بدأت قصائده تستقطب اهتمام العارفين وتحظى بإعجابهم وفي الوقت نفسه تلقى صدى واسعا لدى جمهور الشعر. ثم لم يكد يغلق العقد الثالث من عمره حتى أضحى وجها من أبرز وجوه الشعر في البلاد. وزادت مجموعته الأولى نجوم على الطريق التي صدرت سنة 1968 في نشر اسمه وشعره على نطاق أوسع.

ولم يحالف النجاح جعفر ماجد الشاب لاتقانه صناعة الشعر فحسب. فذاك كان متاحا للكثيرين من أبناء جيله. وإنما لفت الانتباه منذ خطواته الأولى بإحداثه لونا خاصا عسيرا متميزا من الكتابة جمع فيه بين الوفاء التام للسنة الشعريّة التراثية إلى الحد الذي بلغه الكلاسيكيون في وفائهم لها والايغال في تجديد الصورة إلى درجة استعصى إدراكها حتى على بعض غلاة التحديث من أبناء جيله أو من الأجيال اللاحقة له. وما ذلك في حد ذاته بالأمر الهين لأنه يقتضي توفر حساسيتين هما، في ظاهرهما على الأقل، متعارضتان: حساسية تراثية وأخرى حداثية.

ولتتضح لنا خواص هذا الأسلوب الشخصي الذي استحدثه جعفر ماجد في فن القريض تكفي الاشارة إلى أن الشعر التونسي بعيد الاستقلال كانت تتوزعه ثلاثة اتجاهات متباينة:

الشعر الكلاسيكي الخالص الخاضع للسنة الشعرية التراثية - وقد كانت له الغلبة كميا - والشعر الغنائي الناهل بوجه عام من تجربة أبي القاسم الشابي والشعر الملتزم أو الواقعي الذي برز فيه منور صمادح منذ أواخر الأربعينات.

وهذه الاتجاهات لم يكد يستهوي منها، مع ذلك، على نحو محسوس، شعراء جيل شاعرنا إلا الثاني والثالث. فاختار جمال الدين حمدي ومحيي الدين خريف وزبيدة بشير اللون الغنائي واتجه الميداني بن صالح إلى الشعر الخطابي الملتزم، على حين تردد نور الدين صمود بين الكلاسيكية الخالصة والغنائية. فكتب في كل منهما قصائد لا تمت بصلة إلى الأخرى.

أما جعفر ماجد فلم يكن تكوينه التعليمي والثقافي المزدوج، العربي الفرنسي ليسمح له بالخروج على الخط الكلاسيكي التراثي ولا بالانضباط له تمام الانضباط ولا بالتردد بينه وبين اتجاه آخر. فوفاؤه للكلاسيكية كان تمليه عليه التنشئة التراثية المتينة التي تلقاها بمسقط رأسه القيروان حيث تسود السنة الشعرية العربية الخالصة منذ قرابة الخمسة عشر قرنا. وذلك بالتتلمذ لأقطاب من رموز الشعر الكلاسيكي هم محمد الشاذلي عطاء الله والناصر الصدام ومحمد مزهود. وأما الحداثة فكانت تسري في عروقه بفضل حذقه اللغة الفرنسية التي أتاحت له الاطلاع المباشر على كنوز الأدب الفرنسي. وأما الالتزام فهو، في نظره، من مهام السياسي لا الشاعر. وخلافه مع الميداني بن صالح في هذا الشأن طيلة الستينات معروف. لذلك اختار عن اقتناع وروية التوفيق بين الكلاسيكية والحداثة مذهبا. فتميز عن سابقيه ومجايليه في آن واحد .

ففي دراسة خصصت للصورة الشعريّة عند جعفر ماجد خلص صاحبها الناقد محمد صالح بن عمر إلى أن له أسلوبا خاصا في صياغتها يتجسد في ثلاثة ثوابت لا يكاد يحيد عنها هي:

  • الانطلاق من فكرة صلبة متماسكة يحرص على أن تكون جديدة أو طريفة. وهذا يتجلى في حضور المرجع ممثلا في المشبه أو المعنى الأصلي أو المكني عنه.
  • الايغال في التخيل عند تصميم الصورة إلى حد الابتعاد بها مسافات شاسعة عن المرجع. وذلك باستدعائها من عالم الخارق أو بالمبالغة في تجريدها.
  • العودة إلى المرجع بتوفير قرينة ما، حرصا على التواصل واجتناب الوقوع في الابهام.(انظر: محمد صالح بن عمر، أصوات شعرية من تونس، دار إشراق للنشر، تونس 2009, ص 51).

ومن ثمة فلعله من الشعراء التونسيين القلائل من جيله الذين توفقوا إلى تحقيق هذه المعادلة الصعبة. ذلك أن توأمه الضديد نورالدين صمود تقليدي خالص في اجتماعياته، حداثي في وجدانياته، كتب في كل لون طبقا لمواصفاته.

وهنا لعله يمكن الاستنتاج بأن تجربة جعفر ماجد في الشعر تتشابه مع تجربة محمود المسعدي في السرد. فتمسكهما بمفهوم الفصاحة التراثي واحد. وأخذهما بتقنيات الكتابة الأدبية العربية القديمة واحد. هذا في الشعر. وذاك في النثر. لكنهما كانا مسكونين، مع ذلك، بروح حداثية عالية ربطت كلا منهما وثيق الارتباط بالعصر الذي عاش فيه.

فالحساسية التراثية لديه (انظر: محمد صالح بن عمر، من قضايا الشعر الحديث والمعاصر، دار إشراق للنشر، تونس 2008 ص ص، 71-84)، وهي قاسم مشترك بين أبرز شعراء القيروان، جعلته لا ينساق بسهولة إلى جاذبية قصيدة التفعيلة التي أغرى بريقها شعراء من جيله وحتى من الأجيال السابقة. فلم يكتب فيها إلا قصائد قليلة نسبيا لا يتجاوز عددها الثلاث والعشرين قصيدة.

ولجعفر موقف معروف من الشعر الحر كان يردده طيلة الستينات وحتى بعدها. وهو أنه لا يقدر على الابداع فيه إلا من تمرس بالشعر العمودي. وذلك ما عارضه فيه خصومه، متذرعين بأن الذائقة الكلاسيكية تفسد شعر التفعيلة وبأن النجاح فيه مرتهن بتوفر ممارسه على حساسية جديدة.

ولهذا الموقف أثر واضح فيما كتبه جعفر ماجد من قصائد تفعيلة. فقد اتسمت هذه القصائد بحرفية عالية وصرامة صناعية فائقة. بل إننا لنلمس المتانة والصلابة أنفسهما حتى في القصائد المنثورة التي أخذ يكتبها بدءا من التسعينات، بعد أن اقترن اسمه طيلة سنوات بالرفض المبدئي وعلى نحو قطعي حاسم لهذا الضرب من الكتابة وعرف بالتصدي الصريح المباشر لممارسيه. ففي نهاية الستينات وقف داخل هيئة التحرير الاستشارية لمجلة الفكر ضد تيار غير العمودي والحر الذي تنسب إليه وإلى نورالدين صمود تسميته. وهي تنطوي، فيما قيل، على محاولة من لدنهما في إقصائه من حيز الشعر. لكن الروح الحداثية للرجل لم تلبث، مع توالي السنين، أن خففت من حدة هذا الموقف المتصلب إلى أن قلبته إلى نقيضه في بداية التسعينات. وذلك بأن أصبح يكتب في ذلك اللون الذي كان يقاومه وينفي عنه صفة الشعر.

وإذا تأملنا النصوص التي نشرها من هذا الجنس وجدناها مطابقة لمواصفات شعر غير العمودي والحر ذلك الذي استبدلت فيه الأوزان الخليلية بإيقاع النثر العربي القديم وخاصة منها السجع والجناس والتناسب. بل لا تخلو القصيدة أحيانا من بعض تلك الأوزان وإن على نحو عفوي غير مطرد.

جعفر ماجد بين الأكاديمي والأديب

مثلما وفق جعفر ماجد بين القديم والحديث في شعره ونثره الأدبي استطاع أن يوفق أيضا بين صفتي الأكاديمي والأديب. فالصفة الأولى دعمت تشدده في فصاحة اللغة وتمسكه بضوابط الصناعة العروضية وتعلقه بأساليب النثر العربي التراثي وعدم تسامحه في شأن أي خطإ معرفي أو خلل منهجي.

لكن لصفة الأديب فيه الغلبة المطلقة. فلم يشرف على كثير من الأطروحات والرسائل الجامعية. وحين بلغ الستين من عمره لم يتقدم بمطلب في التمديد، مفضلا التفرغ للعمل الثقافي والانتاج الأدبي الذي بدأه منذ نهاية الخمسينات. فكان له حضور قوي في الساحة الثقافية، على امتداد نصف قرن من الزمن، شاعرا ومعدّا بل مقدّما للبرامج الاذاعية وكاتبا للأغنية ثم مديرا لمجلة أدبية وهي مجلة رحاب المعرفة التي أسسها سنة 1998 واستمر في إصدارها بانتظام إلى وفاته. وهو، فضلا عن ذلك، من مؤسسي اتحاد الكتاب التونسيين سنة 1971 وأحد أعضاء هيئته الأولى.

ولعل أبرز مهمة اضطلع بها في الحقل الثقافي إشرافه سنة 2009 إلى لحظة وفاته على تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية.

أعماله الشعرية والنثرية

  • نجوم على الطريق، الدار التونسية للنشر، تونس 1968.
  • غدا تطلع الشمس، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1974.
  • الصحافة الأدبية بتونس،منشورات الجامعة التونسيّة، تونس 1980 (باللغة الفرنسية).
  • الأفكار، دار ابن عبد الله للنشر، تونس1981.
  • فصول في الأدب والثقافة، الدار العربية للكتاب، تونس 1985.
  • كتاب المعاني والمغاني، منشورات "رحاب المعرفة" تونس 1995.
  • تعب، دار سيراس، تونس 1993.
  • ثوار إفريقية (أعلام المقاومة بتونس في العصور الاسلامية) تونس 1997.
  • المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس، منشورات "رحاب المعرفة" تونس 1997.
  • الأعمال الشعرية، منشورات "رحاب المعرفة" تونس 2001.
  • الصحافة الأدبية بتونس،منشورات الجامعة التونسيّة، تونس 1980.
  • الرسائل - رسائل إلى الشعراء والكتاب العرب في الزمن الغابر، منشورات رحاب المعرفة، تونس 2003.

وقد توفي جعفر ماجد يوم الاثنين 14 ديسمبر سنة 2009 بالمستشفى العسكري بتونس إثر إجراء عملية جراحية صعبة بعد إصابته بوعكة مفاجئة. ودفن بمقبرة سيدي عبد العزيز بالمرسى.