جامع حمودة باشا المرادي

من الموسوعة التونسية
نسخة 13:34، 24 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
جامع حمودة باشا المرادي

يعتبر جامع حمودة باشا من أهم جوامع مدينة تونس لما تميز به من متانة البناء وثراء الزخرفة وتناسق عناصره المعمارية، واندماجه من حيث البناء والوظيفة الدينية والعلمية في محيطه الخارجي المكوّن من طرق رئيسة وأسواق ومؤسسات حكومية وأخرى دينية وعلمية. أسس هذا الجامع في منتصف القرن السابع عشر على يد حمودة باشا بن مراد باي الأول الذي تولّى الحكم بين سنوات 1631 - 1666م. وقد عرف هذا الباي بمآثره المعمارية التي بقيت شواهدها قائمة في أماكن متفرقة من مدينة تونس وغيرها من المدن الكبرى للبلاد. يقع جامع حمودة باشا المرادي عند ملتقى نهج الباشا المؤدي إلى بطحاء رمضان باي والمتصل أيضا بباب بنات وكامل ربض باب سويقة ونهج سيدي بن عروس حيث توجد زاويته المشهورة، والمؤدي إلى سوق الترك والقشاشين مرورا بجامع الزيتونة الكبير. يشرف الجامع على أهمّ الأنهج المؤدية إلى ربض باب الجزيرة/ويقع بموازاة نهج القصبة من الجهة الشمالية المؤدي صعودا إلى قصبة تونس مقر دايات العصر وجيوشهم، مرورا بدار الباي ومسكنه، والمفضي نزولا إلى باب بحر وكامل الحي الافرنجي.. وبذلك يكون موقع جامع حمودة باشا من أهمّ مواقع جوامع الخطبة الحنفية للمدينة على الاطلاق حيث يتوسط المدينة بأكملها، وهو ما يجعله مركز التقاء وتفرّع عدة أنهج وطرق موصلة إلى أهم مؤسسات وأسواق البلاد في تلك الفترة. تمت أشغال البناء في هذا الجامع سنة 1066 هـ/1655م وأقيمت فيه أول جمعة في رمضان من السنة نفسها. وقد أوقف عليه الباي أحباسا مهمّة تعود لسنة 1664م، وذلك لصرف رواتب القائمين عليه وتعهد أبنيته بالعناية والصيانة اللاّزمتين، كما أضيفت أوقاف أخرى في تواريخ لاحقة أهمها التي أضيفت سنة 1667م.

وقد نصت رسوم أوقاف حمودة باشا الخاصة بهذا الجامع على ضرورة وجود إمامين وهو ما يميز هذا الجامع عن بقية الجوامع الحنفية الأخرى التي لم يكن لها سوى إمام واحد. وأول من تولّى الخطابة به المفتي محمد الأزهري. وتوالى بعد ذلك على إمامته عدد من العلماء والفقهاء مثل الشيخ محمد بن يوسف شيخ الاسلام الحنفي، كما بقيت إمامة هذا الجامع مدة طويلة في عائلة ابن القاضي، وكان آخرهم الشيخ إبراهيم بن القاضي.

مكونات الجامع[عدّل]

شيّد الباي هذا الجامع في إطار التهيئة لأهم حيّ وسط المدينة، على أنقاض مجموعة من المنازل اشتراها الباي بأثمان باهظة للغرض. يمتدّ الجامع وجميع ملاحقه بما في ذلك تربة العائلة المرادية على رقعة أرض مستطيلة الشكل بطول ثلاثة وخمسين مترا وعرض واحد وثلاثين مترا، وتنحدر انحدارا خفيفا في اتجاه الشمال الشرقي. تتكوّن مداخل الجامع الأربعة من واجهات بسيطة الزخرفة ولكنها منضّدة تنضيدا جيّدا على مستوى الأقواس التي تعلو الأسكفة المستقيمة، وهي أقواس متجاوزة على مستوى المدخل الرئيس الذي يوجد في الجهة الشمالية المشرفة على نهج القصبة. وأقواس دائرية على مستوى المداخل الثانوية، لا تختلف كثيرا عن المدخل الأول، يوجد اثنان منها في الجهة الغربية أي في الجهة الملاصقة لزاوية سيدي بن عروس والمواجهة لسوقي الشاشية الصغير والكبير. وتوجد في هذه الجهة أيضا الصومعة والتربة، في حين يوجد المدخل الرابع في الجهة الشرقية حيث صحن الجنائز، ويؤدي هذا المدخل إلى سوق الجلد. وتعلو هذه الأقواس المرتكزة على سوار صغيرة من الكدّال، إطارات مستطيلة من المادة نفسها تزيّنها نتوءات وتجاويف زخرفية نباتية. تفضي جميع هذه المداخل إلى صحن الجامع الداخلي المبلط بالحجارة ويتجاوز عرضه ستة أمتار. وهو ما يسمح بإضاءة بيت الصلاة وتهوئتها. تحتل الصومعة الجزء الغربي، وهي مثمّنة الشكل ترتكز على قاعدة مربعة، ويقارب طولها عشرين مترا. وتنتهي بجامور مشيّد من الحجارة الصغيرة المهندمة بإحكام، تتخلله شرفة مثمنة الشكل على غرار كامل البدن ذات سقف هرمي مغطى بالقرميد الأخضر المسطح ويعلوها عمود من النحاس موشّى بهلال وثلاث كرات متدرجة الأحجام من المادة نفسها.

توجد التربة المرادية ذات الشكل المكعب في الركن الجنوبي الغربي المواجه مباشرة للصومعة. بناها محمد باي المرادي حفيد حمودة باشا سنة 1685م. وتنتمي هذه التربة من حيث العمارة إلى النمط المغربي الأندلسي، على أنها لا تخلو من التأثير العثماني وكذلك الأوروبي خاصة في نوعية الرخام الملون والمنحوت المستعمل في عمارتها، كما تتميز هذه التربة بفخامة مواد بنائها وتنوعها، وقبتها الهرمية المغطاة بالقرميد الأخضر المسطح وسقفها الخشبي المنقوش. وهي تضمّ قبور البايات المراديين وأبنائهم. يوجد في أقصى الجهة الجنوبية للصحن المحراب الخارجي الخالي من الزينة والزخارف. ويحاذيه من الجهة الغربية باب صغير يؤدّي إلى تربة الحريم المكشوفة التي تقع في الساحة الخلفية للجامع. يتوسط هذا الصحن بيت الصلاة الذي يحتل ثلثي مساحة الجامع. تحيط به الأروقة من ثلاث جهات، أعمدتها من المرمر الأبيض ذات تيجان متنوعة مثل الدوري الحديث والكورنثي. ويعلو هذه الأروقة إفريز من القرميد المجوف المطلي. اتخذ بيت الصلاة شكلا مستطيلا بطول ثلاثة وعشرين مترا وعرض ستة عشر مترا. ويشتمل على سبعة أبواب مؤطرة بالرخام المزخرف.ونجد أعلى هذه الأبواب روزنة للاضاءة والتهوئة. يتكوّن بيت الصلاة من سبعة بلاطات متعامدة مع جدار القبلة ينقسم كل منها إلى أربعة أساكيب. وما عدا القبة الدائرية التي تعلو المحراب يتكون كامل سقف بيت الصلاة من أقبية طويلة محمولة على اعمدة مرمرية وأقواس مندمجة. وقد جلبت هذه السواري المتماثلة المقاييس والوسائد خصيصا من مقاطع كرارة لبناء الجامع، وهي محلاة جميعها بتيجان من نوع الباروك. وقد كسيت جدرانها السميكة ببلاطات الرخام حتى ارتفاع أربعة أمتار، في حين كسيت الأجزاء العليا من الجدران بطبقات من الجص المنقوش. أما جدار القبلة حيث يوجد المحراب فكسي بالخزف الملوّن. وكسي باطن المحراب المجوّف بالرخام الملوّن. كذلك شأن المنبر الموجود إلى يمين المحراب. ونجد في مواجهة المنبر وعلى ارتفاع مترين ونصف محفلا من الخشب الملوّن. ويحتلّ وسط بيت الصلاة كرسي الختمة المصنوع من الخشب وهو مخصّص لقراءة القرآن.

يتميّز هذا الجامع عن سابقيه بنوع جديد من الأقبية الطويلة لا نجده في ما سبقه من جوامع ومساجد، كما يتميّز باستخدام كميات كبيرة من الرخام الايطالي المجلوب خصيصا لعمارته.ومن ميزاته المهمّة أيضا تجلي إسهامات الفنانين الايطاليين في بناء البناء وزخرفته التي تظهر خاصة في نحت السواري والتيجان ونقشها في حفر اللوحات الرخامية وتنزيلها بالأحجار الملوّنة.