باردو

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

من ضواحي تونس العاصمة، يعدّ 500 74 ساكنٍ حسب إحصاء تقديري بتاريخ غرة جويلية 2002, ويقع على بعد 4 كلم من العاصمة نفسها. وبه ينتصب متحف يسمى باسمه يأوي روائع نفيسة من آثار الحضارات الكثيرة التي تعاقبت على البلاد التّونسيّة: فهذا المتحف مقام في قصر للباي يعود بناؤه إلى القرن التّاسع عشر، وهو يحوي أكبر مجموعة فسيفساء رومانيّة (بالخصوص) في العالم وأعرقها. من المحتمل أن يكون اسم "باردو" قد ظهر، لأوّل مرّة في تاريخ تونس في مستهلّ القرن التاسع (ولربّما الثّامن) للهجرة، ذلك أنّ الأمير الحفصي أبا فارس عبد العزيز بن أحمد (توفّي سنة 837هـ/1433 - 1434م) أنشأ هناك قصرا يحيط به بستان رائق للرّاحة والاستجمام (ح. ح. عبد الوهاب: ورقات... ق 3, ’ص 420). ولمّا ظهر الوباء الجارف في تونس، عام 873هـ/1468 - 1469م، قرّر الأمير الحفصي أبو عمرو عثمان (توفّي عام 893هـ/1487 - 1488م) - وهو حفيد المتقدّم ذكره - أن يعتزل سكنى القصبة ليحتجب بسانية باردو مدّة عام وثلاثة أشهر حتّى يزول الوباء. ولعلّ من المفيد التذكير بأنّ الأمير المذكور، وفد عليه - (إثر تولّيه السلطة عام 839هـ/1435م) أخواله وأقاربه الاسبان لتهنئته بالولاية فأسكنهم بالرّبض الملاصق للقصبة، فعرف، من وقتئذ، بحومة العلوج، علما بأنّ أمّ أبي عمرو عثمان هي من علوج النّصارى، اسمها "مارية". أمّا وجه تسمية البلدة ب"باردو"، فمن المحتمل جدّا أنّ القصر الحفصي الذي أشرنا إليه قد باشر بناءه إمّا جماعة الاسبان الذين كانوا يكوّنون فرقة خاصة في الجيش الحفصي تعرف باسم "العلوج" (وإليهم ينسب أحد أبواب تونس) وإمّا جماعة من الأسرى الاسبان. من العسير على الباحث أن يحدّد، بدقّة، تاريخ انطلاق تسمية تلك النّاحية أو معالم "باردو" التي هدّم منها ما هدّم في عهد الحماية الفرنسيّة: مثلا، لما ابتدئ في تهديم سور "باردو"، في بداية انتصاب الحماية، سنة 1881, كان عدد الأبراج المحيطة به ثمانية، ويوجد بها نحو المائة مدفع من النّحاس والحديد (ح. ح. عبد الوهاب: ورقات... ق 3، الصفحتان 422 - 423). ويمكن القول، مع التحفّظ الشّديد، إنّ البنّائين الاسبان أطلقوا تلك التّسمية للتّشابه العجيب بين قصور وحدائق بلدة صغيرة قريبة من العاصمة الاسبانيّة "مدريد": تسمّى »odraP lE«. واستمرّت قصور (أو قصر) باردو وبساتينه منتزها (مربعا) لأمراء بني حفص إلى آخر عهدهم. وعندما فتح العثمانيّون تونس، استعمل القصر ولاة البلاد من باشوات ودايات وبايات للغرض نفسه الذي استعمله فيه الحفصيّون، وخاصة في فصل الرّبيع. وقد اعتنى ثاني وُلاة المراديّين وهو حمّودة باشا - واسمه محمّد - بإقامة مبان في باردو وخاصة ذلك القصر الجديد الذي استقرّ به في أبّهة الملوك وعظمتهم. وكان يدعو إلى مجلسه في هذا القصر العلماء والشعراء والأدباء ووجهاء أهل البلاد ويهاديهم ويكرمهم. وطلب من الباب العالي منصب الباشا فأتاه الفرمان السلطاني العثماني في رجب عام 1068هـ/1658م، مخاطبا إيّاه بالباشا ابن الباشا. ولم يزل ولاة الأسرة المرادية يتعاقبون على الاقامة في باردو إلى آخر دولتهم. ولما انتصب حُسين بن علي التّركي (رأس الأسرة الحسينيّة في الايالة التّونسيّة) ، وتمّت له البيعة أمام باب القصبة في 20 ربيع الأوّل سنة 1117هـ/13 جويلية 1705م وجّه عناية خاصّة، من أوّل أمره، إلى البناء والتّشييد في باردو. ومنذ شهر جوان 1702 انتقل من القصبة إلى الاقامة القديمة للمراديّين: باردو. وهذا الاختيار ذكيّ لأنّ حسين بن علي، لم يكن يخفي تخوّفه من الانكشاريّة الأتراك وكراهيته لهم.

وهكذا، أخذت الحياة تعود إلى هذا المقرّ الأميري، بعد أن انتقل حسين بن علي مع أهل بيته وحشمه وحاشيته وخدمه إلى باردو، في قصر فخم أنشأه إنشاء، وهو يجمع بين البساطة والرّوعة في الوقت نفسه. وقد وصفه طبيب فرنسي (Peyssonnel) وصفا دقيقا. فكتب ما ملخّصه: على أراض شاسعة، ينتصب قصر محصّن بأسوار شاهقة، تحوّط القصر تحويطا، مجهزة بالمدافع لتصون الموقع من الأعداء سواء كانوا من داخل البلاد أو خارجها. وفي الساحة الأولى من القصر، داخل الأسوار، مركز حراسة وإسطبلات ومخازن ومستودعات مختلفة ووظيفيّة. أمّا الساحة الثانية من القصر، فتأوي، من جهة، جامع (خطبة: رتّب له إمام لتقام به صلاة الجمعة كما جعل به قاضيا على المذهب الحنفي التّركي) ، ومن جهة أخرى، مدخل القصر نفسه المكوّن من عشر درج، يقود إلى ساحة كبيرة، بها أعمدة من رخام، وحول الساحات الدّاخليّة، تنتصب قاعة المحكمة أو العدل، وقاعات الدّيوان مبلّطة بالاجر اللّماع (نوع من الزّليج المزخرف، أندلسي الطابع) ومفروشات وزرابي جميلة. وهناك، بالطبع، غرف الضبّاط والخدم. أمّا الفناء الخلفي فيأوي سراي الأمير (الحريم) ، وفي عمق العمق، هناك الجنائن الغنّاء وجناح أنيق جدّا مخصّص لاستراحة الأمير ولذّاته الخاصة.

وقد شهد في هذا القصر تجمّع ضخم حفلا أقيم بمناسبة فرمان سلطاني يعيّن حسين بن علي في منصب "باي - وال" على الايالة التّونسيّة:كان ذلك في جويلية 1707. وقد حضر هذا الحفل كلّ من الباشا والدّاي والدّيوان، والسلط الدينيّة وأيضا ضبّاط البلاط. وكانت تلتئم، في عهد حسين بن علي، جلسات علميّة لقراءة الكتب الدينيّة بجامع باردو بالقصر الأميري.ومثل تلك الجلسات كانت تلتئم بجامع الزّيتونة: (محمّد الطاهر ابن عاشور: أليس الصّبح بقريب؟ ’ 90 - 91), كما أسّس هذا الأمير مكتبة خاصة بقصر باردو حيث صارت نواة للمكتبة التي اعتنى بها خلفه وابن أخيه علي باشا (ابن أبي الضيّاف: إتحاف... ج 2, ’ 100 - 104 و 143). ولمّا استبدّ بالأمر علي باشا، عام 1148هـ/1735م أدار سورا حصينا حول منشآت باردو كما بنى قاعات وردهات في قصر عمّه حسين بن علي، وخاصة برجا كبيرا والبيت المنسوب إليه (بيت الباشا) ، وخندق على الجميع بخندق وبسور هدمه الفرنسيّون بعد انتصاب الحماية. وقد حُدّد الكثير من معالم باردو، خصوصا في زخرفة جامعه والزّيادة فيه من قبل حمّودة باشا الحسيني الذي بلغت الدّولة الحسينيّة في عهده (1196- 1229هـ/1782 - 1814م) أوج ازدهارها، فكثر العمران، ونمت الأموال، وظهرت الثروة. وفي الفناء الذي حول القصر، أنشأ محمود بن محمّد الرّشيد (1230 - 1240هـ/1814 - 1824م) حديقة غنّاء جعل في وسطها كشكا (kiosque) مزوّقا بأنواع مختلفة من المرمر، كما حفر قربه بئرا نصب عليها ناعورة لاستخراج الماء للسّقي.أمّا حسين الثّاني بن محمود (1240 - 1215هـ/1824 - 1835م) فقد أنشأ "دار الحريم".وكان بناؤه لها في 7421هـ/1381م، ثمّ زاد عليها ابنه محمّد باي (1271- 1276هـ/1855 - 1859م) زيادات لافتة، وهي الان المحلّ المخصّص للاثار الاسلاميّة. وبالقرب من حديقة القصر، أنشأ أحمد باي (1253 - 1271هـ/1837 - 1855م) ، دارا لضرب المسكوكات كانت تسمّى "دار السكة" حلّت مكانها، بعد ذلك، الثكنة المعروفة ب"قشلة الطبجيّة" - (المدفعيّون، وأصل الكلمة تركيّة،من طوب أي مدفع) - وذلك في سنة 1263هـ/1847م. ودام ضرب النّقود بهذه الدّار إلى سنة 1891م حين أبطل العمل بها بتغيير السكة التّونسيّة، وأصبحت النّقود تسبك في معمل السكة الفرنسيّة بباريس. ومعلوم أنّ أحمد باي بادر منذ ولايته إلى إنشاء مدرسة عسكريّة في باردو لتخريج الضبّاط والمهندسين والفنّيين. وبسبب هذه الأصناف من المتخرّجين وبحكم التطور أيضا، أخذت هذه المدرسة المحدثة أكثر من اسم: سمّيت "مكتب الحرب" و"مكتب العلوم الحربيّة" و"مدرسة المهندسين" ("البوليتكنيك"). وقد تأسّست في سراي الباي بباردو في أوّل محرّم 1256 / 1840م.