الهادي الخياشي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1882 - 1948م]

هو أحد رواد فن الرسم المسندي بتونس. وُلد سنة 1882 بمدينة تونس. تُوفّي بها سنة 1948. إنّ ثراء الثقافة الحرفيّة في البيئة التونسيّة التي نشأ فيها وقضّى - فترة شبابه - وخاصّة ما يتعلّق بازدهار فنّ الرّسم على الزّجاج وغير ذلك من الفنون التي ارتبطت بالتّراث الحرفي...لم تطمس في الخيّاشي ميله إلى فنّ الرّسم الغربي الكلاسيكي الذي افتُتن ببعض تجلّياته في إنتاج الرسّامين الأجانب المستوطنين بتونس من فرنسيين وإيطاليّين على وجه الخصوص. وعندما فتح الرسّام إميل بنشارت مرسَمه بتونس - وهو من أوّل الرسّامين الفرنسيّين الذين وفدوا على البلاد في بداية القرن العشرين - كان الخيّاشي أوّل تلاميذه. فكان كثير التردّد على هذا المرسم صحبة زميله موريس بزموث المولود بتونس (1891 - 1965). وكان بنشارت من الوافدين الذين حملوا معهم وَلَعهم ب الواقعيّة الطبيعيّة، هذا التيّار الذي فسح المجال أمام انتشار الانطباعيّة بباريس في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وهكذا، مكّن مجيء بنشارت الخيّاشي من الظفر بأهمّ ما ينبغي تحصيله من الأساليب الأكاديميّة في الرّسم الواقعي. وفتح له آفاقا خصبة في فنّ اللوحة الزيتيّة خاصّة ما يتعلّق برسم الوجوه (البورتريه) وهو تخصّص أستاذه بنشارت، بامتياز، ذلك الذي قدّر ما للخياشي من مثابرة في نشاطه فشجّعه على قضاء بضعة أشهر بباريس لمزيد الاستئناس بالأكاديميات الحرّة بمونبارناس. ومن ثمّة، كانت الفرصة مواتية للخيّاشي ليعّمق ثقافته الفنيّة ما بين هذه الأكاديميّات ومتاحف باريس وخاصّة منها متحف اللوفر، فيما كانت له، بعد ذلك، زيارات لبعض الأكاديميّات الحرّة بإيطاليا حيث تخصّص في فنّ البورتريه واستفاد من التّقليد الفنّي الايطالي في هذا المجال الذي يعود إلى عصر النّهضة وتاريخ الفنّ الكلاسيكي.

وبعد عودته إلى تونس، أصبح من رسّامي القصر الباياتي، حيث رسم صورا شخصيّة للكثير من البايات وأفراد حاشياتهم والشخصيّات الرسميّة، كما عُرف بلوحاته التي تصوّر مشاهد من الحياة التقليديّة داخل المدينة التونسيّة مثل لوحة "سيدي بوسعيد" أو مشاهد من الصناعات الحرفيّة التقليديّة، مثل لوحة "النسّاجة"، بالدّهن الزيتي. وقد كشفت هذه الأعمال عن خبرة واسعة أكاديميّة بالرّسم المنظوري والاقتصاد الشديد ومنتهى الحذر في توزيع الاضاءة على عناصر المشهد. فقد عمل على ترويض حدّة الألوان وتضاربها للتوصّل إلى حساسيّة ضوئيّة هادئة، مشبعة بالألوان الترابيّة والبنيّة فلا هي بساخنة ولا هي بباردة.

ومثل هذا الملمح الباهت والكامد إلى حدّ الايماء بنوع من الضّبابيّة، وخاصّة عند مجانسة التفاصيل اللونيّة، ليس نتاج أثر يصوّر مرور الزّمن، بقدر ما هو نتاج اختيار أسلوبي وطّن من خلاله الخيّاشي تجربته داخل التقليد الكلاسيكي. وهو الذي كان شديد الاعجاب بفنّ ليوناردو دافانشي.

ولكن وجه الأصالة في فنّ الخياشي لا يتحدّد في كونه قد حوّل الارث الأكاديمي من عصر إلى عصر أو من مجالاته الفرنسيّة والايطاليّة إلى موضوعات تونسيّة حميمة مثل الشخوص ومشاهد المدينة العتيقة، فحسب. وإنما هو يعود إلى طريقة الخياشي الخاصّة في التعبير عن أدقّ التفاصيل المشهديّة بحساسيّة مرهفة ودقّة فائقة في الرّسم الخطّي. وهو ما جعله يضفي قيَمًا مضاعفة إلى ما يرسمه من مشاهد الحياة اليوميّة. فهي وإن كانت مشاهد "عادية" في الأصل، فإنها داخل لوحة الخيّاشي، تصبح مثيرة للاهتمام ومفعمة بحساسيّة التعبير والحنين إلى فتنة الموضوع عندما يرتجّ بين الواقع الحاضر والواقع التّذكاري. إذ أنّ الأصول الغربيّة لتقنيات التعبير الأكاديمي، وإنْ طبعت طريقة الخياشي في فنّ الرسم وهندسة المشهد وإضفاء اللون...فإنها لم تُغيّر شيئا من طريقة الرؤية إلى موضوعاته التونسيّة ومدى انخراطه فيها وتشرّبه بأبعادها ومراميها. فلوحات الخيّاشي تُومئ بوجود رؤية ذاتيّة إلى الموضوع، على نحو ما يتجلّى من خلال هذا الفيض الحميم بينه وبين ما يرسم، على القماشة.