الهادي الجويني

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1909 - 1990م]

الهادي الجويني

يعتبر الفنان الهادي الجويني، المبدع التونسي الوحيد دون منازع الذي طور نمطية الفلامنكو، ذلك الإرث الحضاري العربي الإسباني، فصاغه في مقامي النهاوند والكرد مع الحفاظ على إيقاعاته الموزونة على رنين الصنوج الاسبانية. وقد توفرت للهادي الجويني تلك الملكة الإبداعية بفضل البيئة التي ترعرع في ظلها منذ ميلاده يوم غرة نوفمبر 1909، بحي بطحاء سيدي المشرف حيث حفظ بالروضة القرآنية ما تيسر من آيات الذكر الحكيم. وقد كانت تلك الساحة تقع على مرمى حجر من حي المركاض الذي كانت تقطنه الجالية الإسبانية باعتبار أن المركاض هو مصطلح إسباني تحرّف في التداول اليومي فتحوّل من مكاردس إلى مركاض، أي السوق.

ولمّا أخفق الهادي الجويني في نيل الشهادة الابتدائية بالفرع الصادقي أدخله والده عبد السلام بن حسين دكّان صديقه حيث أتقن صناعة الفضة التي كان يصنع من مادتها أدوات الزينة والقيافة، مثل المشط الفضي وعلب التجميل للغبراء البيضاء والحمراء التي كانت عنصرا أساسيّا من معدّات جهاز العروس. وكان الشاب الجويني يتابع إثر عمله صناعيّا في الصاغة والمجوهرات، السهرات الليلية التي كانت تحييها الجالية الإسبانية والتي تعرف بالسيرينادا في حي المركاض الذي يصل حي باب الجديد بحي رأس الدرب. فلا عجب في أن يفتتن بجمال الغانيات من الغجريات الفاتنات في رقصهن الموّقع طرقا بالأقدام على الأرض ورنين الصنوج الموصولة بأصابعهن (كاستنيات). وهكذا كان الجويني، يترّدد على تلك السهرات حتّى تأثر بالفلامنكو الذي تنحدر جذوره من الحضارة العربية الإسلامية لكون زرياب هو الذي أدخله إلى الأندلس. فمصطلح فلامنكو هو اختصار للمصطلح العربي فلا منكم، أي (فلا حرمنا منكم). أمّا سمّار تلكم الليالي فلا يتردّدون في إطلاق صيحة العجب العجاب (أولي) أي (اللّه اللّه) بالعربية التي يطلقها المستمعون العرب طربًا وإعجابًا.

تلقّى الجويني تكوينا عصاميّا، إذ أخذ يكرع من رياض الفن ومناهل العرفان، حتّى حذق أسرار العزف على العود من صديقه زين العابدين السبعي، بعد أن كان يعزف الماندلين، التي أخذ طريقة عزفها على العود من اليهودي موني الجبالي، والد الفنان الراحل موريس ميمون، المشهور باسم ميمون التونسي. وأخذ الجويني أيضا عزف الآلات النحاسيّة عن الهادي الشنوفي (1893 - 1967) مثل آلة البسطون، وبعض الآلات الهوائيّة بجمعية الناصريّة نسبة إلى محمّد الناصر باي. ومعلوم أن تلك الفرق النحاسيّة كانت تعرف بالحسينيّة نسبة إلى الدولة الحسينيّة. وقد انضم الجويني إلى تلك الفرق المعروفة باسم فنفار المحرّف عن العربية أنفار التي كانت تحيي حفلات الختان (الطهور) مع فرق الهلالو من تلاميذ الكتاتيب (الرياض القرآنية).

تمكن الهادي الجويني من العزف المتقن على العود المشرقي لينخرط في فرقة الرّقي الوتريّة ثمّ في فرقة الموسيقار العميد محمّد التريكي، (1899 - 1998) عازفا على العود ومرافقا وقد رافق الفنّان علي الرياحي، (1912 - 1970) في أول حفل يحييه سنة 1936، بقصر الجمعيات الثقافية دار الثقافة ابن رشيق حاليّا. وقد كتب عنه الشاعر المصري بيرم التونسي.

وانخرط الهادي الجويني، فضلا عن ذلك، في الجمعية الرشيديّة غداة انبعاثها سنة 1934، على أيدي الفرسان الثلاثة المرحوم مصطفى صفر، شيخ المدينة (1892 - 1941) والشيخ خميس الترنان (1890 - 1964) والعميد محمّد التريكي فتعلّم في رحابها مبادئ الترقيم الموسيقي على الأستاذ الإيطالي بو نورة، ثمّ في المعهد الفرنسي التونسي الذي اشترط عليه مديره أن يدرّس تلاميذ السنوات الأولى العزف على العود ومبادئ الطبوع التونسية وأصول المقامات الشرقية. فكانت بداية الجويني بتلحين حواريّة "شري حبيتك" مع المطربة شافية رشدي (1989 - 1910)، كما أدّاها مع زوجته اليهودية نينات، شهرت وداد. وهي ابنة الراقصة الشهيرة جولي لا مارسياز. فلا غرو في أن يلمع نجم الهادي الجويني في الحفلات التي كان يحييها في الكافيشانتا أي قاعات الغناء مثل مقهى شمنططّو، ومقهى الهناء بباب منارة ومقهى المرابط في سوق التُرْكْ. ولمّا انتقل بالسكنى إلى حي باب سويقة حيث سكن بساحة البيقة - واسمها محرّف عن الإسبانية لاس فيغاس - اختلط بجماعة تحت السور، فتعرّف إلى الأدباء عبد الرزاق كرباكة والهادي العبيدي ومصطفى خريف ومحمود بورقيبة وعلي الدوعاجي ومحمّد العريبي ولحّن لجميعهم ما جادت به قرائحهم، مثل دور العتاب لعلي الدوعاجي (1909 - 1949) وأغنية "إلّي تعدى وفات زعمة يرجع" للهادي العبيدي وأغنية "لَمُني اللي غاروا منّي" للشاعر الليبي البشير فحيمة، شهر فهمي وأغنية "سمراء يا سمراء" لجلال الدين النقاش و"يا محسونة قلي علاش" لمحي الدين مراد بطل أول فيلم غنائي تونسي مجنون القيروان وأغنية ليبية لحنها في اللون الطرابلسي لمحمّد العريبي بعنوان "هاذي غناي جديدة" (1911 - 1946) ولحن لعبد الرزاق كرباكة، (1901 - 1945) أغنية "مكتوب يا مكتوب" ومن شعر جلال الدين النقاش (1910 - 1979) أغنية "تبعني نبنيو دنيا جديدة" ومن شعر محمود بورقيبة (1909 - 1956) أغنية "لو كان موش الصبر يطفي ناري"، كما غنّت من ألحانه عدّة أصوات منها حسيبة رشدي التي غنّت له رائعة "تحت الياسمينة في الليل" شعر السيّدة عزة وزهيرة سالم أغنية "كسرّت القلّة"، شعر المرحوم فاضل حرحيرة وفتحية خيري في أغنية "يا مغير حالي" كلمات المذيع محمّد الزليطني شهر محمّد حفظي والسيّدة نعمة في أغنية "يا شاغلني وشاغل بالي" وعليّة في موشح أعطفي عدل قوامك شعر محمود بيرم التونسي (1893 - 1961) وكان من المنتظر أن تغنيها أم كلثوم. وسجل الهادي الجويني عدّة أغان على إسطوانات شركة أم الحسن للبشير الرصايصي، منذ 1935. لكنها اندثرت مثل أغنية المطربة فاطمة الهمامي شهرت نورهان "آهدتلي وردة".

وأمّا في مجال المسرح، فقد انخرط الهادي الجويني في عدّة جمعيات مسرحية مثل المستقبل التمثيلي للمرحوم البشير متهني والكوكب التمثيلي للمرحوم محمّد الحبيب والفرقة البلدية غداة انبعاثها على يدي المسرحي المصري زكي طليمات. لحنّ الجويني عدّة مسرحيات غنائيّة مثل مجنون ليلى لإبراهيم القباني وكان قد لحّنها الشيخ سلامة حجازي الذي كان زار تونس في مارس 1914 فطلب المتهني من الجويني تونستها. وقد تقاسم بطولتها شحرور الخضراء يوسف التميمي وفتحية خيري، كما لحّن الجويني مسرحية "بين نومين" تأليف علي الدوعاجي (1909 - 1949) وإخراج عبد المجيد الأكحل، تقديم الفرقة البلدية بكامل عناصرها منهم الهادي السملالي ونرجس عطيّة وصالح الرحموني ومحمّد بن سليمان ومسرحية "عايشة القادرة" تأليف عبد الرزاق كرباكة وبطولة شافية رشدي (1910 - 1989). أمّا في مجال السينما فقد مثل الجويني عدّة أفلام لعلّ أبرزها شريط "الباب السابع" الذي كتب حواره نورالدين بن محمود، ثاني مدير للاذاعة التونسية وفيلم "المجنون" (1948) وفيلم "كتاب القدر" (1952). أمّا رحلاته الفنية فكانت كثيرة. فقد زار عدّة بلدان منها خاصة فرنسا والجزائر حيث عمل في دار الأوبرا بوهران والعاصمة الجزائرية ومثّل بعض الأفلام في القطر المغربي الشقيق (1947). لقد ضرب الهادي الجويني بسهم صائب في عدّة مجالات فنيةّ. فأبدع في الغناء والتلحين. وبرع في العزف. ولمع نجمه ممثلا وعازفا ومطربا في عدّة أفلام سينمائية فضلا عن إسهامه في تطوير المسرح الغنائي والسينما إبداعا وإمتاعا وإشعاعا. فلا غرو في أن يحظى بتكريم جدير بمقامه في مهرجان قرطاج الدولي سنة 1987. لكنّه توفي دون أن يحقق أمنيته. وهي أن تتكرّم سيّدة الغناء العربي أم كلثوم بأن تؤدي له موشح أعطفي عدل قوامك رغم تدخل الموسيقار زكريا أحمد ورفيق دربه بيرم التونسي.

ببليوغرافيا

  • بوذينة محمد،الهادي الجويني، دار بوذينة للنشر، الحمامات، تونس، 1997.