المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

يعتبر المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس من أعرق المعاهد الفلاحية سواء في تونس أو في شمال إفريقيا. ويمكن القول إنّ هذا المعهد مؤسّسة عمومية ذات صبغة إدارية تقدّم مرفقا عامّا هو التعليم العالي الفلاحيّ. ويخضع المعهد لاشراف مزدوج: إشراف مالي وإداري من وزارة الفلاحة والموارد المائية وإشراف بيداغوجي من وزارة التعليم العالي. ومنذ نشأته طرأت عليه عدّة تغييرات، كانت نتاجا طبيعيا لتطوّر تونس على جميع المستويات ولتغيّر أهداف المعهد.

إنّ فكرة إحداث معهد للتعليم العالي الفلاحي بتونس أثيرت سنة 1896 في إطار مشروع أعدّه ديبوسكي (Dybowski) أراد به إحداث معهد للدراسات الفلاحية بتونس يكون خاصّا بالبلدان ذات المناخ الحارّ وشبه الجاف. وقد لقيت هذه الفكرة معارضة شديدة من لدن الجزائر التي كانت ترغب في أن يحدث المعهد فوق ترابها لا أن يكون إحداثه من قبل المعمّرين الفرنسيين بتونس.

أحدث المعهد فعليّا يوم 17 أكتوبر 1898. واختارت له السلط الاستعمارية آنذاك اسم امدرسة الفلاحة الاستعمارية بتونس (Ecole d’Agriculture Coloniale de Tunis) وقد نهض المعهد آنذاك حلقة تكوين وإرشاد لفائدة المعمّرين الفرنسيين الذين حطّوا رحالهم حديثا بتونس، كما شكّل أرضية لتكوين متخصّصين في المجال الفلاحي بشمال إفريقيا والمستعمرات الفرنسية عامّة.

وفي سنة 1908 وبمقتضى قرار مدير الفلاحة والتجارة والشؤون الاستعمارية المؤرّخ في 30 نوفمبر 1908 أسندت تسمية جديدة إلى مؤسسة لتصبح المدرسة الاستعمارية للفلاحة بتونس (Ecole Coloniale d’Agriculture de Tunis). وكانت آنذاك مدّة الدراسة تدوم سنتين. وذلك إلى حدود 03 أكتوبر 1947 حين أضيفت سنة أخرى لتصبح مدّة الدراسة بالمعهد ثلاث سنوات.

لقد حقّقت تونس الاستقلال الدّاخلي ثمّ الاستقلال التامّ سنة 1956. وهو ما استوجب توّنسة المدرسة الاستعماريّة للفلاحة بتونس لتصبح "المدرسة العليا للفلاحة بتونس". وذلك بمقتضى الأمر المؤرّخ في 10 نوفمبر 1955. وبمناسبة العودة المدرسيّة في أكتوبر 1963 أضيفت سنة رابعة إلى التعليم فيها، كما تغيّرت تسمية المدرسة من جديد لتصبح "المدرسة القومية العليا للفلاحة بتونس". والملاحظ أنّه منذ 10 نوفمبر 1955 وإلى غاية سنة 1968 كانت المدرسة القومية للفلاحة بتونس تخضع لاشراف وزارة الفلاحة التي كانت آنذاك كتابة دولة (Sous - Secrétariat d’Etat de l’Agriculture), إلا أنه في ربيع سنة 1968 أصبحت المدرسة القومية للفلاحة بتونس والتعليم العالي الفلاحي بوجه عامّ يخضعان لسلطة وزارة التربية القومية. وقد حدث هذا التغيير ليتلاءم مع سياسة الدّولة آنذاك، إذ كانت تهدف إلى تحديث التعليم العالي الفلاحي وتنظيمه حتى يكون التعليم العالي بوجه عام في خدمة الدّولة وأهدافها على جميع المستويات. ولتكون تسمية المدرسة متجانسة مع هذا التغيير اختيرت تسمية "كليّة العلوم الفلاحية بتونس". وذلك بمقتضى قانون المالية عدد 41 لسنة 1968 المؤرّخ في 31 ديسمبر 1968.

في سنة 1970 عاد الاشراف على التعليم العالي الفلاحيّ إلى وزارة الفلاحة. وفي هذه الفترة نفسها توقفت تجربة التعاضد في الميدان الفلاحيّ وأحدث تغيير في تسمية المعهد ليتحوّل من كلية العلوم الفلاحية بتونس إلى "المعهد القومي للعلوم الفلاحية بتونس".

وتواصلت هذه التسمية إلى حدود سنة 2001 عندما تغيّرت تسمية المعهد مرّة أخرى ليصبح "المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس".

إنّ أهمّ مهمّة أنيطت بعهدة المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس التي ارتبطت به منذ نشأته هي: التعليم العالي الفلاحيّ. وهو ما يمكن أن نستشفّه من تسميته.

ولهذا الغرض توجد بالمعهد ستّة أقسام في تخصّصات متنوّعة هي:

  • قسم الموارد الحيوانية والصيد البحري وتكنولوجيا الصناعات الغذائية.
  • قسم العلوم الفلاحية والبيوتكنولوجيا النباتية.
  • قسم حماية النباتات وأمراض المحاصيل الحقلية.
  • قسم الهندسة الريفية والمياه والغابات.
  • قسم الاقتصاد والتصرف الفلاحي والصناعات الغذائية.
  • قسم الرياضيات والفيزياء والكيمياء.

وتتوزّع الدراسة بالمعهد كالاتي:

  • مرحلة تحضيرية في تخصّص البيولوجيا والجيولوجيا تدوم سنتين تشفع بمناظرة وطنية لدخول مرحلة مهندس.
  • مرحلة مهندس (Cycle Ingénieur) : تضمّ سبعة تخصّصات تدوم 3 سنوات ويحصل الطالب إثر النّجاح في هذه المرحلة على شهادة مهندس.

ويتيح المعهد للطلبة إمكان مواصلة دراستهم في الماجستير في اثني عشرة تخصّصا وفي سبعة تخصّصات بالدكتوراه.

يعتبر مستوى التدريس والمدرّسين بالمعهد من أرفع المستويات وقد أسهم في تخريج ثلّة من المتخصّصين في الميدان الفلاحي أسهموا في تطوير منظومة البحث والتعليم العالي الفلاحي.

وبالاضافة إلى التعليم العالي الفلاحي فإنّ للمعهد الوطني للعلوم الفلاحية مهمّة لا تقلّ قيمة عن التعليم بل لا يمكن فصلها عن التعليم الفلاحي. وهي "البحث الفلاحي". ويمكن القول إنّ مناشط البحث فيه ليست أكاديمية فحسب تهدف إلى تطوير معارف الطّلبة. بل إنّها تتعدّى ذلك إلى وضع جملة من الطرائق الجديدة ووسائل العمل والنّتائج العلمية على ذمّة المتدخّلين في الميدان الفلاحي من باحثين فلاحيين وفلاحين.

تنجز هذه البحوث داخل مخابر بحث وفي إطار مشروعات بحوث تموّلها الدولة أو جهات أجنبية.

إنّ أعمال البحث بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس لا تتعلّق بموضوعات كلاسيكية كالاستعمال الأفضل للموارد المائية وتحسين الانتاج الفلاحي وحمايته. بل يتعدّى ذلك ليشمل موضوعات حديثة باستعمال تقنيات ومعدّات بحث تضاهي تلك المستعملة في الدول المتقدّمة.

إنّ المعهد الوطني للعلوم الفلاحيّة متفتّح على محيطه الدّاخلي والخارجي.

فعلى المستوى الداخلي، دأب المعهد على أن يكون متصلا على نحو مستمرّ مع الجامعات والمعاهد التّونسيّة والادارات الفنيّة بوزارة الفلاحة والموارد المائية والمجمّعات المهنيّة والشركات المتخصّصة في المجال الفلاحي.

وعلى المستوى الخارجي، وفي إطار التّعاون الدولي مع الدول الشقيقة والصّديقة والرّائدة في المجال الفلاحي، فإنّ المعهد في تواصل مستمرّ مع 50 جامعة ومعهد دولي تتوزّع على جميع أنحاء العالم.

لقد احتفل المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس بمئويّة تأسيسه سنة 1998. فكانت فرصة للوقوف على جملة ما حقّقه من إنجازات طوال مائة سنة وتحديد الأهداف المستقبليّة حتّى يظلّ المعهد رائدا في مجال التعليم العالي الفلاحيّ وحتّى يبقى ركيزة من ركائز منظومة البحث الفلاحيّ.