«المعز بن باديس»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ط (نقل Akram صفحة المعز بن باديس إلى المعز ابن باديس دون ترك تحويلة)
ط (نقل Akram صفحة المعز ابن باديس إلى المعز بن باديس دون ترك تحويلة)
(لا فرق)

مراجعة 09:45، 30 ديسمبر 2016

[406 454ه / 1016 1062م]

المعز بن باديس، أبو تميم هو الملك الرابع لدولة بني زيري الصنهاجية التي حكمت إفريقية من سنة 362ه / 972م. إلى سنة 543ه / 1148م. ولم تكن مدّة حكمه تمثّل أوج ازدهار هذه الدولة كما ذهب إلى ذلك الأستاذه. ر. إدريس.فإذا ما سلّمنا بوجود فترة تمثّل قمّة هذا الازدهار فإنّه ينبغي أن نجعلها في زمن متقدّم، قبل نزول الطّاعون بالبلاد وحدوث المجاعة المهولة في سنة 395ه / 1004 1005م، وقد كانا سببا في هلاك خلق كثير من أهالي البلاد. ومنذ ذلك التّاريخ، وطوال عهد حكم المعزّ، توالت المصائب والكوارث على إفريقية دون هوادة، كاشفة عن نقائص نظام اقتصادي غلب عليه الاضطراب وأنهكه الاجهاد. وقد كانت أعوام 409ه / 1018 1019م. و442ه / 1022 1023م وما بعدها... جميعُها من السنوات الموسومة بعلامة سوداء. (راجعه. ر. إدريس، بلاد البربر الشرقيّة في عهد بني زيري [النصّ الفرنسي] (ج ق ص .(392 ,472 ,722 ,161 ,941 وقد عمد الرّواة ومدوّنو التّاريخ من أهل السّنة إلى إضفاء كثير من الغموض ومن التّزويق على ملامح المعزّ، وجعلوا منه، في عصر متأخّر عن زمانه، رجلا من السّنّة كان منذ نعومة أظفاره أسيرا في قبضة الشيعة. فبقي المعزّ يمثّل في تاريخ إفريقية الرجل الذي أعاد الاعتبار إلى المذهب المالكي القويم وأقام صرحه من جديد بهذه الرّبوع. وهو ما أدّى مباشرة إلى حصول "كارثة" زحف بني هلال على البلاد. وقد مات أبوه باديس فجأة ليلة الهجوم النّهائي على القلعة التي كان عمّه حمّاد قد ابتناها في سنة 398ه / 1007 1008م. وقد أدّى موته المباغت (في 30 ذي القعدة سنة 406 / 10 ماي 1016) إلى تقسيم مملكة بني زيري نهائيا لصالح فرع الحمّاديّين (405 547ه / 1015 1152م).

وكان الأمير الشّاب الذي لم يكن قد بلغ بعد التّاسعة من عمره عند موت أبيه يقيم بالمهدية.وقد تسبّب ذلك في وضعية دقيقة لم يتغلّب عليها إلاّ بجهد جهيد وباللّجوء إلى الحيلة والخديعة. (ه. ر. إدريس، بلاد البربر الشرقية في عهد بني زيري، ج ق، ص 128 130). على أنّه نُصّب مع ذلك يوم 21 أو 23 من شهر ذي الحجّة سنة 406ه / 31 ماي أو 2 جوان سنة 1016م، دون حصول منازعة. ويقال إنّه كان أسمر أسفع اللّون. ويجمع الرّواة على اتّصافه بذكاء حادّ وبثقافة جيّدة لا يمكن أن يكون قد اكتسبهما إلا فيما بعد. وفي الشّهر الموالي غادر المعزّ مدينة المهديّة وحلّ في أواسط المحرّم من سنة 407ه / 24 جوان 1016م، بعاصمته المنصورية التي كان أسّسها الخليفة الفاطمي المنصور حوالي سنة 336 337ه / 947 949م على مسافة نصف ميل من القيروان قلعة المذهب السّنّي المشاغبة التي كان ينبغي للأمير الجديد، من باب حسن السياسة والتدبير، أن يؤدّيَ إليها زيارة. وقد آلت هذه الزّيارة، في ظروف لا يزال يكتنفها الغموض والابهام، إلى نشوب حركة تمرّد شديدة ضدّ الشيعة. ففي يوم 16 من شهر محرّم سنة 407 / 25 جوان 1016، كان ركب الأمير في بادئ الأمر يلقى ما تفرضه المناسبة من ترحيب وهتافات عند اختراقه شوارع المدينة. وفجأة اندلعت ثورة الجماهير تبعا لصدور إشارة معلومة أو انطلاق إذن خفيّ متفق عليه لم ينفذ رواة الخبر إلى معناه الحقيقي، وقد كان الهدف من ذلك القضاء على حياة الأمير الشّاب بالذّات، ومن خلال شخصه، الاطاحة بالنّظام الذي كان أهل السّنة يسعون إلى التّخلّص منه نهائ}ا في كامل أرجاء المغرب الاسلامي، محاولين اغتنام ذلك الظرف الذي كان يبدو مؤاتيا جدّا في نظرهم. أفلم يسبق لحمّاد الذي أنقذته معجزة موت باديس المفاجT أن ينكر مبادئ الشيعة منذ سنة 405ه / 1015م، وأن يعقد الصّلة من جديد بالخلفاء العبّاسيّ}ن ببغداد؟ هذا وليس من المستبعد أن يكون متواطئا سرّا مع المتمرّدين، حتّى ولو لم يكن هدفه من ذلك سوى تلهية حكّام القيروان عن مهاجمة القلعة من جديد. ويبدو من الثابت أيضا أنّ أتباع المذهب السنّي كانوا يحظون بمساعدة بعض المتواطئين معهم سرّا حتّى داخل صفوف الجيش الرسميّ الذي اتّسم موقفه في بادئ الأمر بفتور غريب يدعو إلى التساؤل. أمّا ما أبداه عامل القيروان من خمول وتقاعس فإنّه يُعزى، بطبيعة الحال، إلى ما قد يكون استروحه من أنباء تتعلّق بقرب عزله عن خطّته. ومهما يكن من أمر فقد وُضع حدّ لطاقة الحرس الأميري والطغيان عليه بسرعة. وبمجرّد نشوب حركة العصيان الشّعبيّة عمد المتمرّدون إلى تقتيل النّاس عن حقّ أو عن باطل، تدفعهم إلى ذلك غريزة النّهب والسّلب أكثر ممّا يحفزهم استفظاعهم البدعة والضلال. "وانبسطت أيدي العامة على الشّيعة وانتهبت دورهم وأموالهم. وتفاقم الأمر، وانتهى إلى البلدان الأخرى، فقُتل منهم خلقٌ كثير. وقُتل من لم يُعرف مذهبه بالشّبهة لهم" (ابن عذاري، البيان...، ط. ج.س. كولان وأ. ليفي بروفنسال، ليدن، 1948، ج ق، ص 268). وقد ذهب بعض الشّيوخ الأفاضل الوقورين من أهل القيروان إلى حثّ العامّة على استعجال أمر القتل "فإذا ما كان القتيل من أهل السّنة، عجّل ذلك بدخوله الجنّة" (عياض، المدارك، ط. بيروت، 1967، ج بق ص 625). ولم ينجُ أبو البهار بن خلوف الذي كان موضع حقد الجماهير والذي سوف يرتقي إلى الوزارة بعد بضع سنوات من غضب العامّة إلاّ بفضل جند ابن أخيه الذي قتل ومثّل به بدل عمّه. ثمّ زحف العامّة بعد ذلك على المنصوريّة فهدّموها وانتهبوها. وشهدت عدّة مدن أخرى بإفريقية مذابح لاستئصال الشّيعة وقطع دابرهم. ولم تحتفظ لنا المصادر التّي بين أيدينا وجميعُها سُنّية النّزعة عن هذه الأحداث إلاّ بصورة انتصار عظيم باهر على حركة الشّيعة.على أنّ هذه الانتفاضة، مهما كان اتّساع مداها، لم يكتب لها النّجاح والدّوام ولم يكن لها أثر يذكر. فقد ظلّ حكم الشيعة قائما مع الاتّسام فيما يبدو بمزيد من التّسامح. ومن البديهي أنّ المعزّ بن باديس، نظرا إلى صغر سنّه على الأقلّ لم يكن بإمكانه إبّان هذه الأحداث انتهاج أيّ سياسة شخصية خاصّة به. وقد قام رجال والده الذين احتفظوا بمناصبهم، بتسيير العمليّات دون شكّ. وبعد مرور قُرابة شهر على انطلاق حركة التمرّد والعصيان، عُيّن في يوم 19 صفر سنة 407ه / 28 جويلية 1016م وزير جديد، وهو أبو عبد اللّه محمد بن الحسن عامل طرابلس سابقا. فهل كان في هذا التغيير تنازل من أجل إعادة الاطمئنان إلى النّفوس؟ لكنّ حركة أهل السنّة التي وجدت في تسامح السّلطة ما شجّعها دون شكّ على الاقدام والتّمادي، لم تقلع عن المشاغبة والمقاومة.وكاد المعزّ أن يذهب ضحيّة مؤامرة جديدة بعد بضعة أشهر وهو في طريقه إلى مصلّى القيروان بمناسبة عيد الفطر في أوّل شوّال من سنة 407ه / 3 مارس1017م. وفي هذه المرّة عزمت الدّولة على تسديد ضربة قاضية تستهدف رأس الحركة. وقد ذكر عياض (في المدارك، ج بق، ص 626) أنّ المعزّ داخله فزعٌ شديد من أهل السنّة وأنّه عزم على كسر شوكتهم من سنة 407ه / 14 مارس 1017م، جرت مداهمة أبي علي بن خلدون "شيخ الدّعوة" في مسجده حيث كان دون شكّ يدبّر سير العمليّات، وقُتل. وسرعان ما اندلع الشّغب بالقيروان، لكنّ السّلطة كانت قد أعدّت العدّة لذلك، فلم تُباغتها الأحداثُ. وقد ذكر عياض (في المدارك، ج بق ص 626) أنّ جند المنصوريّة من راجلة وحرس سُود ساروا نحو القيروان وعمدوا إلى نهب كلّ دكاكينها حتّى لم يسلم من ذلك دكّان. وأحرقت شوارع الأسواق وسُلبت أموال التجّار وأرزاقهم. وبذلك كسرت شوكة حركة السّنّة نهائيّا وتخلّصت الدّولة من ذلك السّيف المسلول فوق رأسها. ولم يبق بعد ذلك أثر يُذكر لأيّ حركة شغب مناهضة للشّيعة طوال عهد حكم المعزّ كلّه. وما كاد يمضي على ذلك ثلاثة أشهر حتّى بعث إليه الخليفة الفاطميّ الحاكم من القاهرة بخلع سنّية معبّرا له بذلك عن عرفانه، ومنحه لقب "شرف الدّولة" بخطاب مرسوم. واستأنف المعزّ بن باديس من توّه، ضدّ حمّاد عمّ أبيه تلك الحملة التي انقطعت من جرّاء هلاك أبيه المباغت. وبالرّغم من تحقيق انتصار سالت فيه الدّماء إلى حدّ مهول (في 30 ربيع الأوّل من سنة 408ه / 26 أوت 1017م) فقد كانت الحملة ذات تكاليف بشرية باهظة، وأبرم اتفاق سلام بين الطّرفين المتحاربين لن ينقضه خليفة حمّاد الملقّب بالقائد إلاّ في سنة 432ه / 1040 1041م. وهو يترك كامل القلعة بأيدي الحمّاديّين مؤكّدا بذلك إفلات المغرب الأوسط من سلطان دولة بني زيري المرتكزة بالقيروان. وفي الأثناء استمرت العلاقات على أحسن ما يكون مع الفاطميين. ففي أوائل سنة 411ه (آخر أفريل 1020م) جدّد الخليفة الحاكم بأمر اللّه ثقته في المعزّ بن باديس وحباه بجزيل النّعم وأرسل إليه فيما أرسل من هدايا، سيفا مرصّعا بنفائس الفصوص. أمّا الخليفة الظّاهر (411 427ه / 1021 1036م) الذي آل إليه الحكم اسميا تحت وصاية عمّته ستّ المُلك (المتوفّاة سنة 415ه / 1024 1025م) وهو في سنّ السادسة عشرة، فقد رفّع في لقبه الشرفيّ وزادهُ فخامة إذ سمّاه "شرف الدّولة وعضدها" مغدقا عليه العطايا بطبيعة الحال. وقد كان يحكم كلاّ من مصر وإفريقية عندئذ شابّان مراهقان يخضع كلّ واحد منهما لضرب متفاوت من الوصاية. وقد سبق المعزّ إلى التحرّر من وصاية وزيره أبي عبد اللّه محمّد بن الحسن الغالب على أمره الذي لا يتورّع عن ركوب المPثم والشّبهات فيما يقال عنه. وإذ لم يوفّق في إقناعه بالحسنى وعن طريق الوسائط بالتخلّي عن السّلطة، فقد عَمَد إلى عزله وأمر بقتله في السّابع من شهر ربيع الثاني سنة 413ه / 11 جويلية 1022م فاتحا بذلك، وهو في سنّ الخامسة عشرة تقريبا من عمره، عهد حكمه الشّخصي. واتّخذ أبا البهار بن خلوف وزيرًا جديدا، وهو عدوّ لأتباع مذهب السنّة، وقد كادوا يقتلونه في أثناء الانتفاضة التي حدثت في سنة 407ه / 1016م. وقد كان في تسمية هذا الرّجل دلالة سياسيّة مزدوجة إذ كان فيها إنذار موجّه إلى حركة السّنّة وعربونُ وفاء نحو الدّولة الفاطمية بالقاهرة. وفي السّنة نفسها أقام المعزّ مراسم زواجه في احتفالات فخمة. واستمرّ حكمه هادئا في الجملة طيلة أكثر من 35 سنة، أي إلى حدود زحف بني هلال، بالرّغم عن حدوث بعض الثّورات التي لم تكن خطرة البتّة، خصوصا في جنوب البلاد. وقد كان البناء يبدو شامخا متينا. لكنّ تلك القوّة كانت مجرّد مظهر خارجي. ذلك أنّ أبّهة البلاط التي كانت تزداد ضخامة بمدائح ممتهني التملّق المأجورين، كانت تخفي وراءها انهيار الهياكل الاقتصادية التي كانت تشكو تناقص اليد العاملة من العبيد، مع ما ينجرّ عن ذلك التّدهور من قحط ومجاعات متكرّرة وقد أشار رواة الأخبار إلى ما يقلّ عن الخمس منها وما يواكبها من اضطرابات وأوبئة وانهيار في عدد السكان، ولا سيما في الأرياف التي كان يهجرها أهلها إلى المدن. وعندما أصيبت البلاد في الصميم بغارات زحف بني هلال كانت خائرة القوى إلى حدّ بعيد حتّى أضحت عاجزة عن تحمّل الصّدمة أو التغلّب عليها واحتواء آثارها. هذا وإنّ المصاعب الدّاخلية، الدّينية منها والاقتصادية، هي التي دفعت بالمعزّ شيئا فشيئا إلى قلب ظهر المجنّ للفاطميّين، مستبدلا ولاءهُ لهم الذي لم يكن يكلّفه في الحقيقة سوى واجبات وأعباء ضرورية لا تستحقّ الذكر بولاء للخلفاء العباسيّين الأباعد لم يكن أكثر كُلفة ولا أثقل مؤونة من الأوّل. وقد كان يسعى بذلك إلى استمالة نفوس الحشود الغفيرة من العامّة الذين غلب عليهم الفقر، والذين ظلّوا في جمهرتهم أوفياء لمذهب السّنّة المالكية. وقد ساعد على هذه القطيعة مع القاهرة، خصوصا بعد موت الوزير الجَرْجَرَائي (436ه / 1045م)، ما كانت تشهده الدّولة الفاطميّة من تقهقر وتراجع. وحصلت القطيعة فيما يبدو على دفعات متوالية وبحسب تطوّر الظروف وتقلّب الأمزجة على مدّة تتراوح في حدود العشر سنوات بين عام 433ه وعام 443ه / أي عام 1041 وعام 1051م. هذا وإنّ دراسة النّقود تسمح لنا بتأكيد كون هذه القطيعة كانت كاملة ونهائية في سنة 441ه (ه.ر. إدريس، بلاد البربر الشرقية في عهد بني زيري، ج ق، ص 190). ولقد كان الصّدام الحاسمُ مع المغيرين الذين رمى بهم إلى إفريقية الخليفة الفاطميّ المنصورُ بإشارة من وزيره اليازوري عقابا على خروج تابعه السّابق عن طاعته وولائه له، بحيدران من منطقة قابس في يوم 1 ذي الحجة من سنة 443ه / 14 أفريل1052م. وبالرّغم من شجاعة الأمير الصنهاجي وما كان يتميّز به الأفارقة من تفوّق في العدد، فقد شُتّت شمل هذا الجيش الذي لم يكن يمتلك خطّة قتالية ولا انسجاما في صفوفه، والذي كان بمنزلة جبّار قوائمه من طين، تنخر كيانه الصّراعات العرقيّة وغضبُ الكتائب البربريّة على فريق الحرس السّودان الذين كان يبلغ عددُهم فيما يقالُ الثّلاثين ألفا من العبيد. وسرعان ما انهار صرح الدّولة الصنهاجيّة الذي كان قد نخرها السّوس من الأعماق تحت ستار المظهر الخارجي الخادع. وقد كان من المفروض أنّ خسارة معركة واحدة لا تعني خسارة الحرب كلّها. ولئن شهدت البلاد مثل هذا الانهيار المفزع الذي لم تجد بعده إلى النّهوض سبيلا فذلك يعني أنّها فقدتْ كلّ مورد مادّي وكلّ محرّك معنويّ.وانتشر بنو هلال بعد ذلك في كلّ مكان مخرّبين وناهبين كلّ ما اعترض سبيلهم، وهم كأسراب الجراد، حسب عبارة ابن خلدون. واستقلّت أهمّ مدن البلاد كلّ برأسها. أمّا القيروان التي تخلّى عنها المعزّ في آخر الأمر ولجأ إلى المهديّة (في 27 شعبان من سنة 449ه / 29 أكتوبر 1057م)، فقد كانت بعد يومين من هروب الأمير منها فريسة للنّهب والتّخريب الشاملين في اليوم الأوّل من شهر رمضان / 1 نوفمبر، إلى حدّ أوحى بنغمات حُزْن تمزّق القلب لشاعرين شهيرين من أبنائها وهما ابن رشيق (المتوفّى سنة 456ه / 1063 1064م، أو سنة 463ه / 1070 1071م)، وبوجه أخصّ ابن شرف (المتوفّى سنة 460ه / 1067م). ويوجد خلاف حول أهميّة هذه "الكارثة" ومداها. فهذا جان بونسي هزذفقP فخزك يذهب إلى حدّ إنكارها تماما. على أننا لا نرى داعيا إلى الشكّ على نحو تلقائيّ مطّرد في عدّة شهادات متطابقة هي اليوم بين أيدينا. وحتّى إذا ما سلّمنا بوجود شيء من المبالغة الشعريّة فإنّه ليس بإمكاننا أن نعدّ من قبيل الخيال شهادة ابن شرف الذي ترك لنا وصفا يحزّ في النّفس عن مصائب المشرّدين كما عاينها بنفسه، وهم مشتّتون في كلّ مذهب وقد فقدوا كلّ شيء. وهذا في حالة ظفرهم بالنّجاة بأرواحهم. (ابن بسّام، الذخيرة، ط. القاهرة، 1945، ج بق، كراس ق، ص 177 184). على أنّه من الممكن عادة النهوض من أيّ عملية غزو كهذه مهما كانت شديدة. وإذْ قد تعذّر ذلك، فإنّ الكارثة الحقيقية والدّائمة كانت تكمن إذن في جانب آخر. وهي الضربة القاضية التي أصيب بها اقتصاد البلاد. فقد كان هذا الاقتصاد يشكو قبل ذلك شيئا من السّقم المزمن، لكنّه كان لا يزال قابلا للعلاج، وقد حوّل الهلاليون هذا الاقتصاد الذي كان يمرّ فعلا بفترة أزمة وهو يكتسي غالبا صبغة فلاحيّة وصنائعيّة وحضرية إلى اقتصاد بدوّي رَعَويّ إلى أبعد الحدود، مع كلّ ما يمثّله ذلك التحوّل من ضروب التعطّل والتوقّف في الحياة السياسيّة والاقتصادية. وقد تسببوا على نطاق واسع في تقهقر الحياة الحضرية المطْمئنة لتحلّ محلّها حياة البدو المليئة بالمجازفات والمغامرات مع ما يشكّله نزوعها إلى العنف والحرب من تهديد مستمرّ لكلّ نشاط ريفي فلاحي أو حضريّ تجاري، وهي حياة البداوة التي أناخت بكَلْكَلها بعد ذلك على مصير البلاد السياسي طيلة قرون من الزّمن. وقد ضاقت الحال بالمعزّ واشتبهت عليه سبلُ الخلاص، فانتهى به الأمرُ إلى التماس النجاة في المصاهرات مع الغزاة الغلاظ الشداد والمحالفات المنافية لطبيعة الأشياء والتي لم تكن لتجديه فتيلا. ثمّ عاد المعزّ، ضمن تصوّرات أمله الخادع في تحاشي الكارثة، إلى ولائه للشّيعة الفاطميين. وقد يكون ذلك حصل منذ أواخر سنة 446ه / أوائل سنة 1055م. لكنّ الأمر أصبح ثابتا لدينا ابتداء من سنة 449ه / 1057م، كما تشهد بذلك الدنانير المضروبة بالمهديّة انطلاقا من هذا التّاريخ. وقد تحقّقت هذه العودة إلى الولاء الشّيعي، الذي بقي المعزّ وفيّا له إلى آخر حياته، وسط جوّ من اللاّمبالاة الكاملة التي كانت تشمل البلد الغارق في الفوضى والمشغول عن قضايا البدع والانحرافات الدّينية بشؤون يتوقّف عليها وجوده المباشر. وقد كانت سياسة المعزّ المتوسّطية وريثة سياسة الأغالبة والفاطميّين في هذا المجال، إلاّ أنّ بني زيري لم يعودوا في موقف قوّة مثل أسلافهم. هذا وإنّ ضروبا من الخلط في تواريخ الأحداث ومن السّهو ومن التّناقض تمنعنا من تتبّع هذه السّياسة بدقّة وثبات. ولنذكر أنّ حملة على إيطاليا الوسطى سنة 411ه / 1020م) آلت في نهاية الأمر إلى الفشل إذ أنّ أهالي كلّ من بيزة وجنوة استطاعوا أن يجرّدوا الأسطول الصّنهاجي من غنائمه وهو في طريق العودة. وفي سنة 416ه / 1025 1026م، دمّرت العواصف في عرض جزيرة قوصرة أسطولا صنهاجيا عتيدا متّجها نحو صقليّة قبل بلوغه هدفه. وفي سنة 426ه / 1034 1035م، استولى رجال بيزا مؤقّتا على مدينة عنّابة. وفي سنة 427ه / 1035 1036م، تدخّل جيش صنهاجي يقوده عبد اللّه ابن المعزّ وهو لا يزال مراهقا في سنّ الثالثة عشرة، في جزيرة صقلية التي كانت الفوضى تعمّها وهي على وشك السّقوط بأيدي النّورمان، وذلك لمحاربة الأكحل الذي استأثر هناك بالحكم في محرّم من سنة 410ه / 9 ماي 7 جوان سنة 1019م. وبعد أن فتح عبد اللّه مدينة بالرْمة وبعث برأس الأكحل إلى أبيه، اضطرّ في آخر الأمر إلى التراجع وتَرك الجزيرة خائبا. وكان المعزّ قد استقبل سنة 426ه / 1034 1035م مباشرة قبل هذه الحملة، وفدا قدم عليه من بيزنطة محمّلا بهدايا فاخرة. فهل ينبغي أن نجعل علاقة بين هذين الحدثين رغم قلّة ما ورد في هذا الشأن بالمصادر؟ وقد كان المعزّ يعيش حتّى زحف بني هلال حياة بذخ وترف وينفق الأموال بغير حساب حرصا منه على ذيوع صيته أميرًا نيّر الفكر يرعى أهل العلم والأدب. وقد عُهد بتأديبه في صغره إلى واحد من ألمع رجال الأدب والكتّاب بإفريقية، وهو ابن أبي الرجّال الشاعر والفلكي الشهير الذي تُرجم كتابه البارع، زيادة عن اللاّتينية والعبريّة، إلى عدّة لغات أوروبيّة.

وأصبح ابن أبي الرجال فيما بعد منجّم المعزّ وكبير وزرائه. وقد تألّقت المدرسة الأدبية القيروانيّة في عهد هذا الأمير تألّقا خاصّا بفضل رجال أفذاذ من أمثال القزّاز والحُصريّين، إبراهيم (المتوفّى سنة 413ه / 1022م) وقريبه عليّ الذي فرّ من القيروان بعد غزوة بني هلال وطاف بكامل بلاد الأندلس قبل أن يموت بها سنة 488ه / 1095م. لكنّ أفضل من كان يزين بلاط المعزّ هُما دون منازع الشاعران المتنافسان القديران ابن رشيق وابن شرف. وقد كان يحلو للمعزّ أن يثير بينهما مساجلات ونقائض شعرية بقيت مشهورة عبر التاريخ. أمّا ابن الرّقيق أو الرّقيق (المتوفّى بعد سنة 418ه / 1027 1028م) والمشهور خصوصا بتدوين التّاريخ والأخبار، فقد اشتغل أيضا كاتب ديوان وسفيرًا وكان شاعرا مجيدا. وفي مجال الفقه المالكي كانت هنالك جماعة من مشاهير الفقهاء، تبرز من بينهم، وتمتاز عليهم، شخصيّة أبي عمران الفاسي (المتوفّى سنة 430ه / 1039م)، الذي "كان له دور عظيم في تمخّض حركة المرابطين ونشأتها" (ه. ر. إدريس، المرجع المذكور سابقا، ج قق ص 727). ولقد ورث المعزّ بن باديس وهو لا يزال طفلا مملكة اتّسمت في المجال الاقتصادي بتفكّك هياكلها ووهن قواها، وفي المجال السّياسي بفقدان الجانب الغربيّ منها. وفشل في سعيه إلى توحيد أجزاء هذه المملكة من جديد جريا على سنة أبيه من قبله. وعندما توفيّ في يوم 24 شعبان سنّة 454ه / 2 سبتمبر 1062م) عن سنّ تناهز 46 أو 48 سنة قمريّة قضّى منها في الحكم فترة طويلة دامت سبعة وثلاثين عاما، فإنّه ترك هذه المملكة لخلفه تميم وهي تشكو الافلاس الاقتصادي والانقسام السّياسي وتتخبّط في فوضى عامّة.