المسرح الوطني التونسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المسرح الوطني التونسي

يعتبر المسرح الوطني التونسي أحد أهم المؤسسات الثقافية المرجعيّة في تونس وفي السّنة التي تأسّس فيها كان قطاع المسرح يقوم هيكليا على الفرق الجهوية وفرقة مدينة تونس وفرق الهواة وبعض الفرق الخاصّة وقد جاء التأسيس في سنة 1983 في عهد الوزير المؤسس الأستاذ البشير بن سلامة وزير الثقافة آنذاك تلبية للمطالب الملحّة والمتكررة على امتداد سنوات بضرورة دعم الحركة المسرحية بمسرح وطني على غرار ما هو موجود في مصر والعراق وسوريا والجزائر بحكم تجدّر التجربة المسرحية في تونس وتنوعها وثرائها. لذلك أُعتبر التأسيس حدثا بارزا تفاعل معه المسرحيّون وكذلك النخبة وحقّق الكثير من الانتظارات سواء تعلّق الأمر بالانتاج أو بالترويج.

وبالنظر إلى مسيرة المؤسسة يمكن القول إنّها عرفت مرحلتين من التأسيس لكل واحدة خصوصياتها. كانت الأولى على يد المدير المؤسس الفنّان المنصف السويسي من سنة 1983 إلى سنة 1988 والثانية على يد الفنّان محمد إدريس من سنة 1988 إلى سنة2010، ومن ثمة فقد كانت المرحلة الأولى تأسيسا والثانية تركيزا على مستوى الهيكلة والقوانين التنظيمية والبنى التحتية والانفتاح أكثر على التعبيرات الجديدة والتجارب العالميّة المتقدّمة.

اتسمت المرحلة الأولى بحركية الانتاج وتطوير الخطاب المسرحي وقد بلغ عدد الأعمال المنجزة في تلك الفترة (من سنة 1984 إلى سنة 1987) عشرين عملا - وهو رقم قياسي بالنظر إلى الفترة الزمنية - منها ما هو موجه للكهول (خمسة عشر عملا) ومنها ما هو للأطفال (خمسة أعمال) ونجد في هذه الأعمال خمسة عشر عملا من إنتاج المسرح الوطني والبقية أنتجها مع فرق أخرى في إطار انفتاحه على الأسماء والفرق والهياكل الأخرى مثل مسرح الديدحانة (الكواليس) ومسرح الكلّ (حمّالة في النّازلة) والفرقة المسرحية القّارة بسوسة (رجل أمام البحر) ومع مهرجانات مثل مهرجان بنزرت الدّولي (الدنيا ساعة بساعة) وإتحاد الممثلين (المنفي) وقد أخرج أعمال المسرح الوطني في تلك المرحلة مسرحيون تونسيون مشهود لهم أمثال المنصف السويسي والمنجي بن إبراهيم وعبد الغني بن طارة وكمال العلاوي والمنصف ذويب ومحمد المختار الوزير وحبيبة الجندوبي ونور الدين المطماطي وسمير العيّادي والبشير الدريسي ومحمد نجيب السّاحلي وعبد الحق خمير وغيرهم أمّا النصوص فمنها ما هو مؤلف ومنها ما هو مقتبس ومنها ما هو مترجم بإمضاء تونسيين وعرب وأجانب. ومن هذه الأعمال نذكر "من أين هذه البلية؟" و"أنا الحادثة" و"اسمع يا عبد السميع" و"منطق الطير" و"يا ثروة في خيالي" و"مدينة المقنعين" و"وكر النسور" و"ثعلب وثعيلب"...

و قد اتسمت هذه الأعمال بتنوع المضامين والأشكال والرؤى التعبيرية وبالتالي فإنّ هذه المرحلة كانت مرحلة التأسيس والانتاج والتعريف به داخل البلاد وخارجها ومن الانجازات الكبرى للمسرح الوطني تأسيسه لأيام قرطاج المسرحية سنة 1983 التي أدارها المنصف السويسي في عدّة دورات كما أصدر المسرح الوطني في الفترة ذاتها مجلة متخصّصة وهي "فضاءات مسرحية" التي أثرت الساحة الفكرية المسرحية وقد تمّ اعتبار توقفها عن الصدور في المرحلة الثانية خسارة كبرى.

بدأت المرحلة الثانية سنة 1988 وهي مرحلة تركيز المؤسسة من حيث الهيكلة الإدارية والبنى التحتية وفي مقدّمتها المقرّات وهكذا استقر المسرح الوطني بقصر خزندار بالحلفاوين كمقرّ اجتماعي رسميّ له أطلق عليه "قصر المسرح" تمّت فيه تهيئة عدّة فضاءات منها المقرات الاداريّة وأستوديو "حبيبة مسيكة" للتمارين الجسديّة والرّقص وأستوديو "علي بن عياد" للتمارين وتكوين الممثلين وخزينة الأزياء وخزينة التجهيزات التقنية وخزينة الديكور والمتممات الركحية وورشة النجارة.

ولقد شكل تركيز البنى التحتية وفي مقدّمتها قاعة الفن الرابع بشارع باريس التي تم ّتحويلها من قاعة سينما إلى قاعة للعروض المسرحية مُجهزة بأحدث التقنيات، ضمان استمرارية عمل المؤسسة وظروف الانتاج الملائمة كما تم ربط علاقات شراكة مع مسارح عربية وأوروبية لمزيد التقدّم بالتجربة الابداعية داخل المؤسسة التي حرصت على الانخراط في الحداثة الفنية والاعتماد على الطاقات الشابة.

كانت البداية سنة 1988 بمسرحية "يعيشو شكسبير" لمحمد إدريس الذي أخرج أيضا عدّة أعمال أخرى مثل "ونّاس القلوب" و"فلوس القاز" مع الأسعد بن عبداللّه و"دونجوان" و"الجثة المطوّقة" و"فرسان اللسان" و"راجل ومرا" و"حدّث"... والقاسم المشترك في كلّ هذه الأعمال على اختلاف مكوّناتها التعبيرية ولغتها البصرية، الرؤية التحديثية والكتابة الجديدة.

هذا التوجه نلمسه في أعمال أنتجها المسرح الوطني مثل "بالي حكايتهن" لأوديل كوغول بمساعدة نادية زويتن و"الرصيف الغربي" لرضا دريرة. ومن الأعمال التي أنتجتها المؤسسة نذكر "العوادة" للفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع المسرح الجديد) و"سنفونية" للحبيب شبيل (إنتاج مشترك مع المسرح المثلث) و"جنّة على الأرض" لرشاد المناعي (بالاشتراك مع مهرجان صفاقس الدّولي) و"كوميديا" للفاضل الجعايبي (إنتاج مشترك مع فرقة مدينة تونس) و"فلوس القاز" (إنتاج مشترك مع مجموعة سي تار) و"إليك يا معلمتي" لنورالدين الورغي (بالاشتراك مع مسرح الأرض) إضافة إلى ثلاثة أعمال للأطفال لمحمد المختار الوزير.

وفي انفتاحه على الأسماء الأجنبية لمزيد إثراء التجربة تعامل المسرح الوطني مع المخرج لويجي دلاليو في مسرحية "فاجعة في باريس" وكانت السينوغرافيا لسارجيوترامونتي والمخرج فرانشيسكو سانسي في مسرحيّة "الليلة نرتجل بيرانديلو" (إنتاج المسرح الوطني الشاب بمساهمة المعهد الايطالي للثقافة) والمخرج نيل فليكمان في مسرحيّة "موتة العزّ" (بمساهمة المركز الثقافي الأمريكي). ومن العناوين نذكر كذلك "ستوديو" و"مدرسة الشيطان" لمعزّ العاشوري في إطار المسرح الوطني الشاب وكذلك "ساعة ونصف بعدي أنا" و"حسب رأي غارغرين" لنضال قيقة و"شاخ مات" لفتحي بن عزيزة وفتحي العكاري و"وفى الطرح" و"صراع" لعبد الحميد قياس و"زينب" للطفي عاشور وزمان لرضا دريرة (مسرحية غنائية) وتعتبر تجربة حسن المؤذن مهمّة ومتميّزة حيث أخرج "عدن..عدن" و"الحياة حلم" وعمل مساعد مخرج لمحمد إدريس في أكثر من عمل كما اعتبرت مسرحية "حقائب" لجعفر القاسمي من الأعمال اللافتة التي أنجزها المسرح الوطني. تلتها مسرحية "مرض زهايمر" لمريم بوسالمي التي حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان المسرح العربي بالأردن سنة 2011 ومسرحية "ليلة الغفلة" لمعز العاشوري.

وبالنظر إلى مجمل الأعمال المنجزة إلى حدّ الان، فإنّ حوالي 1200 متدخل بين مؤلفين ومخرجين وممثلين وتقنيين سجلوا حضورهم في هذه الأعمال التي ساهمت إلى حدّ كبير في التقدّم بالتجربة المسرحيّ التونسيّة لا سيّما وقد استقطبت عددا كبيرا من الشبان وأهّلتهم للدخول في الحياة الفنيّة باقتدار. وإلى جانب هذه الانتاجات التي عرضت داخل تونس وخارجها، فإنّ المسرح الوطني أصدر مؤلفين فنيين هما "دروب" سنة 1992 وقد تضمن تحليل أبرز التجارب المسرحية بالبلاد منذ الستينات و"أزهار الستار على الجدار" الذي اعتنى بفنّ الملصق المسرحي إضافة إلى إقامة المعارض وتنظيم المهرجانات، كما أوكلت لمديره العام الفنان محمد إدريس إدارة أيام قرطاج المسرحية في دورات 1997 - 2005 - 2007 - 2009. ومن الخيارات الأخرى في صلب المسرح الوطني انفتاحه على فنون الفرجة الحيّة فكوّن نواة الباليه الوطني للرّقص التي لم تعمر طويلا ثم بعث المدرسة الوطنية لفنون السرك التي فتحت أبوابها سنة 2003 وخُصصت لها إدارة وقاعة كبرى للتمارين تتوفر على تجهيزات عالمية ووسائل عمل متطوّرة. وإلى جانب التكوين - الذي يدوم أربع سنوات على أيدي أساتذة تونسيين مختصين مع الاستعانة بخبرات أجنبية في هذا الفنّ خاصّة في التربصات والانتاجات - أنجزت المدرسة سبعة أعمال قدّمت في كامل تراب الجمهورية وأوروبا حيث تمت دعوتها إلى مهرجانات عالمية كبرى في فنون السّرك.