المدرسة الباشية

من الموسوعة التونسية
نسخة 10:30، 1 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المدرسة الباشية

أسس هذه المدرسة الباشا علي باي الأول بن محمد بن علي التركي سنة 1166هـ/1752م بعد ثلاث عشرة سنة من حصوله على الحكم، وهي ثاني المدارس التي بناها بمدينة تونس، وتعرف بمدرسة القشاشين لكنها اشتهرت بالباشية نسبة إلى مؤسسها، وتصنّف بين أجمل المعالم التي أنشأها، وتتميز بثراء زخرفي وجمال معماري قلّما نجده في المدارس الكثيرة التي شيّدها علي باشا. وهي تتكوّن من ثلاث عشرة غرفة مخصّصة لسكنى الطلبة ومسجد وسبيل إلى جانب تربة ملاصقة لها تحتوي على قبرمؤسسها وقبور ذريته من الذكور.

توجد المدرسة الباشيّة بنهج الكتبيين عدد 27، وهي شرقية الاتّجاه كائنة بالقشاشين ملاصقة لها تربة ذات مدخل مستقلّ، وهي تقع بجوار المدرسة السليمانية وأمام حمّام القشاشين. وقد بنيت المدرسة الباشية والمدرسة السليمانية في مكان فنادق قديمة أخذها علي باشا بالمعاوضة. ويصف الصغير بن يوسف موقعها فيقول "جاءت هذه التربة والمدرسة في أغبط مكان وأعزه بقرب جامع الزيتونة...".

أوّل من عيّن للتدريس بها الشيخ القاسم محمد محجوب الحنفي لكنّه سرعان ما عزله علي باشا وعيّن مكانه محمد بن حسين بيرم ثمّ توالى على هذه الخطة من بعده بيرم الثاني ثمّ بيرم الثالث ثمّ بيرم الرابع، ولقد توارثت هذه الخطة عائلة البيارمة كما كان شأن المدرسة العنقية لفترة طويلة. ومن أشهر من دَرَسَ بالمدرسة الباشية محمد بيرم الثاني والمؤرخ حمودة بن عبد العزيز باشا، وأبرز من سكنها الوزير مصطفى خوجة. وقد حبّس علي باشا المدرسة الباشية على الطلبة الحنفيين، ولذلك اشترط في نصّ التحبيس أن يكون المدرّس حنفي المذهب يلقي ثلاثة دروس في اليوم في الفقه والتوحيد والنحو، ويتولى بها إمامة مسجدها يصلّي بها الصلوات الخمس.

وقد حظيت هذه المدرسة استنادا إلى وثائق الأرشيف بعناية فائقة من مؤسّسها الذي حبّس عليها عددا مهمّا من الرباعات والعقارات الموجودة بمدينة تونس وخارجها، وكانت المداخيل المتأتّية من هذه الأوقاف تُصرف وفقا لنصّ الحبسية، إذ تمنح مرتبات شهرية لكل من الوكيل والشيخ المدرّس والطلبة والامام والمتطوعين والخوجات والوقّاد والميضاوي وقارئ سورة الإخلاص والدلائل وقراء الحزب بتربتها ولنقيب التربة. ويصرف ما تبقى من المداخيل فيما يلزم للقيام بشؤون المدرسة من إصلاح وترميم وتأثيث وغيرها لضمان دوامها واستمرار الانتفاع بها، وقد جعل النظر في تسيير شؤونها والاشراف عليها للمحبّس ثمّ للأكبر من بنيه وبني بنيه من بعده.

معمارالمدرسة وزخرفتها[عدّل]

يقع مدخل المدرسة تحت ممرّ مسقوف بأقبية طولية متقاطعة يستند مسقطها إلى أعمدة ذات تيجان تركية ملوّنة بالأحمر والأخضر، ويؤدي هذا الممر مباشرة لواجهة المدرسة التي كسيت بقطع من حجارة الكذال المهندمة الكبيرة الحجم، ويتوسّط الواجهة باب توجد في أعلاه نقيشة رخامية مستطيلة الشكل كتبت بخط نسخي شرقي تؤرخ لبناء المعلم، كما تحيط بالمدخل نافذة على يمينه وأخرى على شماله لكل منهما قضبان حديدية غلخة، تفتح الأولى على سبيل ذي حوض ماء من الرخام جميل الشكل، جعل لشرب المارّين يصعد إليه عن طريق درجتين.

يفضي مدخل المدرسة إلى دريبة مستطيلة الشكل مسقوفة بقبو طولي يتوسّطه قبو متقاطع، وتحتوي على دكّانات مبنية على طول السقيفة، كما تحتوي كل واحدة منها على طاقات لها شكل محاريب. وتوصل الدريبة إلى صحن مستطيل الشكل يحتلّ تقريبا ربع مساحة المدرسة. ويحيط بالصحن من جوانبه الأربعة أروقة لكل منها ثلاثة عقود حدوية الشكل ذات فقرات متناوبة بيضاء وسوداء، ويستند مسقط العقود على أعمدة نحتت من الحجارة السوداء مجلوبة من برّ النصارى حسب تعبير الصغير بن يوسف، وهي من أجمل الأعمدة التي تحتوي عليها مدارس مدينة تونس وتزيّنها تيجان تحلّيها ورقة الأكنتاس، وسقفت الأروقة بالخشب ذي الحواجز البارزة ويتوّج أعلى الصحن إفريز يتكون من صفّين من القراميد الخضراء، كما تحيط بالصحن ثلاث عشرة غرفة خصّصت لسكنى الطلبة وتضيء كل غرفة نافذة. وتنتصب في الزاوية الجنوبية الشرقية بئر منها يقع تزويد المدرسة بما تحتاجه من مياه.

أعمدة المدرسة الباشية

ويتوسّط الواجهة الغربية للصحن المدخل الرئيس للمسجد يحيط به إطار من الكذال، ويفضي إلى قاعة مربّعة الشكل مسقوفة بأقبية، ترتكز على أربعة صفوف من أعمدة الكذال باستثناء واحد رخامي يوجد في الزاوية الجنوبية الشرقية، تحلّيها تيجان من الطراز التركي فوقها وسادات تستند عليها عقود طليت بالأبيض والأسود على شكل فقرات متناوبة وتربط مسقط هذه العقود ببعضها وبالجدران عوارض خشبية.يتكوّن المسجد من خمسة أساكيب وخمس بلاطات، ويتوسّط الجدار القبلي محراب أطّر بالرخام يحيط به إفريز بارز، ويوجد على يمينه مدخل يؤدي مباشرة إلى المراحيض والميضاة.وقد كسي الجدار ببلاطات من جليز القلالين الذي يحاول تقليد الجليز الأزنيقي، ويحلّي أعلى جدارن المسجد إفريز من الجصّ به أسماء الله الحسنى مكتوبة بالأبيض على مهاد أزرق، وهذا النوع من الزخرفة متواجد بكثرة في المعالم العثمانية. وتميّز هذه المدرسة قبّة تعلو المحراب، ترتكزعلى أربعة عقود نصف مستديرة، وتشكّل هذه العقود قاعدة مربعة لها. وتتكوّن القبّة من ثلاثة أقسام يكون الانتقال من القاعدة المربعة إلى القسم الأول المثمن عن طريق أربعة عقود زوايا لها شكل صدفة بحرية، وقد فتحت في الرقبة نوافذ على شكل شمسيات مخرمة ويتوسّط كل نافذتين منها نقش جصي يأخذ شكل مزهرية، وتأخذ الطاقية شكل نصف كرة مزخرفة بأشكال هندسية ونباتية.

وتعتبر المدرسة الباشية من أجمل المعالم التي بناها علي باشا في القرن الثامن عشر بمدينة تونس، ويعود هذا الانجاز الضخم إلى ولع الباشا بإنشاء المدارس من ناحية وإلى توافر إمكانات ماديّة هائلة في تلك الفترة من ناحية أخرى.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • ابن مامي محمد الباجي، مدارس مدينة تونس من العهد الحفصي إلى العهد الحسيني(ق13-ق19)، رسالة دكتوراه حلقة ثالثة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تونس،1981.