القطاع الفلاحي في تونس

من الموسوعة التونسية
نسخة 07:45، 7 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مرت تونس بعد انتصاب الحماية وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى بفترتين متتاليتين مختلفتين داخل السيرورة الاستعمارية. في الفترة الأولى كان الاستعمار الزراعي السّمة الطّاغية على السياسة الاقتصادية الاستعمارية. أمّا الفترة الثانية فقد تميّزت بالنموّ السّريع للانتاج المنجمي. فما هي الحدود الزّمنية لفترة الاستعمار الزّراعي؟ وما هي السّمات العامة التي ميّزتها؟

الاستعمار الزّراعي[عدّل]

اتسمت هذه الحقبة حتى حدود سنة 1892 بسيطرة الرأسمال الخاص المضاربيّ، كما عملت الدولة الاستعمارية على حماية الاستعمار الزراعي لفائدة جالية من المعمّرين ولفائدة بعض المؤسسات والشركات المرتبطة بكبريات البنوك. وقد سيطرت فيها أقليّة من كبار المعمّرين على قرابة نصف مليون هكتار. فكان 90% من هذه المساحة يتصرّف فيه 16 من كبار المعمرين (416 ألف هكتار من مجموع 443 ألف هكتار). من ذلك أن الشركة المرسيلية للقرض تحتلّ وحدها أكثر من 100 ألف هكتار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الملكية كانت في معظم الحالات غيابية، مع مراهنة أصحابها على ارتفاع سعر الأرض وارتفاع معاليم كرائها.

وابتداء من سنة 1892 انطلقت مرحلة جديدة داخل هذه الحقبة توسّعت فيها القاعدة العقارية للمعمّرين الذين ارتفع عددهم (أشخاص ومؤسسات) برعاية سلطة الحماية، كما تغيّرت في أثناء هذه المرحلة ظروف السّوق بفضل التّنظيمات الجمركية الجديدة (قانون 3 جويلية 1890 وأوامر 2 ماي 1898 و19جويلية 1904). وعلى هذا الأساس حدث تغيّر لافت في ظروف الاستثمار الزراعي الاستعماري وملابساته. فبعد أن كان غيابيا ومضاربيا بدأ الرأسمال الاستعماري في تغيير شروط الانتاج وأشكاله في الأرياف التونسية. وهذا الرأسمال بصفته تجسيدا لنمط إنتاج محدّد ظهر في الأرياف التونسية في غضون العشرية الأخيرة من القرن التاسع عشر. وبفضل مساعدة الدولة والمؤسّسات المالية والبنكية بدأت مجموعة المعمّرين في تغيير نمط الانتاج في القطاع الفلاحي بإدخال الوسائل والطرق الإنتاجية العصرية بتنمية العمل المأجور في بعض القطاعات ذات المردوديّة المرتفعة.

وهكذا تكوّن قطاع فلاحيّ استعماريّ عصريّ متخصّص في غراسات الزّيتون والكروم وفي زراعة الحبوب. ويعدّ إدخال غراسة الكروم أوّل عمل أنجزه المعمّرون. لكنّ أهمّ من ذلك توجّههم إلى غراسة الزيتون بجهة صفاقس تسعينات القرن التاسع عشر. أمّا قطاع الحبوب فهو القطاع الأكثر تأثّرا بالطرق والأساليب الجديدة والعصرية في العمل والاستغلال، إذ ارتبط به قطاع صناعيّ محدود اقتصر على بعض الصناعات التحويلية والغذائية.

الظروف الملائمة وواقع الانتاج التّونسي[عدّل]

اشتراء الأراضي[عدّل]

في أثناء الحرب العالمية الأولى تراجعت المساحة التي كانت بيد الفرنسيين بسبب إقدام هؤلاء على بيع جزء مهمّ من الأراضي التي استولوا عليها. وبفضل ذلك تمكّن عدّة تونسيين وخاصة منهم كبار الملاّكين العقّاريّين من توسيع المساحات التي يملكونها بإقدامهم على اشتراء أغلب الأراضي التي عرضها الفرنسيّون للبيع إذ نجد أنه بين سنتي 1914 و1920 باع المعمّرون الفرنسيون 80.500 هكتار ولم يشتروا إلا 19.000 هكتار. وتتوزّع المساحة التي باعها الفرنسيون كما يلي:

  • 60.000 هكتار اشتراها تونسيون
  • 15.000 هكتار انتقلت إلى أيدي إيطاليين
  • 5.000 هكتار اشتراها أوروبيون آخرون

تعصير أساليب الاستغلال[عدّل]

لقد كان للاحتكار الذي مارسه المعمّرون الفرنسيون وكبار الملاّكين العقّاريين أثره البعيد في تعصير الفلاحة التّونسية خاصّة أنّ مرحلة التجهيز في المخطط الاستعماري تركت مكانها ابتداء من السنتين 1912 - 1914 إلى مرحلة التعمير. وهكذا دخلت تقاليد جديدة في الاستغلال الزراعيّ سواء في إعداد الأرض أو في البذر أو في الحصاد والجني. وقد شحذ هذا الرّبح الوافر، روح المبادرة في نفوس الفلاّحين التونسيين وشجّعهم ما رأوه من المحصول الوافر في الأراضي المجاورة لهم، التي استعمرها الأوربيون على شراء الآلات الجديدة وخدمة أراضيهم بالطرق العصرية وساروا في ذلك بالتدرّج. وهكذا أصبح عدّة فلاّحين تّونسيين وخاصّة ممّن لهم إمكانات مهمّة يقبلون على عدّة أعمال منها:

  • القيام بحراثات تحضيرية للأرض وتنقيتها من الأعشاب الطفيلية
  • استعمال المخصّبات الفسفاطية
  • الاقبال على النباتات والمزروعات الجديدة الجيّدة
  • تراجع استعمال العمل اليدوي وكذلك استعمال الخمّاسة أمام توسّع اللجوء للعمل المأجور
  • استعمال المحراث الأوروبي

وتفيد الإحصائيات أنّ أراضي الفلاّحين التونسيين المستغلة بالمحراث الأوروبي كانت تقدّر ب 46.000 هكتار قبل الحرب. فأصبحت تقدّر سنة 1916 ب 79.000 هكتار. وتبنّى عدد لا يستهان به من الملاّكين العقاريين التونسيين الكبار بعض أدوات الانتاج المتطوّرة تقليدا للمعمّرين ولتعويض النقص الحاصل في اليد العاملة. ذلك أنّ فرنسا قد انتدبت بين سنتي 1914 و1919 أكثر من 100 ألف تونسي بين عمّال وجنود قتل أو فقد منهم 15 ألف شخص تقريبا في حين تراوح عدد الجرحى بين 8 آلاف و10 آلاف شخص. وأصبحت الجرّارات التي كان عددها لا يتجاوز الخمسين قبل الحرب تستورد بعدها بالمئات. وقد أكّدت التجربة للملاّكين العقاريين التونسيين أنّ الطرق العصرية في الاستغلال الزراعيّ تمكّن من إنتاج ما يعادل أو يفوق ضعف ما تعطيه الطرق التقليدية في ظروف مشابهة جغرافيا ومناخيا. وهذا من شأنه تشجيع المتردّدين وطمأنة الذين تبنّوا الطرق الحديثة مبكّرا.

إنجازات الفترة: 1956 - 1986 وضعية القطاع الفلاحي غداة الاستقلال[عدّل]

استقلّت تونس سنة 1956 في ظروف اجتماعية واقتصادية في ذروة التأزم. فقد كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي غداة الاستقلال صعبا اتّسم بتفشّى الفقر والأمّية والبطالة في جميع أنحاء البلاد نتيجة السياسة الاستعمارية. لذلك شكّل بعث روح جديدة في القطاع الفلاحي أحد أهمّ الشواغل التي حدت قيادة الدولة الفتية. فطفقت تسعى إلى تحسين ظروف المئات من آلاف الرّيفيين الذين ليست لهم أراض والعاطلين عن العمل إذ كانت أغلب الأراضي الصّالحة للزّراعة في أيدي المعمّرين خاصة في الشمال والوسط أو مستغلّة في إطار أنظمة استثمار قديمة كالأراضي الاشتراكية والأراضي المستغلّة من العائلة المالكة، وأراضي الأحباس وغيرها....

أهميّة القطاع الفلاحي[عدّل]

تشير المعطيات الاحصائية لسنة 1951 إلى وجود 9 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية 4.250 مليون هكتار منها مراع أي 47% من المساحة الجملية و9،2 مليون هكتار مخصّصة للزّراعات السّقوية و830 ألف هك من الأشجار المثمرة. وكان النّشاط الفلاحي يمارس من 4 آلاف فلاّح معمّر أجنبي في مساحة 600 ألف هك (12.8% من المساحة الفلاحية المحترثة) و5000 فلاّح كبير تونسي في مساحة 600 ألف هك (12.8% من المساحة الفلاحية المحترثة) و 450 ألف فلاّح صغير تونسي في مساحة 3.5 مليون هكتار (74.4% من المساحة الفلاحية المحترثة)، وتتّسم الأوضاع العقارية بالنسبة إلى أغلب الأراضي التي يستغلّها صغار الفلاحين بتشتّت الملكية والاستغلال على الشّيوع وعدم الوضوح الكافي لحقوق الملكية.

وبالرغم من عدم تمكّن عدد كثير من التّونسيين من الاستغلال المباشر للأراضي الفلاحية فإنّ هذا القطاع كان يوفّر إنتاجا ذا أهمية ويسهم بقسط وافر في الناتج الداخلي آنذاك. وتتجلّى قيمة القطاع الفلاحي على الصعيد الوطني من إسهامه بنسبة 31.2% من الناتج الإجمالي الخام مقابل 24.3% فقط للقطاع الصناعي، بالإضافة إلى إسهام الصادرات الفلاحية بنسبة 21.8% من جملة عائدات التصدير، كما تظهر أهميّة القطاع الفلاحي أيضا في كونه يعدّ أهمّ مورد رزق لأغلبية الشّعب التونسي في تلك الفترة. فقد كان يوفّر العمل لأغلب اليد العاملة النّشيطة بنسبة 73%.

الإجراءات الأوّلية التي تمّ اتخاذها بعد الاستقلال[عدّل]

اتّخذت الدولة الفتيّة عدة إجراءات وقرارات مهمّة، مباشرة بعد الاستقلال لتسريع استغلال الأراضي الفلاحية تجسّدت في إدخال بعض الإصلاحات على الأوضاع العقارية القديمة للأراضي الفلاحية ذات الصبغة القانونية غير الواضحة وحلّ الأحباس وانتزاع بعض الأراضي من المعمّرين وتوزيعها على صغار الفلاحين. وفي هذا الصدد بمقتضى القانون المؤرخ في 18 جويلية 1957 حول إلغاء الأحباس وقانون 28 سبتمبر 1957 المتعلّق بالأراضي الفلاحية الاشتراكية كان العمل على تطهير الوضعية العقارية بغية تأمين ملكية واضحة للفلاحين حتى يتمكنوا من التمتع بالقروض. وقد مكّنت هذه الاجراءات الجريئة الدّولة في السنوات الثلاث الأولى من الاستقلال من وضع يدها على 580 ألف هكتار منها 80 ألف هكتار كانت تستغلّها الدولة على نحو مباشر وبذلك انطلقت عملية تحديث الفلاحة التونسية وتجديدها.

السياسة الفلاحية خلال الفترة (1962 - 1969)[عدّل]

في هذه الفترة أعدّت آفاق التنمية للعشرية الأولى بعد الاستقلال. وحظي القطاع الفلاحي باهتمام بالغ لكونه أهمّ مورد رزق لأغلبية الشعب التونسي وقتها. وقد درست وضعية القطاع وأهمّ العراقيل التي تعوق تطوّره ثم رسمت التوجّهات المستقبلية للنهوض بالقطاع الفلاحي وحدّدت الإجراءات الواجب اتخاذها لتحقيق الأهداف الجهوية والوطنية للقطاع وإدماجه في الدورة الاقتصادية بوجه عامّ. وانطلق تنفيذ إصلاحات هيكلة القطاع الفلاحي سنة 1962. وكان ينظر في السنوات الأولى للاستقلال إلى أنّ تعصير القطاع الفلاحي وتطويره لا يمكن أن يتحقّقا إلاّ باندماجهما التامّ في الاقتصاد الوطني. لكن ذلك يبقى رهين تنظيم الانتاج ومشاركة الفلاحين مشاركة فعّالة في مختلف حلقات الانتاج بغية الرفع في قيمة المنتوج.

وباعتبار العدد الكثير للمستغلّين الفلاّحيين وصغر حجم المستغلاّت وعدم توفّر الإمكانات التقنية والمالية، وهو يجعل تطوير الانتاج الفلاحي صعبا فقد تقرّر تعميم التنظيم الجماعي للقطاع الفلاحي عبر نظام التعاضد، الذي اتخذ عدّة أشكال. وقد تجسّد في بعث تعاضديات إحياء وإنتاج وتعاضديات خدمات وتعاضديات استغلال المناطق السّقوية وتعاضديات التوضيب والتمويل. ونظرا إلى تفاقم الأوضاع وفشل تجربة تعميم النظام التّعاضدي على نحو قسريّ وفي وقت وجيز، فقد تقرّر إيقاف هذه التجربة. وجاء القانون عدد 56 المؤرخ في 22 سبتمبر 1969 مؤيدا لهذا التوجّه ومؤكّدا تعايش القطاعات الثلاثة في الميدان الفلاحي: العمومي والتعاضدي والخاص.

السّياسة الفلاحية في الفترة: 1970 - 1986[عدّل]

تميّزت الفترة 1970 - 1986 في القطاع الفلاحي بانتهاج سياسات جديدة في إطار برامج العشرية الثانية 1970 - 1980 التي اتّسمت بتدخّل الدولة في الكثير من المجالات خاصة سياسة الأسعار وبداية تحرير القطاع وإعداده لبرنامج الإصلاح الهيكلي. وذلك في السنوات 1980 - 1986. وارتكزت السياسة المنتهجة إثر فشل تجربة التعاضد على إرساء تعايش القطاعات الثلاثة: الخاصّ والتعاضدي والعموميّ. وقد اتّخذ ابتداء من سبتمبر 1969 وطيلة هذه العشرية الكثير من الإجراءات وأقرّت عدّة سياسات تهدف إلى تنمية القطاع الخاصّ وردّ الاعتبار إليه. وقد شملت هذه السياسات القروض وتنمية الفلاحة الصغرى والمتوسطة والتكوين الفلاحي والبحث العلمي الفلاحي وإحكام استغلال الموارد الطبيعية. وتزامنت هذه الفترة مع إنجاز المخطّط السادس للتنمية الذي أكّد أهميّة تنمية القطاع الفلاحي وإسهامه في تحقيق الأهداف الوطنيّة وتخفيض العجز الغذائي الذي بلغ رقما قياسيا في سنة 1979 وتحسين ظروف العيش والتشغيل في الوسط الريفي والحدّ من النزوح ومن ضغط التشغيل في المدن بالإضافة إلى الإسهام في توازن التنمية الجهوية وتوزيع الدّخل القومي.

وتعتبر السياسة الفلاحيّة في هذه الفترة امتدادا للسياسة المتّبعة منذ السبعينات. وفي هذه الفترة قد تجسّمت السياسة التنموية للقطاع الفلاحي في اتّخاذ عدّة إجراءات، أهمّها:

  • إعادة الاعتبار إلى العمل الفلاحي خاصة من الناحية الاجتماعية إلى جانب توسيع مجال التغطية الاجتماعية لتشمل المجال الفلاحي وتشجيع الشباب على خدمة الأرض بما يمكّن من بروز فئة جديدة من الباعثين في القطاع الفلاحي.
  • خلق محيط ملائم للتنمية الفلاحية بالتشجيع على الاستثمارات ودعم التأطير ومراجعة الأسعار عند الانتاج وإسداء قروض بشروط تفاضلية.
  • تخصيص 19% من الاستثمارات الجملية للقطاع الفلاحي مقابل 13% طيلة المخطط الخامس.

إنجازات الفترة 1987 - 2006[عدّل]

انطلق في العقدين الأخيرين برنامج الإصلاح الهيكلي الذي هدف إلى إعادة التوازنات العامّة والتشجيع على المبادرة الخاصة وخلق مواطن الشغل. وقد اتّخذت في هذه الفترة الكثير من الإجراءات والإصلاحات من أجل تحسين المحيط العام للقطاع الفلاحي وتطوير إنتاجيته والنّهوض بالمحيط الرّيفي تجسّدت خاصّة في إعادة هيكلة الأراضي الدولية وإصلاح الأوضاع العقارية وتصفيتها ومراجعة نظام القرض والاستثمار وهيكلة مؤسسات البحث والارشاد والتكوين الفلاحي بالاضافة إلى إعادة تنظيم المهنة ودعم أدوارها وتطوير وسائل تدخّلها وأساليبه إلى جانب دعم المشروعات الفلاحية المندمجة والبرامج الخاصة بتحسين ظروف المعيشة بالريف والنهوض بالمرأة الريفية والانطلاق في تنفيذ برنامج لتأهيل القطاع.

واعتبارا للدّور الأساس الذي يضطلع به الاستثمار في حلقة التنمية قد اعتنت الدولة بالاستثمار في القطاع الفلاحي فتمخّض ذلك عن نتائج إيجابية من حيث تطوّر عدد العمليات الاستثمارية ونمو معدّل الاستثمارات الخاصة التي سجّلت نتائج باهرة في جميع القطاعات إذ ارتفع المعدّل السنوي لقيمة الاستثمار من 39.6م.د في الفترة 1983 - 1987 إلى 192.3م.د في الفترة 1988 - 2005. وفي الوقت نفسه تطوّر معدّل العدد الجملي لمواطن الشغل المحدثة سنويا بفضل هذه الاستثمارات من 1775 موطنا في الفترة الأولى إلى 3962 موطنا في الفترة الثانية. وعُدّ قطاع البحث العلمي الفلاحي من ناحية أخرى أحد أهمّ الخيارات الاستراتيجية على مستوى البحوث العلمية الفلاحية. وذلك باستنباط أصناف جديدة من الحبوب والبقول الجافّة وضعت على ذمّة المنتجين ومكّنت من الرّفع من المردودية وتحسين الجودة ومقاومة الافات واستخدام تقنيات متطوّرة في استغلال مياه الريّ إضافة إلى استنباط أصناف جديدة من الخضروات والغلال ذات مردودية وجودة عاليتين متأقلمة مع الجهات المناخية للبلاد. واتّخذت أيضا إجراءات لفائدة منظومة التكوين والإرشاد مع العناية بتكوين الفلاحين وأبنائهم ورسكلتهم.

وفيما يتعلّق بتعبئة الموارد المائية، أُنجزت الخطة العشرية 1990 - 2000 التي تهدف إلى تعبئة 96% من الطاقات الممكن تعبئتها. وقد أنجز في إطار هذه الاستراتيجية 12 سدّا كبيرا ليبلغ عدد السدود الكبرى 29 سدّا و200 سدّ جبلي تمكن من تعبئة 200م.م3 سنويا و680 بحيرة جبلية و1120 بئرا استكشافية و1018 بئرا مراقبة وعبّئت 4060 مليون متر مكعّب في نهاية 2005 أي بنسبة تعبئة ب 88% من الطاقة الممكن تعبئتها. ومن جهة أخرى، تطوّرت المساحات السقوية لتبلغ 385 ألف هك سنة 2005. وتطوّرت نسبة التجهيز بوسائل الاقتصاد في مياه الريّ في المناطق السقوية العمومية والخاصة إلى 79% من المساحات المهيأة للريّ.

وفيما يخصّ قطاع الصيد البحري، ارتفع المعدّل السنوي للانتاج من 67 ألف طن في الفترة (1986 - 1997) إلى 93 ألف طن في الفترة 1997 - 2005 مسجّلا بذلك زيادة بنسبة 39% مع الاشارة إلى أنه تحقّق سنة 2005 إنتاج قياسي قدّر ب 110 ألف طن وبلغ المعدّل السنوي للصّادرات 128 مليون دينار، كما بلغت قيمة الصّادرات رقما قياسيا في سنة 2005 قرابة 156 مليون دينار. و سجّلت جلّ القطاعات الإستراتيجية زيادة في الانتاج إذ حققت مختلف المنتوجات الفلاحية تطورا مهمّا مقارنة بالفترة 1956 - 1986 وتراوح هذا التطوّر بين 71% فيما يخصّ زيتون الزيت و348% فيما يتعلّق باللّحوم الدّواجن. وسجّلت المبادلات التجارية الغذائية أيضا تطوّرا إذ بلغت نسبة نمّو الواردات 7.2% سنويا في حين بلغت نسبة نمّو الصادرات 7.5% سنويا. هذا وقد تطورت نسبة تغطية الواردات الغذائية بالصّادرات ففاقت هذه النسبة 100% في خمس سنوات.

آفاق القطاع الفلاحي[عدّل]

ستعتمد سياسة التنمية الفلاحية في العشرية 2007 - 2016 على المحاور الأربعة التالية:

  • الرفع من القدرة التنافسية للقطاع الفلاحي
  • اعتماد التصدير محرّكا للتنمية الفلاحيّة
  • النهوض بالموارد الطبيعيّة ركيزة للتّنمية الفلاحيّة المستديمة
  • تعزيز الأمن الغذائي دعامة للسّيادة الوطنيّة

الرّفع من القدرة التنافسيّة للقطاع الفلاحي[عدّل]

يعدّ الرّفع من القدرة التنافسية إحدى أولويات السياسة الفلاحية في العشرية المقبلة. وذلك لتحسين المردودية لمختلف عوامل الإنتاج وجعل النشاط الفلاحي يستجيب لقواعد الجدوى الاقتصادية ومن ثمّة الاسهام الفعّال في المجهود الوطني للتنمية. وفي إطار اعتماد هيكلة عصريّة للقطاع الفلاحي من المنتظر أن تضبط في العشريّة المقبلة المساحات الحقيقية للأراضي الفلاحية وتحيّن خرائط حماية الأراضي الفلاحية وتعالج ظاهرة تشتّت الملكيّة والتجزئة المفرطة. وفي مجال الاستثمار، ينتظر أن يتعزّز إسهام القطاع الخاص في الاستثمارات الفلاحية لتبلغ 58% في المخطّط الحادي عشر مقابل 53% في المخطّط العاشر. أمّا نسبة الاستثمار من الناتج المحلّي الإجمالي فينتظر أن تتطور من 20.3% في المخطّط العاشر إلى 21.1% في المخطّط الحادي عشر. وفيما يخصّ التنظيمات المهنية، يتحدّد الهدف على المدى المتوسّط في الترفيع من نسبة الفلاحين المنضوين والمنتفعين بخدمات الهياكل المهنية لتبلغ 50%.

اعتماد التصدير محرّكا للتنمية الفلاحية[عدّل]

سترتكز التوجّهات في العشرية المقبلة على بلورة برامج عمل من شأنها أن تدفع بصادرات المنتوجات الفلاحية إلى تنويع المنتوجات المصدرة والرفع من قيمتها المضافة بالتعليب وتطوير العلامة التونسية، مع الحرص على إبراز صورة تونس باعتبارها مصدرا لأغذية سليمة. وسيكون إعداد القطاع لتحرير تجارة المنتوجات الفلاحية والنهوض بجودة وسلامة الإنتاج الفلاحي أهمّ محاور هذه البرامج. وينتظر أن يدعم القطاع الفلاحي نسبة إسهامه في صادرات الخيرات لبلوغ 11% في المخطّط الحادي عشر. ويستدعي ذلك الرّفع من قيمة الصادرات لتبلغ 33% من قيمة الانتاج الفلاحي في المخطط الحادي عشر مقابل 22% في المخطط العاشر.

النهوض بالموارد الطبيعية باعتبارها ركيزة للتنمية الفلاحية المستديمة[عدّل]

ستتركز المجهودات في الفترة 2007 - 2011 على إنجاز مختلف عناصر الخطّة الوطنية الثانية التي شرع في إنجازها في المخطط العاشر والتي ستمكّن من بلوغ نسبة تعبئة تناهز 95% من الموارد المائية القابلة للتّعبئة إلى جانب التوسّع في استخدام المياه المعالجة في قطاع الريّ.

الأمن الغذائي دعامة للسّيادة الوطنية[عدّل]

ستتميّز المرحلة القادمة بقطع أشواط جديدة في مجال الأمن الغذائي تعتمد التّلازم بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتهدف إلى تحقيق تنمية فلاحية متوازنة مستديمة هدفها الأسمى دعم السيادة الوطنية والنهوض بوضعية الفلاحين وتحسين دخلهم. وعلى هذا الأساس سترتكز الجهود على مزيد دفع الانتاج وتطوير حلقات ما قبل الانتاج وما بعده وتوازن الميزان التجاري الغذائي. وفيما يخصّ الميزان التجاري الغذائي يتحدّد الهدف في التدرّج بنسبة الصادرات الغذائية في الناتج المحلّي الفلاحي من 22% في المخطّط العاشر إلى 33% في المخطّط الحادي عشر. أمّا على المستوى الكمّي فإنّ المخطّط الحادي عشر يهدف إلى تحقيق نسبة نموّ سنوية بمعدل 5،3% على مستوى القيمة المضافة. وهو ما يعدّ تطوّرا في معدّل الانتاج السنوي بنسبة 17% مقارنة بمعدل إنجازات المخطط العاشر.

ويعتمد هذا التطوّر على إسهام قطاعات الانتاج كلّها تلك التي ينتظر أن تسجّل قيمة إنتاجها نسب نموّ متفاوتة أهمّها نسبة نموّ قطاع الصّيد البحري التي ستبلغ 5.2% بالأسعار القارّة لسنة 1990. وذلك خاصّة بفضل التطوّر المهمّ لصيد السّمك الأزرق وقطاع تربية الأسماك، كما ينتظر أن يسجّل قطاع الأشجار المثمرة نموّا مهمّا يقدر ب 3.7% بفضل التطوّر لانتاج الكثير من الغلال مثل التمور وعنب الطاولة واللوز والاجّاص وكذلك مختلف المنتوجات لقطاع تربية الماشية الذي ستتطور قيمة إنتاجه في مجملها بنسبة 3.6%. ومن ناحية أخرى سيمكّن استغلال الظروف المناخية الطيبة والتوسّع في مساحات الحبوب المروية من تحقيق نسبة نمو سنوية ب 3،3% لهذا القطاع. أمّا الخضروات فينتظر أن تتطوّر بنسبة 2.4% سنويا.

الاتّحاد التونسي للفلاحة والصّيد البحري[عدّل]

لقد تسبّب الوضع الذي أفرزه الاستعمار في انخرام التوازن الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت تتخبّط فيه البلاد، إلاّ أنّ الفلاح لم يستسلم لهذا الأمر. بل قاوم وناضل ضدّ المستعمر بكلّ طريقة تمكّنه من التعبير عن رفضه السياسة الاستعمارية في البلاد. ومن أبرز مظاهر الرفض لحكم الباي الجائر ولوجود الاستعمار تلك الانتفاضات المشهودة التي قام بها الفلاّحون في كل جهات البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها سنة 1864 وسنة 1906. وبعد هذه الانتفاضات مرّت المقاومة بفترة استرخاء برزت في أثنائها تجمّعات وهياكل في صفوف الفرنسيين للمحافظة على الامتيازات التي كانوا يتمتّعون بها وللدّفاع عن مصالحهم. وقد حرم الفلاّح التونسي من الانخراط فيها والانتفاع بخدماتها. وبيّنت هذه الوضعية للفلاح التونسي أنّ التجمّع صلب تنظيمات مهنيّة أو نقابيّة أو غيرها معترف بها من قبل السلطة حتى وإن كانت استعمارية من شأنه أن يساعد على الاسهام في تحرير البلاد انطلاقا من الدفاع عن الفلاحة والفلاحين والأرض.لذلك شرعت القوى الحيّة الفلاحية الانتظام في هياكل محلّية وجهوية ووطنية.

ومنذ سنة 1928 بدأت الجمعيات الفلاحية تتكاثر في كامل جهات البلاد خاصّة في أثناء الحرب العالمية الثانية حين واجه الشعب التونسي والفلاّح خاصة ظروفا صعبة للغاية فرضت على الفلاحين التجمّع في جمعيات فلاحية لقضاء حاجاتهم في إطار منظّم.كلّ هذه الحركيّة الواسعة النطاق التي عاشتها البلاد في ذلك الوقت كانت تعدّ الظروف الملائمة لانبعاث هيكل واحد يوحّد الصّفوف والكلمة للدفاع عن الأرض والعرض والفلاّح فكانت هذه الهياكل المتعدّدة والمحدثة تباعا بمنزلة لبنة مكّنت من تأسيس الاتحاد العام للفلاحة التونسية. وقد التأم المؤتمر التأسيسي لهذا الاتحاد أيام 11 و12 و13ماي 1950 بتونس في جوّ احتفالي حضره ممثّلون لجميع الجهات. وكان لميلاد الاتحاد العام للفلاحة التونسية الأثر المباشر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد فضلا عن تأثيره في الهياكل الفلاحيّة إذ أفرغت من منخرطيها فالتحقوا مباشرة بالاتحاد وهياكله المحلّية والجهوية والمركزية.وانطلق الاتحاد مباشرة بعد تأسيسه في النشاط والتحرّك دفاعا عن الفلاحة وعن مصالح الفلاّحين. وبالإضافة إلى المقابلات الرّسمية مع المسؤولين في الحكومة لتدارس شواغل الفلاحين التونسيين والسبل الكفيلة بتنمية الفلاحة التونسية انطلق أعضاء الهيئة المديرة للاتحاد في الاتّصال المباشر بالفلاّحين في جميع جهات البلاد. وقد واصل الاتحاد عمله الدؤوب على الرغم من بعض فترات الرّكود وعدم الاستقرار التي شابت نشاطه. وعمل على صيانة كيان الفلاحة التونسية والرّفع من إنتاجية العمل الفلاحي كمّا وكيفا وأسهم إسهاما فاعلا في مضاعفة الدخل الوطني وتحسين ظروف العيش للفلاحين والبحّارة.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • Poncet Jean,la colonisation et l'agriculture européennes en Tunisie depuis 1881,Paris-Lahaye,1961