الطاهر غرسة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الطاهر غرسة

[1933 - 2003م]

لا يختلف اثنان في أن الفنان محمد الطّاهر غرسة الابن الروحي للشيخ خميّس الترنان قد أجازه أستاذه في حفظ نوبات المالوف كلّها بالنوطة الموسيقيّة لعميد الفنانين الموسيقار محمّد التريكي. أخذ الفنان الطّاهر غرسة عن شيخه خميّس الترنان تقنيات العزف على آلة العود التونسيّة التي تعرف اصطلاحا بالعود العربي لتمييزها عن العود الافرنجي وهي القيثارة. وبذلك ورث الطاهر غرسة عن شيخه جميع الرّوايات التراثيّة لنوبات المالوف والفوندوات فضلا عن إتقانه العزف على آلة العود التونسيّة. فكان آخر من يعزفها ابنه زياد غرسة الّذي ورثها عن أبيه.

ولعلّ ظروف الإقامة هي التي رسمت مصير الطّاهر غرسة باعتبار أن شيخه خميّس ترنان كان جاره بالسّكنى في حيّ تربة الباي بالمدينة العتيقة حيث ولد يوم 16 مارس 1933 فلا غرو إذن أن يبوح الطاهر غرسة بحبّه للترنان ويعترف بفضله في تكوينه. وبعد أوّل لقاء بين التلميذ وأستاذه أخذ يقتفي خطاه في حلّه وترحاله حتى قادته قدماه إلى الرّشيديّة حيث كان الترنان قد انتصب أستاذا يلقن نوبات المالوف رواية شفويّة فضلا عن الابحار في يمّ الطبوع التونسيّة.

ومن ثمّة فلا عجب في أن يتحفنا الطاهر غرسة بالعاطش أي النادر من المآثر التراثيّة في حفلات الرّشيديّة، ذلك الحصن الذي يرجع إليه الفضل في صيانة تراث تونس الفنّي من الضياع. وبفضل السّهرات العائليّة التي كان يحييها خميّس الترنان في بيت عائلة غرسة المجاور لسكناه عُرف الشيخ الطاهر غرسة بتفوّقه على بقيّة أترابه وأحرز ديبلوم الموسيقى سنة 1956. لذلك، انضم سنة 1958 إلى سلك الأساتذة برعاية محمّد التريكي أستاذ الأجيال باعتباره أوّل من انتصب لتدريس الموسيقى بالرّشيديّة سنة 1935 أي بعد عام واحد من انبعاثها سنة 1934 على يدي شيخ المدينة مصطفى صفر.

بقي الطاهر غرسة أستاذا في الموسيقى التراثيّة فضلا عن انضمامه عازفا على آلة العود التونسيّة إلى صلب التخت الرّشيدي الذي تولى قيادته الفنان عبد الحميد بن علجيّة. ولمّا أصيب الشيخ خميّس الترنان بداء النقرس الذي أقعده عن مزاولة أعماله في الإذاعة حيث كان مكلفا بتلقين المجموعة الصّوتيّة لفرقة المحطّة نوبات التراث لتسجيلها إذاعيّا خلفه الطّاهر غرسة. فكان خير خلف لأحسن سلف. لم يقتصر الطّاهر غرسة على محفوظات شيخه خميّس ترنان - وكان من الروّاة الثقاة - بل أخذ يتصل بالرّواد من شيوخ المالوف والانشاد الطّرقي كالسّلاميّة عساه يظفر بدرّة منسيّة من الدُرر التراثيّة التي كانت تعرف اصطلاحا بالعاطش أي النادر وغير المتداول في الغناء.

فكان الطّاهر غرسة فخورا بإتحاف الجماهير من روّاد الرّشيديّة وسُمّار الليالي بالصّفصاف بالمرسى أو قبّة الهواء بالبلفيدير ومصطاف سيدي أبي سعيد الباجي بتلكم الدّرر اليتيمة. وكان من الطّبيعي أن يكون الاقبال على حفلاته منقطع النظير خاصّة في موسم الصّيف. وقد كانت فرقته تتألف من بلقاسم عمّار (آلة كمان) وعبد القادر الجزيري (آلة القانون) والحبيب زغندة (إيقاع). على أنّ الطاهر غرسة لم يقتصر على تعويض شيخه الترنان الّذي توفي سنة 1964 بعد أن فقد الحركة والنطق سواء في ترديد المغاني التراثيّة أو في تلقينها للمجموعة الصّوتيّة بالإذاعة أو الرّشيديّة وإنما ولج باب التلحين. فتفتقت قريحته وتفجّرت عيونا عذبة من الابداع والامتاع تجلّيا بوجه خاصّ في أغنية "فاح العنبر فاح" كلمات عبد العزيز الحاج الطيّب و"مشموم الفلّ" كلمات حمّادي النيفر. وقد أردفها بأغنية "الواشمة" التراثيّة بعد تهذيب متنها الزّجلي. وهي للشاعر عبد العزيز الحاج طيّب وكذلك الأغنية التراثيّة الشهيرة "طلقني خوذ الدّبلج".

ولم يحتكر الطاهر غرسة ألحانه ليؤديّها بصوته فحسب وإنما لحّن أغنية "طوق الحمامة" للشاعر محمّد بوذينة فغنّتها درصاف الحمداني وأردفها بثانية "يا زهر الرّمان" أدتها سنيا مبارك. وبالاضافة إلى ذلك ذاع صيت ابنه زياد غرسة بفضل أغنية "مقياس" التي هذبها له أبوه فأخرجاها من طيّ النسيان فلقيت ذلك الرّواج الجماهيري المنقطع النظير. كان الطاهر غرسة من أبرز العناصر التي اعتمد عليها الشاعر عبد المجيد بن جدّو في برنامجه التلفزي "متحف الأغاني". وقد توفي الطاهر غرسة يوم 09 جوان سنة 2003.