الطاهر صفر

من الموسوعة التونسية
نسخة 10:59، 25 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الطاهر صفر

[1903 - 1942م]

نشأته ودراسته[عدّل]

ولد السياسي والأديب والاقتصادي الطاهر صفر بالمهدية في 12 نوفمبر 1903 وزاول دراسته الابتدائية بمسقط رأسه. وبعد حصوله على شهادة الابتدائية تحوّل إلى العاصمة حيث واصل دراسته الثانوية من سنة 1916 إلى سنة 1922 بالمعهد الصادقي بصفة تلميذ مقيم في القسم الداخلي، ثم بمعهد كارنو إلى أنّ أحرز شهادة ختم الدروس بالصادقية وشهادة الباكالوريا.

وهكذا فإن الشاب الطاهر صفر الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، قد وجد نفسه أمام اختيارين اثنين، كما أشار إلى ذلك في مذكراته "يوميات منفي"، "فإما قبول خطة "مكرّر" بالمعهد الصادقي، وهي خطة مريحة وذات مرتّب أحسن، تهيئني لمباشرة مهنة التعليم فيما بعد، تلك المهمّة الملائمة لمواهبي وميولي. وإمّا قبول خطة مدير المدرسة العرفانيّة التابعة للجمعيّة الخيريّة الإسلامية. وهي مهمّة اجتماعية تمكنني من فعل الخير لفائدة الغير، والاندماج في وسط اجتماعي جديد، واكتساب خبرة أوسع بالعباد والأشياء، وباختصار تمكنني من الانطلاق نحو المجهول. فاخترت الوظيفة الثانية بمصادفاتها وأحداثها غير المتوقّعة".

تعيينه مديرا للمدرسة العرفانية[عدّل]

عيّن مجلس إدارة الجمعية الخيرية الاسلامية في اجتماعه الذي انعقد في شهر جوان 1922 الشاب الطاهر صفر مديرا للمدرسة القرآنية "العرفانيّة" التي أنشأتها الجمعية سنة 1909 لتعليم مكفوليها من الأطفال اليتامى والفقراء، وهي تقع بحيّ باب سويقة في نهج الورغي المتفرّع عن نهج القعّادين. فقبل الطاهر صفر هذه المهمّة عن طيبة خاطر، بعد أنّ كان يتأهب للسفر إلى فرنسا لمزاولة دراسته العليا، وقد سبقه على رأس إدارة هذه المدرسة واحد من نبغاء الخريجين في مدرسة ترشيح المعلمين ومعهد الخلدونية، المربّي حسن المملوك الذي تولّى هذه المهمّة نحو الأربعة عشر عاما. وشرع المدير الجديد في مباشرة مهمّته في مستهل السنة الدراسية 1922 - 1923 بكل جدّ وحزم، وأشار الشيخ محمد مناشو في كتابه صحائف بيضاء وصحائف سوداء إلى الجهود التي بذلها الطاهر صفر منذ تعيينه على رأس المدرسة العرفانية لرفع مستوى التعليم بها وذلك بوضع برنامج يقوم على أساس علم التربية الحديثة وتركيزه على الفكرة القائلة ب"أنّ التعليم لا يقصد منه حشو دماغ التلميذ بالمعلومات بل ينظر فيه إلى تمكين التلميذ من الوسائل التي تكوّن منه رجلا قادرا على خوض مصاعب الحياة والخروج منها فائزا".

وأهمّ هذه الوسائل هي تعويد التلامذة على التفكير الحرّ بمعزل عن أيّ مؤثرات، وتقوية ملكة التفكير فيه واستثمار هذه الموهبة التي يكون بها الانسان إنسانا. كما وجّه المدير الجديد عناية خاصة إلى اللغة العربية وعلومها من نحو وصرف وبلاغة وإلى القرآن الكريم والعلوم الشرعية. واعتنى أيضا باللغة الفرنسية والعلوم التطبيقية من رياضيات وعلوم طبيعية، وهو ما جعل المدرسة العرفانية تصل إلى مستوى أحسن المدارس الدولية، وحمل المدير مجلس الجمعية الخيريّة على توجيه نجباء التلامذة من مكفوليها إلى المعاهد الثانوية والصناعية، بالإضافة إلى الجامع الأعظم لمواصلة دراستهم على نفقتها. وقد ارتفع في عهده عدد مكفولي الخيرية المزاولين لدراستهم في المعاهد الثانوية إلى 28 تلميذا.

ومن ناحية أخرى أشار الطاهر صفر في مذكراته "يوميات منفي" إلى الاجراءات التي اتخذها لتحسين مستوى المعلمين. من ذلك أنّه أقرّ مناظرات لانتداب المعلّمين الأكفياء من حملة شهادة التطويع لتدريس اللغة العربية، وحملة الباكالوريا لتعليم اللغة الفرنسية. وأقنع مجلس الجمعية الخيريّة بالترفيع في مرتبات المعلمين لتشجيعهم على مزيد البذل والعطاء.وبفضل هذه الاجراءات أصبحت هيئة التدريس بالمدرسة العرفانيّة تضمّ نخبة من المربّين أمثال الحبيب جاء وحده وأحمد الجعايبي ومحمد الهادي العامري ومحمد بن جعفر والعربي الماجري ومحمد الكلبوسي.

نشاطه الاجتماعي والعلمي[عدّل]

وإلى جانب هذا النشاط المهني بالمدرسة العرفانيّة اهتمّ الطاهر صفر بالحياة الاجتماعية والاقتصادية. فاتّصل بالزعيم النقابي محمد علي الحامي منذ رجوعه إلى تونس في أوائل مارس 1924. واتّفق معه على تأسيس "جمعية التعاون الاقتصادي التونسي" وأسهم معه في تحرير القانون الأساسي لهذه الجمعية التي كانت هيئتها التأسيسية تضمّ: محمد علي الحامي والطاهر صفر والطاهر الحدّاد والحبيب جاء وحده والعربي مامي والطاهر بوتورية. وانعقد الاجتماع التأسيسي بقاعة الجمعية الخلدونية يوم 29 جوان 1924ن وتناول الكلمة الطاهر الحدّاد والطاهر صفر ومحمد علي لتوضيح مقاصد الجمعية وذكر منافع التعاونيات بالنسبة إلى الطبقة الشغيلة. وصُودق على القانون الأساسي للتعاونية في الاجتماع العام المنعقد يوم 6 جويلية 1924. ثم تقرّر في آخر الأمر تأجيل بعث المشروع في انتظار تأسيس "جامعة عموم العملة التونسية".

وفي أكتوبر 1925 رخّص مجلس الخيريّة لمدير المدرسة العرفانية في التحوّل إلى فرنسا لمواصلة دراسته العليا في الحقوق، وعيّن أحد معلّمي المدرسة الأكفياء وهو السيد أحمد الجعايبي مديرا بالنيابة. سافر الطاهر صفر إلى باريس وسجّل في كلية الحقوق التابعة لجامعة الصربون الشهيرة ومدرسة العلوم السياسية، كما تابع بعض الدروس في الفلسفة بكلية الآداب. ثم رجع إلى تونس في آخر السنة الدراسية 1925 - 1926 واستأنف مهامّه الادارية بالمدرسة العرفانية. فنشب خلاف بينه وبين رئيس الجمعية الخيرية الاسلامية الجديد البشير معاوية الذي انتخب رئيسا إثر وفاة الرئيس السابق محمد بوسنّ. واضطرّ الطاهر صفر إلى الاستقالة من مهامه في أوائل شهر نوفمبر 1926 وقفل راجعا إلى باريس لمواصلة دراسته العليا إلى أنّ حصل على الإجازة في الحقوق في جوان 1928. وكان من مؤسسي جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين وانتخب نائب رئيس لها في أوّل مجلس إداري.

نشاطه الصحفي ونضاله السياسي[عدّل]

إثر عودته إلى تونس انخرط الأستاذ الطاهر صفر في سلك المحاماة منذ أكتوبر 1928، لكنّ نشاطه المهني لم يمنعه من الاهتمام بشؤون وطنه الرازح تحت نير الاستعمار. فانضمّ في سنة 1930 إلى هيئة التحرير لجريدة الشاذلي خير اللّه La Voix du Tunisien "صوت التونسي"، الناطقة باللغة الفرنسية، وقد كانت تلك الهيئة تضمّ أيضا الحبيب بورقيبة والدكتور محمود الماطري والبحري قيڨة وعلي بوحاجب. وفي سنة 1931 تحوّلت هذه الدوريّة من جريدة أسبوعية إلى جريدة يوميّة للقيام بحملة ضدّ النظام الاستعماري بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين سنة على فرض الحماية الفرنسية على تونس في 12 ماي 1881. وما لبث أنّ شبّ خلاف حول سياسة الجريدة بين صاحبها الشاذلي خير الله وأعضاء هيئة التحرير الذين استقالوا وأصدروا جريدة أسبوعية ناطقة باللغة الفرنسية خاصة بهم وهي جريدة "لاكسيون تونيزيان" (العمل التونسي) الناطقة بالفرنسية التي صدر عددها الأوّل في غرّة نوفمبر 1932, وكان الطاهر صفر من أبرز محرّريها.

ولم يقتصر على النشاط الصحفي، بل انضمّ منذ سنة 1929 إلى هيئة التدريس بمعهد الجمعية الخلدونية، حيث كلّف بإلقاء دروس في الاقتصاد السياسي نالت إعجاب كلّ الدارسين. ونشر نجله الوزير الأوّل الأستاذ رشيد صفر مقدّمة هذه الدروس في كتيّب يحمل عنوان الاقتصاد السياسي، صدر في شهر مارس 1958 في سلسلة "كتاب البعث". وانتخب الطاهر صفر في الموسم الثقافي 1931 - 1932 رئيسا لجمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية، فأعطى دفعا جديدا لنشاط هذه الجمعية العريقة التي اتّجهت منذ ذلك التاريخ اتجاها وطنيّا واضحا.وشارك في مؤتمر الحزب الحرّ الدستوري التونسي المنعقد يوم 12 ماي 1933 في نهج الجبل بالعاصمة، وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذيّة مع رفقائه من جماعة "العمل التونسي": الحبيب بورقيبة والدكتور محمود الماطري ومحمد بورقيبة والبحري قيڨة.

إسهامه في بعث الحزب الدستوري الجديد[عدّل]

إثر استقالة الحبيب بورقيبة من الحزب الدستوري في 7 سبتمبر 1933 ثم فصل البحري قيڨة في 17 نوفمبر 1933 قرّر بقية الأعضاء في هيئة تحرير "العمل التونسي" الاستقالة من الحزب، ما عدا علي بوحاجب الذي بقي في اللجنة التنفيذية. ودعا الأعضاء المستقيلون إلى عقد مؤتمر خارق للعادة للحزب الحرّ الدستوري التونسي لحسم الخلاف الذي نشب بين قادته. ورغم معارضة أعضاء اللجنة التنفيذية، فقد انعقد هذا المؤتمر يوم 2 مارس 1934 بمدينة قصر هلال وقرّر حلّ اللجنة التنفيذية وتعويضها بديوان سياسي يتركّب من الأعضاء الآتي ذكرهم:

  • الحكيم محمود الماطري: رئيس
  • الأستاذ الحبيب بورقيبة: كاتب عام
  • الأستاذ الطاهر صفر: كاتب عام مساعد
  • الأستاذ محمد بورقيبة: أمين مال
  • الأستاذ البحري قيڨة: أمين مال مساعد

وانتخب المؤتمر مجلسا مليّا يتركب من 20 عضوا يمثلون مختلف الشعب الدستورية في جميع أنحاء البلاد. وفي 3 سبتمبر 1934 أذن المقيم العام الجديد بيروطون بإلقاء القبض على ثلاثة أعضاء من الديوان السياسي، هم: الدكتور محمود الماطري والأخوان الحبيب ومحمد بورقيبة، وإبعادهم إلى الجنوب (الدكتور الماطري في بنڨردان والحبيب بورقيبة في قبلّي ومحمد بورقيبة في تطاوين). وبقي العضوان الاخران: الطاهر صفر والبحري قيڨة في حالة سراح، فكوّنا الديوان السياسي الثاني وأضافا اليهما الأستاذ صالح بن يوسف الذي عاد إلى تونس في صائفة سنة 1934 بعد أنْ أتمّ دراسته في الحقوق بباريس في جوان 1933. وفي 2 جانفي 1935، إثر الشغب الذي أثاره الديوان السياسي الثاني بجامع الزيتونة بمناسبة زيارة أحمد باي إلى الجامع، للمطالبة بإطلاق سراح الزعماء، قرّر المقيم العام إبعاد الطاهر صفر إلى جرجيس وصالح بن يوسف إلى قبلّي والبحري قيڨة إلى مدنين. وكان قد أمر في 5 أكتوبر 1934 بتحويل الحبيب بورقيبة من قبلّي إلى برج البوف، والتحق به فيما بعد مدير الحزب الدستوري القديم محيي الدين القليبي الذي أعلن عن تضامنه مع أعضاء الديوان السياسي المعتقلين. ونظرا إلى تواصل الاضطرابات قرّر بيروطون في 3 أفريل 1935 تجميع المبعدين - ومنهم الطاهر صفر - في محتشد برج البوف.

تجربة الحوار بين الحزب الدستوري الجديد وحكومة الجبهة الشعبية[عدّل]

وإثر إعفاء بيروطون من مهامّه وتعويضه بمقيم عام جديد معروف بأفكاره التحرّرية، وهو أرمان غيّون، ثم تأليف حكومة الجبهة الشعبية في باريس برئاسة الزعيم الاشتراكي ليون بلوم، تقرر الافراج عن المبعدين الدستوريين الذين غادروا برج البوف في23 أفريل 1936. ولكنّ قبل توجيههم إلى تونس، نقل الحبيب بورقيبة والطاهر صفر وصالح بن يوسف ومحمد بوزويتة إلى جربة، في حين نقل الدكتور الماطري والبحري قيڨة و محمد الحبيب بوقطفة إلى قابس، ولم يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم إلاّ بعد أنّ قابلوا المقيم العام الجديد الذي زارهم في جربة وقابس. وبعد عودة جميع المبعدين إلى تونس استأنف الحزب الدستوري الجديد نشاطه السياسي وأعاد إصدار جريدة "لاكسيون تونيزيان" الناطقة بالفرنسية، وجريدة "العمل" الناطقة بالعربية التي كان الطاهر صفر من أبرز محرّريها. وشرع الديوان السياسي في إجراء اتّصالات بالمقيم العام أرمان غيون وكاتب الدولة الفرنسي المكلّف بالشؤون التونسيّة بيار فيانو (P.Viénot)، وذلك بوساطة رئيس الحزب الدكتور الماطري وكاتبه العام الحبيب بورقيبة. وسرعان ما ظهرت خلافات في وجهة النظر بين أعضاء الديوان السياسي الذين انقسموا إلى شقّين: شقّ متحفّظ يضمّ الدكتور الماطري والطاهر صفر والبحري قيڨة وشقّ جريء يضمّ الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. وفي المؤتمر الثاني للحزب المنعقد في نهج التريبونال بالعاصمة من 31 أكتوبر إلى 2 نوفمبر 1937، تأكّدت سيطرة الشقّ الجريء على الحزب وعزلة أعضاء الشقّ المتحفّظ، فاستقال محمود الماطري من رئاسة الحزب في آخر ديسمبر 1937. ورغم ما بذله الطاهر صفر من جهود للتوفيق بين الشقّين وصيانة وحدة الحزب فإنّه قد وجد نفسه في وضع حرج، فرفض رئاسة الحزب التي اقترحها عليه زملاؤه الاخرون في الديوان السياسي. ثم تتابعت الأحداث بنسق سريع، إلى أنّ أفضت إلى أحداث 9 أفريل 1938 واعتقال قادة الحزب الدستوري الجديد، ومنهم الطاهر صفر الذي لم يكن له أي ضلع في اندلاع تلك الحوادث الدامية. ومع ذلك فقد عامله قاضي التحقيق العقيد دي كايلا معاملة لا إنسانية قاسية أفضت به إلى فقدان توازنه وإصابته بانهيار عصبي. فأطلقت السلطة الاستعمارية سراحه في سنة 1939، واعتزل الحياة العامة إلى أن أدركته المنيّة بتونس في 8 أوت 1942.