الطاهر بن عمار

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1889 - 1985م]

نشأته وانضمامه إلى الحزب الدستوري

ولد الطاهر بن عمار بمدينة تونس يوم 25 نوفمبر 1889, وهو ينحدر من أسرة ريفية اشتهرت منذ أمد بعيد بتعاطي الزراعة في منطقة لا تبعد كثيرا عن العاصمة أصبحت تعرف باسم "سبالة بن عمار". وبعد أن أتمّ دراسته الابتدائية التحق بمعهد كارنو بتونس العاصمة لمزاولة دراسته الثانوية. وبعد مدّة قليلة انقطع عن التعليم ليتفرّغ لمباشرة الزراعة التي أدخل عليها ما يلزم من الاصلاحات الحديثة لمواكبة تطوّر العصر. لكنّ شواغله المهنية لم تمنعه من الاهتمام بشؤون بلاده التي كانت ترزح تحت الاستعمار. فقد شارك مشاركة فعّالة في نشاط الحركة الوطنية غداة الحرب العالمية الأولى، وكان من مؤسّسي الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي أعلن عن إنشائه يوم 15 جوان 1920, كما مدّ يد المساعدة إلى الوفد الدستوري الأوّل الذي تحوّل إلى باريس في جوان 1920 برئاسة المحامي أحمد الصافي لتقديم المطالب الوطنية إلى الحكومة الفرنسية. ونظرا إلى علاقات الطاهر بن عمّار الودّية ببعض الأوساط الحكومية والبرلمانية بفرنسا، قد عيّنه الحزب الدستوري لرئاسة الوفد الدستوري الثاني الذي كان يضمّ أيضا عبد الرحمان اللزام عضو المجلس الشوري وحسونة العياشي المحامي بسوسة وحمودة المنستيري أحد أعيان العاصمة. وسافر هذا الوفد إلى باريس يوم 24 ديسمبر 1920 لطرح القضية التونسية من جديد على الحكومة الفرنسية. وتمكّن من مقابلة كل من رئيس مجلس الوزراء أرستيد بريان/ووزير الشؤون الخارجية جورج لايغ/والمقيم العام الجديد لوسيان سان/الذي لم يلتحق بعد بمنصبه في تونس. وقدّم الوفد إلى المسؤولين الفرنسيين عريضة يطالب فيها بإطلاق سراح المعتقلين الدستوريين بتهمة التآمر على أمن الدولة، وهم عبد العزيز الثعالبي ومحمد الرياحي وصالح بن يحيي، وبمنح دستور للشعب التونسي يضمن له حقوقه السياسية وحريّاته الأساسية. ووعد وزير الشؤون الخارجية بتلبية هذه المطالب عن طريق المقيم العام الجديد الذي كلّفته الحكومة الفرنسية بدرس الوضع بتونس واقتراح الاصلاحات الضرورية الواجب إجراؤها. وقد أدلى الطّاهر بن عمار رئيس الوفد بتصريح إلى جريدة"لوطان"(Le Temps) لسان وزارة الشؤون الخارجية شبه الرسمي، نشرته في عددها المؤرخ في 30 جانفي 1921, بعنوان: "الحقيقة حول المطالب التونسية"، جاء فيه بالخصوص مايلي: "لقد وضعتنا فرنسا بحكم القدر الذي يقضي به قانون تاريخي، تجاه وضعية جديدة ستفضي إمّا إلى زوالنا أو إلى تغيير عقولنا وأفئدتنا. فلتوفّر لنا فرنسا بسخاء المعارف الأدبية والعلمية والمهنية التي من دونها سنكون معرّضين إلى البقاء في أسفل السافلين إلى أبد الابدين....". وعلّقت الجريدة على هذا التصريح في عددها المؤرخ في 2 فيفري 1921, بقولها: "إنه من الضروري أن نعطي بسرعة، لا إلى الحزب المعبّر عنه بحزب "الشباب التونسي"، بل إلى الأهالي من سكّان الإيالة التونسية الترضيات الشرعية التي أجمعوا تقريبا على المطالبة بها... إنّ الشعب التونسي طيّب القلب، فيتعيّن علينا أن نجعله يشعر بارتباطه بفرنسا بروابط أخرى غير روابط القهر". وما إن عاد الوفد الدستوري إلى تونس حتى بدأت تظهر نتائج المساعي التي قام بها في باريس، إذ أعلن في شهر مارس 1921عن رفع حالة الحصار التي كانت قائمة منذ حوادث الزلاّج (نوفمبر 1911). وفي شهر أفريل 1291 أنشئت وزارة العدلية التونسية وعيّن على رأسها الوزير الطّاهر خير الدين ابن الجنرال المُصْلح خير الدين، وفي أول ماي من السّنة نفسها أطلق سراح الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعد أن ختم قاضي التحقيق العقيد بارون البحث الجاري حول قضيته بعدم سماع الدعوى. وفي أثناء المؤتمر الذي عقده الحزب الدستوري في 29 أكتوبر 1922 انتخب الطاهر بن عمار عضوا في اللجنة التنفيذية الثانية للحزب الحرّ الدستوري التونسي.

انفصاله عن الحزب الدستوري والتحاقه بالمجلس الكبير

ولكن بعد النّجاح الذي أحرزه الوفد الدستوري الثاني في باريس، سرعان ما بدأت تظهر علامات الانشقاق في صفوف الحزب. فقد أعلن حسن قلاتي عن معارضته لبرنامج الحزب الدستوري واقتناعه بضرورة توخّي الحذر وقبول الاصلاحات التدريجية التي تقترحها فرنسا والتعاون النزيه مع نظام الحماية. وتألّم من ردود فعل رفقائه القدامى الحادّة، وقد اتّهموه بالميوعة بل حتى بالخيانة، وقرّر في آخر الأمر تأسيس حزب جديد في 16 أفريل 1921, أطلق عليه اسم "الحزب الاصلاحي". وقد زار وفد من هذا الحزب المقيم العام وعبّر له عن قبوله للاصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة وتعلّقه الدائم بنظام الحماية. أما الطّاهر بن عمار فإنه بعد فترة طويلة من التردّد قرّر في آخر الأمر الاستقالة من اللجنة التنفيذية لعدم موافقته على قرار الحزب الدستوري المتعلّق بمقاطعة انتخابات المجلس الكبير الذي جاءت به إصلاحات لوسيان سان، وانضمّ إلى الحزب الاصلاحي الذي بعثه صديقه حسن قلاتي، وشارك مشاركة ملحوظة في نشاطه، إلى أن انتخب في سنة 1928 نائبا بالمجلس الكبير للمرّة الأولى. فانفصل عن الحزب الاصلاحي الذي تقلّص نشاطه إثر فشل زعيمه حسن قلاتي في انتخابات المجلس الكبير. وتفرّغ الطاهر بن عمار لمهامّه النيابيّة وأشغاله الفلاحية، وظلّ عضوا بارزا من أعضاء ذلك المجلس ورئيسا لقسمه التونسي مدّة من الزمن، كما شغل منصب رئيس الحجرة الفلاحية التونسية، إلى آخر عهد الحماية. وبالرغم من اقتناع الوطنيين التونسيين بعدم جدوى المجلس الكبير الذي كان ركيزة أساسية من ركائز النظام الاستعماري بتونس، فقد حاول الطاهر بن عمّار اغتنام جميع الفرص للدفاع عن مصالح الفلاحين التونسيين خاصّة والشعب التونسي عامّة، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي أصابت الفلاحة التونسية في الصميم منذ مطلع الثلاثينات. ومن مواقف الطاهر بن عمّار المشرّفة، ذلك الخطاب الشهير الذي ألقاه في الدورة غير العادية للمجلس الكبير المنعقدة في 12 أفريل 1933, والذي دعا فيه النوّاب التونسيين إلى الاحجام عن التعاون مع حكومة الحماية واقترح عليهم رفض مشروع الميزانية المعروض عليهم. فوافق النوّاب التونسيون بأغلبية ساحقة على ذلك الاقتراح الذي كان عهدئذ سببا من أسباب القطيعة بين القسم التونسي من المجلس الكبير وحكومة الحماية.

نشاطه بعد الحرب العالمية الثانية

إثر جلاء جيوش المحور عن البلاد التونسية ودخول قوّات الحلفاء في 7 ماي 1943, ثم خلع الملك الشرعي للبلاد محمد المنصف باي من قبل الجيش الفرنسي ظلما وعدوانا لتعاطفه مع الحركة الوطنية، يوم 14 ماي 1943, أسّس ممثلو الأحزاب والمنظّمات التونسية الجبهة الوطنية وانتخبوا على رأسها هيئة عليا تتركّب على النحو التالي:

وأصدرت الجبهة في 22 فيفري 1945بيانا طالبت فيه بمنح البلاد التونسية الحكم الذاتي، حسب الصيغة الديمقراطية التي ستحدّدها جمعية وطنية تونسية منتخبة انتخابا حرّا بالاقتراع العام. واعتبارا من ذلك التاريخ قام الطاهر بن عمّار بنشاط مكثّف لتحقيق مطالب الجبهة الوطنية، وكان في أحرج الظروف التي شهدتها البلاد في أواخر عهد الحماية يؤدّي دور الوساطة بين الحكومة الفرنسية والحزب الدستوري الجديد الذي لم يخف تعاطفه معه، ولم يتأخّر عن الاصداع برأيه لمختلف الحكومات المتعاقبة على رأس الجمهورية الرابعة، والدعوة مرارا وتكرارا إلى التفاهم مع الممثلين الحقيقيين للشعب التونسي، وفي مقدّمتهم الزعيم الحبيب بورقيبة رئيس الحزب الدستوري الجديد. ولقد كان له دور مهم غداة المعركة الحاسمة يوم 18 جانفي 1952. فقد استغلّ ما كان يحظى به من تقدير لدى الأوساط الحكومية والبرلمانية الفرنسية للتخفيف من وطأة الاجراءات القمعيّة التي اتّخذها المقيم العام دي هوتكلوك. وكان على اتّصال دائم بالشهيد فرحات حشاد إلى أن اغتالته منظّمة اليد الحمراء الفرنسية المتطرّفة يوم 5 ديسمبر 1952, وذلك للتنسيق بين جهود كل الوطنيين التونسيين في الداخل والخارج في سبيل توفير أسباب النجاح للقضيّة التونسية. وكان الطّاهر بن عمّار عضوا بارزا من أعضاء لجنة الأربعين التي جمعها محمد الأمين باي يوم غرة أوت 1952 للنّظر في الاصلاحات التي عرضها عليه المقيم العام. وقد رفضت اللجنة بالاجماع تلك الاصلاحات جملة وتفصيلا.

تعيينه وزيرا أكبر

ولمّا اضطرّت الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف علانية باستقلال تونس الداخلي، على لسان رئيسها منداس فرانس في الخطاب التاريخي الذي ألقاه بقصر قرطاج أمام عاهل البلاد محمد الأمين باي، يوم 31 جويلية 1954, كان الاتفاق بين الحكومة الفرنسية من جهة، والباي والحزب الدستوري الجديد والمنظمات الوطنية من جهة أخرى، على تعيين الطاهر بن عمار على رأس الحكومة التونسية بصفة وزير أكبر، لاجراء مفاوضات لتطبيق مبدإ الاستقلال الداخلي المعلن عنه يوم 31 جويلية 1954. وأسفرت المفاوضات التونسية الفرنسية عن إبرام اتفاقيات 3 جوان 1955 التي أعادت إلى الدولة التونسية جميع مقوّمات السيادة الداخلية. ثم جدّدت الثقة في شخص الطاهر بن عمّار ليواصل الاضطلاع بمهامّ رئاسة الحكومة التونسية المنبثقة عن اتفاقيات الاستقلال الداخلي، إلى أن تطوّرت الأوضاع السياسية الداخلية بفرنسا، فاضطرّت الحكومة الفرنسية التي يرأسها الزعيم الاشتراكي غي مولي، بعد مفاوضات بين الطرفين، إلى الاعتراف باستقلال تونس التام. وكان آخر نشاط سياسي بارز قام به الطاهر بن عمار هو التوقيع باسم الحكومة التونسية على بروتوكول الاستقلال يوم 20 مارس 1956. وبذلك تحقّق له حلم تحرير الوطن من الهيمنة الأجنبية. ثم انتخب عضوا بالمجلس التأسيسي يوم 8 أفريل 1956, وبعد انتهاء مدّته النيابيّة اعتزل النشاط السياسي وتفرّغ لتصريف شؤونه الخاصّة، وكان في الأثناء قد حوكم وسجن غداة إعلان الجمهورية وإلغاء النظام الملكي في 25 جويلية 1957. وبعد أن ردّ إليه الاعتبار، اعتزل الطاهر بن عمار الحياة العامّة، إلى أن توفّي يوم الجمعة 10 ماي 1985.