الصادق الزمرلي

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:57، 25 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1885 - 1983م]

الصادق الزمرلي

لا نعرف بالضبط تاريخ ولادة السياسي الصادق الزمرلي، لكن الرّاجح أنه ولد بمدينة تونس في حيّ "دار الباشا"، حوالي سنة 1884 أو 1885. وبعد أنّ أتمّ دراسته الابتدائية التحق بالمعهد الصادقي الذي قضى فيه بضع سنوات، ثم غادره قبل إنّهاء دراسته الثانويّة، مثل الكثيرين من أبناء جيله. لكنّه تمكّن مع ذلك من اكتساب زاد لا بأس به من الثقافة الأساسيّة باللغتين العربية والفرنسية.

وما إن دخل معترك الحياة العمليّة، حتى انخرط في "جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية" التي أسّسها في آخر سنة 1905 جمع من المثقفين التونسيين على رأسهم علي باش حانبه. كما انضمّ إلى "النادي التونسي" الذي كان عهدئذ ملتقى رجال الفكر والأدب والسياسة. ولما أصدر علي باش حانبه في شهر فيفري 1907 جريدة "التونسي" الأسبوعية، الناطقة باللغة الفرنسية باسم "حركة الشباب التونسي"، كان الصادق الزمرلي من أبرز محرّريها، رغم صغر سنّه، "فكانت مقالاته حول الشرق محلّ تقدير كبير". وفي السنة نفسها تولّى رئاسة تحرير مجلّة أدبية شهريّة ناطقة بالفرنسيّة بعنوان (المنارة)، بمشاركة نخبة من المثقفين الفرنسيّين والتونسيّين، منهم الأخوان علي وحسن حسني عبد الوهّاب. وفي شهر أكتوبر 1908 أسهم في مؤتمر إفريقيا الشمالية المنعقد في باريس ضمن وفد يضمّ سبعة أعضاء من "حركة الشباب التونسي".

وألقى محاضرة نادى فيها بضرورة إحداث مدارس للبنات المسلمات بتونس، على غرار المدارس الموجودة في مصر وسوريا وتركيا. وألحّ على وجوب التدريس لجميع الموادّ باللغة العربية "لأن المسلم حريص أوّلا وبالذات على المحافظة على تقاليده وعاداته وعلى لغته التي هي قوام شخصيّته". وإثر رجوع الوفد إلى تونس بعد النجاح الذي أحرزه في باريس، نشطت "حركة الشباب التونسي" وازداد نطاقها اتساعا. فأصدرت جريدة "التونسي" الناطقة باسم الحركة نشرة محرّرة باللغة العربية في نوفمبر 1909، "اشترك في تحريرها الشيخ عبد العزيز الثعالبي والصادق الزمرلي. فكان أولهما ينشئ المقالات بالعربيّة ابتداء، وكان الاخر مع ما يكتب من المقالات بالعربيّة، يعرّب مقالات باش حانبه والزاوش وقلاتي عن النشرة الفرنسيّة، وينقل عن الصحف الأجنبيّة الأفكار والأخبار. فأصبحت جريدة "التونسي" مقرّ القيادة الوطنيّة في الميدان الصحفي".

وبمناسبة انتهاء الاضراب عن الدروس الذي قام به طلبة جامع الزيتونة ابتداء من 16 أفريل 1910، انعقد اجتماع عام أمام المعهد الصادقي يوم 13 ماي 1910, للاحتفال بنجاح الاضراب والافراج عن الطلبة الموقوفين. وتناول الكلمة عدد من قادة "حركة الشباب التونسي"، منهم الصادق الزمرلي "الذي أشار إلى روابط التضامن والتعاطف والتفاهم، التي تجمع بين الشبيبة المدرسية وتلامذة الجامع الأعظم، كيف لا وهم ينتمون إلى بلد واحد ويتكلّمون لغة واحدة ويسعون إلى رغبة واحدة".

ومن النشاط الذي قام به الصادق الزمرلي في الميدان الثقافي، إسهامه في بعث المسرح التونسي وتطويره، إذ كان من مؤسّسي "جمعية الآداب العربية" التي أنشئت في سنة 1911، وقدّمت مسرحيّتها الأولى "صلاح الدين الأيوبي" في المسرح البلدي بالعاصمة يوم 7 أفريل 1911. "وبعد انتهاء الفصل الثاني ونزول الستار، ظهر الأديب الصادق الزمرلي على خشبة المسرح وألقى خطابا بليغا أتى فيه على تاريخ التمثيل وأطواره وفوائده وطلب من الحاضرين معاضدة الجوق التونسي لما سيقوم به من عمل عظيم لتهذيب الأخلاق وتربية الأمّة وبعث اللغة العربية".

وفي سنة 1912 بلغ نشاط "حركة الشباب التونسي" أوجه، وشمل جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية. واستغلّت السلطة الاستعماريّة قضيّة "مقاطعة ركوب الترامواي" في تونس العاصمة في فيفري 1912 لتقضي على الحركة. ففي فجر يوم 13 مارس ألقي القبض على سبعة من قادة الحركة كان منهم الصادق الزمرلي إلي جانب علي باش حانبه وعبد العزيز الثعالبي ومحمد نعمان وحسن قلاتي والمنوبي درغوث والمختار كاهية. وبينما أبعد أربعة من المجموعة إلى الخارج، أبعد الصادق الزمرلي والمنوبي درغوث إلى الجنوب التونسي وسجن المختار كاهية في العاصمة.

وبعد أشهر قليلة رفعت حكومة "الحماية" قرار الابعاد فرجع المنفيّون بالخارج إلى ديارهم، ما عدا زعيم الحركة علي باش حانبه الذي قرّر الاستقرار نهائيا في إستانبول لمقاومة الاستعمار الفرنسي في الخارج. أمّا في الداخل فقد ركدت الحركة الوطنية ولم تستأنف نشاطها إلاّ بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها في سنة 1918. وعندئذ أخذ الوطنيّون في إعادة تنظيم صفوفهم وجمع شملهم وضبط مطالبهم. وفي شهر جويلية 1919 أوفدوا إلى باريس الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي أصبح على رأس الحركة منذ وفاة علي باش حانبه في تركيا سنة 1918. فقام الثعالبي في باريس بنشاط كثيف للتعريف بالقضية التونسية وعرض مطالب الحركة الوطنيّة على الدوائر الحكوميّة والبرلمانية الفرنسية. وألّف بالخصوص تونس الشهيدة الذي نقله من العربيّة إلى الفرنسية المحامي أحمد السقّا، وصدر بباريس في ديسمبر 1919.

أمّا الصادق الزمرلي، فقد أسهم إسهاما بعيد المدى في الاجتماعات والمناقشات التي جرت بتونس طوال سنتي 1919 و1920، إلى أن أفضت إلى تأسيس "الحزب الحرّ الدستوري التونسي" في شهر جوان 1920، وكان الزمرلي من أعضائه البارزين. ولكنّ ما إن تأسّس هذا الحزب وبدأ يقوم بنشاطه، حتى شبّ الخلاف بين قادته حول طرق العمل الواجب اتّباعها لبلوغ الأهداف المرسومة وتحقيق المطالب الواردة في كتاب تونس الشهيدة. فبينما رأت الأغلبيّة الملتفّة حول الثعالبي ضرورة المطالبة بدستور تونسي والحكم الذاتي في العاجل والاستقلال في الاجل، دعا الشقّ الآخر الذي يتزعّمه حسن قلاتي إلى قبول الاصلاحات التي وعدت الحكومة الفرنسية بإنجازها في نطاق نظام "الحماية". وانتهى الأمر بانفصال أنصار هذا الشقّ عن الحزب الدستوري في سنة 1921 وإنشاء حزب جديد بزعامة حسن قلاتي أطلق عليه اسم "الحزب الاصلاحي". وقد انضمّ الصادق الزمرلي إلى الحزب الاصلاحي، نظرا إلى العلاقات الوثيقة التي كانت تربطه بزعيم الحزب. وتركّز نشاطه على التحرير في الجريدة الأسبوعية التي أصدرها حسن قلاتي في سنة 1921 بعنوان "البرهان". إلاّ أنّ هذا التنظيم لم يستطع جلب الجماهير الشعبيّة إلى صفوفه، وسرعان ما تحوّل إلى مجرّد مجمع يضمّ فئة قليلة من المثقفين، لا صلة لها بالشعب.

وبعد مدّة قليلة توقّفت جريدة "البرهان" عن الصدور بمحض إرادة صاحبها، وظلّ الحزب الاصلاحي يعمل في نطاق ضيّق أكثر فأكثر، إلى أنّ انحلّ في سنة 1928 إثر فشل زعيمه حسن قلاّتي في انتخابات المجلس الكبير. وندم الزمرلي عن ذلك الانشقاق الذي أدّى إلى تشتّت صفوف الوطنيّين. وانقطع عن أيّ نشاط سياسي متفرّغا لمهامّه الإداريّة في وزارة العدليّة التي أنشئت في أفريل 1921، وقد أصبح من أعضاد الوزير الطاهر خير الدين الذي ظلّ على رأس هذه الوزارة إلى سنة 1934.

وإلى جانب عمله الإداري تولّى تدريس التاريخ والترجمة في المدرسة العليا للغة والآداب العربية التي كان يشرف على إدارتها المستشرق وليام مارسي، كما عاوده الحنين إلى الكتابة عن القضايا الشرقية، فنقل في سنة 1922 إلى اللغة العربية بالاشتراك مع محمّد بورقيبة كتاب المؤلف التركي أحمد رضا باي: الافلاس الأدبي للسياسة الغربية في المشرق.

وأبت الظروف إلاّ أن تجرّه إلى اقتحام الميدان السياسي من جديد في أثناء الحرب العالمية الثانية. ذلك أنّ صديقه الأمير محمد المنصف باي الذي اعتلى العرش في 19 جوان 1942، عيّنه مديرا للمراسم ومنحه لقب "أمير أمراء"، فأصبح معروفا منذ ذلك التاريخ باسم "الجنرال الزمرلي". ولم يقتصر دوره على تنظيم المراسم الملكية، بل أصبح الناطق الرسمي باسم الباي، والمؤدّي لدور الوساطة بينه وبين المقيم العام الفرنسي الأميرال إستيفا، ثم بينه وبين السلط الألمانية والايطالية بعد نزول قوات المحور في تونس، كما عيّنه الباي عضوا في مجلسه الخاصّ. وقد قام بجميع تلك المهمات في مثل تلك الظروف الحرجة، على أحسن وجه ممكن، ووجد فيه المنصف باي المستشار المخلص والعضد الوفيّ.

وظلّ وفيّا لصديقه حتى بعد أن خلعته السلطة الفرنسية في 14 ماي 1943 وأبعدته إلى الجزائر ثم إلى جنوب فرنسا، إلى أنّ توفّي في المنفى في أوّل سبتمبر 1948. وقد نشر الصادق الزمرلي بعد وفاته كتابا باللغة الفرنسية، سلّط فيه الأضواء على الأحداث التي وقعت بالبلاد التونسية في عهد المنصف باي وما بذله هذا الأمير الوطني من جهود للدفاع عن السيادة التونسية وصيانتها. وعاد الجنرال الزمرلي بعد انتهاء الحرب إلى العمل في وزارة العدلية إلى أن أحيل على التقاعد في سنة 1955. لكنّه لم يركن إلى الراحة كغيره من المتقاعدين بل أخذ في البحث والتنقيب إلى أن أخرج في حياته الكتب التالية بعنوان عام وجوه تونسيّة، باللغة الفرنسيّة:

  • السابقون (1966) - التابعون (1967) - المعاصرون: الجزء الأوّل (1972) والجزء الثاني (1976).

وفي سنة 1971 أصدر كتابه السالف الذكر حول المنصف باي. وقد استمرّ الصادق الزمرلي في البحث والمطالعة والتحرير إلى أن أدركته المنيّة في أوّل فيفري 1983. وبعد وفاته صدر له كتابان منقولان من اللغة الفرنسيّة إلى اللغة العربيّة، عن "دار الغرب الاسلامي" ببيروت، هما:

وقد جمعت كلّ كتبه السابقة في مجلّد واحد، صدر عن"دار الغرب الاسلامي" في سنة 1993 بعنوان: الصادق الزمرلي: الأعمال الكاملة. وأخيرا عثر ابن الفقيد الأستاذ عدنان الزمرلي على مجموعة أخرى من الفصول والدراسات، حرّرها والده باللغة الفرنسيّة وكان ينوي نشرها بعنوان: "ورقات متناثرة"، لكن ّ المنيةّ عاجلته قبل تحقيق مشروعه. فصدر الكتاب في غضون سنة 2000 عن مؤسّسة كاهية للنشر، يحمل نفس العنوان الذي اختاره له مؤلّفه.