الشاذلي عطاء الله

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الشاذلي عطاء الله

[1899 - 1991م]

ولد الشاذلي عطاء الله بالقيروان سنة 1899 وتوفّي بتونس في 10 سبتمبر 1991. نشأ نشأة إسلامية في أسرة عريقة، وحرص أبوه على تعليمه بنفسه فحفظه القرآن. وكان في شبابه ميّالا إلى الموسيقى يُحبّ أن يختلي للاستماع إلى إسطوانات شيوخ الفنّ وعزف ما كان يروقه من الغناء. وقد مكّنته هذه التجربة من صقل ملكة السماع لديه وتهذيب ذوقه. لكنّ بيئته القيروانية الإسلامية وتقاليد أسرته المحافظة حملته على "تعويض" الألحان بإنشاد الشعر وترتيل القرآن. وكان له من الجدّ والعصامية ما مكّنه من التألّق في الأدب، بعد أن تثقّف على شيوخ العلم بالقيروان ومُصلحيها، وساعده على ذلك ما وجده في خزانة والده وأسلافه من الكتب النادرة والمؤلّفات الثمينة. فعرفته مجالس القيروان ومنابرها في وقت مبكّر خطيبا فصيحا وشاعرا مُجلجلا. يقول صديقه جعفر ماجد: "كلّ الذين استمعوا إلى الشاذلي عطاء الله يُنشد شعره أحسوّ ا إن ّْ قليلا أو كثيرا أنهّ يمُثلّ...نموذج الشاعر العربيّ القديم الذي يقوم الشعر عنده على الانشاد لا على القراءة. وإنّه ليُخيّل إليك وأنت تُصغي إليه يتلو قصيدة أنّ الأبيات تنزل عليه شآبيب وتغمره بما يُشبه الفيض، فإذا بنبرات صوته تُشيع هذا الإحساس، حتّى إنّك كثيرا ما تذهل عن المعنى لأنّك ظفرت بمتعة الشعر الأولى: الطّرب". (مقدمة الديوان ص 12). وبالاضافة إلى ذلك، عَرَفَتْه الصحافة باحثا رصينا ومُصلحا غيورا.

على أنّ الشاذلي عطاء الله الذي كان يتعاطى تجارة الأقمشة في دكّانه - لم يبق بمعزل عن الحياة العامّة بل كان واعيا بأهميّة الحركة الوطنية التي هبّت في الثلاثينات لمقاومة الاستعمار وتحرير البلاد. فسرعان ما أصبح في مقدّمة الوطنيّين، ومثّل مدينة القيروان في المؤتمر التأسيسيّ للحزب الدستوري المنعقد بقصر هلال سنة 1934. لذلك اعتقلته السلط الاستعمارية عدّة مرّات. لكنّه لم ينقطع عن الشعر، "يقوله في كلّ الأغراض والمقاصد، ويقوله في كل ّ الظروف والمناسبات. ففي ديوانه الفخر والرثاء، وفيه الحبّ والغزل. وقد قاله في الجدّ والمزاح، وفي الحكم والمواعظ"، إلاّ أنّ السمة الأولى والأساسية في شعره و"المفتاح الذي يفتح لنا معالم شخصيّته واتجاهات ذهنه ويجعلنا نفهم العوامل التي كوّنت شاعريته ودفعته إلى الاستمرار في قول الشعر كلّ هذه السنين الطويلة هي وطنيّته الملتهبة" (محمد الحليوي. في الأدب التونسي ص. 90 - 94). وتتجلىّ هذه الوطنيةّ في حبهّ العظيم لبلاده وكلّ ما فيها من قيم وأمجاد، وفي اعتزازه بمدينة القيروان وأعلامها ومعالمها، وفي تعلّقه الكبير بالزعيم الحبيب بورقيبة الذي رأى فيه قائدا عظيما وما فتئ يمدحه ويمجّده في الكثير من المناسبات، كما تتجلّى وطنيّته في تسجيله لما مرّت به بلاده من مآس وأتراح وأعياد وأفراح. "فهو بحقّ حادي ركب التحرير في مراحله الحاسمة ومسجّل حياة تونس الوطنيّة في شعر حماسيّ صافي الديباجة متدفّق من نبع غزير وشاعريّة جيّاشة تفيض بالحبّ والنخوة والاخلاص" (في الأدب التونسي ص 97).

ويتّسم شعر الشاذلي عطاء الله، بالاضافة إلى ذلك، بسمة ثانية هي البعد الدينيّ الذي يجعله "وفيّا لتكوينه ونشأته الاسلامية. فالامام الخطيب مجوّد القرآن في ليالي رمضان... يعيش بإيمانه في حلّه وترحاله... ويصوغ "إلاهياته" و"محمدياته" التي يبعثها إلى البقاع المقدّسة مع من أراد أنّ يحمل هذه الأمانة لتُتلى على القبر الشريف" (مقدّمة الديوان ص 12).

أمّا السّمة الثالثة البارزة في ديوانه فهي حبّه للطبيعة وافتتانه بها منذ أشعاره الأولى، وهي نفحة نلمح منها أثر أبي القاسم الشابّي الذي كان الشاذلي عطاء الله مُعجبا به أيّما إعجاب مثل سائر أبناء جيله. يقول صديقه محمّد الحليوي: "وقد ظلّ مُغرما بالطبيعة مُجيدا لوصفها، لكنّه استقلّ بطريقته فيها فجاءت في أشعاره الأخيرة عذبة الألفاظ جميلة الأسلوب تتزاحم فيها الصور الشعرية والخيالات الأنيقة". وهذا النوع من الشعر كثير في مطالع قصائده الوطنية، مثل هذه الأبيات (كامل) :

ظلّ يداعبه النسيم فتنتشي
أرواحنا بأريجه الفوّاح
وتخاله من نفحة الفردوس
يحملها الشعاع على بساط صباح
ويلفّنا الفجر المضمّخ بالندى
في موكب من نوره الوضّاح
ونهيم باللحن الشرود تناسقت
نغماته من بلبل صدّاح
ويضمّنا الروض الموشّى برده
ببدائع من سوسن وأقاح
ويهيجنا الشوق الملحّ إلى الحمى
وتهزّنا النسمات في الاصباح
فتحلّق الأرواح رغم قيودها
وتطير في الأجوا بغير جناح

وبالإضافة إلى إنتاجه الشعري الغزير، خلّف الشاذلي عطاء الله دراسات عن أعلام الأدب القيرواني وتأليفا عن الربا وغلاء المهور.