الشاذلي أنور

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1925 - 1995م]

الفنان الشاذلي أنور

عرف هذا الفنان باسم الشاذلي الساحلي نسبة إلى مدينة مساكن الساحلية حيث ولد يوم 5 أفريل 1925 بلقبه العائلي الأصلي خماجة. لكنه عندما تحول إلى العاصمة أطلق عليه مكتشفه باعث صناعة الاسطوانات البشير الرصايصي (1907 - 1977) اسمه الفني الشاذلي أنور باعتباره ينحدر من عائلة كان أفرادها يبيعون الأزهار والنّوار طوافا بدور الجاليات الفرنسية و الايطالية والمالطية. وكان الطفل الشاذلي يتجول في الصباح الباكر في الرياض و البساتين بضواحي باردو و منوبة لجمع ما فاح من أريج تلك الأزهار اليانعة، طائفا على متن دراجته بأفراد الجاليات الأجنبية المقيمة في تونس. وكان الشاذلي أنور مولعا بالرياضة إلى جانب الموسيقى. فمارس رياضة الدراجات. وفاز بالبطولة عدّة مرّات في سباق الدراجات على المستوى الوطني. كان الشاذلي أنور مولعا بأغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب. فكان يُرددها في تقليد متقن. ويعدّ البشير الرصايصي المكتشف الأول لمواهب الشاب الشاذلي أنور الصوتية الفطرية.ولمّا كان مقر الرشيدية في أول انبعاثها سنة 1934 بنهج الباشا فقد التقى الثنائي حليمة بنت العروسي بالشيخ أو السيدة نعمة والشاذلي خماجة شُهر الشاذلي أنور بمقرها حيث تتلمذا للشيخ خميس الترنان (1980 - 1964) في حفظ المألوف ومحمد التريكي (1899 - 1998) في المقامات والإيقاعات في حين أطلق الفنان صالح المهدي الملقب بزرياب لقب نعمة على تلك الموهبة الصاعدة التي أجادت أداء أغاني ليلى مراد الرائجة في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين.

أما الشاذلي أنور الذي كان تغنى بالمعهد الرشيدي في أغنية نادرة وردت في شكل إعلان ينبه كل هاوٍ نغم إلى ضرورة الالتحاق بالمعهد الرشيدي لدراسة الموسيقى على أسس علمية متينة، فقد اصطحبه البشير الرصايصي إلى دكانه بنهج القصبة حيث سجل عدة أغان لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب منها "هليت يا ربيع" وأغنية المطرب محمد أمين "نور العيون ياشاغلني". ولما علم محمد عبد الوهاب بتراجع مبيعاته هدّد الرصايصي بمقاضاته. ولما كان صوت الشاذلي أنور يجمع بين الدقة في الأداء و الرقة في التعبير فقد انهالت على البشير الرصاصي الطلبات. فحزم حقائبه للسفر إلى المغرب والجزائر وليبيا حيث كان معتمدا من شركة بيضافون لبيع الاسطوانات. فازدهرت تجارته حتى حوّل مسكنه بدار الباشا إلى أستوديو لتسجيل الاسطوانات لحساب شركته الخاصة التي كانت تحمل اسم "أم الحسن" وهو اسم طير غرّيد كانت صورته منقوشة على إسطواناته. وقد تغنّى بصوته محمد العربي الكبادي (1880 - 1961) في أغنية "أم الحسن" لحن خميس الترنان (1890 - 1964) وأداء صليحة (1914 - 1958) لكن الرصايصي لم يقتصر على استثمار صوت الشاذلي أنور في تقليد عبد الوهاب وإنما سجل بعض المآثر الدينية مثل مدحَة المولد النبوي الشريف بصوت المطربة بشيرة التونسية التي لا نسمع صوتها إلا مرة في السنة احتفالا بذكرى ميلاد الرسول الكريم إلى جانب الأغاني البدوية.

أما الشاذلي أنور فقد فضل الالتحاق بفرقة شافية رشدي التي شهرت "نانا" في رحلة فنية طاف في أثنائها معظم ولايات القطر الجزائري. تلك هي المحطة الأولى في مسيرته الفنية. في حين كانت المحطة الثانية الاذاعة الوطنية التي التحق بأفراد مجموعتها الصوتية سنة 1957 تاريخ تونسة الاذاعة وانتقال مقرها من "ساحة العملة" إلى "شارع الحرية" شارع باريس سابقا. أما المحطّة الثالثة فقد كانت بسوسة حيث دعي إلى الاشراف على تأسيس الفرقة القومية للموسيقى. لكنها كانت قصيرة جدّا. لذلك فلا غرو في أن يعود الشاذلي أنور - وهو من ألمع المنشدين - إلى صلب المجموعة الصوتية للاذاعة الوطنية التي تشكلت سنة 1957 في عهد مديرها البشير المهذبي. وكان قد أوفد الفنان علي السريتي إلى القاهرة لانتداب الفنان المصري فهمي عوض للاشرف على تلقين تلك المجموعة كنوز الموشحات الشرقية و القدود الحلبية و الأدوار المصرية، فيما كان الشيخ الفنان خميس الترنان يلقنها عيون المآثر العربية الأندلسية مثل نوبات المالوف والفوندوات التي كان دوّنها بالنوطة الموسيقية الموسيقار محمد التريكي (1899 - 1998) فحقق لتونس الرقم القياسي في المحافظة على التراث على الصعيد المغاربي بمعدل 13 نوبة مقابل 12 بالجزائر و 11 بالمغرب و10 في ليبيا. ومازال خطّه واضحا في الأسفار التي نشرتها في الستينات وزارة الثقافة.

لقد تمكن الشاذلي أنور من ملء الوطاب بما لذ وطاب من كنوز الموسيقى العربية برافديها المشرقي و المغاربي. لذلك لا عجب في أن يبرز صوته في صلب تلك المجموعة الصوتية التي كانت تضم أجمل الأصوات وأشدّها إطرابا مثل فتحية خيري وصفيّة ونعمة وعلية ومن الرجال أحمد حمزة ومحمد ساسي وعبد الحميد ساسي (1934 - 1984) ومحمد الأحمر ومحمد أحمد ومحمد الفرشيشي. ثم تخطى الشاذلي أنور مرحلة الغناء والتقليد ليلمع نجمه ملحنا مبدعا في المدرستين الشرقية و المغاربية. فكان جسر الوصل بين المدرستين خاصة أنّه قد كان يجيد العزف على العود باليسرى ويعتمد التسجيل و التلحين دون الترقيم بالنوطة ليستخرج الدرر اليتيمة الكامنة في المقامات الشرقية مثل النهاوند والكرد والسيكاه والجهاركاه والطبوع التونسية مثل المزموم والعرضاوي والأصبعين ورصد الذيل وقديما قيل: "إن أطال ليلك أرصد وإذا طوال عليك الليل عليك بنوبة الذيل". وقد تعامل الشاذلي أنور الملحن مع عدة شعراء لعل أبرزهم الزجال أحمد الزاوية ابن بلدته الذي فاز بنصيب الأسد فضلا عن كون الشاذلي أنور قد غنّى من ألحانه وكلماته أغنية وحيدة. وهي بعنوان "الساعة دقت وأنا قلبي دق معاها".ومهما يكن من أمر فكفاه فخرا أنه مبدع الأغنية الملحمية الشهيرة عن معركة الجلاء ببنزرت "بني وطني يا ليوث الصدام" التي أدّتها المطربة علية (1936 - 1990) وهي من تأليف الشاعر عبد المجيد بن جدو (1918 - 1994).

أما السيدة نعمة فقد فازت هي أيضا بنصيب الأسد من ألحان الشاذلي أنور فغنّت له رائعة "بين الوتر و الراح في عينيها" كما أعدّ كثيرا من الألحان أدتها سلاف وزهيرة سالم ومحمد أحمد ومحمد الفرشيشي. لكن يوسف التميمي (1921 - 1982) هو الذي ظفر بجل أغاني الشاذلي أنور لعل أبرزها "ليعتي ما أقواه" شعر عبد المجيد بن جدو (1918 - 1994) وأغنية "سافر ما جناش" شعر فاطمة الدريدي و"لون القرنفل" كلمات الزجال محمد المولدي شهر رضا الخويني وأغنيته الشهيرة التي تغنى فيها بمسقط رأسه منزل تميم "قالو لي على الشهلة تغني" شعر المختار الحشيشة (1920 - 1983) و"أم الشعر حرير على هويدة نغني" يتغني فيها بابنته بالتبني هويدة وأغنية "ياسمين وفل سالمة" و"خلخال ذهبي تحت الفارة" من كلمات أحمد الزاوية. وإذا جاءت تلك الأغاني سابحة في يمّ الطبوع التونسية فإن الشاذلي أنور قد برع أيضا في بحر المقامات الشرقية. فلحن تلك التحية الرائعة التي أهداها إلى الجمهور المصري سنة 1969 في احتفالات الذكرى الفنية لتأسيس القاهرة المعزّية. وهي من تأليف الشاعر جلال الدين النقاش (1910 - 1979) فضلا عن قصيدته الشهيرة لجامعة العرب عندما انتقل مقر الجامعة العربية إلى تونس في عهد أمينها العام السابق الشاذلي القليبي.

ومثلما بدأ الشاذلي أنور بالرشيدية في مطلع الخمسينات من القرن العشرين عاد في السبعينيات إلى رحاب الرشيدية بدعوة من رئيسها السابق الشاعر حمادي النيفر (1924 - 1984) الذي لحّن له عدة أغان وتولى تلقين المجموعة الصوتية للمعهد الرشيدي روائع الموشحات الشرقية لعبده الحامولي ومحمد عثمان وروائع عبد الوهاب الذي شغف بها في مطلع شبابه إلى أن أقعده المرض وخاصة داء السكري الذي كان ينهش جسده. فاعتكف ببيته متأملا الزهور اليانعة في حديقته الغناء - وقد التصق اسمها باسمه الفني الشاذلي أنور - سابحا في أحلامه. فَظَلّ غارقا في تأملاته إلى أن وافاه الأجل يوم 27 مارس 1995.