«الرشيد إدريس»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 2: سطر 2:
  
 
ولد السياسي [[الرشيد إدريس]] بتونس في 27 جانفي 1917. وزاول دراسته الابتدائية ب[[المدرسة الصادقية]]. وحصل بها على شهادة ختم الدروس.
 
ولد السياسي [[الرشيد إدريس]] بتونس في 27 جانفي 1917. وزاول دراسته الابتدائية ب[[المدرسة الصادقية]]. وحصل بها على شهادة ختم الدروس.
انخرط منذ حداثته في الشبيبة المدرسية.وأسهم في مناشطها إسهاما فاعلا، كما انتسب - وهو لم يبلغ العشرين من عمره - إلى الحزب الحرّ الدستوري الجديد. وقد عدّد المؤرخ خالد عبيد الأسباب التي دفعت ب[[الرشيد إدريس]] إلى الالتزام السياسي منذ سن مبكرة. مبرزا إن الفترة التي عاشها [[الرشيد إدريس]] في سنيّ شبابه الأول ب[[تونس|مدينة تونس]] هي فترة تميّزت بتواتر الأحداث التي لا شكّ في أنها أثرت فيه بطريقة أو بأخرى كالمؤتمر الافخارستي الذي انعقد سنة 1930 وعمر رشيد إدريس آنذاك 13 سنة والذّكرى الخمسين للحماية سنة 1931 وحوادث التجنيس سنة 1933 وتداعيات الأزمة الاقتصادية التونسيّة بداية من سنة 1932 بالخصوص.ولا بدّ من أن نشير إلى أنّه، في تلك المرحلة، أقبل على الكتابة في الصحافة مقتفيا أثر عدّة زعماء اتخذوا منها منبرا لاستنهاض الهمم والدّعوة إلى الاصلاح، من أمثال [[الحبيب بورقيبة]] والشاذلي خزندار و[[محمود الماطري]].
+
انخرط منذ حداثته في الشبيبة المدرسية.وأسهم في مناشطها إسهاما فاعلا، كما انتسب - وهو لم يبلغ العشرين من عمره - إلى [[الحزب الحرّ الدستوري الجديد]]. وقد عدّد المؤرخ خالد عبيد الأسباب التي دفعت ب[[الرشيد إدريس]] إلى الالتزام السياسي منذ سن مبكرة. مبرزا إن الفترة التي عاشها [[الرشيد إدريس]] في سنيّ شبابه الأول ب[[تونس|مدينة تونس]] هي فترة تميّزت بتواتر الأحداث التي لا شكّ في أنها أثرت فيه بطريقة أو بأخرى كالمؤتمر الإفخارستي الذي انعقد سنة 1930 وعمر رشيد إدريس آنذاك 13 سنة والذّكرى الخمسين للحماية سنة 1931 وحوادث التجنيس سنة 1933 وتداعيات الأزمة الاقتصادية التونسيّة بداية من سنة 1932 بالخصوص.ولا بدّ من أن نشير إلى أنّه، في تلك المرحلة، أقبل على الكتابة في الصحافة مقتفيا أثر عدّة زعماء اتخذوا منها منبرا لاستنهاض الهمم والدّعوة إلى الاصلاح، من أمثال [[الحبيب بورقيبة]] و[[الشاذلي خزندار]] و[[محمود الماطري]].
 +
 
 
وقد أسهم على وجه الخصوص في تحرير جريدة تونس الفتاة التي اتخذها منبرا للدّعوة إلى تحرير بلدان شمال إفريقيا وبعث الأسباب المهيّئة لتكوين دولةٍ واحدةٍ تكون عتيدةً جبارةً.
 
وقد أسهم على وجه الخصوص في تحرير جريدة تونس الفتاة التي اتخذها منبرا للدّعوة إلى تحرير بلدان شمال إفريقيا وبعث الأسباب المهيّئة لتكوين دولةٍ واحدةٍ تكون عتيدةً جبارةً.
 
وفي هذا السياق كان [[الرشيد إدريس]] يرى أنّ تحرير تونس سيفضى بالضرورة إلى تحرير بقية البلاد العربيّة. لهذا وجب، في نظره، تكوين جيلٍ جديدٍ، قويّ، مثقّفٍ، مخلص، قادر على إخراج تونس الفتاة الحيّة من تونس العجوز، على حدّ عبارته.
 
وفي هذا السياق كان [[الرشيد إدريس]] يرى أنّ تحرير تونس سيفضى بالضرورة إلى تحرير بقية البلاد العربيّة. لهذا وجب، في نظره، تكوين جيلٍ جديدٍ، قويّ، مثقّفٍ، مخلص، قادر على إخراج تونس الفتاة الحيّة من تونس العجوز، على حدّ عبارته.
 
اعتقل على إثر مشاركته في مظاهرة طالبت بإطلاق سراح الزّعماء المسجونين في برج البوف سنة 1934, كما اعتقل ثانية غداة أحداث 9 أفريل 1938.  
 
اعتقل على إثر مشاركته في مظاهرة طالبت بإطلاق سراح الزّعماء المسجونين في برج البوف سنة 1934, كما اعتقل ثانية غداة أحداث 9 أفريل 1938.  
 +
 
انتسب في سنة 1941 إلى مجموعة الديوان السيّاسي السّابع التي أقدمت على بعض العمليات العنيفة ضدّ المصالح الاستعمارية مثل حرق مخزن الحلفاء ب[[حلق الوادي]] وحرق مصفاة الكحول بسيدي فتح الله. فاعتقل. وحكم عليه بخمس سنوات سجنا وعشر أخرى إبعادا عن التّراب التّونسي. ولم يفرج عنه إلا في نوفمبر 1942 بعد تدخّل المنصف باي لدى المقيم العام الأميرال إستيفا.
 
انتسب في سنة 1941 إلى مجموعة الديوان السيّاسي السّابع التي أقدمت على بعض العمليات العنيفة ضدّ المصالح الاستعمارية مثل حرق مخزن الحلفاء ب[[حلق الوادي]] وحرق مصفاة الكحول بسيدي فتح الله. فاعتقل. وحكم عليه بخمس سنوات سجنا وعشر أخرى إبعادا عن التّراب التّونسي. ولم يفرج عنه إلا في نوفمبر 1942 بعد تدخّل المنصف باي لدى المقيم العام الأميرال إستيفا.
  
سطر 16: سطر 18:
 
ويشير علي بوعزيز أيضا إلى أن [[الرشيد إدريس]] أحسّ في هذه الفترة بأنه بعيد عن مسرح الأحداث التي تسارع وقعها "والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى حصول البلاد على استقلالها الداخلي فحزم حقائبه عائدا تصحبه زوجته جانين الصحفيّة البلجيكية الأصل التي تعرّف عليها بجاكرتا واقترن بها في دلهي يوم 22 نوفمبر ..1953." هكذا قرّر العودة رغم حكم الاعدام الصادر في شأنه من قبل السلط الفرنسية التي مازالت بعد لم تسّلم مقاليد السلطة الفعلية إلى الحكومة التونسيّة... وسيتدخّل [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] بنفسه لايقاف العمل بحكم الاعدام الصّادر بحقه.
 
ويشير علي بوعزيز أيضا إلى أن [[الرشيد إدريس]] أحسّ في هذه الفترة بأنه بعيد عن مسرح الأحداث التي تسارع وقعها "والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى حصول البلاد على استقلالها الداخلي فحزم حقائبه عائدا تصحبه زوجته جانين الصحفيّة البلجيكية الأصل التي تعرّف عليها بجاكرتا واقترن بها في دلهي يوم 22 نوفمبر ..1953." هكذا قرّر العودة رغم حكم الاعدام الصادر في شأنه من قبل السلط الفرنسية التي مازالت بعد لم تسّلم مقاليد السلطة الفعلية إلى الحكومة التونسيّة... وسيتدخّل [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] بنفسه لايقاف العمل بحكم الاعدام الصّادر بحقه.
 
عاد [[الرشيد إدريس]] إلى تونس في أوت 1955 بعد الاعلان عن [[استقلال تونس|الاستقلال]] الدّاخلي. وكان من الأوائل الذين طالبوا في المجلس التأسيسي بإعلان الجمهورية. فكان شديد الايمان بأن الشعب هو صاحب السّلطة، وأن سيادة الشعب وازدهاره لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حكم نفسه بنفسه.
 
عاد [[الرشيد إدريس]] إلى تونس في أوت 1955 بعد الاعلان عن [[استقلال تونس|الاستقلال]] الدّاخلي. وكان من الأوائل الذين طالبوا في المجلس التأسيسي بإعلان الجمهورية. فكان شديد الايمان بأن الشعب هو صاحب السّلطة، وأن سيادة الشعب وازدهاره لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حكم نفسه بنفسه.
أشرف على جريدة العمل. ثم عيّن غداة الاعلان عن [[استقلال تونس|الاستقلال]] سنة 1956 ملحقا بديوان الرئيس [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] في أوّل حكومةٍ تونسية ثم مشرفا على قسم إفريقيا آسيا بوزارة الخارجية.عيّن سنة 1957 وزيرا للبريد والبرق والهاتف ثم سفيرا بواشنطن خلفا للحبيب [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] الابن.وبقي بهذا المنصب إلى موفى سنة 1969. في سنة 1970 عيّن ممثلا قارّا لتونس لدى منظّمة الأمم المتحدة بنيويورك. تقلد عدّة مناصب سياسيّة ودبلوماسية. وأسهم في استتباب الأمن والسلم العالميين.
+
أشرف على جريدة العمل. ثم عيّن غداة الاعلان عن [[استقلال تونس|الاستقلال]] سنة 1956 ملحقا بديوان الرئيس [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] في أوّل حكومةٍ تونسية ثم مشرفا على قسم إفريقيا آسيا بوزارة الخارجية.عيّن سنة 1957 وزيرا للبريد والبرق والهاتف ثم سفيرا بواشنطن خلفا للحبيب [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] الابن. وبقي بهذا المنصب إلى موفى سنة 1969. في سنة 1970 عيّن ممثلا قارّا لتونس لدى منظّمة الأمم المتحدة بنيويورك. تقلد عدّة مناصب سياسيّة ودبلوماسية. وأسهم في استتباب الأمن والسلم العالميين.
 
ففي سنة 1979 أوفده الرئيس [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] في مهمات إلى كل من إلياس سركيس رئيس لبنان وياسر عرفات وإلى رئيسي اليمن الشماليّ واليمن الجنوبيّ، وإلى شيخي دولتيّ قطر والبحرين. في سنة 1980 أسسّ جمعيّة الدّراسات الدولية. وأدار مجلتها دراسات دولية. ويعتبر [[الرشيد إدريس]] هذه الجمعيّة وليدة التطور الذي عرفته البلاد.
 
ففي سنة 1979 أوفده الرئيس [[الحبيب بورقيبة|بورقيبة]] في مهمات إلى كل من إلياس سركيس رئيس لبنان وياسر عرفات وإلى رئيسي اليمن الشماليّ واليمن الجنوبيّ، وإلى شيخي دولتيّ قطر والبحرين. في سنة 1980 أسسّ جمعيّة الدّراسات الدولية. وأدار مجلتها دراسات دولية. ويعتبر [[الرشيد إدريس]] هذه الجمعيّة وليدة التطور الذي عرفته البلاد.
في سنة 1993 أسّس معهد العلاقات الدولية.في سنة 1991 عيّن رئيسا للهيئة العليا لحقوق الانسان والحريّات الأساسية.
+
في سنة 1993 أسّس معهد العلاقات الدولية. في سنة 1991 عيّن رئيسا للهيئة العليا لحقوق الانسان والحريّات الأساسية.
  
 
== [[الرشيد إدريس]] كاتبا==
 
== [[الرشيد إدريس]] كاتبا==
سطر 24: سطر 26:
 
يؤكد أحد معارفه - وهو علي بوعزيز - أن الكتابة كانت بالنسبة إليه فعلا يوميا لم ينقطع عنه إلى قبيل وفاته. فالرجل أسهم في تحرير الكثير من الصحف مثل تونس الفتاة وإفريقيا الفتاة والشباب وجريدة الزهرة وعيّن كما أسلفنا القول على رأس جريدة العمل سنة 1955. ويعدّه الكثير من الباحثين من أوائل المناضلين التونسيين الذين كتبوا سيرهم السياسيّة.انعطف على حياته السياسية بالنظر والتّأمل في عدد من الكتب نذكر منها كتاب (من باب سويقة إلى منهاتن) و (من جاكرتا إلى [[قرطاج]]) و (ذكريات مكتب المغرب العربي في القاهرة).
 
يؤكد أحد معارفه - وهو علي بوعزيز - أن الكتابة كانت بالنسبة إليه فعلا يوميا لم ينقطع عنه إلى قبيل وفاته. فالرجل أسهم في تحرير الكثير من الصحف مثل تونس الفتاة وإفريقيا الفتاة والشباب وجريدة الزهرة وعيّن كما أسلفنا القول على رأس جريدة العمل سنة 1955. ويعدّه الكثير من الباحثين من أوائل المناضلين التونسيين الذين كتبوا سيرهم السياسيّة.انعطف على حياته السياسية بالنظر والتّأمل في عدد من الكتب نذكر منها كتاب (من باب سويقة إلى منهاتن) و (من جاكرتا إلى [[قرطاج]]) و (ذكريات مكتب المغرب العربي في القاهرة).
 
وينبغي الاشارة أيضا إلى أنه كتب عددا من الأعمال الابداعية. ففي مجال الرواية أصدر فانوس الفجر - وهذه الرواية كان قد كتبها في الأصل باللغة الفرنسية - وأرق على ورق وأيضا السالي هرب - وقد كتبهما باللغة العربيّة - وذكر الروائي الجامعي محمود طرشونة أن له روايتين أخريين مخطوطتين الأولى في مائة صفحة بعنوان تمساح باب سويقة والأخرى في مائة وثمانين صفحة بعنوان قتيل [[الحمامات]]، كما أنه كتب تمثيلية في أربعين صفحة بعنوان في عصر الأنترنات.
 
وينبغي الاشارة أيضا إلى أنه كتب عددا من الأعمال الابداعية. ففي مجال الرواية أصدر فانوس الفجر - وهذه الرواية كان قد كتبها في الأصل باللغة الفرنسية - وأرق على ورق وأيضا السالي هرب - وقد كتبهما باللغة العربيّة - وذكر الروائي الجامعي محمود طرشونة أن له روايتين أخريين مخطوطتين الأولى في مائة صفحة بعنوان تمساح باب سويقة والأخرى في مائة وثمانين صفحة بعنوان قتيل [[الحمامات]]، كما أنه كتب تمثيلية في أربعين صفحة بعنوان في عصر الأنترنات.
تحدث محمود طرشونة عن بناء الروايتين أرق على ورق والسالي هرب. فقال إنه يقوم (أي بناء الروايتين) على المراوحة بين الحلم والواقع.فبالحلم تستهّل كلّ منهما وبه تختمان. وبذلك يمثّل الحلم وفحواه قصّة خيالية تؤطر قصّة واقعية بمقتضى التضمي المعروف في ألف ليلة  
+
تحدث محمود طرشونة عن بناء الروايتين أرق على ورق والسالي هرب. فقال إنه يقوم (أي بناء الروايتين) على المراوحة بين الحلم والواقع.فبالحلم تستهّل كلّ منهما وبه تختمان. وبذلك يمثّل الحلم وفحواه قصّة خيالية تؤطر قصّة واقعية بمقتضى التضمين المعروف في ألف ليلة  
  
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:السياسة]]
 
[[تصنيف:السياسة]]
 +
[[تصنيف:الحركة الوطنية]]
 +
[[تصنيف:الصحافة]]
 +
[[تصنيف:الأدب]]

مراجعة 16:56، 4 جانفي 2017

[1917 - 2009م ]

ولد السياسي الرشيد إدريس بتونس في 27 جانفي 1917. وزاول دراسته الابتدائية بالمدرسة الصادقية. وحصل بها على شهادة ختم الدروس. انخرط منذ حداثته في الشبيبة المدرسية.وأسهم في مناشطها إسهاما فاعلا، كما انتسب - وهو لم يبلغ العشرين من عمره - إلى الحزب الحرّ الدستوري الجديد. وقد عدّد المؤرخ خالد عبيد الأسباب التي دفعت بالرشيد إدريس إلى الالتزام السياسي منذ سن مبكرة. مبرزا إن الفترة التي عاشها الرشيد إدريس في سنيّ شبابه الأول بمدينة تونس هي فترة تميّزت بتواتر الأحداث التي لا شكّ في أنها أثرت فيه بطريقة أو بأخرى كالمؤتمر الإفخارستي الذي انعقد سنة 1930 وعمر رشيد إدريس آنذاك 13 سنة والذّكرى الخمسين للحماية سنة 1931 وحوادث التجنيس سنة 1933 وتداعيات الأزمة الاقتصادية التونسيّة بداية من سنة 1932 بالخصوص.ولا بدّ من أن نشير إلى أنّه، في تلك المرحلة، أقبل على الكتابة في الصحافة مقتفيا أثر عدّة زعماء اتخذوا منها منبرا لاستنهاض الهمم والدّعوة إلى الاصلاح، من أمثال الحبيب بورقيبة والشاذلي خزندار ومحمود الماطري.

وقد أسهم على وجه الخصوص في تحرير جريدة تونس الفتاة التي اتخذها منبرا للدّعوة إلى تحرير بلدان شمال إفريقيا وبعث الأسباب المهيّئة لتكوين دولةٍ واحدةٍ تكون عتيدةً جبارةً. وفي هذا السياق كان الرشيد إدريس يرى أنّ تحرير تونس سيفضى بالضرورة إلى تحرير بقية البلاد العربيّة. لهذا وجب، في نظره، تكوين جيلٍ جديدٍ، قويّ، مثقّفٍ، مخلص، قادر على إخراج تونس الفتاة الحيّة من تونس العجوز، على حدّ عبارته. اعتقل على إثر مشاركته في مظاهرة طالبت بإطلاق سراح الزّعماء المسجونين في برج البوف سنة 1934, كما اعتقل ثانية غداة أحداث 9 أفريل 1938.

انتسب في سنة 1941 إلى مجموعة الديوان السيّاسي السّابع التي أقدمت على بعض العمليات العنيفة ضدّ المصالح الاستعمارية مثل حرق مخزن الحلفاء بحلق الوادي وحرق مصفاة الكحول بسيدي فتح الله. فاعتقل. وحكم عليه بخمس سنوات سجنا وعشر أخرى إبعادا عن التّراب التّونسي. ولم يفرج عنه إلا في نوفمبر 1942 بعد تدخّل المنصف باي لدى المقيم العام الأميرال إستيفا.

في أفريل 1946 بعد تمكّن الحلفاء من تحرير تونس طارد المستعمر أعضاء الدّيوان السياسيّ السابع وحكم عليهم غيابيّا بالاعدام. يقول علي بوعزيز: "في هذه الفترة بدأت تتكوّن شخصيّة الرشيد إدريس المتمرّدة إذ سجن في ظرف ستّ سنوات ثلاث مرّات في السجن المدني الذي لم يكن يفصله عن منزل عائلته بربض باب سويقة إلا الشارع الذي سيسمّى في فترة الاستقلال شارع 9 أفريل ..1938." ويضيف قائلا: "تكرار سجنه لم يكن يخيفه، فهو كان يقول إنه كان يشعر بالأنس داخله عندما يلتقي برفاقه مثل الباهي الأدغم وغيره... لقد كان واعيا أن صفة المناضل الوطنيّ الشابّ بدأت تنسب إليه إلى درجة أنّ الحبيب ثامر رئيس الديوان السيّاسي السادس انتقاه لخلافته وضمّ إليه مجموعة من النشطاء السياسيين كان أصغرهم سنّا ويذكر من سجنوا معه أنه كان أكثرهم حماسة واندفاعا". في جويلية 1943 أسّس بمعيّة حسين التريكي مكتب المغرب العربّي ببرلين. يقول الرشيد إدريس في ذلك: "نشأ هذا المكتب، عن الحرب العالميّة الثانيّة وقيام جامعة الدّول العربيّة ولجوء ممثّلي أحزاب مغاربة إلى القاهرة ومنهم الزّعيم الحبيب بورقيبة" ويضيف قائلا: "لقد قام هذا المكتب بالتّعريف بفضاء الأقطار المغاربيّة التي لم يكن يسمع صوتها، ومن أهمّ ما قام به المكتب، الدّعوة إلى الثورة على الاستعمار، وتحرير الأمير عبد الكريم الخطابي وقد نكب المكتب باستشهاد ثلاثة من مناضليه هم الدّكتور الحبيب ثامر (تونس) ومحمد بن عبود (مرّاكش) وعلي الهمامي (الجزائر) ". يقول علي بوعزيز: "في سنوات الغربة الأوروبية كثّف الرشيد إدريس من قراءاته السيّاسية وعمل على تحسين تمكنّه من اللغة الفرنسيّة، وشرع في تعلّم الانقليزية، وبحكم الضرورة تعلّم أبجدياّت اللّغتين الألمانية والاسبانية. سافر إلى المشرق الأقصى معرّفا بالقضية التّونسيّة. فزار الباكستان وأندونيسيا والهند وبرومانيا. وألقى فيها جملة من المحاضرات تفضح الممارسات الاستعمارية الفرنسية في شمال إفريقيا وفي تونس على وجه الخصوص". ويشير علي بوعزيز أيضا إلى أن الرشيد إدريس أحسّ في هذه الفترة بأنه بعيد عن مسرح الأحداث التي تسارع وقعها "والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى حصول البلاد على استقلالها الداخلي فحزم حقائبه عائدا تصحبه زوجته جانين الصحفيّة البلجيكية الأصل التي تعرّف عليها بجاكرتا واقترن بها في دلهي يوم 22 نوفمبر ..1953." هكذا قرّر العودة رغم حكم الاعدام الصادر في شأنه من قبل السلط الفرنسية التي مازالت بعد لم تسّلم مقاليد السلطة الفعلية إلى الحكومة التونسيّة... وسيتدخّل بورقيبة بنفسه لايقاف العمل بحكم الاعدام الصّادر بحقه. عاد الرشيد إدريس إلى تونس في أوت 1955 بعد الاعلان عن الاستقلال الدّاخلي. وكان من الأوائل الذين طالبوا في المجلس التأسيسي بإعلان الجمهورية. فكان شديد الايمان بأن الشعب هو صاحب السّلطة، وأن سيادة الشعب وازدهاره لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حكم نفسه بنفسه. أشرف على جريدة العمل. ثم عيّن غداة الاعلان عن الاستقلال سنة 1956 ملحقا بديوان الرئيس بورقيبة في أوّل حكومةٍ تونسية ثم مشرفا على قسم إفريقيا آسيا بوزارة الخارجية.عيّن سنة 1957 وزيرا للبريد والبرق والهاتف ثم سفيرا بواشنطن خلفا للحبيب بورقيبة الابن. وبقي بهذا المنصب إلى موفى سنة 1969. في سنة 1970 عيّن ممثلا قارّا لتونس لدى منظّمة الأمم المتحدة بنيويورك. تقلد عدّة مناصب سياسيّة ودبلوماسية. وأسهم في استتباب الأمن والسلم العالميين. ففي سنة 1979 أوفده الرئيس بورقيبة في مهمات إلى كل من إلياس سركيس رئيس لبنان وياسر عرفات وإلى رئيسي اليمن الشماليّ واليمن الجنوبيّ، وإلى شيخي دولتيّ قطر والبحرين. في سنة 1980 أسسّ جمعيّة الدّراسات الدولية. وأدار مجلتها دراسات دولية. ويعتبر الرشيد إدريس هذه الجمعيّة وليدة التطور الذي عرفته البلاد. في سنة 1993 أسّس معهد العلاقات الدولية. في سنة 1991 عيّن رئيسا للهيئة العليا لحقوق الانسان والحريّات الأساسية.

الرشيد إدريس كاتبا

يؤكد أحد معارفه - وهو علي بوعزيز - أن الكتابة كانت بالنسبة إليه فعلا يوميا لم ينقطع عنه إلى قبيل وفاته. فالرجل أسهم في تحرير الكثير من الصحف مثل تونس الفتاة وإفريقيا الفتاة والشباب وجريدة الزهرة وعيّن كما أسلفنا القول على رأس جريدة العمل سنة 1955. ويعدّه الكثير من الباحثين من أوائل المناضلين التونسيين الذين كتبوا سيرهم السياسيّة.انعطف على حياته السياسية بالنظر والتّأمل في عدد من الكتب نذكر منها كتاب (من باب سويقة إلى منهاتن) و (من جاكرتا إلى قرطاج) و (ذكريات مكتب المغرب العربي في القاهرة). وينبغي الاشارة أيضا إلى أنه كتب عددا من الأعمال الابداعية. ففي مجال الرواية أصدر فانوس الفجر - وهذه الرواية كان قد كتبها في الأصل باللغة الفرنسية - وأرق على ورق وأيضا السالي هرب - وقد كتبهما باللغة العربيّة - وذكر الروائي الجامعي محمود طرشونة أن له روايتين أخريين مخطوطتين الأولى في مائة صفحة بعنوان تمساح باب سويقة والأخرى في مائة وثمانين صفحة بعنوان قتيل الحمامات، كما أنه كتب تمثيلية في أربعين صفحة بعنوان في عصر الأنترنات. تحدث محمود طرشونة عن بناء الروايتين أرق على ورق والسالي هرب. فقال إنه يقوم (أي بناء الروايتين) على المراوحة بين الحلم والواقع.فبالحلم تستهّل كلّ منهما وبه تختمان. وبذلك يمثّل الحلم وفحواه قصّة خيالية تؤطر قصّة واقعية بمقتضى التضمين المعروف فيألفليلة