الرائد التونسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[من 1860 إلى 1882م]

العدد الأول للرائد التونسي الصادر في 22جويلية 1860

اقترن صدور صحيفة "الرائد التونسي" بسياسة الاصلاحات التحديثية التي انتهجتها نخبة مستنيرة زمن محمد الصادق باي الذي تولى من سنة 1859 إلى سنة 1882م. وتحدّدت هذه الاصلاحات في المجال التعليمي وذلك بمحاولة تنظيم المناهج الدراسيّة بجامع الزّيتونة، ودعم رصيد مكتبته، وتوسيع العمل بدار الطباعة التي يعود تأسيس أوّل مطبعة حجريّة بها إلى سنة 1857، وصولا إلى إنشاء المدرسة الصّادقية سنة 1875 التي تعتبر أبرز الاصلاحات في المجال التعليمي، فيما كان الاعلان عن دستور سنة 1861 الذي نشر تباعا في صحيفة "الرائد التونسي"، أبرز الاصلاحات في المجال السياسي.

صدر العدد الأول من صحيفة "الرائد التونسي" يوم 4 محرّم 1277 الموافق ل 22 جويلية 1860، فكانت بذلك أوّل جريدة عربية رسمية تصدر أسبوعيّا بالبلاد التونسية، وتختصّ بنشر القوانين (الأوامر العليّة) والمرسومات الحكوميّة، إضافة إلى قسم غير رسمي بها يهتمّ بالمسائل الأدبية والسياسية والاخبارية والاشهارية. تضمّن العدد الأول من "الرائد التونسي" بيانات تفيد أنّ الجنرال حسين باعتباره رئيس المجلس البلدي هو صاحب الصحيفة، وتولّى ريشار هولط إدارتها، ومنصور كارلتي رئاسة تحريرها، ولعلّ إسناد "الادارة" و"رئاسة التحرير" إلى هولط وكارلتي راجع إلى خبرتهما الصحفيّة من ناحية وإلى اتّصالهما بدار الطباعة من ناحية أخرى، وهذان المجالان مستحدثان بالبلاد التونسية في ذلك الوقت. انتخب للتحرير ب"الرائد التونسي" لفيف من أبرز شيوخ جامع الزيتونة الموالين للاصلاح وللوزير خير الدين التونسي (محمود قابادو/أحمد الورتتاني/سالم بوحاجب/محمد بيرم الخامس/محمد السنوسي) ، وتولّى الأخيران رئاسة تحريرها فيما بين سنتي 1875. و1882 وتشير بعض المصادر إلى أنّ الشيخ محمد السنوسي قد جمع افتتاحياته ومقالاته ب "الرائد التونسي" في كتاب وسمه ب"غرر الفرائد بمحاسن الرائد"، غير أنّ هذا الكتاب لم يطبع، ولعلّه مازال مخطوطا أو ضاع فيما ضاع من آثار محمد السنوسي.

وبطلب من محمد بيرم الخامس دُعيَ الشيخ حمزة فتح الله من مصر بالنظر إلى منزعه الاصلاحي وخبرته بالعمل الصحفي كي يضفي على المقالات الصادرة ب "الرائد التونسي" طابعا مناسبا للكتابة الصحفية من جهة، ولخصوصية الصحيفة باعتبارها "رسمية" من جهة أخرى. تواصل صدور صحيفة "الرائد التونسي" طيلة الفترة الممتدّة من سنة 1860 إلى سنة 1882 كانت خلالها لسان الاتّجاه الاصلاحي التّحديثي الذي يتزعّمه الوزير خير الدين والفريق المعاضد له، وتوقّفت عن الصدور بداية من جانفي 1868 لتعود إلى الظهور من جديد في نوفمبر من السّنة ذاتها.عرفت "الرائد التونسي" باعتبارها المساند للاتجاه الاصلاحي التّحديثي بفترة ركود وتراجع بسبب إيقاف العمل بالدستور وإلغاء المجالس عقب انتفاضة سنة 1864، فتردّت أوضاعها المادية لضعف إقبال القرّاء عليها، بسبب انهيار البرنامج الاصلاحي على أرض الواقع.

ويمكن القول في ضوء ما تقدّم إنّ "الرائد التونسي" كانت في فترة صدورها الأولى حتى سنة 1882 صحيفة رسمية وأداة بيد السلطة السياسية تنشر مرسوماتها والقوانين الصّادرة عنها وتعطي التبرير لاجراءاتها وتسبغ الشرعية على إصلاحاتها، إلاّ أنها من جانب آخر عكست المنعطفات الأساسية التي مرّت بها الدولة التونسية خاصّة في عهد الباي محمد الصادق وما تخلّله من إصلاحات سياسية وتعليمية، وصولا إلى تمركز "الحماية الفرنسية" سنة 1881 فوفاة محمد الصادق باي سنة 1882 لتتحول بداية من 1883 إلى نشريّة رسمية قانونية بحت وينتهي بذلك دورها السّياسي والثقافي، علما أنّها أصبحت تسمّى خلال الفترة الاستعمارية "Journal officiel tunisien" في طبعتها الفرنسية و"الرائد الرسمي التونسي" في طبعتها العربية، وبعد الاستقلال وإعلان الجمهورية سنة 1957 تغيّرت تسميتها لتصبح "الرائد الرسمي للجمهورية التونسية" وهي تصدر إلى اليوم بهذا العنوان.