الحمامات

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الحمامات

تقع مدينة الحمامات على الخليج المعروف باسمها على الساحل الشرقي للبلاد، بين نابل وسوسة. وقد كانت تسمّى قديما بوبوت (Pupput)، وقد كانت مدينة مزدهرة في العهد الروماني بفضل فلاحتها ونشاطها التجاري البحري حتى ارتقت إلى مصافّ البلديّات حوالي سنة 176 للميلاد. وتشهد على انتشار عمرانها في عهدها القديم الآثار والنقائش المكتشفة في المنطقة السياحية وفي قصر الزيت والسوق الأبيض قرب المدينة الحالية، وقد أشار إلى بعضها الرحّالون الغربيون. أمّا المؤرّخون التونسيون، فقد ذكرها منهم الباجي المسعودي في الخلاصة النقية مشيرا إلى بناء رباط أغلبي على ساحلها ضمن سلسلة من الرباطات الدفاعية. وذكرت في العهد الصنهاجي باسم قصر الحمّامات. وقد عرفت في العهد الحفصي لدى الرّحالة بلونها الأبيض. فقد لاحظ الحسن الوزّان المعروف باسم ليون الافريقي في بداية القرن 16 تقهقر الحمامات وفقر أهلها، وهكذا يبدو انبعاثها لم يتحقّق إلا في نهاية ق17م على حدّ ما أورده الحكيم لويس فرانك الذي كتب عن تاريخ تونس وذكر الحمّامات في كتابه المطبوع بباريس سنة 1806م معبّرا عن إعجابه بموقعها على الخليج. وفيه يقول إنّه ينبغي تصديق الأهالي في تفسيرهم لأصل تسميتها بكثرة طيور الحمام التي اتخذت أوكارها في الكهوف المجاورة، وتُلاحظ أسرابُها على المآذن والمباني المرتفعة. وقد أكّد لويس بوانصو أنّ جزءا من جامع الحمّامات يعود إلى ق 12م. وفي ذلك التاريخ وبالتحديد سنة 1148م دخل روجار الثاني ملك صقلية مدينة الحمّامات واحتل البرج لأغراض عسكرية، وفي السنة نفسها حلّت بالبلاد مجاعة كبيرة أثّرت بلا شكّ في الأهالي وحالت دون مقاومتهم للغزاة. لهذا كان لا بدّ من انتظار ظروف جديدة في العهد الحفصي عندما أمر السلطان أبو زكرياء سنة 1236م بإتمام بناء الجامع الكبير والأسوار.

ومع ذلك فلم يكن البرج ذا شأن كبير باستثناء بعض الحالات المؤقّتة التي تستدعي إحلال بعض الجُند به مثلما فعل ابن اللحياني سنة 1217م تحسّبا لمناوشة أجنبيّة. وكانت الحمّامات مركزا لقاضي جهة الوطن القبلي. وبأمر السلطان أبي عمرو عثمان جُدّدت قصبة الحمامات وأسوارها من سنة 868هـ/1463 - 1464م إلى سنة 880هـ/1475م وأُضيفت الصومعة إلى جامعها. وفي سنة 1560م حلّ الأتراك بالحمامات بقيادة درغوث باشا، ومنذ ذلك التاريخ دخلت البلاد في الصراع بين الأتراك والاسبان حتى أُرسل فيليب الثاني ملكُ إسبانيا لاحتلالها سنة 1571م، ولكن الأتراك تمكّنوا من استرجاع الحمامات وتنصيب قايد عليها. وفي سنة 1602م تمكّن فرسان مالطة من احتلالها وأسر عدد (396) من أهلها. وتكررت العملية سنة 1606م وهو ما فرض تركيز حامية من الجند الأتراك والمدفعية بقلعة الحمامات.

والملاحظ أنه من ق 16م/إلى ق 19م، حافظت الحمّامات على مظهرها كما وصفه زوّارها مركّزين اهتمامهم على القلعة والأسوار ومعجبين ببحرها ونظافة أزقّتها ووفرة مغروساتها ومنتوجاتها الفلاحية في البساتين المروية بالنّواعير. ولا شكّ في أنّها أفادت من التأثير الحضاري الأندلسي منذ بداية ق 17م. وفي رواية "أدريان" لبول دوما (Paul Dumas) صورة معبّرة عن ذلك. وكانت آنذاك تعدّ 2500 نسمة. وتقابل هذه الصورة الظروف التي كان يفرضها عليها موقعها الساحلي. فمثلما عانت الاحتلال الاسباني سقطت مرة أخرى في أيدي القراصنة لمدّة قصيرة. وفي سنة 1673م ثار بالحمّامات الداي الحاج علي اللاّز على مراد باي الأوّل، ولكنّه فشل وقتل أمام الناس في الحمامات، ودُفن بقصبتها. ومثل ذلك وقع سنة 1703م عندما ثار أحمد بن رجب بن سليمان باي على إبراهيم الشريف وطلب الضريبة باسم الزكاة من أهالي الحمامات ولكنهم رفضوا. ولهذا السبب أمر إبراهيم الشريف بترميم الحصن ووضع المدافع على مشارفه. وفي سنة 1727م زار الحمامات حسين بن علي باي فشملت عنايته المدينة بترميم القلعة والأسوار والجامع الكبير وبناء جامع جديد وزوايا لأوليائها الصالحين وجهر بئر بويتة المزوّدة للسكان بماء الشراب. وفي سنة 1796م بنى الأهالي زاوية سيدي عبد القادر الجيلاني لاحتضان الطريقة القادرية التي أصبح يتبعها أغلبهم، وهذا ما جعل حسين بن علي وأمثاله من البايات يعتنون بأضرحة الأولياء استجلابا لقلوب الرعايا.

ومن الأحداث التي سجّلتها الصحافة التونسية حادثة الاعتداء المسلح على باخرة مالطية راسية بميناء الحمامات ليلة 28 أفريل 1861م حسب "الرائد التونسي"، وكأنّ الأهالي كانوا مُعادين لكل أجنبي. وقد سبق لهم من قبل أن وقعوا ضحية اعتداء مفاجئ من قبل فرسان مالطا، كما أشرنا آنفا. ولهذا لم تتمكّن الجيوش الفرنسية من احتلال الحمامات إلاّ بعد معارك ضارية أبلى فيها مناضلو المدينة البلاء الحسن، ناهيك أنّهم أجْلوا عنها طلائع المستعمر في معركة دامت أربعة أيام، من 26 إلى 29 أوت 1881م، وهذا ما نوّه به محمد المرزوقي في كتابه صراع مع الحماية. وفي عدد غرّة مارس 1922م من جريدة "تونس المصوّرة" استرجع مارسال قندولف أحداث المعركة بمناسبة وفاة واحد من قادة الفصيلة العسكرية الفرنسية الموجهة إلى الحمامات وهو الطاغية بورديي (Bordier) بإشراف العقيد كوريار (Coréard) الذي اضطرّ إلى التراجع عن الحمامات والعودة إلى بئر الباي من ضواحي حمام الأنف بعد الخسائر التي مُنيت بها صفوفُه.

وابتداء من يوم 25 نوفمبر 1881م أصبحت الحمامات تحت إمرة النقيب بورديي، الذي ذكرناه، وهو الذي فرض على خليفة الحمامات وأهاليها بناء النصب التذكاري وترميم أضرحة القادة والجنود الفرنسيين الذين سقطوا في أول صدام بين الجيوش الفرنسية والسكان في المقبرة الخاصة بهم بعد أن أفسدها الأهالي انتقاما من المحتلين. وفي الحمامات بقي بورديي آمرا عسكريا ومراقبا مدنيا حتى سن تقاعده سنة 1897م. ومما علق به من مظالم الاستعمار ما يعرف بقضية ولد حيزيّة أو ابن حيزية وهو شخص أعدمته السلطة الاستعمارية ظلما عندما لم تعثر على المسؤول الحقيقي الذي أطلق عيارا ناريا من بندقية صيد في ضواحي المدينة. كان ذلك يوم 17 ديسمبر 1881م. وقد أنكر الأهالي هذه المظلمة وحاولوا التظاهر، لكن يد القهر تصدّت لهم.

واليوم أصبحت مدينة الحمامات قطبا سياحيا عالميّا للسياح الأجانب والتونسيين تجلبهم شواطئها الجميلة بزرقتها اللامعة وأمواجها الهادئة. وللزّائر أن يتجول عبر أنهج المدينة العتيقة المحاطة بالأسوار ويقتني ما شاء من معروضات الصناعات التقليدية من أسواقها. ومن أعلى القلعة يلوح له الخليج اللازوردي وقد تتابعت على شطآنه النزل الفخمة، وتبدو له مدينة الحمامات جوهرة بيضاء وسط الأجنة الخضراء، تحيط بها الرّوابي وقد فاحت منها روائح أزهار القوارص وخاصة منها البرتقال، وتغطّت تربتها بالكروم والأزهار.