الحركة الكشفية التونسية

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:59، 21 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

ظهرت الحركة الكشفية لأول مرة قبل الحرب العالمية الأولى في مجتمع صناعي (بريطانيا) ثم تطورت بسرعة في البلدان الغربية الأخرى. وقد كانت عبارة عن رد فعل إزاء التطور الحضري السريع ودعوة إلى العودة إلى حياة الطبيعة والهواء الطلق. غير أن ظروف ظهورها وتطورها في تونس كانت مختلفة إلى حدّ ما، إذ انبعثت في فترة ما بين الحربين، في مجتمع نخرت الأزمة هياكله القديمة وتزامن ذلك مع دعوات التجديد الاجتماعي والسياسي وحتى الأدبي. وفي هذا الاطار ظهرت عدّة حركات شبابية ومنها الحركة الكشفية التي لم تتجذّر بالفعل في المجتمع التونسي إلا بعد الحرب العالمية الثانية. نشط الكشافون الأوائل من التونسيين ضمن الجمعيات الكشفية الفرنسية. ويبدو أن أوّل محاولة لتأسيس جمعية كشفية تونسية تعود إلى سنة 1916، وتكررت هذه المحاولة بعد الحرب العالمية الأولى إلى أن ظهرت سنة 1933 جمعية الكشّاف المسلم التونسي متزامنة مع جمعيات شبابية أخرى كالشبيبة المدرسية والشبان المسلمين والمصائف الإسلاميّة. غير أن الحركة الكشفية اعترضتها آنذاك عدة صعوبات شتّى أهمّها معارضة الأهالي لها لجذورها المسيحية وارتياب السلط من أن تتحوّل إلى إحدى القواعد الخلفية للحركة الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك كانت جهود الكشافين التونسيين عهدئذ مشتّتة.

ولقد ظهرت فيما بين سنتي 1936 و1938 عدّة جمعيات كشفيّة تونسية منها النجم الكشفي والهلال الكشفي وكشاف تونس وكشافة الخضراء... ولم تقتصر الحركة الكشفية على مدينة تونس بل انتشرت داخل البلاد وخاصة منها المدن الساحلية الكبرى، وهو ما يؤكد أنها ظاهرة حضرية أساسا. ولم تكن تضم آنذاك غير بضع مئات من الشبّان، وقد استمرّ نشاط هذه الجمعيات إلى أن حلّت إثر حوادث أفريل 1938 وأجبر الكشافون التونسيون على الانضمام إلى الجمعيات الفرنسية وأساسا الكشافة اللائكية الفرنسية. استأنفت الحركة الكشفية التونسية نشاطها المستقلّ قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، فظهرت جمعية الكشاف المسلم التونسي سنة 1943، ثم ظهرت في السنوات الموالية جمعيات أخرى أهمها كشاف تونس سنة 1944، ثم الاتحاد الكشافي الاسلامي فكشاف الرجاء والفرع الكشفي للشبّان المسلمين سنة 1947، إلا أن جمعية الكشاف المسلم التونسي بقيت أهمّها من حيث الانتشار، إذ بلغ عدد منخرطيها سنة 1947 أكثر من ألفي كشاف. وكان المشرفون على جمعية كشاف تونس ينتمون خاصّة إلى سلك رجال التعليم ومن صلبها انبعثت منظمة المصائف الاسلامية التونسية.

لقد سعت المنظمات الكشفية التونسية إلى الحصول على اعتراف المكتب الدولي للكشافة بها، غير أن تعدد جمعياتها ومعارضة السلط الاستعمارية حالا دون ذلك الاعتراف. وفي المقابل سعى المنجي بالي القائد العامّ لجمعية الكشاف المسلم التونسي إلى توحيد تلك الجمعيات، غير أن أقصى ما تحقّق في هذا الاطار هو اتّحاد جمعية الكشاف المسلم التونسي مع كشّاف تونس سنة 1947 فظهرت بهما مَعًا الكشافة الاسلامية التونسية، وقد شاركت تلك الصائفة في (المخيم الكشفي العالمي) الرابع.

تركّزت التربية الكشفية على النشاط في الهواء الطلق حيث ينظّم الكشافون مخيّمات شبيهة بالمخيمات العسكرية يتدرّبون فيها على حياة الخشونة ويكتسبون في أثنائها صفات الانضباط والطاعة والنظام. ولا شك في أن ذلك كان مثار قلق السلط الاستعمارية خاصة أن الكشافين التونسيين كانوا يشاركون في حفظ النظام عند انتظام المظاهرات والاجتماعات الوطنية، كما كانت العناصر الكشفية تسهم في تغذية المشاعر الوطنية بالأناشيد الحماسية والتمثيليات. وكانت تحافظ على رموز الوطن وخاصة منها العلم التونسي الذي كان يحلي الزي الكشفي. وفي صلب الحركة الكشفية نما الشعور الوطني لعدد مهمّ من الشبان التونسيين حتى إنّ بعضهم لجأ إلى تبني النّضال لمقاومة نظام الحماية. كل ذلك جعل السلطات الاستعمارية تلجأ إلى عرقلة الحركة الكشفية التونسية بل حلّت جمعياتها مرة أولى قبيل الحرب العالمية الثانية ثم في سنة 1952. استمرت التعددية الكشفية إلى أن حصلت البلاد على استقلالها. وفي صائفة 1956 انعقد مؤتمر ضمّ ممثلي أربع جمعيات هي الكشافة الاسلامية التونسية وكشاف تونس والاتحاد الكشافي الاسلامي وكشاف الرجاء، وقرّر المؤتمرون توحيد جهودهم في صلب جمعية واحدة سُمّيت الكشافة التونسية. تشرف على هذه الجمعية هيئة تسمى القيادة العامة ومجلس وطني ينتخبه المؤتمر الوطني الذي ينعقد دوريا كل أربع سنوات، كما أن لها هياكل جهوية ومحلية شبيهة بالتقسيم الاداري للبلاد، وتعتبر الوحدة النواة الأساسية التي ينشط ضمنها الكشّافون.

أسهمت هذه الهيكلة في انتشار الحركة الكشفية بعد الاستقلال في جميع مناطق البلاد.وبعد أن كادت في الستينات تفقد طابعها المميز أصبحت منذ بداية السبعينات تحقّق انتشارا واسعا حتى تجاوز عدد منخرطيها في منتصف الثمانينات العشرين ألفا. وقد أدى نمو الظاهرة الحضرية في البلاد وما يرتبط بها من تصنيع وتلوّث إلى تزايد الحاجة إلى العودة إلى الطبيعة. وفي هذا الاطار بدت الحركة الكشفية أول من رمى بذرة الوعي البيئي الذي تنامى فيما بعد. والملاحظ أن هذه الحركة التي جاءت لتربّي أفرادها على الخشونة ضمّت إلى صفوفها في العشريّة الأخيرة من القرن العشرين أعدادا متزايدة من الفتيات.