الحبيب شبيل

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1936 - 2004م]

الحبيب شبيل فنان تشكيلي تونسي ورجل مسرح. درس بمدرسة الفنون الجميلة بمدينة نيس الفرنسيّة. وفي الأثناء كانت له زيارات لمرسم الفنّان الفرنسي هنري ماتيس، أحد رموز الحداثة التشكيلية في القرن العشرين ومن روّاد المدرسة التوحّشيّة التي تتميّز بحركيّة اللمسات وتقابل الألوان في شكلها الخام، كما درس الحبيب شبيل بمدرسة الفنون الجميلة بتونس التي أنهى دراسته فيها سنة 1964، قبل أن يشغل فيها خطّة أستاذ في الرّسم ونظريّة الألوان لمدّة تفوق الثلاثين سنة.

وقد شارك الفنّان في عدّة معارض جماعيّة بتونس وفي الخارج منذ الستينات مثل الصالون التونسي ومعارض مجموعة ارتسام واتحاد الفنانين التشكيليّين التونسيين وغيرها. أما معارضه الفرديّة فقد انطلقت سنة 1975 وانتظمت بتونس والاسكندرية والقاهرة والجزائر، كما أقام سنة 1973 بالحيّ الدّولي للفنون بباريس وحصل على الجائزة الأولى لفنّ الرسم في مهرجان الفرنكوفونيّة في الكبَاك بكندا، سنة 1994 وجائزة بلدية تونس سنة 1992.

لم يقتصر الفعل التشكيلي لدى الحبيب شبيل على اللوحة الفنية. بل اقتحم مجال السينوغرافيا أو التشكيل الركحي والمشهدي. ويتجلّى ذلك في تصميمه للديكور المسرحي والتلفزي في الكثير من الأعمال المسرحيّة والبرامج التلفزيونيّة التونسية. لكنّ علاقة الحبيب شبيل بالفنون الدرامية والركحية لم تقتصر على السينوغرافيا. بل اتّسعت إلى مجال التأليف والاخراج. فالرّجل يعتبر مرجعيّة لامعة في الفنّ المسرحي المعاصر بتونس. وقد أخرج عدّة مسرحيّات مثل موّال وكرنفال وسنفونية. وكرّم في إطار أيّام قرطاج المسرحيّة سنة 2003. ويُعدّ هذا الفنّان من أصحاب المواقف الجمالية والتحديثيّة التي أغنت الساحة الثقافية بتونس بما أثاره من جدل فكريّ حول ماهية الفنّ في التشكيل أو في المسرح، وحول مقتضيات المرحلة وما تتطلّبه من مفاهيم جديدة تخصّ طبيعة الابداع الفنّي، منذ بداية سنوات الستينات من القرن العشرين. فقد كان الحبيب شبيل مناهضا للتيّارات التزويقية والفلكلوريّة في الممارسة الفنيّة بقدر مناهضته للنّزعات الذهنيّة المستوردة والمغرقة في التجريد المفاهيمي.

فقد أكّد الحبيب شبيل ضرورة الفصل بين مجال التعبير الفني ومجال الفنون الحرفيّة والتطبيقيّة، على اعتبار أنّ مصدر الفعل الفنّي هو ذلك الانفعال الخالص والاحساس الصادق الذي يتعيّن على الفكر أن يرعاه ويستثمره ثقافيّا دون غايات نفعيّة أو إشهاريّة. ومثل هذه المواقف يمكن أن نجدها في تصريحاته الموثّقة وتقديم مشاركاته ومعارضه مثل النصّ الذي قدّم به مشاركته في معرض (رؤية... آفاق) سنة 1999.

لوحة لحبيب شبيل

أمّا أعماله الفنيّة بالرسم الزّيتي فإنّها تكشف عن تَوْق متوثّب إلى تحرّر الفعل التشكيلي من أقانينه الجاهزة المُتوارثة ومن تطبيقاته المُتداولة. فالشخوص التي يعتمدها في لوحاته هي عبارة عن أقنعة أو أطياف. وهي على نحو متعادل، بمنزلة حجّة تشكيليّة لممارسة الفعل الفنّي على اللوحة، حيث تلتحم طراوة الجسد المرسوم وانحناءاته بطراوة العجينة اللونيّة وحركيّة اللمسات في تردّدها ما بين الأحمر والأزرق والبنّي، كما لا يترك الفنّان ملامح الشخوص واضحة حتى لا تطغى على المحتوى التعبيري للوحة. ومن جهة أخرى يعتمد جماليّة الغموض إلى حدّ أن يصهر بنية الشخصيّة المرسومة مع بنية اللمسات والأرضيّة الخلفيّة للفضاء التشكيلي ويساعد التنويع اللوني المحبوك على تفعيل الفنّان لشخوصه تفعيلا جماليّا يقوم على طبائع العلاقات التشكيليّة التي تجمع اللمسات والخطوط والألوان في سياق فنيّ منفتح على إمكانات عدّة في التعامل مع الفضاء.

لكن لوحة الحبيب شبيل قد عُرفت بهندسته البنائيّة العاقلة والخطيّة الرّصينة التي تُوجّه حركة الفرشاة باتّجاه الشّكل. وهو ما يتجلّى في بعض أعماله التي يستفيد فيها من مكتسبات الفنّ الحديث ويُعيد بناء تراكماتها داخل تجربة شخصيّة لها مرجعيّاتها التاريخيّة والثقافية والنفسانيّة. ويبدو ذلك من معاملته للارث الانطباعي الذي يتميّز بحركيّة اللمسات الفنية وتسريع نسق الأداء ليحيل الشكل التشخيصي إلى آفاق تجريديّة محتملة. أو مثل الارث التكعيبي الذي يتميّز بتحليل الفضاء إلى مكوّنات هندسيّة متجانسة ومتراكبة فوق بعضها على سبيل المثال.

وتتميّز فرشاة الحبيب شبيل بالخبرة والسرعة في الأداء والاختزال، إذ كثيرا ما تتجاوز صلابة التكوين والخطوط باتجاه طراوة اللحظة الحركيّة وليونة التشكيل وحرية اللمسات في تفاعلها مع الافاق اللامتوقّعة التي تطالعنا بها الألوان. ومثل هذا الهاجس قد فجّر بنية اللوحة وفتح آفاقها على جمالية البُقع المتناثرة والكُتل المتلاشية في الفضاء والشخوص اللاّمتماسكة تارة والمتماسكة تارة أخرى. وقد دعم الحبيب شبيل مثل هذا التوجّه الحركي ورغبة التماهي مع سعة الفضاء في باكورة أعماله التي أنجزها في النصف الأوّل من سنة 1998. فكانت اللمسات تُقاوم ثخونة المادة وخشونتها. ومثل هذا المراس قد ظلّ يسم مسيرة الفنّان حتّى آخر حياته.

فلم يعد الأمر مشدودا إلى نظام الرسم. بل وردت اللمسات حرّة تسبح في فضاء اللوحة، لا تخضع للخطوط البنائيّة للمشهد، بل تؤكّد ذلك العناق الحارّ ما بين الفنّان واللون. ومن ثَمّ فقد انتصر الفنّان في هذه المرحلة لصالح حركيّة اللمسات على حساب هندسة الخطوط (تلك التي كانت تحتكم إليها أعماله في سنوات الستينات والسبعينات) . فلم يعد اللون محتاجا إلى بنية الرّسم حتّى تتجلّى تفاصيله الضوئيّة وحركيّته الخام، على عكس ما هو الأمر في المراحل السابقة.