الحاضرة - أول جريدة وطنية تونسية

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:00، 6 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1888 - 1911م]

عدد من جريدة الحاضرة

صدرت جريدة "الحاضرة" بعد سبع سنوات من تمركز "الحماية الفرنسيّة" من قبل جماعة من الوطنيين المتخرّجين في المدرسة الصادقية بمباركة شيوخ الزيتونة المتنوّرين من أمثال سالم بوحاجب (ت 1924) وبتشجيع من محمّد السنوسي (ت 1900) الذي كانت له خبرة في مجال الصحافة من أيّام إدارته للرائد التونسي قبل تمركز "الحماية". اجتمع هؤلاء الوطنيون للنظر فيما يفيد البلاد في عهدها الجديد، ففكّروا في بعث صحيفة وطنيّة على أن يشارك كل فرد بمبلغ من المال، وتوزع الأرباح فيما بعد على المسهمين، وهم قرابة العشرين شخصا منهم علي بوشوشة والبشير صفر ومحمد بن الخوجة وسالم بوحاجب ورشيد بو عمّود وحسن بلوحشيّة وغيرهم. وعيّنوا علي بوشوشة مديرًا لجريدتهم بعد أن استقال من وظيفته، إذ لا يسمح قانون الصّحافة للمتوظّفين بإصدار الجرائد. ثم وضع الجماعة القانون الأساسي الذي تكوّن من اثني عشر فصلا "تتعلّق ببيان دور المؤسّسين وتمويلهم للصحيفة ومراقبة حساباتها المالية وتوزيع الأرباح". وبعد ثلاثة أشهر من تقديم الملفّ إلى الكاتب العام للحكومة ظهرت جريدة "الحاضرة" يوم الخميس 24 ذي القعدة 1305 / 2 أوت 1888، وتواصل صدورها كلّ يوم خميس لمدة شهرين، ثم اتّخذت يوم الثلاثاء موعدا للصّدور إلى أن اختفت، وظلّت تبرز في غير هذا اليوم لأسباب طارئة.

وكانت "الحاضرة" تحتوي على أربع صفحات كبيرة الحجم (قياس 39,5 × 55صم) وذات أبواب واضحة. فالصّفحة الأولى للافتتاحية، كان يحرّرها عادة علي بوشوشة، ويساعده من حين إلى آخر البشير صفر ومحمد بن الخوجة. وفي بداية انطلاقة "الحاضرة" تكفّل محمد السنوسي بالتحرير في الجريد فكتب مجموعة من الافتتاحيات، نشرها فيما بعد في كتاب سمّاه "الرياض النّاضرة بمقالات الحاضرة". وكانت الجريدة تنشر في ركن الحوادث الخارجية أخبار الدولة العثمانيّة، وقد بقي هذا الركن الذي هو من تحرير علي بوشوشة، منذ صدور الجريدة حتى اختفائها، نافذة يطلّ منها القارئ على أخبار الدولة العثمانية كلّ أسبوع. وخصّصت الرّكن الثالث للأخبار المحلّية، وهو ركن يهتمّ بأحداث الأسبوع بالمملكة التّونسية في المجال السّياسي والاجتماعي والثقافي، ويتعلّق عامّة بنشاط المقيم العام والباي والوزراء والعمّال، ويحرّره عادة محمد ابن الخوجة، وأخيرا الإعلانات أو كما يسّميها علي بوشوشة الاشهار، وهي تهمّ مصنوعات تتعلّق بالفلاحة والصحّة والفنون والثّقافة كالآلات الفلاحيّة والأدوية والإسطوانات والكتب والصحف الشرقيّة خاصّة. وكانت للإعلانات عائدات مالية تساعد الجريدة على توفير نفقات الطبع.

ومعلوم أنّ الجرائد التونسية كانت تعتمد عندئذ في ترويجها على الاشتراكات. ولا تباع منها مباشرة إلاّ أعداد قليلة. وكان المشتركون يتلدّدون في دفع ما بذمّتهم فتلجأ الجريدة إلى إسقاط أسمائهم، فإذا انقطع عنهم الاشتراك ربّما اضطرّوا إلى اشتراء الجريدة أسبوعيّا. وقد ذكر في التقرير الخاصّ بتجديد الحاضرة (سنة 1900) "أنّ غالب المشتركين لا يوازي إقبالهم على مطالعة الجريدة إلاّ تقاعسهم عن دفع قيمتها الزّهيدة". وقد تذمّر بوشوشة من هؤلاء النّاس الذين يريدون أن تصل إليهم الجريدة لقراءتها مجّانا. وُطبعت "الحاضرة" في أربع مطابع، وهي: المطبعة العالميّة (الأعداد الثّمانية الأولى) والمطبعة الرّسميّة (913 عددا) ومطبعة بيكار (10 أعداد) والمطبعة العربيّة التونسيّة (180 عددا). فيكون مجموع ما صدر منها من أعداد (1111). وكان آخر عدد لها صدر يوم الثلاثاء 7 نوفمبر 1911. لقد كان في الحسبان أن توفّر الشّركة التي تصدر "الحاضرة" أرباحا للمسهمين فيها إلا أنه تبيّن بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ظهورها (1900) أن النفقات تجاوزت المداخيل فحزمت أسرة الحاضرة أمرها وشرعت في تجديد الجريدة وإدخال إصلاحات ضرورية عليها حتّى يستقيم أمرها ماديّا. ولكنّ البشير صفر رأى أنّ مداخيل الصّحيفة لا تكفي لدفع جراية المدير ومحتسب الحاضرة، وإزاء ذلك اقترح على الحكومة أن تأذن لإدارة الأوقاف بتسديد نصف المبلغ الذي تدفعه هذه الإدارة للرائد التونسي شهريّا. واتفق الجماعة على إسناد مرتّب إلى علي بوشوشة (مائة فرنك في الشهر) "إذ لا يمكنه ترك أشغاله المعاشيّة الفلاحيّة، والانقطاع إلى خدمة الجريدة الا بمرتب مناسب". كما رأوا "ضرورة تعيين مستخدم خصوصي يقوم بمسك دفاتر الجريدة وضبط حساباتها يومًا فيومًا". ويبدو أنّ الجريدة قد استقام أمرها بعض الشيء، لكن لم يدم ذلك طويلا، إذ أخذت في التعثّر، وعدم انتظام الصدور، فأصبحت في سنواتها الأخيرة تختفي في الصّيف لاشتغال علي بوشوشة بفلاحته في جهة الفحص وهو ما يدلّ على أنّه أصبح يحرّرها بمفرده.

أما علاقتها بإدارة الحماية فقد مرّت بمرحلتين: تمتدّ الأولى من أواخر سبتمبر 1888 حتى أواخر ديسمير 1906، وفي هذه المرحلة كانت "الحاضرة" تطبع بالمطبعة الرّسميّة، وتتلقّى إعانة من الدّولة بالاضافة إلى مائة اشتراك في الجريدة، وهذه الإعانة من حكومة الحماية أوقعت الجماعة في حرج وضيق شديدين. فقد كان الناس ينظرون إليها عهدئذ على أنّها جريدة تخدم مصالح الحماية. من ذلك أنّ محمّد فريد زعيم الحزب الوطني في مصر لمّا زار تونس سنة 1902 ذكر في رحلته "أن لا جرائد لأهل البلاد يمكنهم الدّفاع عن أنفسهم إذ "الحاضرة" لاتنشر إلاّ ما يرضي الفرنسيّين ويسمح قلم المراقب بنشره". وهذا الأمر يصحّ على الفترة الأولى المذكورة وهي مرحلة شقّت فيها "الحاضرة" طريقها بصعوبة، فكانت تنعت بأنّها جريدة شبه رسميّة تروّج لسياسة الحماية في تونس ولا يدري القارئ المتعجّل أنّها تخضع لرقابة صارمة من قبل برنار روا الكاتب العامّ للحكومة. وقد اهتدى محرّروها، وعلى رأسهم البشير صفر وعلي بوشوشة، إلى حلّ وسط إزاء هذه التبعيّة، فكانوا من جهة ينتقدون بشدّة سلوك المعمّرين خاصّة معاملتهم السيّئة للأهالي ونهبهم للأراضي التّونسيّة ومن جهة أخرى يثنون على سياسة الاقامة العامّة بوصفها تمثّل دولة الحرّية والعدالة والمساواة، كما امتلأت الحاضرة في هذه الفترة بالرّدود على الصّحف الفرنسيّة والايطاليّة والمالطيّة واليهوديّة التي تنقص من شأن الأهالي، وتنعتهم بأنهم شراذم لا حضارة لهم ولا ثقافة ولا تاريخ، وهذا ما توحي به لفظة الأهالي بالفرنسيّة (indigènes).

كان هذا دأب "الحاضرة" طيلة العهد الأول الذي عرفت فيه تضييق الخناق على قلم محرّريها. ومّما زاد في موالاتها لحكومة الحماية عجزها عن دفع الضّمان المالي على الصّحف وهو ما دفع بالمؤسّسين إلى اقتراض المبلغ من المطبعة الرّسميّة. وقد دفعه مديرها الحاج حسن لازغلي إلى قابض الماليّة على أن يسدّد المؤسّسون هذا المبلغ أقساطا طيلة ستّ سنوات حتى يكتمل المبلغ المطلوب دفعه، وهو ستّة آلاف فرنك. وكان في نيّة أسرة "الحاضرة" أنْ يسدّد هذا الدّيْن من اشتركات الدولة بحيث يكون الخلاص بعد ستّة أعوام، ويصير المبلغ المذكور مالا احتياطيّا. وقد شرع في ذلك فعلا سنة 1897 حين دفعت الادارة ألف فرنك من الستّة آلاف المشار إليها، لكن بقي منها خمسة آلاف بذمّة الجريدة لتعطيل تسديد الاشتراكات المذكورة. والحقّ أنّ ذلك المبلغ كان ضخما إذا قورن بعُملة العصر، فقد عجزت الصّحف الوطنيّة عن دفعه فتوقّفت عن الصّدور. ولما رفع الضّمان المالي سنة 1904 أخذ علي بوشوشة وصحبه يخطّطون لخروج الحاضرة من المطبعة الرّسميّة، حتى تتحرّر جريدته من المراقبة الشّديدة التي يسلّطها عليهم الكاتب العام للحكومة بنفسه. وكان بوشوشة يتذمّر من هذه المراقبة التي تلقاها جريدته دون سائر الجرائد الوطنيّة. وأدّى به الحال في آخر الأمر إلى توجيه رسالة إلى الكاتب العام للحكومة ينبّهه فيها إلى ما تتعرّض له جريدته من تضييق ومحاصرة، ويعلمه بأنّ الجريدة ستغيّر المطبعة ابتداءً من أوّل جانفي 1907.

وقد عبّر بوشوشة عن هذا الضيق والتضييق على جريدته عند بلوغ "الحاضرة" سنتها العشرين، فقال: " جعلت تحت المراقبة حيث كانت تطبع بالمطبعة الرّسميّة تربطها بالدّوائر الاداريّة هذه الرّابطة الخصوصيّة". وصرّح "بأنّ هذه العلاقة الإداريّة لا تسمح لها بإطلاق عنان البحث في سائر المواضيع السّياسيّة والمسائل العامّة بما ترتضيه لنفسها أو يتمنّاه الجمهور لها من التوسّع والتّصرّف في الحرّية، فرضخت لحكم القدر عالمة مقدار ما في هذا التقييد من التحرّز والضّرر. ولقد هانت وطأة هذه الحالة على النفس وإن عزّت عليها إذ كانت الجريدة بحاضرة تونس بل والمغرب الأقصى وطرابلس الغرب فريدة في بابها، رائجة عند طلاّبها، مقيّدة بسلاسل الضمان، وقد اقتحمت مشقته عدّة أعوام". وتسنّى لها ابتداءً من سنة 1907 أن تتحرّر من كابوس المطبعة الرسميّة ومن المراقبة التي كانت تخنق أنفاسها. وكان علي بوشوشة يتعذّب ويتحرّق شوقًا إلى يوم الخلاص من التبعيّة الإداريّة إذ لم يكن راضيا على وضع "الحاضرة" التي تبدو كأنها موالية لادارة الحماية، كما كان يتذمّر من الحال التي وصلت إليها بلاده، فكانت "الحاضرة" لديه منبرا يفرّج من خلاله عن كربته ومايعتلج في صدره من آلام وآمال. وتحوّل التذمّر إلى سخط وتنديد بالحماية التي كان يظنّ أنّها ظرفيّة، وإذا بها تتحوّل إلى احتلال عسكري واستعمار فلاحي دائميْن وتتحوّل افتتاحيّات "الحاضرة" كذلك إلى سياط تهوي بها على ظهور المستوطين الأجانب، ومن ورائهم الاقامة العامّة والاداريّين الذين كانوا يغضّون الطرف عن صنيع المعمّرين، ويصرّحون في الظاهر بأنّهم غير راضين على ممارسات المعمّرين تجاه الأهالي.

تفطّنت "الحاضرة" إلى أنّ الإقامة العامة تترفّق بالأهالي في الظّاهر ولكنّها في الواقع تساند المستوطين بسنّ القوانين المجحفة والجيش المدجّج بالسّلاح، فشرعت تنتقد سلوك الحماية إقامة عامة ومستوطنين وإداريّين، يظهر ذلك من استخدام عناوين افتتاحياتها بعد أن غادرت المطبعة الرّسميّة. وذهب الأمر "بالحاضرة" إلى دعوة التّونسيّين إلى النضال ورفض سياسة الحماية مادامت لم تُصغ إلى شكاويهم وعرائضهم، ونبّهت إلى أنّ الأهالي "كلّما تكبّدوا غبنا وإجحافا بتلك الحقوق، اقتصروا في رفع الظلامة على التأسّي والتأفّف أو رفعوا عرائض كثيرا ما تُودع في محافظ الأوراق دون أثر يظهر للعيان، ولذلك تجرأ بقية العناصر على الاسترسال في طريق الاستئثار بمنافع البلاد وابتزاز خيراتها، واستخراج كنوزها بقوة الجاه ومعول الجدّ، وما العيب إلاّ على الأمّة التي تستيئس وتسامح ولا تعارض أو تناطح، ولا تتحرّك لتوغل يد الاعتداء في أحشائها، ولا تطالب بحقوقها المشروعة" وكان مدير "الحاضرة" يلجأ عادة إلى صبّ جام غضبه على المأمورين أي الإداريّين الكبار من أمثال دلماس (Delmas) مدير المدرسة الصادقية الذي أطرد التّلامذة التونسيّين من دروس التّرجمة، فخرجوا من قاعة الدّرس وهم يبكون. والواقف، كما تقول "الحاضرة"، "على تصرّفات أولئك المأمورين يخيّل له أنّ كلّ مأمور أصبح سلطانا مهيمنا بل جبّارا متسيطرا في دائرته الاداريّة الفرعيّة لا تصدّه عن استبداده سلطة رئيس أو سطوة مدير، وقد يحمل المأمور المستبدّ خيلاؤه وغروره بسطوة المأموريّة واستوائه على عرشها وتربّعه في دستها، أنّه لا قوام لتلك المصلحة إلا بوجوده رئيسا أو مهيمنا عليها بما له من المعلومات المحدودة والمعارف المعدودة". ووجد جماعة الحاضرة في دعاة التحرّر والانصاف من الكُتّاب والسّاسة الفرنسيّين سندًا للمسألة التونسيّة. أما مدير "الحاضرة" فقد كان على يقين من أنّ الجور والاعتساف مآلهما الزّوال. وتاريخ الأمم التي حلّت بهذا القطر غازية وفاتحة دليل على ذلك، يقول بوشوشة: "إنّ الأقدار أحقّ بالانتصار، وسلطان الجور مخذول زائل، بل إلى التقهقر والاندثار آيل، يدلّ على ذلك تاريخ الأمم التي تتالت على هذه الديار وخلّفت فيها ما يقضي بالتبصّر والاعتبار".

وهكذا مرّت "الحاضرة" في علاقتها بنظام الحماية بمرحلتين واضحتين: مرحلة القبول بهذا النظام مسايرة وعوده في تمدين الأهالي ببناء المدارس ونشر التعليم. ولمّا تبيّن لها أنّ الإدارة الإستعماريّة لم تف بوعودها، وأنّها انتصبت بتونس للاستئثار "بمنافع البلاد وخيراتها واسترقاق التّونسي وحرمانه من نعمة العلم والمعرفة حتى ينقاد مذعورًا لمسترقّه لا يصاوله أو يطاوله ويزاحمه"، تحوّلت "الحاضرة" إلى التشهير والتّنديد بهذا "الضّيف الثّقيل" داعية إلى النّضال للفوز بمطالب الأهالي وهي التمتّع بخيرات بلادهم وإشراكهم في إدارة مصالحها. وهي الخطوة الأولى نحو استقلال البلاد واسترجاع سيادتها المفقودة.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • ابن قفصية عمر،أضواء على الصحافة التونسية،نشر بوسلامة، تونس،1972.
  • Canal Albert,la vie littéraire et la presse tunisienne de l’occupation à1900,Paris,s.d
  • Dabbab Mohamed, Index des revues et journaux tunisiens de langue française de 1907 à l’indépendance,Cérès,Tunis,1973
  • Rossignol Gilles,"Le statut de la presse et des journalistes en Tunisie de 1859 à 1969", Revue Servir,no6,M.T.E,Tunis,1970,pp38-49