الجامع الكبير بصفاقس

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:33، 9 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الجامع الكبير بصفاقس

يحتل الجامع الكبير بصفاقس قلب المدينة حيث تحاط به العديد من الأنهج في كل الاتجاهات. يقع في منخفض من الأرض حتّى اشتهر لدى القدامى من سكان مدينة صفاقس ب جامع الحُفرة. بل الطريف هو أنّ المعلم الديني العريق بصفاقس عُرف أيضا بتسميات أخرى تُؤرّخ لأحداث أو محطات من تاريخه ومنها:(جامع القُلّة) نسبة إلى رواية تذكر أنّ قلّة توضع فيها التبرعات لاصلاحه وترميمه، حيث كانت هذه الجرّة قد شُدّت على أحد الأعمدة ليرمي فيها المصلّون الأموال عند خروجهم من الصلاة وفي المساء يجمع وكيل حبس الجامع ما ب (القلّة) من أموال، حتّى إذا تجمّع نصيب منها بذل في إصلاحه. كما عُرف أيضا ب جامع الصَبَايا حيث يقال إنّ سبع فتيات أبكار أبين الزّواج واتّبعن حياة الزهد حتّى كبُرن فتصدّقن بأموالهن لاصلاح وترميم الجامع، ويقال إنّ بعد وفاتهن دُفنّ تحت ركن من أركانه.

وحسب أقدم نقيشة في الركن الجنوبي من الجامع كتبت بالخط الكوفي في ستة أسطر أفقية وسطرين عموديين - ورغم زوال العديد من أجزائها المكتوبة - نقرأ ما يفيد بأن أقدم تاريخ لبناء هذا الجامع المركزي بصفاقس هو سنة 370هـ الموافق لسنة 980م أي أواخر القرن الرابع الهجري/أواخر العاشر الميلادي. أمّا التأسيس الأصلي القديم فقد أشار إليه الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الرحمان اللّبيدي، الذي توفي في بداية القرن الخامس الهجري، في ذكر مناقب شيخه أبي إسحاق الجبنياني (ت235هـ/849م) أنّ جدّه علي بن سالم البكري قاضي صفاقس وسائر قرى السّاحل هو الذي بنى سور المدينة وجامعها باللّبن (طوب مخلوط بالقش) وذلك بين سنة 234هـ/848م وسنة 240هـ/854م، وقد أجمع جلّ المؤرّخين على أنّ التأسيس كان بالتحديد سنة 235هـ/849م.

أمّا الطور الثاني لبناء هذا المسجد الجامع هو ما أشارت إليه نقيشة من المرمر فوق العتبة العليا بالواجهة الشرقية من أنّ هذا المعلم تمّ تجديد بنائه بمواد حجرية وأكثر صلابة في عهد الأمير الصنهاجي أبي الفتح المنصور الذي تولّى حكم إفريقية من سنة 374 هـ إلى سنة 386هـ (984 - 996م) والتي كانت تابعة للخلافة الفاطمية المستقرّة بمصر. ويبدو أنّ البناء في هذه الفترة شمل تقريبا أكثر أجزاء الجامع ويتبيّن ذلك من خلال المظاهر العمرانية والزّخرفية خاصّة في الركن الجنوبي الشرقي من المعلم وقد شمل المصلّى إلى المكان الذي ارتفع في جدار الواجهة الشرقية عن بقيته شمالا.

أمّا الطّور الثالث فقد شهد خراب الجامع وتقلّص مساحته في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري بعدما أصابت المدينة الفتن والحروب. والطور الرابع والأخير هو الذي طبع الخصوصية المعمارية والزّخرفية للجامع الحالي وذلك في العهد العثماني فترة تولية الشيخ عبد العزيز الفراتي الأكبر إمامة الجامع سنة 1114هـ الموافق لسنة 1702م أي أوّل القرن الثامن عشر الميلادي، بأمر من الأمير التركي إبراهيم الشريف، فأمر بإصلاحه وتجديده وزخرفته، وهو ما أعطاه شخصيته العمرانية والزخرفية الحالية.

فهذا المعلم مستطيل الشكل، يمتد من الشمال إلى الجنوب، وهو فسيح الأرجاء عالي البنيان، له ثمانية أبواب تنتهي إلى بيت الصّلاة والصّحن، وبابان يؤدّيان إلى الطاق الخشبي ثم بابان يؤديان إلى مقصورة الامام.ولاشكّ في أنّ العناصر المعماريّة في هذا الجامع العريق مزجت بين الطابع الافريقي المحلي والطابع التركي الشرقي، ويتّضح ذلك في رونق وجمال هذه العناصر في المصلّى والأروقة والنوافذ والأبواب والصومعة وغيرها من عناصر هذا المعلم الديني الذي تصدّر فيه مشايخ العلم على مرّ القرون واجتمع فيه طلاب المعرفة من داخل البلاد التونسية وخارجها، حيث كان التعليم به تطوّعا، وقد بلغ عدد طلبته نحو ستمائة تلميذ وتلميذة، وكانت تعقد برحابه الجلسات القضائية والمجالس العلمية، كما ساهم هذا المعلم العريق في مقاومة المستعمر الفرنسي بشتّى الوسائل المتاحة.