الجامع الكبير بسوسة

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:19، 9 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الجامع الكبير بسوسة

تشير المصادر التاريخية إلى أنه عندما ازداد عدد سكان مدينة سوسة واتّسعت رقعتها، أمر الأمير الأغلبي أبو العبّاس محمد بن الأغلب بتأسيس مسجد جامع قرب الرباط وذلك سنة 237 للهجرة الموافق لسنة 851 للميلاد. وهو تاريخ يشير إلى أنّ مدينة سوسة لم يكن لها جامع إلاّ في فترة متأخّرة مقارنة ببقية مدن إفريقية، حيث كان للمدينة العديد من المساجد الصغيرة مثل المسجد الذي يحتلّ الطابق العلوي للرّباط، وهو ما دلّت عليه نقيشة حدّدت تاريخه في سنة 206هـ/821م، طوله 36 مترًا وعرضه 7 أمتار. أمّا المسجد الثاني القديم فقد عرف ب (مسجد بوفتاتة) الذي تمّ بناؤه بين سنتي 223 و226هـ الموافق ل 838 و841م وهو مسجد صغير مربع الشكل (10 أمتار لكل ضلع)، أمّا المسجد الثالث قبل الجامع فهو أصغرها حيث يحتلّ قاعة مربعة بستة عشر مترا مربعا (4 أمتار على 4) في الطابق الأوّل من (برج خلف) وهو مخصّص لجنود الكتيبة المكلّفة بحراسة البرج. ولاشك في أنّ هناك مساجد أخرى اندثرت آثارها وكانت موجودة بأماكن مختلفة من مدينة سوسة.أمّا الجامع الكبير فهو مستطيل الشكل، يتألّف من بيت للصّلاة وصحن محاط بأروقة من الجهات الغربية والشمالية والشرقية. وقد شهد هذا المعلم الديني عدّة تحويرات وإضافات في فترات مختلفة خصوصا في الفترة الصنهاجية.

وأوّل ما نلاحظ تركيبته الهندسية التي طغت عليها الصبغة العسكرية بوجود أبراج دائرية ركنية وكذلك السقوف البرميلية الطولية. ولا غرابة في ذلك خصوصا إذا علمنا أنّ مدينة سوسة كانت نقطة أساسية في الاستراتيجية العسكرية الأغلبية، من ذلك أنّها كانت منطلقا للحملات الأغلبية العسكرية التي يشنّها الجيش الأغلبي لاحتلال جزر صقلية وسردينا ومالطا.

وَبعد التوسعة التي شهدها بيت الصلاة في اتّجاه الجنوب تمّ تسقيف المساحة المضافة بأقبية متقاطعة بعدما كانت مساحتها محدودة اقتصرت على ثلاثة بلاطات عريضة مسقّفة بأقبية برميلية مقامة على ركائز مبنية قصيرة. ففي القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، أضيفت مسكبات قبلية وأزيل المحراب وكذلك جدران القبة وبني محراب جديد تتقدّمه قبة محدثة معه، وقد شملت هذه العناصر المعمارية على خطوط كوفية وزخارف بطابع مخصوص تشير إلى فترة المعزّ بن باديس. وأمّا المحراب فقد صُمّم على مثال محراب مسجد السيدة بالمنستير وهو كذلك من إنشاء تلك الفترة. وعموما فإنّ المسجد الجامع بسوسة يبدو في شكل قلعة سميكة الجدران قوية البنيان، ترتكز سقوفه وأروقته على العضادات المبنية بالحجارة المرصوصة رصاًّ محكما، بخلاف جل ّ الجوامع التي ترتكز عناصرها المعماريّة على الأعمدة مثل جامع القيروان والزيتونة ونابل وغيرها من المعالم الدينية الكبيرة. كما نلاحظ أنّ هذا الجامع لم تبن له صومعة بل إنّ إقامة الصلاة تنطلق من منارة قصر الرباط المجاور له على بعد بضعة أمتار. وبالركنين الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي للصحن ينتصب برجان: يعلو البرج الأوّل بناء صغير مغطّى بقبّة حيث يمكن الوصول إليه بواسطة درج انطلاقا من الصّحن. أمّا الأروقة الثلاثة التّي تعلوها أقواس متجاوزة، فهي تستند إلى دعامات قصيرة وهي تعود إلى مرحلة البناء الأولى في حين يرجع الرواق الرابع المحاذي لبيت الصلاة والمرتكز على أعمدة إلى الفترة الزيرية. وكغيره من المعالم العريقة فقد شهد الجامع عدّة إصلاحات خلال العهد العثماني وبالتّحديد خلال الفترة المرادية (1086هـ/1675م) كما تدلّ على ذلك النقيشة المكتوبة بالخط النّسخي.