الجامع الجديد بالصباغين

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:07، 24 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

يعتبر الجامع الجديد بالصباغين من أهم المعالم الدينية التي تأسست في الفترة العثمانية المتأخرة نسبيا وذلك خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، ويقع هذا الجامع في أحد أقدم الأحياء الموجودة داخل مدينة تونس العتيقة وبالتحديد بالقرب من باب الجزيرة بسوق الصباغين (27 نهج الصباغين).

تاريخ التأسيس والمؤسس :[عدّل]

الجامع الجديد بالصباغين

أسّسه حسين بن علي باي التركي مؤسس البيت الحسيني (1705 - 1740م) وكان ذلك فيما بين 1724 و1727م، ويذكر صاحب الاتحاف "أن أول صلاة أقيمت به ظهر الأحد الرابع عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين ومائة وألف 1139 هـ/1724م"، وقد بناه بالقرب من مسكن عثمان داي داخل باب الجزيرة، وقد جاء في شكل مجمع معماري على النمط التركي به عدّة وحدات : جامع ومدرسة وتربة وكتاب وسقاية. وتُفيدنا المصادر أن الباي قد بنى مركب الجامع الجديد مكان ثلاث خمارات تدعى الثوالث وزندالة وحمام وخصه بأوقاف واسعة مؤرخة في سنة 1142هـ/1730م منها المطاحن والأفران والفنادق والدكاكين والمتاجر والمنازل المتفرقة ولخلاص أجور الموظفين القائمين على صيانة الجامع بكل عناصره بالاضافة إلى دفع أجور المدرّسين والأئمة والوكلاء وغيرهم من العاملين بالجامع. وقد تولّى مشيخته أبرز العلماء منهم أبو عبد الله محمد الشهير بزيتونة كما عيّن حسين بن علي في هذا الجامع دروسا يقوم بها أفضل الأساتذة من المذهب الحنفي يسهرون على نشر العلوم وتفسير القرآن والحديث وتدريس العلوم الفقهية والعقلية بمرتبات حسب كفايتهم وكان أشهرهم أبا العباس أحمد المعروف ببرناز.

الجامع[عدّل]

يأخذ التخطيط العام للمجمع شكل شبه المنحرف ويتركب من عدة وحدات وهي الجامع والمدرسة والسقاية وأخيرا الكتّاب. تفتح واجهته الخارجية على الشارع الرئيس لسوق الصباغين وهي مبنية بالحجارة الرملية المهندمة وتزينها عقود حدوية صماء موضوعة على أعمدة أسطوانية من الكذال وينتهي جدارها الذي يتخلله مدخلان رئيسيّان بإفريز من القرميد الأخضر في الأعلى. أحيطت هذه المداخل الرئيسة بإطارين الأول من الكذال المزخرف بأسلوب الحفر البارز والاخر من الحجر الرملي المهندم (الحرش) برز على هيئة قوس خفيف الانحدار. ويقع الصحن في الجهة الشرقية من المعلم وتحيط به ثلاثة أروقة تحملها سوار رخامية شبيهة بأعمدة بيت الصلاة تيجانها ذات زخارف حلزونية من النوع الأيوني الجديد جُلبت من مقاطع كرارة الايطالية.وتحتلّ المئذنة المثمنة الأضلع، الزاوية الشرقية من الواجهة بلغ ارتفاعها 16.70م مقامة على قاعدة مربعة أما الجزء العلوي فقد جاءتْ شُرَفُهُ لتحلّي المئذنة بزخارفها الهندسية ولونها اللازوردي وقد أحيطت بخشب مزخرف وغطيت بسقف هرمي الشكل يخرج من قمته قضيب حديدي يحمل ثلاث كريات من الرصاص يتضاءل حجمها في الارتفاع. واحتلّت بيت الصلاة مكانا مركزيا في المعلم وهي قاعة مستطيلة الشكل تخترقها ستة أبواب خشبية، ثلاثة منها تربط بيت الصلاة بالمدرسة ومدخلان يفضيان إلى الصحن والأخير يؤدي إلى التربة، أحيطت هذه المداخل بكسوة من الألواح الرخامية الملساء المحيطة بحزام من المرمر الأسود. تكونت هذه القاعة من ثلاثة بلاطات طولية وأربعة عرضية موازية لجدار القبلة يرتكز سقفها على أعمدة رخامية وسقفت بأقبية طولية على مستوى الجانبين وأقبية متقاطعة عند مستوى البلاطة الوسطى.

ويحمل المجاز الأوسط قبة المحراب الوحيدة في هذا المعلم وهي محمولة على حنايا ركنية في شكل الصدفة ومدعومة بأربعة أعمدة، وقد زين باطنها بشتى أنواع الزخارف الهندسيّة الجصيّة مثل الأشكال المثمنّة والمسدّسة والأطباق النجميّة. أما الجدران فقد كسيت ببلاطات خزفية من النوع القاشاني إلى ارتفاع قدره ثلاثة أمتار، تحلت بعّدة ألوان زاهية ورسوم زخرفية ولوحات شرائطية وعناصر نباتيّة وزهريّة كأغصان الأشجار المتفرعة والأوراق وزهر القرنفل والياسمين والرمان الزاس والأكانتس... في حين خصّ الجزء العلوي من الحائط بلوحات من الجصّ المنقوش تتخللها عدة نوافذ زجاجية معشقة في الجصّ.

منبر الجامع الجديد بالصباغين

وجاء المحراب في شكل حنية نصف دائرية متجاوزة تتوّجها نصف قبة ويرتكز مسقط العقد على ساريتين قصيرتين من المرمر الأسود ذي تيجان كأسية ذهبية اللون، وحظي تجويف المحراب بكسوة من الجصّ المزخرف بأشكال هندسية متشابكة، أمّا المستوى السفلي فاحتوى طاقات من المرمر المتناوب الألوان بين الرمادي والأحمر القاني والأسود المجزع. ومن خاصيات هذه الجوامع العثمانية المستحدثة احتواؤها على بعض العناصر الجديدة الدخيلة منها المنبر الرخامي الذي كان في العهود السالفة مصنوعا من الخشب وغير ثابت وقد انتصب في الجهة الغربية من المحراب وكسي بلوحات رخامية ملونة مأخوذة عن الفن الباروكي. ومن التقاليد المشرقية التي جلبها الأتراك، تجهيز بيت الصلاة بمحفل يوضع قبالة المنبر حيث يجلس الخوجات للذكر والترتيل، وبختمة مصنوعة من الخشب مخصصة لوضع كتب القرآن.

المدرسة : نلج إلى المدرسة عبر دريبة أو من خلال ثلاثة مداخل تربطها مباشرة ببيت الصلاة، وقد تركبت من أربعين غرفة موزعة على طابقين، طابق أرضيّ والاخر علوي كان قد أضيف في فترات لاحقة، كما جهزت بميضأة ومراحيض. رسمت المدرسة حسب المخطّط التقليدي حيث انتظمت الغرف المسقّفة بأقبية طويلة ذات مدخل وحيد حول صحن مكشوف مبلط يتوسطه ماجل وتتقدمه أروقة ذات عقود نصف دائرية متجاوزة مسنودة إلى أعمدة رخامية تعلوها تيجان حفصية وأخرى ذات زخارف حلزونية.

التربة[عدّل]

تحتل الجانب الغربي من الجامع ويسبق هذه القاعة الجنائزية المربعة صحن مكشوف أضيفت إليه قبة في فترات لاحقة وتحيط به أروقة ذات عقود حدوية متجاوزة مسنودة إلى أعمدة رخامية. ونلج إلى الداخل عبر مدخل في شكل محراب أطّر بلوحات من المرمر الأبيض والاسود، فنجد الجدران خالية من كل زخرف عند المستويات السفلى على نقيض الأجزاء العليا المتكونة من القبة المرتكزة على حنايا ركنية والعقود الصماء التي كسيت كلها بلوحات جصية منقوشة ذات أنماط زخرفية متنوعة من فصوص ومقرنصات إلى جانت الشرائط المكتوبة بالخط الكوفي، وتتخللها أطر بلورية ذات ألوان زاهية، كما وضعت في أركان التربة أربعة أعمدة رخامية ذات تيجان مماثلة لتيجان بيت الصلاة. ومن الخارج كسيتْ القبة البصلية بالقرميد الأخضر تعلوها كريات نحاسية. تحتوى هذه المقبرة على أضرحة لعدد من البايات الحسيّنيين منها ضريح حسين بن علي باي وأخيه محمد بن علي وابن أخيه محمد باي إلى جانب تابوتين للوليين الصالحين سيدي قاسم السبابطي وسيدي قاسم الزواوي.

السقاية[عدّل]

ألحقت بالجامع سنة 1181هـ/1767م في عهد علي باي (1759 - 1782م) وتقع في الواجهة الشرقية على يسار المدخل وهي عبارة عن غرفة صغيرة بها نافذة ذات مشبك حديدي تركت فيها فتحتان للتزوّد بماء الشرب وقد أحيطت بإطار من الرخام في شكل محراب يحمل زخارف متنوعة.يعتبر الجامع الجديد من أبرز الاثار التي مثلت تمازج الكثير من الحضارات. فقد تأثرت العمارة المحلّية الأندلسية المغربية بعدة تيارات ثقافية وفنية أجنبية عن البلاد وتجسد ذلك على مستوى زخرفة المعلم وهيكلته إذ أدخلت على التقاليد المحلية عناصر مستحدثة وتقنيات ومواد بناء جديدة تركية وأوروبية أسهمت كلها في تطور العمارة المحلية.