البشير الفورتي

من الموسوعة التونسية
نسخة 07:14، 25 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
البشير الفورتي

[1884 - 1954م]

ينحدر الصحفي البشير بن أحمد بن عون الفورتي من عائلة جربيّة من المحبوبين بمعتمديّة ميدون. ولد بتونس العاصمة في سنة 1884 وفق ما سجّل في بطاقة تعريفه المؤرّخة في أوّل أوت 1947، خلافا لجميع المصادر التي تذكر أنّ ولادته كانت في سنة 1882. وقد كان والده وجدّه من العمّال (القيّاد) بجنوب المملكة التونسيّة قبل الاحتلال الفرنسي لتونس، وذلك في عهد المشير أحمد الأوّل باي (1837 - 1855) ومحمّد الصّادق باي (1859 - 1882). ونشأ البشير الفورتي في أسرة ميسورة. وتعلّم على معلّمين خصوصيّين بمنزله قبل أنّ ينخرط في سلك تلامذة جامع الزّيتونة حيث تابع الدّروس بانتظام إلى أنّ أحرز شهادة التّطويع.

وبعد تخرّجه في جامع الزّيتونة، شرع في دراسة اللغة التّركيّة على يد الأستاذ حافظ أفندي صحبة الشيخ صالح الشّريف قبل هجرته، كما درس اللغة الفرنسيّة بالمدرسة الخلدونيّة على الأستاذين خير اللّه بن مصطفى وعثمان السّبعي، ودرس الرّياضيات على الأستاذ علي رضا، ودرس كذلك اللغة الايطاليّة بمدرسة نهج زرقون. ولمّا كان محبّا للحريّة، ولوعا بالاستقلال فإنّه لم يطرق باب الوظيف، بل أخذ يباشر الأعمال الحرّة، فأسّس مطبعة كبرى، وجلب إليه أحرفا عربيّة ممتازة من سوريا ومصر، لأنّ الطّباعة في ذلك الوقت كانت على الطريقة الحجريّة وبخطّ اليد.

وبعد تأسيس هذه المطبعة، أنشأ جريدة أطلق عليها اسم "التّقدّم"، وهي ثالث جريدة يوميّة بعد "الرّشديّة" و"الزّهرة". وكانت من أكبر الجرائد وأرقاها شكلا ومضمونا، إذ كان يكتب فيها نخبة من المفكّرين والأدباء من مختلف الأقطار العربيّة والاسلاميّة، منهم جبران خليل جبران، والشيخ عبد العزيز جاويش وهو تونسي الأصل، مصري المنشإ ومن كبار زعماء الحزب الوطني المصري. وقد صدرت جريدة "التقدّم" بصفة أسبوعيّة منذ 30 جويلية 1907 أوّلا، وأصبحت يوميّة منذ أوّل أوت 1908، وكان لها مراسلون ومتعهّدون في معظم أنحاء العالم. والمتصفّح لهذه الجريدة، يلاحظ أنّها كانت تعالج معظم القضايا التي تشغل بال التّونسيّين، وتجاهر بوطنيّتها، وتدعو إلى خدمة المصالح التّونسيّة، كما تزوّد القرّاء بأخبار الأحداث السّياسيّة والأدبيّة والاقتصاديّة التي تجدّ في أهمّ أقطار العالم.

وإلى جانب هذه الجريدة، أصدر البشير الفورتي جريدة أسبوعيّة فكاهيّة، عنوانها "ولد البلاد"، وأسند إدارتها إلى شخص اسمه خميّس الطّرلّي. وصدر العدد الأوّل من هذه الجريدة في 19 أفريل 1910، لكنّها لم تعمّر طويلا، فلم يصدر منها إلاّ تسعة أعداد، إذ توقّفت عن الصدور في 23 جوان 1910. والملاحظ أن هذه الجريدة لم تصدر عن مطبعة "التقدّم"، بل في مطبعة حجريّة، ومعظم موضوعات كتبت باللّهجة الدّارجة، وجاءت محلاّة بصور كاريكاتورية على غاية من الطّرافة والابداع. وكانت تتناول موضوعات اجتماعيّة وسياسيّة، تعتبر وقتئذ جريئة وتقدّميّة، من ذلك أنّها كانت تدعو إلى تعليم البنت المسلمة، والمساواة بينها وبين الفتى في الحقوق والواجبات، وعدم تزويجها إلاّ بمحض اختيارها ورضاها. وإثر توقّف جريدتي "التقدّم" و"ولد البلاد" عن الصّدور، قام البشير الفورتي بجولة عبر البلاد العربيّة، بدأها بطرابلس (ليبيا) بوصفه مراسلا لجريدة "الهدى" اليوميّة الصادرة في نيويورك لتزويدها بأخبار الحرب التي شنّتها إيطاليا على هذا البلد الشّقيق سنة 1911. وفي طرابلس، كان موضع حفاوة وترحيب وإكرام من قبل الوالي التركي رجب باشا، وأقام هناك مدّة طويلة، وتزوّج بامرأة من عائلة شهيرة، وأنجب منها ولدا.

وسافر إثر ذلك إلى مصر، واتّصل بمختلف الصّحف التي كانت تصدر هناك، مثل: "اللواء" و"المؤيّد" و"المقطّم"... وتعرّف إلى كثير من أقطاب المشرق العربي، وعلماء مصر وأدبائها، أمثال: علي كامل، ولطفي السّيّد، ومحمّد فريد، وأحمد زكي، والشيخ بخيت وكانوا جميعا يكنّون له التبجيل والتقدير. ثمّ رجع البشير الفورتي إلى تونس، وشارك في تحرير جريدة "الاتّحاد الاسلامي" مع علي باش حانبه وعبد العزيز الثعالبي. وبعد الحرب الطّرابلسيّة (1911)، سافر إلى أوروبا، ثم استقرّ في الأستانة، وشارك في إصدار جريدة "الهلال العثماني" صحبة الشيخ عبد العزيز جاويش، وهي جريدة يوميّة كبرى. كما أصدر هناك مجموعة من الكتب، منها:

  • كتاب العالم الاسلامي (في ثلاثة أجزاء).
  • كتاب الحلل الموشية في الأخبار المرّاكشيّة.
  • كتاب الهلال والصّليب.
  • رسالة عن الشاعر التونسي حسن المزوغي.
  • فضائح الاحتلال الفرنسي في شمال إفريقيا.

وفي المدّة التي قضاها في إستانبول، كانت له اتّصالات برجالات "تركيا الفتاة" كالعلاّمة سليمان البستاني، والزّهراوي، وشكيب أرسلان، وجلال نوري، وعدد من أعضاء مجلس المبعوثين من مختلف الولايات العثمانيّة، كما تعرّف إلى بعض مشاهير الهند، وجاوة وغيرهم من أعلام الأقطار الاسلاميّة. وقبيل الحرب العالميّة الأولى، رجع الفورتي إلى مسقط رأسه تونس، حيث استأنف نشاطه السياسي والاقتصادي، فأسهم في إنشاء عدّة شركات ومشروعات تجاريّة بالاشتراك مع عدد من أصدقائه، إذ أنشأ "شركة النّهضة الاقتصاديّة التونسيّة" التي كان يرأس مجلس إدارتها حسن قلاتي، ثم أسهم في تكوين شركة لتوسيع نطاق التّجارة والصناعة التّونسيّة، وكان يرأس مجلس إدارتها حسن حسني عبد الوهاب، ثم أسهم في إنشاء "شركة الاتّحاد التّجاري" مع الشيخ سليمان الجادوي وأحمد العنّابي وأحمد المحيرصي. وبعد هذا النشاط المكثّف في المجال الاقتصادي والتّجاري الذي لم يكلّل دائما بالنجاح ولم يكتب له الدّوام، بسبب مزاحمة اليهود لكلّ هذه المشروعات، كما ذكر ذلك في إحدى مذكّراته، اتّجه اتّجاها جديدا يتماشى وتكوينه الأدبي، وتجربته الصّحفيّة، فأسّس شركة سمّاها "مكتب الصّحافة العربيّة"، وهي عبارة عن وكالة أنباء لتزويد الصّحف والمجلاّت العربيّة بكلّ ما يتعلّق بالأحداث والأخبار (وعلى الأخصّ المسائل الإفريقيّة التي لا ذكر لها في جرائد الغرب). وعندما فكّر نخبة من المثقّفين التّونسيّين سنة 1947 في تأسيس "دار الهدى للطبع والنّشر"، كان البشير الفورتي من المتحمّسين لهذه الفكرة والعاملين على إبرازها إلى حيّز الوجود. وقد تطوّرت هذه المطبعة فيما بعد، وأصبحت الآن من أكبر المطابع التونسيّة، وهي تحمل اسم "الشركة التونسيّة لفنون الرّسم".

وخلاصة القول أنّ البشير الفورتي أسهم في الحياة الصحفيّة بتونس طيلة نصف قرن، ونشر فصولا عدّة في مختلف الجرائد والمجلاّت التي كانت تصدر بتونس، مثل: جريدة "تونس" و"المنار التونسي" و"المذياع" و"صوت الفلاّح التّونسي" و"النّديم" و"الزّهرة" و"المجلّة الزّيتونيّةّ" وغيرها... وكانت معظم كتاباته تمتاز بخفّة الرّوح، والدّعابة الرّقيقة، والفكاهات المرحة. وإثر عمليّة جراحيّة أجريت عليه بمستشفى التّحرير بتونس، وهو في السبعين من عمره، توفي البشير الفورتي في 15 جانفي 1954، ودفن بمقبرة الزّلاّج بتونس العاصمة.