الانشاد في طريقة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تعريف الطريقة

يحتل الغناء المرتبط بالطرق الصوفيّة مكانا بارزا في التراث الموسيقي التونسي الذي تناقلته الأجيال عن طريق الرواية. والطريقة (وجمعها طرق) هي المنهج أو السبيل، كما ورد في دائرة المعارف الاسلامية (الطبعة الفرنسية، ص701). وقد أصبحت الكلمة في القرن الخامس للهجرة/11م تدلّ على جملة من الطقوس التي تؤدّى في حلقات المسلمين وتخصّص لذكر الله عز وجلّ، قصد ترويض النفس والوصول إلى الحقيقة بمفهومها المطلق. ويدلّ استعمالها عند المتصوّفين على الطريق التي يسلكها المسافر إلى الله تعالى، وقسّمت إلى مراحل يعرف بواسطتها "أحواله" الروحية وتنتهي به إلى "كشف" حجاب الحس. وتبنى الحياة بين أهل الطريقة على منهج يحدّده "الشيخ" وتطلق هذه التسمية على شخص يعيّن أو يختار من المتضلّعين في أصول الطريقة والعارفين بطقوسها، ومن مهامّه تزكية من يرغب في الانتساب إلى الطريقة.

ولكلّ طريقة غناء تختصّ به عن سواها من الطرق ويشتمل على أشعار بالفصحى أو بإحدى اللهجات الدارجة تدور في مجملها حول التوحيد وذكر مناقب الأنبياء وفضائل مؤسس الطريقة. ويؤدّى الغناء وسائر أشعار المديح في نطاق حلقات المسلمين وفي "الزوايا".

انتشار الطرق في تونس

وتعتبر الطريقة الشاذلية أوّل طريقة صوفية ظهرت في تونس، وهي المنسوبة إلى أبي الحسن الشاذلي (596 - 656هـ/1199 - 1258م) الذي لعب دورا مهمّا في ترسيخ تيّار التصوّف في تونس، وقد ألّف اثنين وعشرين حزبا أشهرها وأكثرها تداولا "حزب البحر" و"حزب الحمد".

ومنذ القرن السابع للهجرة 13م أشتد ميل التونسيين إلى التصوّفّ، فبدأت الطرق الصوفية تنتشر، وأبرزها القادريّة وهي المنسوبة إلى عبد القادر الجيلاني (470 - 561هـ/1077 - 1166م) دفين بغداد، والعيساويّة المنسوبة إلى محمد بن عيسى (872 - 933هـ/1467 - 1526م) دفين مكناس بالمغرب الأقصى، والسلاميّة وهي المنسوبة إلى عبد السلام الأسمر(981هـ/1573م) دفين مدينة زليطن بالقطر الليبي.

مؤسس الطريقة السلاميّة

تنسب الطريقة السلاميّة إلى سيدي عبد السلام بن سليم المشهور بالأسمر والملقب بالفيتوري نسبة إلى أحد أجداده (فيتور) ويصل نسبه إلى السيدة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. أصبح يتيم الأب وعمره لا يتجاوز السنتين والشهرين فتولّى أمره عمّه وتلقّى دروسا في النحو والمنطق والتوحيد والفقه حسب المذهب السنّي وفي اللغة إضافة إلى حفظه للقرآن الكريم.وورد في إحدى قصائده ذكر لعدد من الشيوخ الذين جلس إلى دروسهم: عبد الواحد الدوكالي وعبد النبي بن عبد المولى وعلي بن عبد الحميد العوسجي ومحمد بن عبد الرحمان الحطاب.وقد ضمّنت سيرته وأدعيته وأشعاره في كتاب ألّفه محمد بن عمر بن مخلوف بعنوان: "مواهب الرحيم في مناقب سيدي عبد السلام بن سليم". وجاء فيه بالخصوص أنّه تفرّغ للعبادة والزهد وأقام بجبل زغوان الموجود على مسافة خمسين كيلومترا من مدينة تونس ثم رجع إلى زليطن فتعرض إلى مضايقات من أهلها الذين رموه بالسحر والشعوذة فلجأ إلى طرابلس ثم إلى جبل غريان وعاد إلى مسقط رأسه حيث توفّي سنة 981هـ/1573. ألّف الشيخ عبد السلام أدعية كثيرة وكتب أشعارا باللهجة العامية تعرّض فيها إلى عظمة الاله وما فضّل به نبيّه محمد على سائر العباد، ودعا أتباعه إلى الزهد والورع، وقد انتشرت تعاليمه بسرعة في معظم المدن التونسية مستفيدة من المناخ الاجتماعي والثقافي الذي كان ملائما لانتشار التصوّف.

وظهرت أوّل "زاوية" في تونس في حدود سنة 1850 في عهد أحمد باي (1253 - 1272هـ/1837 - 1855م) . وبلغ عدد "زوايا" الطريقة السلامية في بداية القرن العشرين ستّ زوايا في مدينة تونس، وانتشرت عبر مختلف المدن التونسية وخاصة منها الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد، وساعد على هذا الانتشار شغف الناس بكل ما هو جديد وتوفّر عنصر الفرجة في حلقات الذكر.

أقسام الانشاد في السلاميّة

يشتمل التراث المدائحي الخاص بالطريقة السلامية على أدعية ومدائح تؤدّى في "الزوايا" المنسوبة إلى هذه الطريقة حسب تسلسل أقرّته التقاليد الموروثة. وينقسم هذا التراث إلى قسمين رئيسيين

قسم خال من الغناء ومن الموسيقى والألحان

ويتضمّن تلاوة لسورة الفاتحة وما تيسّر من آيات القرآن الكريم وقراءة أحد أحزاب الشيخ عبد السلام وهي أربعة: الحزب الكبير وحزب الفلاح وحزب الخوف وحزب الطمس، فقراءة لوظيفته.

قسم يؤدّى غناء

ويكون مرافقا أو غير مرافق بآلات الايقاع، وهو يتكوّن حسب الترتيب من:

إنشاد من "السلسلة الذهبية"

هي أرجوزة بالفصحى تعدّ تسعة وسبعين بيتا وقد نظمت سنة 979هـ/1571م كما جاء في بيتها السبعين وورد في هذه السلسلة ذكر عدد مهمّ من شيوخ ناظميها ومن المتصوّفين. وينسب تلحينها إلى الشيخ محمد بن سليمان (1875 - 1949) وقد كان شاهدا عدلا وخطيبا بجامع رادس بالضاحية الجنوبية لمدينة تونس، اشتهر بجمال صوته وأدائه الموسيقي المركّز وبشغفه بالمدائح السلامية. ويوجد لحن السلسلة الذهبية في الطبوع التونسية التقليدية: الحسين والرمل وراست الذيل والعراق وذلك طبقا للرواية التي تناقلها شيوخ الطريقة والتي لا يزيد الانشاد فيها على عشرين بيتا.

إنشاد جانب من سلسلة "الفزوع"

وهي تسمية تطلق على قصيدة باللهجة الدارجة تحتوي على ما يناهز 800 بيتٍ حسب ما أورده صاحب كتاب مناقب الرحيم على أنّه لم ينشر منها أكثر من مائتين وستين بيتا. وكلمة "فزوع" تعني الاستغاثة بالغير، وقد تضمّنت السلسلة عددا كبيرا من الأولياء والصالحين والفقهاء الذين يستغاث بهم للتغلّب على النزوات، فيثبت الدين وينتصر الخير على الشر. ومن الأسماء المذكورة في السلسلة الدوكالي والحلاج والجيلاني والغزالي... واستشهد المؤلف بحكمتهم وورعهم واستقامتهم وعلمهم، داعيا إلى الاقتداء بهم.وبنيت ألحان "سلسلة الفزوع"، حسب المتداول في تونس، على الارتجال أي التصرّف في الألحان حسب ما تمليه قريحة المنشد ومعرفته بالموسيقى، وتصاغ الارتجالات في الطبوع المستعملة في الموسيقى التقليدية التي تعرف في تونس باسم "مالوف".

ارتجال أبيات بالفصحى

يتولّى شيخ "الحضرة" - أي مجموعة المشاركين في الانشاد - ارتجال أبيات بالفصحى تختار من إحدى القصائد التي تدور أغراضها حول التصوف وتتضمّن الاستغفار والتوسل إلى الله كي يهدي عباده إلى طريق الرشاد والصواب. وترتجل الألحان التي تصاغ على هذه الأبيات في طبوع تونسية أو مقامات شرقية وهي مناسبة يبرز فيها الشيخ كفايته الموسيقية وقدرته على إطراب الحضور ويخلص المنشدون إثر ذلك إلى أختام "سلسلة الفزوع" وهي في الواقع قسمها الأخير المبنيّ على إيقاعات موسيقية ذات نسق أسرع مقارنة بالايقاعات التي صيغت عليها ألحان الأقسام السابقة.

التصلية

ومعناها ترديد: "اللّهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه" مع قصيد في مدح الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على لحن بسيط سريع يتكوّن من درجتين موسيقيتين، ثمّ تتلى الفاتحة، وبها يختم القسم الغنائي الخالي من استعمال آلات الايقاع.

البحور

ومفردها "بحر" وهو مصطلح خاص بالطريقة السلاميّة يطلق على أشعار باللهجة الدارجة تتضمّن معاني الوعظ وتحقير ملذات الدنيا ومدح الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم وشيوخ الطريقة وغيرها من المعاني الصّوفيّة. ويشتمل تراث السلاميّة على عدد وافر من البحور جمع أغلبها في "سفائن" (مفردها سفينة) وهي مخطوطات يحتفظ بها عادة شيوخ الطريقة، وتشكّل البحور القسم الرئيس لانشاد السلامية، ويتولّى شيخ الحضرة أداء البحور بارتجال ألحان لها يعيدها المنشدون على إيقاعات بطيئة تضرب على آلة "البندير" كالسعداوي والمدور حوزي والمربع تونسي.أمّا الألحان فترتجل في الطبوع التقليدية التونسية المستعملة في المالوف كراست الذيل والحسين والاصبعين، أو المستعملة في الموسيقى الشعبية الحضرية، ومنها العرضاوي والمحيّر عراق والمحيّر سيكاه.

الشطحة

وهي مقطوعة كالبحر من حيث صياغتها الشعرية، تنشد في إيقاع على نسق أسرع من الايقاع الذي تصاغ فيه البحور. وهذا التدرج في السرعة، شبيه بما يعرف في الموسيقى التقليدية وخاصة منها "النوبة"، ويهيء للرقص (وكلمة شطحة تعني بالعامية الرقصة).

الختم

وهو إنشاد أبيات كالبحور تؤدّى على إيقاعات تفوق سرعتها ايقاعات الأقسام السابقة.

التهليلة

كلمة مشتقة من اسم الجلالة "اللّه" الذي تصاغ عليه جملة موسيقية بسيطة في إيقاع سريع وتكرّر عدّة مرّات وتختم بها الوصلة الغنائية للسلامية في جوّ مشحون يصل فيه المنشدون إلى ذروة الطرب. يتبين من هذا الاستعراض لأقسام تراث الطريقة السلامية، أنّ الأدعية والمدائح التي تشكّل القسم الغنائي من هذا التراث تعكس أبرز الخصوصيات الفنية التي تتميّز بها الموسيقى التونسية التقليدية منها والشعبية، ولعلّ ذلك ما جعلها تنتشر انتشارا واسعا في تونس ويتواصل تداولها بين الناس.

ببليوغرافيا

  • زغندة فتحي، الطريقة السلامية أشعارهاوألحانها، بيت الحكمة،تونس،1991.