الأندلسيون في تونس

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:07، 6 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
نهج الأندلس بمدينة تونس

كانت تونس مقصد هجرات أندلسية مختلفة عددا وأثرا أولاها سنة 202هـ/818م عندما أجلى "الحكم الأوّل ثوّار ربض قرطبة القبلي بعد انتفاضتي الفقهاء سنتي 981هـ/508م و091هـ/608م. وكانت الثانية خلال ق 7هـ/31م إثر هزيمة الموحّدين والأندلسيين أمام النصارى في معركة العقاب، التي تساقطت نتيجتها أهم المدن، إذ بدأت هجرة شرق الأندلس بعد ضياع بلنسية سنة 636هـ/8321م، وتلتها هجرة غرب الأندلس بعد ضياع إشبيليّة، أي بعد عشر سنوات. ثمّ كانت هجرة أعيان العلم والأدب والصناعة والتجارة وسامي الموظفين الذين استفادت منهم تونس في شتى المجالات اعتبارا للعلاقة التاريخيّة التي ربطت الحفصيين بالأندلسيين. وكان فيها من الفقهاء ابن الأبّار (ت658ـ/1260م) وابن الغمّاز (ت 396هـ/1294م) وأبو المطّرف بن عميرة (ت 658هـ/1260م)، ومن اللغويين ابن عصفور(ت669هـ/1271م) وحازم القرطاجني(ت 648هـ/1286م)، ومن الأدباء والشعراء ابن القصير شاعر البلاط وابن همشك وابن سعيد (ت 685هـ/1287م) والطبيري والفرضي، ومن المؤرخين البياسي (ت653هـ/1255م) ومن الأطباء ابن أندراس (ت647هـ/1276م) وابن الرومية (ت 637هـ/1240م) الذي عاد إلى إشبيليّة وابن البيطار(ت 646هـ/1294م)والخزرجي (ت 699هـ/1300م) الذي كلّف بسفارة مصرية.

وكانت الهجرة الثالثة عند سقوط غرناطة سنة 897هـ/1492م بناء على فتوى الونشريسي. ولكنّ أغلب المهاجرين فضّلوا المغرب الأقصى على تونس المضطربة، وإن حلّ بعض الغرناطيين بسوسة وصفاقس وقابس. أمّا الهجرة الأخيرة فهي أخطرها لأنّها كانت جماعية بقرار الطرد النهائي الذي أصدره الملك فيليب الثالث في 21 / 09 / 1609م بعد أكثر من قرن من الاضطهاد من محاكم دواوين التفتيش ورجال الكنيسة المتعصّبين بعد فشل محاولات تنصيرهم. ورغم تعدّد موانئ التهجير وتسخير الأسطول الملكي والسفن التجارية فإنّ هذه العمليّة استغرقت عدّة أشهر، وتسببت في انتشارهم في بلاد الاسلام مغربا ومشرقا وحتى في أوروبا. ولئن وصل إلى تونس قبيل الطرد عدد مهمّ من الأندلسيين برّا وبحرا وحتّى عن طريق فرنسا فإنّهم عند صدور القرار فضلوا تونس بنسبة عالية تقدّر بثمانين ألفا. وبعد أن آواهم عثمان داي لدى الأعيان بتدخّل سيدي أبي الغيث القشاش وليّ نعمتهم بادر بتوزيعهم على ثلاث جهات حسب أصنافهم، في تونس وسهول مجردة وجهة بنزرت والوطن القبلي. قال ابن أبي دينار:" وفي هذه السنة [1016 - 1017هـ/1609م جاءت [جماعة الأندلس من بلاد النصارى، نفاهم صاحب إسبانيا، وكانوا خلقا كثيرا، فأوسع لهم عثمان داي في البلاد، وفرّق ضعفاءهم على الناس، وأذن لهم أن يعمّروا حيث شاؤوا. فاشتروا الهناشر وبنوا فيها واتّسعوا في البلاد فعمرت بهم، واستوطنوا في عدة أماكن. ومن بلدانهم المشهورة سليمان و بلّي و قرنبالية و تركي و الجديّدة وزغوان و طبربة و قريش الواد ومجاز الباب والسلوقية وتستور، وهي أعظم بلدانهم وأحضرها، والعالية والقلعة [قلعة الأندلس] وغير ذلك، بحيث يكون عدّتها أزيد من عشرين بلدا فصار لهم مدن عظيمة". وتدلّ ألقاب العائلات الأندلسيّة على مواطنهم الأصلية، وأغلبها بشرق الأندلس، وعلى المهن التي احترفوها، وعلى رغبتهم في الاندماج في المجتمع التونسي وحرصهم على إثبات إسلامهم بألقاب مستعربة بعد أن تعلّموا لغة أهل البلاد وتخلّوا عن لهجاتهم الاسبانيّة وألقابهم المسيحيّة المفروضة. وهكذا فبعد أن كانوا لا يعرفون إلاّ الاسلام البسيط المتصل بالعبادات أصبحوا دعاة متحمّسين للطرق الصوفيّة وبناة مدارس ومساجد وناسخي كتب.

لقد أشار عدّة رحالة بإعجاب إلى محافظتهم على شبه استقلال داخلي، إذ كان لهم القوبرنادور والقوازيل ثمّ شيخ الأندلسيين الذي هو غالبا شيخ البلد أو الخليفة أو القاضي. وقد أدّى أحدهم وهو مصطفى قرضناس دورا كبيرا لصالحهم لدى يوسف داي من 1622م إلى 1653م ولكن علاقتهم بالسلطة لم تحمهم من دفع الضرائب بعد الامتيازات التشجيعيّة في عهد عثمان داي. ومع ذلك ظلّوا محافظين على ثرواتهم ومكانتهم بنجاح استثماراتهم في صناعة الشاشيّة والفلاحة، متعالين على النازحين إلى قراهم بشرف الأصل وبتميّز المعمار واللباس والطعام وحتّى بلون البشرة. فبذلك التميز طبعوا المجتمع المحلّي بالتمدّن، وبذلك النجاح نمّوا اقتصاد البلاد حتّى قال محمد بن الخوجة: "وكان امتزاج الأندلسيين بأهل تونس كلقاح خصيب للأمّة التونسيّة، لأنّ أسلافنا أخذوا عنهم أحوالا كثيرة في باب الصنائع اليدويّة، ومنها تجليد الكتب وزخرفتها بأبدع أسلوب، وتعلموا عنهم أيضا كيفيّة عرض البضائع للبيع بالحوانيت من جمعها وضمّ المتشابه منها لبعضه، كما أخذوا عنهم أيضا أساليب الفلاحة ولا سيما آلاتها غير المعروفة يومئذ بتونس، ومنها عربات جرّ الأثقال بالكرّيطة، ولفظ كرّيطة إسباني، فهي من المبتكرات الأندلسيّة، وكذلك ترجع إليهم مزيّة تمهيد الطرقات وتعبيدها. وكان لنسوة الأندلس فضل على بنات تونس لأنهن علّمن ابنة البلاد تدبير المنزل من تأثيث وطبخ وحلويات..." ظلّ الأندلسيّون طوال القرن الأوّل من حضورهم بتونس محافظين على الملابس الاسبانيّة ثمّ استبدلوها بلباس الأتراك والأعيان وأصبحوا فيما بعد يرتدون الملابس التقليديّة المعروفة. وكانوا يتباهون في أفراحهم بحلويات وأكلات تغلب عليها الفواكه والعطورات والجبن والزعفران كالبناضج والكيسالس والقيزاطا وكعك الورقة. ثمّ تعلّموا إعداد أطعمة حرّيفة ومأدومة. ولا شكّ في أنّ أهمّ ما امتاز به الأندلسيون هو التغيير الكبير الذي أحدثوه في البيئة، في المناطق التي أحيوها بالزراعات السقويّة والأشجار المثمرة مستغلّين النواعير وطواحين الريح لضخّ مياه الآبار. ومن أهمّ مزروعاتهم الزعفران والتوت الأبيض الذي بواسطته ربّوا دود الحرير والمشمش والرّمان والزياتين والخشخاش والمصطكى والحنّاء والياسمين، كما ربّوا الدواجن والماشية. وإليهم يعود الفضل في تعمير مواقع عتيقة مهجورة وإحياء أراضيها واستتباب الأمن فيها. ولكم أعجب الرحالة الأجانب بطابع قراهم الاسباني المتميّز بتقاطع الأنهج حسب زوايا مستقيمة، وتسقيف المنازل بالقرميد وزخرفة الزوايا والجوامع والصوامع حسب فنّ النهضة المدجّن بالاجر البارز والجبس المنقوش والجليز الملوّن. فتلك مواد محليّة متوفّرة بأقل التكاليف وضامنة مع تهوئة وإنارة مدروستين لتكييف صحي طبيعي.

ومن أشهر المعالم الأندلسيّة الرواق الشرقي بجامع الزيتونة وتربة يوسف داي والمدرسة الأندلسيّة ودار عثمان وسبيل يوسف داي ببنزرت والبرج الوسطاني بغار الملح وباطان طبربة وقنطرة مجاز الباب وجوامع تستور والسلوقية وسليمان وزوايا سيدي نصر القرواشي بتستور وسيدي علي عزوز بزغوان وأبي زمعة البلوي بالقيروان. ووراء تلك المعالم مهندسون مهرة أشهرهم أبو البركات و سليمان النيفر ومحمد بن غالب وعلي بن دسيم وعمر البلانكو ومحمد غانم وأحمد مصطفى الأندلسي. واشتهرت في البناء عائلتا النيفر والبلانكو. وفي الصناعة والتجارة ازدهرت على أيديهم الشاشيّة والحرير والعطورات والتسفير الفنّي وموادّ البناء والآلات الفلاحيّة. ونشط التصدير والتوريد بما حقّق لأكثرهم خبرة بالتجارة العالميّة أرباحا طائلة واقتصر نشاطهم في القرصنة على تبادل تحرير الأسرى بين مسلمين ومسيحيين. وقد ألف أحدهم بالاسبانيّة وهو ابن غانم الرباش كتاب "العزّ والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع" لتعليم إخوانه المدفعيّة وصناعة المراكب وركوب البحر انتقاما من أعدائهم النصارى. وفي ترجمة أحد مشائخهم - وهو مصطفى قرضناس - أنّه كان يتصرّف في قصره وضيعته بقرنبالية في أكثر من ثلاثمائة من المسيحيين والسودان، وكان يشغلهم في فلاحة ثلاثين ألف زيتونة تتخلّلها أشجار اللّوز للمتاجرة بزيوتها وفي تصنيع الحرير بثلاثين منسجا، وكانت مبادلاته مع المواني المتوسّطيّة، وبأمواله حرّر بعض التجّار الأندلسيين الذين وقعوا بسفنهم في الأسر. ومن أطرف معاملاتهم الخارجيّة شراكة محمد سيّار أو خيّار وخوان بيريت مع خبير ألماني وتاجريْن من مرسيليا لانشاء مصنع صابون هناك، عمل من سنة 1261م إلى سنة 1623. فلا نستغرب أن يسمّى بعضهم من ذوي الكفاية والتجربة على رأس الديوانة مثل القائد محمد مورو سنة 1621م، ومامي سبنيول سنة 1635م وسيدي رجب الأندلسي بعد سنة 1645م وسيدي علي الصوردو بعد سنة 1653م. ولأنه حرّر عدّة أسرى بصفته نائب حكّام جنوة بطبرقة بعد أن ذاق الأسر وصودرت سلَعُهُ بجنوب فرنسا عندما كان قاصدا البندقيّة في التاريخ المذكور، عدّ من أولياء تونس الصالحين.

ولئن لم تكن الهجرة الأخيرة هجرة علماء شأن هجرة العهد الحفصي فقد أمكن التعرف إلى بعض الكتّاب الذين اهتمّوا بالتثقيف الديني فيما ألّفوا أو اقتبسوا وقد كتبوا بالقشتاليّة وبالألخميدو تشبّثا بالحرف العربي حتّى تعلم أحفادهم لغة الاسلام والهويّة فكتبوا بها. فقد عرّفتنا المخطوطات بالكاتب والشاعر إبراهيم التيبلي المعروف بخوان بيريت الذي ولد بطليطلة وعاش بتستور في الثلث الأول من القرن السّابع عشر حيث نظم قصيدة ذات 4608 بيت بالاسبانيّة مع بعض التعاليق بالعربيّة في الدفاع عن الإسلام والردّ على النصارى، والكاتب الرحّالة أحمد بن قاسم الحجري الذي ألّف بتونس سنة 1635م أو سنة 1639 في معجزات النبي ومكارم الخلفاء والشرفاء وترجم كتاب الشفاء للقاضي عياض وألّف - ربّما بالمغرب حيث كان ترجمان مولاي زيدان - كتاب " ناصر الدين على القوم الكافرين"، والفقيه الامام أحمد بن محمد بن عبد العزيز الشريف القرشي الذي درس الفقه الحنفي بسراييفو والبصرة وعاد إلى تونس سنة 1620م للتدريس بالمدرسة السليمانيّة والافتاء والخطابة بجامع يوسف داي والتأليف بالاسبانيّة والعربيّة، والشاعر الحاج محمد الروبيو الأراقوني الذي أنفق من ثروته على ترجمة كتب إسلاميّة من العربيّة إلى الاسبانيّة له ولاخوته الذين لم يتعلموا العربيّة بعد، والفقيه اللغوي علي الكوندي التستوري (ت 1119هـ/1707م) مؤلف "الرحلة إلى الصين" والمؤرخ الوزير السراج (ت 1149هـ/1736م) الذي ترجم لبني ملّته في "الحلل"، وترجم لأحفادهم ابن أبي الضياف في "الاتحاف".

لقد مثّلت الهجرة الأخيرة أهمّ حدث شهده مطلع القرن السابع عشر في العالم المتوسطي بانعكاساته المختلفة على موازين القوى بين إسبانيا وتركيا وبين الاسلام والمسيحيّة وعلى البلدان المستقطبة للمهاجرين. وكانت الهجرة إلى تونس بحكم سياسة الاستقبال والتوطين رافدا حضاريا مهمّا ومتميّزا كمّا وكيفا مسهما في تقدّم البلاد في شتّى المجالات بتأثيره العميق والمتواصل في الواقع وتفاعله مع روافد أخرى.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • De Premare,Maghreb et Andalousie au XIVe.s,Lyon,1981
  • De Apalza M, Etudes sur les moriscos Andalous en Tunisie,Madrid-Tunis,1973
  • Funes Romeo Carmen,Emigrados Andlusies Al Norte de Africa y oriente medio(Siglo VII-XV),Thesis,Drec.Molna,Granada,1988-89
  • Vallvé J, La emgracion Andalusi Al Magreb en el siglo XIII,Relaciones de la Peninsula Iberica con El Magreb,Madrid,1992