«الأسد البربري»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 68: سطر 68:
  
 
{{align|left|'''محمد مقدّم'''}}
 
{{align|left|'''محمد مقدّم'''}}
 +
 +
== هوامش المقال==
  
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]

مراجعة 14:40، 22 جوان 2020

تقديم

مثلت طبيعة البلاد التونسيّة في ما مضى و بخاصّة منها منطقة الشمال الغربي بتنوّع تضاريسها و ثراء غاباتها و وفرة مياهها، موئلا لحيوانات متنوّعة كالوعل البربري ( Mouflon à manchette)و الأيل البربري ( Le cerf de la Bérberie) و الخنزير الوحشيو الدب الأطلسي و قرد المكّاك و النمر البربري ( Le léopard de la Bérberie ) و الجاموس البري… إلا أن أكثر الحيوانات حضورا في الذاكرة الشعبيّة هو الأسد برمزيّته القيميّة المتميّزة،حيث عدّ في نفس الوقت رمزا للقوّة و الملك و الشجاعة والنبل... و لقد شغل الأسد مكانة هامّة في حياة الناس و أسمارهم و بالتالي في تراثهم الشفوي ،ففي مدينة الكاف على سبيل المثال كانت جلود الحيوانات المفترسة و بخاصّة منها الأسد تزيّن بيوت الصيّادين دلالة على الشجاعة المتأصّلة فيهم أبا عن جدّ فليس كلّ صيّاد بقادر على الإطاحة بملك الغابة .

فسيفساء الأسد البربري

I حضور الأسد تاريخيّ

لا يمكن الحديث عن الأسد في تراثنا المادي و اللامادي من دون تقديم نبذة تاريخيّة عنه و ذلك بغية تأصيل الموضوع و تنزيله في إطاره فنحن نتحدّث عن حيوان وجد في تراثنا المادي و تراثنا غيرالماديو لكن وجد كذلك حقيقة في ما مضى في الطبيعة في أنحاء عدّة من البلاد التونسيّة. الأسد البربري أو (Panthera Leo-Leo)ويعرف أيضا بالأسد النوبي وأسد الأطلس نسبة إلى سلسلة جبال الأطلس، هو إحدى سلالات الأسود التي انقرضت في البرية و على الرغم من تباين تواريخ الإنقراض فإن آخر الدّراسات الحديثة تشير إلى ستينيّات القرن العشرين . وقد أفادتنا الرّوايات التاريخيّة من حيث وصف هذا الأسد وطرائده و خطره على الإنسان على غرار(Léon l’Africain) أو الحسن الوزان ومارمولكاربخال و ليون روش و غيرهم...كيف كان يتمّ صيده و مناطق عيشه كما لم تخلو الروايات التاريخيّة من إعطائها أوصافا للأسد تتدرّج من الشرسة إلى الأكثر شراسة إلى الجرّيئة إلى الجبانة التي تخاف البشر و حتى الوديعة.

IIصورة الأسد في التراث المادي

دلّت المنحوتات الأثريّة و اللوحات الفسيفسائيّة و الخزف الإسلامي الذي تمّ العثور عليه في عدّة مواقع أثريّة من البلاد التونسيّة على اهتمام مختلف الفئات في مختلف العصور و بخاصّة الفترات القديمة بسيّد الحيوانات في حملات الصّيد و ألعاب الكولوزيومحيث تشير اللوحات الفسيفسائيّة التي عثر عليها بالبلاد التونسيّة إلى أحداث و ظواهر و آلهة ميثولوجيّة و حيوانات متنوّعة ولا يعني هذا أن كل ما تمّ رسمه بالفسيفساء إنما هو من محض الخيال و إنما هنالك بعض الحيوانات التي كانت حقيقيّة مثل : الفيل – الخيل البربريّة و طبعا الأسد. كان حضور الأسد لا سيما في الثقافة الرومانيّة قويّا جدّا و يعتقد تاريخيا أن الأسد انقرض من أوروبا قبل نشأة الحضارة الرومانيّة.

1)حضور الأسد في الفسيفساء

حضور الاسد في الفسيفساء

يتبيّن لنا من خلال عديد اللوحات الفسيفسائيّة قيام الرومان باستقدام عديد الحيوانات الوحشية من مختلف أصقاع الإمبراطورية الرومانية من الشرق والغرب إذ جلبوا الأسود الآسيوية من آسيا الصغرى وهي سلالة تعرف بالأسد الآسيوي وهيسلالة أصغر من حيث الحجم من الأسود الإفريقيّة كما قاموا بجلب الأسود البربريّة من شمال إفريقيالمنازلة المجالدين، وكانت الأسود البربرية الأكثر شيوعا واستعمالا في حلبات الكولوزيوم.

2)المنحوتات الأثريّة

تمثال لأسد مكتشف بمكثر و معروض بالمتحف الوطني بباردو
”ساحة الأسود“بمجلس النوّاب الحالي بباردو

من بين المنحوتات الأثريّة، نشير إلى ما تمّ العثور عليه في منطقة الكاف وتحديدا بحمّام ملاق الروماني أسدان منحوتان يسيل منهما ماء الصهاريج إلى القاعة. أما في منطقة سليانة فيمكثر بالتحديد عثر على تمثال لأسد مكتشف و معروض بالمتحف الوطني بباردو . كما تجدر الإشارة إلى تماثيل لأسود موجودة في ”ساحة الأسود“ تتوزع بشكل متساو أربعة على اليمين و أربعة على يسار السلّمخلف مجلس النواب الحاليبباردو.

3)الخزف الإسلامي

أقداح تحمل رسومات لأسود عثر عليها بالموقع الأثري برقادة (النصف الثاني من القرن X ميلادي النصف الأول من االقرن XI عشر ميلادي)
أقداح تحمل رسومات لأسود عثر عليها بالموقع الأثري برقادة (النصف الثاني من القرن X ميلادي النصف الأول من االقرن XI عشر ميلادي)

مثلت النقائش والصّور والرموز أو ما يعرف بالإيقونات عامّة مادّة بحث قيّمة وثريّة لمعرفة تاريخ الفن الإسلامي وتطوره عبر الزمن.ومن بين الزخارف الفنية الموجودة في الخزف الإسلامي نجد الزخارف النباتية والزخارف الهندسية. كما شكلت الحيوانات البرية و لا سيما منها الأسد إحدى المواضيع والتعبيرات الفنية التي استعملت لتزيين وزخرفة الخزف الإسلامي حيث نجد لها حضورا بامتياز في الخزف الإسلامي بدءا بالفترة الأغلبية مرورا بالفترة الفاطمية الزيرية فالفترة الحفصية فالفترة العثمانيّة مظاهر حضور الأسد في تراثنا غيرالمادي:

1)رمزيّة الأسد في المخيال الشعبي

الشعر الملحون أو الشعر الشعبي

نذكر في هذا الصّدد أبياتا لعلي الدليوي العياري الشاعر الفارس، شاعر أولاد عيّار عاش في القرن التاسع عشر: صيد الخنق بات معروك على لبته فارقاته كندر في واد ملاق في مجردة واجبته و بيتا آخر لنفس الشاعر: تموت الحناش المسّمّامة و تعمل الزرازيم فوعة و خذي على مرقد الصيد ولا مرقصة للضبوعة أو كيد الرجال كيدين و كيد النسا يحزونيراكبا على ظهر صيد و تقول الحداي خطفوني كما كنى شاعر شعبيّ من مدين معتمديّة الكريب نفسه معبّرا بذلك عن شجاعته و قوّته قائلا : إذا كتّ الصيد تتخمل الذيابقدر اثناش ميل تغدي هرّاب هذا خذيري العمريفي لفظه مصواب

أسماء الأماكن و المواضع

تخلّد أسماء الأماكن و المواضع اسم الأسد بعد انقراضه من البلاد التونسيّة و بالرجوع للخريطة القوميّة للمواقع الأثريّة و المعالم التاريخيّة نلاحظ الأسماء التالية: شعبة الصيد، راقوبة الصيد، كاف الصيد ، كاف اللبة، عين الصيد، جبل الصيد، كدية الصيد، و دمثة الصيد و نشعة الصيد وغيرها

الموسيقى معزوفة موسيقيّة تسمّى ” طرق الصيد ” تعزف بالشبّابة عبارة عن تواتر لإيقاعين بطيء و سريع و محاكاة الأصوات حكاية الفارس الذي فرّ بحبيبته ليلة زفافها و أفلت من أهلها بعد أن جرح أحدهم ثمّ صرع الأسد الذي اعترضه وواصل طريقه...

الأدب :قصّة قاضي الكاف الطريفة حيث قضى بأن يخدم الأسد الحطاب عقابا له لافتراسه لحمار هذا الأخير حتي يتمكّن الحطاب من جمع مال يكفيه لشراء حمار آخر.

الطرق الصوفية : العيساوية تطرّقت (Clémence Sugier) إلى العلاقة المترابطة بين الأسد و الأبطال الحقيقيين و الخرافيين من سيدنا علي ” أسد الله الغالب“ إلى سيدي محمد بن عيسى المرموز إليه بأسد يفترس ثعبانا على غرار ما يفعله أتباعه عند احتفالهم بالحضرة من تشبه بالأسد...

الألعاب : لعبة أنا الصيد و ناكولهم و أنا اللبّة نحميهم

الألقاب : هنالك العديد من العائلات التونسيّة التي تحمل لقب الصيد

الأمثال و الألفاظ : مثل كون صيد و كولني و ما تكونيشذيب باش توسّخني، صيد بوقلادة، جاب الصيد من وذنو، اللبة تجيب اللبة والصيد الدعاس، و غيرها

خزف القلالين : عبارة عن شكل من أشكال الخزف التي كانت تنتجه ورشات صناعة الخزف بالقلالينيسمى ” عفسةالصيد ”

صورة الأسد نجدها كذلك في الطريزةالمستعملة في منطقة المكنين في الحليّ التقليدي

الخاتمة

سجل الأسد حضوره في عديد المصادر التاريخيّة والشعريّة والأدبيّة. كما كان له حضور كذلك في التراث المادي و اللامادي للبلاد التونسيّة. إلا أن الطرافة تكمن في كونه سجل حضوره ليس في الحضارات التي تعاقبت على بلادنا فحسب و إنما كذلك في مختلف الحضارات و الثقافات الإنسانيّة من الشرق إلى الغربو منذ عصور ما قبل التاريخ إلى اليوم. وجدير بالذكر أن الأسد يمثل شعار الدولة التونسيّة كما أنه يعتبر الشعار الرسمي في الجزر البريطانيّة علما أنه في مطلع القرن الثاني عشر لقب الملك ريشارد الأول ( 1157- 1199) بقلب الأسد كما انتشر استخدام الأسد كشعار في البلدان المنخفضةو هي بلجيكيا و هولاندا و اللكسومبورغ و في آسيا بكل من سيريلانكا و سنغفورة.

محمد مقدّم

هوامش المقال