ابن الجزار

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[278 - 360هـ / 891 - 970م] أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن علي بن أبي خالد، المعروف بابن الجزار، ولد بالقيروان، في عهد الأمير إبراهيم الثّاني الأغلبي في عائلة اشتهرت بالطب. يقول ابن أبي أصيبعة: "طبيب، ابن طبيب، وعمّه أبو بكر طبيب" وكان عمّه ممّن لقي إسحاق بن سليمان (الاسرائيلي) وصحبه وأخذ منه. يذكر أبو جعفر عمّه في كتابه "نصائح الأبرار" ويقول: "كان عمّنا عالما بالطبّ، حسن النّظر فيه" وينقل عنه الأدوية التي "عالج بها سادة من ذوي الأقدار العالية وأهل التّرف والنعمة، (من الفاطميّين)" فجرّبها، هو، فيما بعد وحمدها. وكان إسحاق بن سليمان قدم من مصر (سنة 292ه / 905 م)، في عهد زيادة الله بن الأغلب، ولازمه أبو جعفر وتتلمذ له. وممّا يجدر تأكيده أن ابن الجزّار سليل مدرسة القيروان الأصيلة التي أنشأها إسحاق بن عمران (بعد قدومه إلى القيروان سنة 264ه / 878م); فلم يفارق إفريقيّة، ولم يتوجّه إلى الشرق قصد الحجّ أو بنيّة الاجتماع بأئمة الطب فيه، ولم يرحل أيضا إلى الأندلس، ولو أنه تاق إلى ذلك توقا، "وكان قد همّ بالرّحلة إليها ولم ينفّذ ذلك; وكان ذلك في دولة معدّ. بل إنّه لم يفارق القيروان إلاّ قليلا للمرابطة على بحر المنستير. ولماّ آنس أبو جعفر من نفسه حصوله على الملكة الكافية والدّربة المطلوبة اشتغل، بتشجيع من عمّه وإجازة من معلّميه، حسبما كان متعارفا في ذلك الوقت، بمعالجة المرضى وتدريس الطب.وكان ابن الجزّار من أهل الحفظ والتطلّع والدّراسة للطبّ وسائر العلوم. وقضى عمره في الدّرس والبحث والتجارب والعلاج والتعليم. ويذكر سليمان بن حسّان المعروف بابن جلجل في كتابه "طبقات الأطباء والحكماء" أنّه "اتّخذ سقيفة داره أقعد فيها غلاما يسمّى برشيق وأمدّه بجميع المعجونات والأشربة والمراهم والأشياف وسائر المستحضرات، فيمرّ المرضى بهذا الغلام بعد زيارتهم للطبيب، حاملين منه إليه ورقة يصف فيها ما يناسبهم من الأدوية، فيعطيهم الدواء المشار به ويقبض الثمن". ويقول ياقوت الحموي: "وكان له معروف كثير، وأدوية يفرّقها على الفقراء، يوزّعها على المعوزين دون مقابل" احتسابا لوجه الله. ويروي ابن أبي أصيبعة عن ابن جلجل أن أبا جعفر عالج ابن القاضي النّعمان من مرض ألمّ به حتى برئ من علّته. فأرسل إليه القاضي كتابا شكره فيه "ومعه منديل بكسوة وثلاثمائة مثقال; فقرأ الكتاب وجاوبه شاكرا، ولم يقبض المال ولا الكسوة"، فلمّا لوحظ له في ذلك قال: "والله لا كان لرجال معدّ قبلي نعمة".هذا الخبر يدّل على استقلال ابن الجزّار وعزّة نفسه; (وقد يكون له مدلول آخر سنعود إليه).فلا يأخذ لأهل الدولة صلة ولا يركب إليهم مهنّئا ولا معزّيا. فأبو جعفر "لم يركب قطّ إلى أحد من رجال إفريقية ولا إلى سلطانهم، إلاّ إلى أبي طالب، عمّ معدّ، وكان له صديقا قديما، فكان يركب إليه يوم الجمعة لا غير". يقول ياقوت: "وكان صائنا لنفسه، منقبضا عن الملوك، ذا ثروة، ولم يكن يقصد أحدا إلى بيته". وكان الباعث لابن الجزّار أساسا حبّ الكشف والسّعي الدائب إلى الوقوف على عين الأدوية والأعشاب الموصوفة في كتب الأقدمين، منقّبا عنها في منابتها، معلما الناس بها حتى يعمّ الانتفاع بها ويتجنّب المريض الخلط بينها.وتجمّع لديه من أمّهات الكتب وعيون المصادر العدد الكثير. "ووجد له خمسة وعشرون قنطارا من كتب طبيّة وغيرها". واتّسم ابن الجزّار بصفات العالم الحقّ، المتواضع، معترفا بما يدين به من فضل الأطباء الأوائل الأقدمين وأعمال المحدثين، ويعزو كل نقل ينقله إلى قائله ويصدّر كتبه بمثل هذا القول: "ألّفت كتابا جمعت فيه عيون ما ذكره أفاضل الأطباء من مكنون علمهم وصحيح تجربتهم ومحصل سرّهم في طريق مداواة الأدواء.... الخ" أو "أدوية جمعتها من كتب جالينوس وديوسقوريدوس وبولص وغيرهم من أفاضل الأطباء، وهذا ما يقتدى به". ففي كتاب المعدة وأمراضها ومداواتها نراه يعتمد خاصة على جالينوس 37 مرّة، منها 11 على كتاب (العلل والأمراض) والمقالة السابعة من (حيلة البرء) و(مداواة الأسقام) و(الصنعة الصغيرة) وكتاب (أبيديميا) و(الفصد) و(الأعضاء الألمة) و(رسالة أغلوقن) وعلى أبقراط 5 مرات (ك.الفصول) و(ك. التفضيل) و(ك. أبيديميا) وعلى فولوبس، تلميذ أبقراط مرتين (ك. تدبير الأصحّاء) وروفس واسقلبيادس. كذلك يفعل بالمحدثين: يحيى بن ماسويه (3 مرّات عند ذكر آرائه) وأكثر من 14 مرّة عند نقل الأدوية التي ألّفها وإسحاق بن عمران (ص 161، ص 197) وفي زاد المسافر (ص 70، 75، 76) وعمّه محمد بن أحمد المتطبّب (ص 180، 183).وينقل مرّتين عن مصدر هندي (ص 128 - 155). ولم يكن نقل ابن الجزّار نقلا مجرّدا، بل هو ينقد دوما ما ينقل ويعلق عليه بالحمد بعد اختياره وتجربته، أو بالتّحفظ في شأنه فيقول (ص 104): "وهذا الذي قال جالينوس يحتمل النّظر والقياس وإليه يميل عامّة حذّاق الأطباء والفلاسفة". أو (ص 63): "يؤخذ على التّحفظ، فإنّه نافع سريع النّجح" ويضيف الكثير من الأدوية التي ألفها هو ذاته وجرّبها وحمدها: (جوار شنات وحبوب وأشربة) فيقول: "هذا ألّفته ولطّفت تركيبه ممّا يصلح أن يستعمله الملوك والسّادة الأشراف" و"قد عرفنا فضله وبيّنا نجاحه". وينبّه أيضا على كل دواء وقع فيه وهم أو غلط لمتقدّم أو متأخر لاعتماد الكثير على الصّحف والنّقل، واعتماده، هو، على التجربة والمشاهدة ويذكر موضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته. ونشير هنا إلى الأهميّة الفائقة التي كانت لكتاب "الاعتماد في الأدوية المفردة"، من النّاحية اللغويّة وما وقف عليه ابن الجزّار من مواطن النّقص في الأدوية التي ألقاها ديوسقوريدوس وجالينوس "فالكثير منها مجهول غير معروف في اللّسان العربي وكثير منها معدوم غير موجود"، فهذا ما لاحظ ابن الجزّار عند تأليفه للاعتماد قبل سنة 334هـ / 945م التي روجع فيها كتاب ديوسقوريدوس في عهد عبد الرحمان الناصر بقرطبة. وإذا ما اقتصرنا على المصادر اليونانية القديمة التي أخذ منها ابن الجزّار فإنّنا نستمدّ من استقراء الأستاذ إبراهيم بن مراد لها ما يلي من الشواهد:

  • جالينوس: 196 شاهدا منها 71 في زاد المسافر و37 في الاعتماد.
  • ديوسقوريدوس: 108 منها 66 في الاعتماد.
  • إبقراط: 51 منها 21 في زاد المسافر و6 في الاعتماد.
  • بديغورس (فيثاغور): 31 شاهدا كلها في الاعتماد.
  • أرسطاطاليس: 25 منها 1 في زاد المسافر و16 في الاعتماد.
  • بولس الاجانيفي: 13 منها 5 في زاد المسافر و5 في الاعتماد.
  • روفس الأفسيسي: 9 شواهد منها 4 في زاد المسافر و3 في الاعتماد.
  • أندروماخس: 1 في زاد المسافر.
  • أفليمون: 1 في زاد المسافر.
  • فرفوريوس: 1 في زاد المسافر.
  • ثاوفراسطس: 1 في الاعتماد.

ومن الجدير بالملاحظة أن أشهر كتب الطبّ في المشرق، في عصر ابن الجزّار - كتب أبي بكر محمد بن زكرياء الرّازي (ت 313ه / 925م) - لم يكن لها أثر مباشر في الطب بإفريقية والجناح الغربي من العالم العربي، وأبو جعفر لم يذكر قط، في جملة ما اقتبس في أمهات كتبه، كتاب الحاوي أو غيره من مصنّفات الرّازي. على أن هذا الأمر ليس بالمستغرب كثيرا، فأشهر كتب ابن سينا (المتوفى سنة 428هـ / 1037م)، "كتاب القانون في الطب" لم يصل إلى المغرب إلاّ زمان أبي العلاء بن زهر ابن أبي مروان (ت 525ه / 1131م). فحسب ما يروي ابن جميع المصري في كتاب "التّصريح بالمكنون في تنقيح القانون" أنّ رجلا من التّجار جلب من العراق إلى الأندلس نسخة من هذا الكتاب، قد بولغ في تحسينها، فأتحف بها أبا العلاء بن زهر تقرّبا إليه، "ولم يكن هذا الكتاب وقع إليه قبل ذلك; فلمّا تأمّله ذمّه".فهل يدلّ ذلك عن انقطاع الصّلة، في فترة من الزمن، بين المشرق والمغرب، أو على الأقل على تضاؤل التّواصل بينهما؟ نحن في حيرة للجواب عن هذا السؤال، إذ يروي الدبّاغ في "معالم الايمان" أن أبا الحسن القابسي قال: "نعي إلينا أبو إسحاق السّبائي (من القيروان) وأنا بمصر، بعد سبعة عشر يوما من وفاته، فجميع من بمصر من العلماء والفقهاء والفقراء والصالحين والمحدّثين، كلّهم عزّاني فيه". وكان ذلك سنة 356هـ / 966م، أي في الفترة التي تهمّنا بالذات. على أن شهرة ابن الجزّار امتدّت عبر الشرق فأخذ عنه محمد بن سعيد، من بيت المقدس، وذكره وأثنى عليه في كتابه "المرشد"، كما سنرى أن كشاجم (محمد بن الحسين) أحد شعراء سيف الدولة خصّه برثاء أثنى فيه عليه وذكر أن "الناظرين العارفين" في صناعة الطبّ، رغم انتشار كتب الرّازي وغيره من الشخصيات العلميّة بالمشرق وعلى رأسهم يوحنا بن ماسويه صاحب كتاب "التمام"، قد وجدوا في مصنفات ابن الجزّار فوائد جمّة وتدقيقات مهمّة وتجارب جديدة ونهجا شخصيا بديعا. واهتم أيضا بكتاب الاعتماد عدد من المصنّفين واقتبسوا منه الاقتباسات ولخّصوا مادّته. من ذلك مختصر شرقي بعنوان "صفة طبائع العقاقير على مذهب ابن الجزّار في كتاب الاعتماد" خصّصه مؤلّفه لطبائع النّبات ودرجاتها. ونال أبو جعفر شهرة كبيرة في الأندلس. فمن الجماعة التي أعادت النّظر في كتاب الأدوية المفردة لديوسقوريدوس وأصلحت تعريبه، بأمر من عبد الرّحمان النّاصر (300 - 350ه / 912 - 961 م) كان الطبيب القرطبي الشهير عبد الرحمان بن إسحاق ابن الهيثم، طبيب القائد محمد بن محمد بن أبي عامر، وله من الكتب "كتاب الاقتصار والايجاد في خطإ ابن الجزّار في الاعتماد"... واهتمام أحد أعلام الطب بالأندلس وفضلائها بتعقّب كتاب ابن الجزّار، وهو على قيد الحياة، لدليل على شهرة الطبيب القيرواني وسرعة انتشار تآليفه في الأمصار. هذا وإنّ أندلسيّا آخر، واسمه عمر بن حفص بن بريق، كانت له رحلة إلى القيروان، إلى أبي جعفر ابن الجزّار، فلزمه مدّة وأخذ عنه الصناعة وروى عنه تأليفه، ثم عاد إلى الأندلس; وهو الذي أدخل إليها كتاب "زاد المسافر" وخدم بالطبّ عبد الرحمان النّاصر، وعنه أخذ أبو داوود بن حسّان بن جلجل، الذي نقل عنه ابن أبي أصيبعة. ولا ننسى أيضا أن ضياء الدين ابن البيطار أورد عدّة استشهادات من ابن الجزّار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" وانتقده وأصلحه أحيانا. أضف إلى ذلك أن عددا من المصنّفين اقتبسوا عنوان كتابه الشهير، "زاد المسافر"، فلصفوان بن إدريس التجيبي (ت.بمرسية سنة 598ه) كتاب سمّاه "زاد المسافر وراحلته". وصنّف الفقيه محمد بن مروان بن زهر الاشبيلي كتابا في التّوحيد سمّاه "زاد المسافر في الجدل". وأمّا شهرة ابن الجزّار في الطّب الأوروبي فعارمة وأثره أوضح وأفسح مدى، إذ اقتحمت كتبه حدود أوروبا منذ عصر مبكّر، منذ القرن العاشر للميلاد، أي في حياته وبعد مماته، وسنعود إلى ذلك عند استعراضنا لمصنّفاته.ونقل اسمه نقولا محرّفة مختلفة، منها ما هو قريب من الأصل العربي ومنها ما يبعد عنه كلّ البعد وتكاد لا تدرك هويته.

  • Ahmad Ibn Al Yazzar
  • Hamech filius Abicalic qui dicitur Ybnezuzar
  • Ybnezizar
  • Ybeneyzar idem Carcarnificis

وكذلك شأن أسماء مصنّفاته، ومثال ذلك:

  • Zadar musafir (زاد المسافر)
  • Liber Fiduciae (الاعتماد)

الخلاف في تاريخ وفاته وتاريخ ولادته

اضطربت الروايات اضطرابًا شديدا فيما يخصّ تاريخ وفاة ابن الجزّار.

  • كثيرا ما يقترح المصدر الواحد اقتراحات مختلفة: فيذكر حاجي خليفة، في كشف الظنون، محدّدا هذا التاريخ:
  • 7 مرات بسنة 400هـ / 1009م
  • و6 مرات بحوالي 400
  • ومرتين ببعد سنة 400.

وفي تحقيق لكتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار، ط. الدار البيضاء 1985" يجعل سعد زغلول عبد الحميد هذا التاريخ، سنة 400هـ. ويعتمد لوسيان لوكلارك عين التاريخ. وكذلك يفعل سارتن (1974) "وهذا لا يصحّ أصلا" (ح.ح. عبد الوهاب: ورقات، القسم الأول، تونس 1972، ص 311). ليس ثمّة شكّ في أن هذا التأريخ (400هـ) هو نتيجة خلط بين ابن الجزّار أبي جعفر وأبي عثمان الجزّار، الملقّب بالبسباسة، الأندلسي وكان من الأطباء الباحثين، بعد سنة 340، عن تصحيح أسماء العقاقير الواردة في كتاب ديوسقوريدوس، في عصر عبد الرحمان النّاصر (300 - 350ه / 912 - 961 م)، ومنهم الرّاهب نقولا، المبعوث من قبل أرمانيوس ملك الرّوم، ومحمد المعروف بالشجّار، ومحمد بن سعيد الطبيب، وعبد الرحمان بن إسحاق بن الهيثم القرطبي، طبيب القائد محمد بن محمد ابن أبي عامر وأبو عبد الله الصقلي. ويحدّد بروكلمان وفاة ابن الجزّار بتاريخ 395، دون سند.

  • أمّا ابن عذاري المراكشي، في كتاب "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب"، فيجعل هذه الوفاة حوالي سنة 369هـ / 979م ويعتمده ح. ح. عبد الوهاب ومن سار على أثره كالدكتور الحبيب الهيلة (1968) ود. فاروق العسلي (1987) وفؤاد سيزكين والحكيم أحمد بن ميلاد (1980).
  • ويقول ابن أبي أصيبعة: "عاش أحمد بن الجزّار نيّفا وثمانين سنة، ومات غنيّا بالقيروان... وكان في دولة معدّ" أي المعزّ لدين الله الفاطمي (341 - 365هـ / 953 - 975م).

وذكره ابن جلجل في كتاب "طبقات الأطباء والحكماء" (وقد ألفه سنة 364 أو 365ه / 974م) وقال إنه "عاش ثمانين عاما" وترجم له في "سلّم الأصول" (ج 1 ص 62 خ) وجاء فيه "سكن إفريقية وعاش نيّفا وثمانين سنة".

  • ويقول ياقوت في "معجم الأدباء، ج2 ص 137": "وكان في أيام المعزّ لدين الله، في حدود سنة خمسين وثلاثمائة 350 أو ما قاربها".

محاولة التّدقيق في سنة الوفاة

نكاد نوقن أن ابن الجزّار توفّي قبيل سنة 360هـ / 970م وهي السنة التي توفّي فيها محمد بن الحسين كشاجم، من شعراء سيف الدولة الحمداني، إذ نعتبر ما قاله عن "كتاب زاد المسافر"، تأليف ابن الجزار، من باب مدح الميّت، أي الرّثاء; وتعبير كشاجم عن ذلك واضح الدّلالة، يمحّض أن وفاة أبي جعفر كانت قبل قوله هذه الأبيات: [من الطويل]

أبا جعفر أبقيت، حيّا وميّتا

مفاخر في ظهر الزمان عظاما

رأيت على زاد المسافر عندنا

من النّاظرين العارفين زحاما

فأيقنت أن لو كان حيّا لوقته

يحنّا لما سمّى التّمام تماما

سأحمد أفعالا لأحمد لم تزل

مواقعها عند الكرام كراما

ولنا على ما قدّمنا من رأي وترجيح قرائن واضحة تؤكدهما وتكاد تفيد القطع، فلا مجال معها إلى الالتجاء إلى المجاز لتخريج مدلولها:

1 - إن الفعل "أبقيت" فعل ماض، يدلّ على أن الأمر تمّ وانقضى قبل تاريخ القول، وكذلك سائر الأفعال: رأيت، أبقيت، كان حيّا.

2 - إن مادّة (أبقى) تدلّ على ما يترك من أثر الفعل بعد حدوثه، كدلالة أثر السّير على المسير السّابق.

3 - إن العبارة "حيّا وميتا" تفيد أن الأثر استمرّ وتواصل من مدّة الحياة إلى ما بعد الممات. وحرف واو العطف يعبّر على الجمع على السواء بين الحالتين.

4 - ليس من اللياقة واللطف والظرف في شيء أن يقال هذا القول لشيخ في الثمانين من العمر، وأن يذكّر بمرارة الفناء والزّوال، ومهما يكن من أمر فليس ذلك ممّا يناسب موقف المفاخرة والمدح.

5 - في قول "لم تزل": لم حرف نفي وجزم وقلب، تمحّض الفعل للماضي، مع الاشارة إلى أن الأثر مستمر حتى الحاضر. ويتأكد هذا المعنى بمقابلة المضارع القريب "سأحمد" أي فيما بقي لي من عمر بعد وفاة المرثيّ.

وفي الخلاصة إن أبيات كشاجم تدلّ دلالة واضحة على أن المتحدّث عنه في حكم الماضي، وأن أبا جعفر توفّي قبل تاريخ هذه القولة وهي سابقة في الزمن لوفاة كشاجم سنة 360هـ.

2) وينتج عمّا سبق تحوير أيضا في تاريخ ولادة ابن الجزّار، فقد اعتمد ح.ح. عبد الوهاب للوفاة قول ابن عذاري أي سنة 369هـ، مع العلم أن أبا جعفر عاش نيّفا وثمانين سنة. فكانت ولادته، في نظره، بعملية طرح بسيطة، حوالي سنة 285هـ / 898م. تؤدينا العملية ذاتها، بترجيح سنة 360 للوفاة، إلى الاقتراح لسنة ولادة ابن الجزّار سنة في حدود 278هـ / 851م.

ملاحظة: ليس ما أسلفنا من محاولة التحديد لتاريخي ولادة ابن الجزّار ووفاته لعبة فكرية ومجرّد عملية نظرية ونقاش اعتباطي، بل قد يفيد، في بعض الحالات، تحديد الأسبقية التاريخية لمصنّف من المصنّفات أو اكتشاف من الاكتشافات.

مصنّفات ابن الجزّار

له مصنّفات كثيرة متعدّدة، في فنون مختلفة، أهمّها ما خصّصه للعلوم الطبية، ومنها ما فقد ولم يبق لنا منه سوى اسمه، ومنها ما هو موجود في صورة مخطوطات موزّعة في عدّة مكتبات، أو ما نُشر.أعدّ قائمة هذه المصنّفات فؤاد سيزكين.

أسماء الكتب المفقودة

1) قوت المقيم

2) كتاب العدّة لطول المدّة

3) مجرّبات في الطب

4) كتاب المختبرات

5) كتاب في نعت الأسباب المولّدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوّف منه

6) البلغة في حفظ الصحّة

7) البغية في الأدوية المفردة

8) كتاب الخواصّ

9) رسالة في إبدال الأدوية

10) رسالة في الزّكام وأسبابه وعلاجه

11) رسالة في المقعدة وأوجاعها 12) رسالة في التحذير من إخراج الدّم من غير حاجة دعت إلى إخراجه

13) رسالة في النوم واليقظة

14) كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها

15) مقالة في الحمّامات

16) كتاب السّموم

17) كتاب نصائح الأبرار

18) كتاب النّصح

19) رسالة في النّفس وذكر اختلاف الأوائل فيها

20) رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت

21) أصول الطب

22) الأحجار

23) العطر أو العطورات

24) كتاب المكلّل في الأدب

25) كتاب أخبار الدولة، يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب

26) التعريف بصحيح التاريخ

27) الفصول في سائر العلوم والبلاغات 28) مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه

29) طبقات القضاة

30) عجائب البلدان، في تقويم البلدان ووصفها

الكتب الموجودة، وأكثرها مخطوطة، وهي تهتمّ أساسا بالعلوم الطبية

كتاب زاد المسافر وقوت الحاضر

يقول عنه عبد الكريم شحادة، أستاذ الطب سابقا بحلب: "إنه موسوعة طبّية مختصرة شاملة كتبت بأسلوب سهل شيّق واحتوت على كل ما يحتاج إليه الطبيب، وطالب الطب، فضلا عمّن ليس بطبيب، مسافرا كان أو مقيما. وهؤلاء كلّهم يجدون في هذا الكتاب الجامع، بيسر وسهولة، وبلغة مبسّطة، معلومات مختصرة، ولكنّها كافية لتذكيرهم سريعا بأعراض الأمراض التي يودّون الاطلاع عليها، وعلى أسبابها وعلاماتها وتشخيصها وتفريقها عمّا يشابهها من الأمراض، كما تطلعهم على طرائق معالجتها والأدوية النافعة فيها، فهي، والحالة هذه، تشبه الكتب الطبيّة الحديثة المختصرة التي يطلق عليها "مسعفات الذاكرة".

كتاب سياسة الصّبيان وتدبيرهم

نشر بتحقيق محمد الحبيب الهيلة، في تونس 1968 وأعاد طبعه سنة 1983.

ويقول شحادة بإمكان استفادة أحمد بن محمد البلدي (المتوفى حوالي عام 380ه) من كتاب ابن الجزّار، في مصنّفه "تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم" (نشر دار الحرية للطباعة في بغداد سنة 1980).

كتاب المعدة أو "في المعدة وأمراضهاومداواتها

عيون الأنباء 61، كشف الظنون، سلّم الوصول، هدية العارفين خ الاسكوريال 4.852، الظّاهرية دمشق طبّ 99 يذكره بروكلمان وأولمان وسيزكين ويذكرون أن قسطنطين الافريقي ترجمه إلى اللاتينية ونسبه إلى نفسه.حقّقه سلمان قطاية (دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980) وقال: "إن هذا الكتاب افتتاح اختصاص (أمراض جهاز الهضم) وهو تجميع وتدقيق وتصحيح وإضافة للمعلومات الطبية المتعلقة بهذا الاختصاص في ذلك الزمان".

كتاب طبّ الفقراء والمساكين

خ.خ. الغوطة 2034، الاسكوريال 2.857، كامبريدج 12،1021 باريس 3038; بغداد متحف 2103، الرباط كتاني 938، ويقول ح.ح. عبد الوهاب إنه ترجم إلى العبرية قديما.